المستشار …. و شعـــرة معـــاوية

تعرض المجلس الانتقالى فى الفترة الأخيرة الى سلسلة من الانتقادات تتهمه بالتفرد فى اصدار الاحكام والقرارات وأنه تعوزه المقدرة والحنكة الدبلوماسية فى معالجة كثير من المستجدات فى إدارة أزمة البلاد الحالية وأنه متسرع فى طرح افكاره وقراراته ، وتردد نعتـه بهذه الصفات من قبل العلمانيين والليبراليين وحتى من قبل بعض المتشددين الإسلاميين . وازدادت شراسة هذه الإنتقادات عبر سلسلة من الهجمات الاعلامية التى شنها عليه عدد من الاعلاميين تضامنا مع الاعتصامات الداعية لحل المجلس الانتقالى الذى وفقا لوجهات النظر المتداولة والمطروحة من قبل المعتصمين فاقد للشرعية وأن بعض من أعضائه من المتسلقين وقد فرضو فرضا من قبل جهات داخلية وخارجية لها اجندات ومصالح مشتركة .
ولم ينجو المسستشار مصطفى عبد الجليل الذى يتزعم المجلس الإنتقالى هو الآخر من سيل الاتهامات التى كيلت الى شخصه بصفة خاصة وذلك فى اعقاب تصريحاته المثيرة للجدل والتى انتقد فيها المعتصمين المطالبين باستقالة المجلس الانتقالى واصفا اياهم بانهم قلة لا تمثل رأى القاعدة العريضة من الجماهيررغما عن اقراره بمشروعية الاعتصام ومشروعية مطالب المعتصمين الا انه وفى نفس الوقت الذى اقر فيه بمشروعية بعض هذه المطالب اوضح بجلاء بأن حل المجلس أو تقديم استقالته شخصيا فى هذا الظرف بالذات ” سوف تكون خطوة كما وصفها كارثية على البلد ولا يعلم الا الله ما سوف تسفر عنه.
والسؤال الذى يطرح نفسه فى خضم هذه الانتقادات المتضاربه أو الاحكام المسبقة على شخصية المستشار عبد الجليل تضعنا أمام علامات استفهام حائرة ..؟؟؟ عن الكيفية التى يمكن بها مواجهة هذه المطالب وما هى الآلية المناسبة خلال هذا الظرف بالذات التى تجعل من المجلس ممثلا لعموم الليبيين ،وكيف لنا أيضا أن نتحقق من إجماع الليبيين على قرار حله.
وهل شخصية المستشار عبد الجليل التى بايعتها الجماهيرفى كل اقاليم ليبيا بعد تفجر ثورة 17 فبراير لتولى القيادة خلال معارك التحرير ضد نظام القذافى وكذلك من أجل تأمين الدعم اللوجستى محليا ودوليا للحفاظ على وحدة ليبيا فى مواجهة دعوات الانفصال والجهوية….. انتهى دورها الريادى ، ولم تعد قادرة أو مقبولة او حتى مرغوبه من اجل مواصلة زعامتها للمجلس الانتقالى وأنها أى هذه الشخصية قد فقدت تلك الكاريزما القيادية التى كانت جواز مرورها الى سدة القيادة ؟ أم ان الأمرغيرذلك تماما …. وأن هذه الانتقادات جاءت متسرعة وفى غير وقتها وتفتقر للموضوعية والمصداقية ؟؟ وسواء كان الجواب على هذه الاستفسارات بالنفى أو القبول … فما هى الأسانيد أو الدلائل التى تقر ذلك من عدمه ..؟؟
ان إطلاق الأحكام المسبقة على هذا الرجل الذى دفع به دفعا ليكون على رأس المجلس الانتقالى خلال ازمة من اشد ازمات النضال السياسى والعسكرى التى مرت بها بلادنا فى العصر الحديث دون تحليل للمنضومة العنكبوتية المعقدة التى واجهت الثورة وكذلك المخاطر التى احدقت بها والتى احاطت به شخصيا من كل الجوانب وكان لها تاثيراتها فى قراراته أو سلوكياته على المستويين المحلى والدولى سوف لن تكون أحكام صائبة ، وسوف تفتقر بكل تأكيد للصدق والموضوعية ، خاصة اذا ما علمنا بأن أى قرار أو تصرف صدر عن هذا الرجل او اتخذ من قبله لم يكن بمعزل عن تأثيرات وضغوطات مورست عليه من قبل هذه المنضومة المتشابكة التى حاصرته وتعايش معها ولم تكن بتلك السلاسة ( القانونية او الإدارية اوالسياسية ) التى قد يتصورها المواطن العادى او ربما حتى اولئك البعض من المثقفين الذين ينظرون للأمور من خلف حاجز زجاجى يحجب عنهم عوامل البيئة المحيطة فيما وراء هذا الحاجز و ليس لديهم الإلمام الحائط او المحيط بكافة الجوانب المخفية من بعض الأمور التى تحدث من وراء الكواليس، والتى ربما الحديث عنها او كشفها خلال تلك المرحلة الحساسة من تلريخ نضال الثورة قد يخلق المطبات والمشاكل لبلد لا زال يحبوا نحو الحرية والوحدة والانعتاق النهائى .
