ذكرياتى مع المرحـوم الشهيـد منصـوررشيـد الكيخيا

  •  فى ذكرى تغييب الشهيد المناضل منصور رشيد الكيخيا

  • كان اول لقـاء لـى مـع المرحـوم الشهيـد المغيب منصـور رشيـد الكيخيـا ( وكيــل وزارة خارجيــة ليبيــا الــذى تقلــد هــذا المنصــب فــى أعقــاب إنقــلاب الاول مـن سبتمبر عـام 1969 فى ليبيــا ثــم عين وزيــرا للخارجيــة ومندوبــا لليبيــا بالأمــم المتحــدة ) بمدينـة البيضـاء شـرق ليبيــا عـام 1964 بعــد تخــرجى مــن كليــة التجــارة والإقتصــاد بالجامعــه الليبيـة ببنغــازى وذلــك عنـدما ألتحقـت بالســلـك الدبلوماسى الليبـى بدرجــة ملحــق ، وكــان وقتهــا ” االشهيد بإذن الله ” مـن ضمــن أعضــاء اللجنــة التى كانـت قــد شكلـت بــوزارة الخارجية لإجــراء امتحــانات المقابلـة الشخصيـة والقبــول للملحقيــن الجــدد الذيــن تقــرر ضمهــم للعمــل بوزارة الخارجيــة الليبيــة ، واذكــر وقتهــا أنــه بعــد أن أطلــع علـى ملفــى الشخصـى الـذى كـان مـن ضمـن مجموعــة مـن الملفــات المطـروحـه أمامـه والخاصـة بالملحقيـن الجــدد ، سألنـى رحمه الله عندمــا مثلــت أمامــه ، هو  والمرحوم الاستاذ فرج بن جليل ، مبتسمــا وبنــوع من اللطــف ” ربمـا ليزيــل مــا كــان قــد اعتـرانـى مـن الإربــاك ” والــدك العمـدة مفتـاح  الإمـام أحــد أعيـان مدينـة درنـه ، شيـخ قبيلـة الكراغلـه …. أليس كذلــك ….؟؟ فأجبته ، فى نوع من الإستغراب ، نعــم سيـدى … متوفـى منـذ أربـع سنـوات رحمـه الله  إثــر جلطــة دماغيــة …. ثــم واصــل استفساره قائــلا ….وهـل تعــرف أن هناك علاقــة صداقــة كانـت تربـط بيــن والــدك وعمى المرحــوم عمـر باشـا الكيخيــا … فأجبتـه بعــد أن أحسســت بالراحــة إتجاه عذوبة استفسارته التى بصراحة  حــررتنى مــن إرباكى …. نعــم ســيدى أعرف ذلك … !!!  وأذكر أننى  قابلت عمـكم المرحوم عمر باشا فى طفولتى  ببيته برفقة والدى فى زيارة لوالدى له  بمدينة بنغازى … !!!! والحقيقة  أن الأستاذ منصور بهذه المقدمة من  الإستفسارات الشخصية  المريحة التى أراد  ربما من ورئها إزالة ما اعترانى من أرباك لتهيئتى لتلقى باقى استفساراته التى طرحت على ضمن هذه المقابلة الشخصية ، وأعادت لى  هذه الإستفسارات شريط الذكريات عندما كنـت طفـلا صغيـرا ، حيث كنــت كلمـا ذهبنـا فـى زيارة مــن درنــه إلـى  مدينة بنغـازى رفقــة والــدى” رحمه الله ” كــان يستقبلنـا الباشــا ” عمر الكيخيا ”  رحمه الله فى بيتـه الجميـل بشـارع العقيـب وكـان يصـر على مبيتنـا واقامتنـا عنـده فـى بيتــه ، وكـان الباشـا  عمر ووالـدى يمضيـان وقتــا طويــلا كــل ليلـــة يتجاذبـان الحديـث الــودى عـن أحـوال مدينتـى درنـه وبنغــازى وعـن أو ضـاع قبيلـة الكراغلـة ، وكنت أنصت الى حديثهما الــذى لـم أكـن حينها استوعـب كافــة تفاصيلــه حتى الهزيــع الأخيــرمــن الليـل وإلى أن أخلــد إلى النــوم وكــان خــدم الباشا ” الإفريقيين ” يتولـون تقديـم كافـة الخـدمات لنــا طيلـة فتـرة إقامتنـا …..

  • وهكــذاعنـدما بادرنـى المرحـوم منصـور الكيخيا بإستفسـاره هذا عـن والــدى أعــاد إلـى ذهنـى شريــط الذكـريات لهــذه المرحلـة مـن طفـولتى التـى عاصـرت فيهـا هـذه الصداقـة أو الأخـوة التى ربطـت بيــن والــدى و الباشـا  عمر الكيخيا ، وقــد أمدنى هــذا الإستفسار بنـوع مـن الثقــة بالنفـس والشجــاعة فـى الـرد علـى كافـة الأسئلـة التـى كانــت قــد طــرحت على لمعرفـة وتقديــر مستـوى ثقافتــى العامه ، و كنـت  بالطبع مـن ضمـن مـن أسعدهـم الحــظ فـى النجـاح والإلتحـاق بالسـلـك االدبلوماسى الليبــى فى الأول من شهـر أكتوبــر 1964 ، ولـم اتجــاوز وقتهــا الرابعــة والعشريــن من عمــرى .

  • ومضـت السنيــن ، وتنقلـت أنــا عبـر وظائـف السلــك الدبلوماسى فى الداخــل والخـارج وتنقــل كذلـك المرحـوم منصـور بيــن وظائــف هــذا السلــك ، ولـم يحـدث بيننـا أى لقــاء منـذ ذلـك التاريـخ الا فى واشنطن على وليمة أبراك “دولمه ” فى بيتى عام 1968 وكان وقتها قادما من نيويورك وكان برفقته الزميلين ابراهيم سليمان الضراط وعيسى البعباع وكان رحمه الله معجبا باختيارى اسم ( جيهـان  ) لأبنتى الكبرى وكان خلال فترة الغداء يداعبها هى وشقيقتها فيروز

  • وحـدث انقـلاب 1969 فى ليبيــا الـذى أنـهى حكــم النظــام الملكـى فــى ليبيــا ، وتزعـم الحكـم فى ليبيـا مـا كـان يعـرف بمجلـس قيـادة الثـورة الليبيـة ، واستعان  الحكام الجدد  بخبرة وحنكة المرحوم منصور الكيخيا فى العمل بوزارة الخارجية فى وظائف قيادية علـى أعتبـار أن المرحـوم منصـور رشيـد الكيخيـا كـان يعتبـرمـن الكفـاءات السياسيـة والثقافيـة النـادرة والشجاعـة التـى كانـت قـد ظهـرت على السطـح خـلال فتـرة الحكــم االملكــى والتى كانـت تنـادى باحتـرام حقـوق الإنســان وبحـرية الإعـلام ومحاربـة الفسـاد الإدارى والسياسى فـى الدولـة الليبيـة ، وكـان وقتهـا عضـوا نشطـا فـى التنظيــم الســرى لحـزب البعــث العــربى الاشتراكـى ، الـذى استطـاع أن يجـذب إليــه خــلال تلـك الفتــرة عـدد كبيــر مـن الكفـاءات الثقافيـه والسياسيـة فـى ليبيــا ، وكــان هـذا الحــزب شأنــه شــأن غيــره مــن الأحــزاب المحضورة فـى ليبيــا ، محاربــا مـن  قبل النظــام الملكــى .

ولـم يحـدث بيننا اى لقــاء منـذ انقـلاب 1969 إلا عـام 1972 فى طرابلس عنـدما كـان المرحـوم وكيلا لوزارة الخارجية وذلك عندما كلفنى شخصيا وقتهـا بالذهـاب إلى مدينة البيضاء فى مهمـة اداريـة سياسية للتعـاون مع محافظهـا فى ذلك الوقـت الأستـاذ “سالـم عميش ” لدراسة مشاكـل الطلبة التشادييـن الدارسين هناك وتقديـم تقريـرعـن أوضاعهـم المعيشية وأسباب الخلافـات فيما بينهـم وبيـن المؤسسة التعليمية التى يدرسـون بهــا

أمـا عـن آخــر لقــاء جمعنـا  معا فقـد كـان ذلك فى العاصمـة الإيطاليـة روما على مـا أعتقــد عـام 1983 عنـدما كنـت أشغـل حينهـا وظيفـة سكرتيـر أول بالسفـارة الليبيـة هناك ، واذكـر أننـا جلسنـا معـا فى المسـاء فى مقهـى ” الــدونى ” بشـارع فيـا فينتـو ، وكـان رحمـه الله أثنـاء جلوسنـا داخــل المقهـى ونحـن نتابع مـرور المارة فى غدوهـم ورواحهـم من خلـف زجـاج المقهـى ، يسألنى بيـن الفينـة والأخـرى وهو يحتسى فنجـان ” الكابـو تشينو ” عـن الأحـوال الصحية لأبنتى جيهـان التى لم تكن حينها قـد تعـدت التاسعة من عمرها ، كـان يستفسرعـن ظـروف مرضها بـداء السكرى وكيفيـة تعاملنـا مع هـذا المـرض اللعيــن …… ولكـن لـم يصرح لى وقتها بأنـه يعـانى هـو الآخـر من مضاعفـات هـذا المرض ” السكرى ” والذى ربما كـان يحـس وقتهـا ببعـض بـوادره ، ثــم أصيب به لا حقــا …. وعنـدما غادرنـا مقهـى ” الـدونى ” ليبتلعنـا شـارع ” فيـا فينتـو” الصاخـب بأنـواره المتلالئة ومتاجـره الراقيه ، كان المرحوم متضايقـا من تتبـع رجـال الأمـن الإيطـالى المكلفيـن بحراستـه لنــا من مكان الى آخــر ، واذكـر أنــه على سبيل النكتـه عنـدما وقفنـا على أحــد أكشـاك بيـع الصحـف والمجـلات وابتــدأ منصـور فى تقليـب وفحـص بعـض منهـا لاختيـار مـا يـوده منهـا ، فاجـأنـا أحـد رجـال الأمـن المكلفين بمسايرتنـا بـأن حشر راسه بطريقـة غريبـة وغيـر متوقعــه بينى وبيـن أخـى منصـور متفحصـا معنــا هــو الآخـر  صفحات مـا تــم اختيـاره مـن الصحــف والمجـلات العربيـة ، وهنـا التفـت لـه منصـور قائــلا له بالعربيـة مازحــا وقــد علـت الأبتسامـة وجهـه البشـوش ، بينمـا عينـاه الصغيرتـان مـن خلـف نظارتـه البيضـاء تتفحصـان رجــل الأمــن الحشرى … ” يارومانى …. “إيكونـش دازك ورانـا معمـر القــذافى ” ولما كـان الإيطالى لـم يفهـم شيئـا ممـا قالـه منصـور هــز رأسه بعباطــة وربما بنوع من المجاملة مجيبا ” سى .. سى .. سنيورى ” وهنـا التفــت لـى رحمه الله والبسمـة لا زالـت لــم تفــارق محيـاه  الصبـوح ” شــن رايـك تــوا يا ســى عاشـور الراجـل أعتـرف بعضمة لسانه بأنـه مبعـوث مـن القذافى ” …. وضحكنـا كثيراعلى هــذا الموقـف وكنـا فى العـديد من الأحيــان تستذكـره فى محادثاتنـا الهاتفيــة.

وكــان رحمه الله يخشى الـزواج ويماطـل فى الإقتـراب منـه رغمـا عـن كثرة المعجبــات بشخصيتــه وروحــه المرحـة إلى درجــة أننــا فى وزارة الخارجيــة توجنـاه وقتها ” زعيما للعــزاب بالوزارة ” ولكـن عنـدما خفـق القلـب ووجـد الإنسانــة النبيلــة التى أحبها ، قــرر بعــد هـذا المشوار الطويـل فى صحبـة العزوبيـة طـلاق حيـاة العزوبيـة والإرتبـاط بزوجتـه الفاضلـة التى أنجبـت لـه أبنـه رشيــد وابنتـه  التى سماها ( جيهـان ) .

 ومنـذ ذلك التاريـخ لــم التــق بالمرحـوم أبدا سـوى عـن طريـق سـلام وصلنى منـه فى اليونــان قبل إختفائــه فى القاهــرة عــن طريــق أحــد زملائه القـدامى فى السلك الدبلوماسى الليبى  وهو ” الطاهر برشان” الـذى كـان قــد تــرك العمــل منــذ فتــرة طويلــة واستقر باليوناـن ، وكـان الطاهــر يقــوم بزيارات متتاليــة مــابيـن اليونــان ومصــر و كان قد التقى المرحوم  قبل إختفائه بالقاهرة

لقــد تعلمت مـن منصـور رحمه الله لغــة الحـوار السياسى الهـادىء المتـزن والمقنـع بعيــداعـن التعصـب والتشنجـات ، وتعلمـت منـه المجاملة واحتـرام الــرأى الآخــر وحــب ليبيا الواحــدة داخــل اطـارها  القومى العـربى ، وكـان رحمه الله – مؤمنـا بحتميـة الوحــدة العربية وكـان وهــو رجــل القانــون قــد سخـر فكـره وقلمـه ولسانـه وجــل وقتــه للدفــاع عــن قضايـا الوطــن العـربى وقضـايا حقـوق الإنسان أينمـا كـان وكيـف مـا كـان ، وكــان منفتــحا على الجميــع ، ديموقراطيــا فـى توجهاتــه وأهدافــه ، متواضعــا فى مسلكــه وحــواره ، واستطاع بمـا كان يملكـــه مـن ” كـاريـزمـا ” ان يوحــد صفـوف المعارضة الليبية فى الخارج فـى تكتــل وتحالف واحـــد ، وبالرغــم مــن أن أخى منصور يأتــى على رأس مــن دعــوا الى تأسيس هــذا التحالــف ومن بذلــوا الجهــد من أجــل إنجــاحه ودعمــه إلا أنــه وبمــا عــرف عنــه مــن تواضــع و إنكــار للــذات فقــد تنـازل – كما نقل لى – عــن منصـب الأمانــة العامــة لهــذا التحــالف وعرضها على السيد عبد المنعــم الهــونى عضـو ما كـان يعــرف بمجلس قيـادة ثـورة الأول من سبتمبر 1969 ، إلا أن السيد  عبد المنعم  الهونى ربما  لظروف خاصة أو شخصية  أعتـذر عـن قبولهــا ، خاصة وأنــه خــلال تلك الفتــرة  كمعارض كــان يخطــط سرا للعــودة  الى ليبيا .

واضطــر الشهيـد منصور الكيخيـا مـن منطلـق حرصـه على إنجــاح هـذا التحالـف إلى قبول زعامته بعــد ان اتفــق عليـه الجميع ، ،  وقد فشل  النظام السابق فشـلا ذريعــا فى إغــراء الشهيــد منصـور الكيخيا لكــى يبعــده عـن زعامة هذا التحالف ولذلك فقـد جنـد  هذا النظام  كل طاقاتـه وأزلامـه من أجــل ملا حقتـه والقضاء عليـه فى اى وقـت وبأى وسيلة وأينمــا كـان ، والى أن سنحـت الفرصـة فاقتــرف جريمتــه النكـراء  بخطـف الشهيــد ” امنصور الكيخيا  ” فى 10 ديسمبر 1993 مــن القاهــرة بالتواطـوء مع أجهــزة الأمــن المصريـة وتهريبـه  كما نقل لى ايضا  داخل  سيـارات المراسـم الليبيـة عبـر منفــذ السلـوم إلى مطــار الأبــرق بالشــرق الليبـى ثــــم سحبـه إلى مدينة  طرابلـس

رحــم الله أخــى الشهيــد المناضـل الأستــاذ منصـور رشيــد الكيخيـا .. وأسكنـه فسيـح جنانــه… ورحــم الله الشهـــداء جـاب الله مطــر وعــزات المقريــف وعمر المحيشى وغيرهــم من شهــداء الــرأى الليبييــن الذيــن اختطفــوا فى مصــر أو فــى المغــرب وبيعــوا مـن قبـل حكـومات هــذه الــدول التى أنعــدمت فيهــا الضمائــر بيــع الشيـاه وبأثمــان بخسـة إلى النظام الليبى …… ولكــن عين الله لا تنــام …. تمهــل الظالـــم ولا تهملـــه.