وحتى ننصف هذا الرجل فإن أى قرار أو خطاب سياسى أو أى تصريح أو تلميح قد صدرعنه خلال المرحلة الحرجة من عمر اثورة المنهكه للاعصاب قد يكون مصيبا فيه ، وقد لا يكون مصيبا….. !!! اذا ما أخذنا فى الإعتبار “بحكمة وتبصر ” كل ما سبق الحديث عنه من وجود هذا الرجل مكبل داخل هذا النسيج المتشابك من الرغبات والاتجهات المتضاربه والمتصارعه وأن وصفه بالضعف أو عدم الخبرة السياسية فيه الكثير من التجنى على شخصية هذا الرجل وهو وصف – كما اراه – قد جانبه الكثير من الصواب ، لأنه من خلال ما سمعته شخصيا من عدد كبير من أصدقاء هذا الرجل أوالمقربين منه سواء فى مجال عمله أو فى مجال علاقاته الشخصية ، أن نزاهته وأخلاصه لبلده لا يمكن ان تكون محل حوار أو جـدال ، وانه وان كان مجاملا فى بعض الأحيان بحكم تربيته البدوية الطيبة وسلوكياته الشخصية التى لم تترعرع فى مدارس المكيافيلية فإنه ليس بالشخص الضعيف او المتهاون أو الهين عندما يتعلق الأمر بالمصلحة العامة او مصلحة الوطن وقد ثبت ذلك فى مواجهته للطاغية وازلامه فى قراراته عندما كان وزيرا للعدل وحتى قبل ان تسند إليه الوزارة .
والحقيقة ان بعض من الزملاء الكتاب واقولها بكل صراحة ( سامحهم الله ) قـد جانبهم الصواب فى اصدار الأحكام السلبية المسبقة على هذا الرجل الذى لم يسع الى هذا المنصب ولم يكن هـدف من أهدافه الشخصية ولكن وكما سبق وان أوضحت تم توريطه فيه ودفعه إليه من خلال تسابق الأحداث فى هذا البلد وتتابعها بصورة دراماتيكية أذهلت العالم وشكلت ظاهرة غير مسبوقة فى تاريخه كما أوضحها أحد الكتاب الصحفيين المرموقين الذى وصف ثورة 17 فبرايربأنها ثورة لا رأس لها ، حيث أن كل الثورات فى العالم قامت و تأججت تحت ( رأس قيادى ) أو تنظيمات وقيادات سياسية وعسكرية مسبقة تولت إشعال فتيلها أو تنظيمها … فيما عدا ” الثورة الليبية ” فقد كانت بصدق ثورة كل الشعب ، بكل فئاته وطوائفه وأعماره ، نساء ورجال ، فقراء واغنياء ،عمال وموظفين ، طلبه ومدرسين ، عسكريين ومدنيين ، حرفيين ورجال أعمال …. الخ ، انطلقت جموعها بعفوية وبصورة سلمية تحت هدف واحد هو إسقاط النظام الدكتاتورى القائم بعد أن واجههم بآلة القتل والدمار.
وبهذا فقد جاءت القيادة السياسية والتكتيكية التى أسندت مهامها للسيد المستشار مصطفى عبد الجليل والمجلس الانتقالى ( لاحقة لهذه الثورة وليست سابقة لها ) ، ووجد الرجل نفسه فجـأة وبلا مقدمات قائدا موثوقا به مدفوعا برغبة او بدون رغبة من قبل مفجرى هذا الحدث العظيم او هؤلاء المناضلين على مختلف اصنافهم وتوجهاتهم إلى ان يكون ( الرأس ) لهذه الدولة الجديدة وسط بوتقة من هذا النسيج المتشابك لهذه المجموعات المتصارعة من حيث الاهداف والتطلعات والمرامى ، ووجــد الرجل نفسه أيضا أمام مسارب واتجاهات وضغوطات خارجية مختلفة الأسس والإتجاهات لم يتعود على خوض غمارها من قبل وهو الانسان البسيط الذى لم يتشرب اساليب التلاعب بالالفاظ والمصطلحات التى عادة ما يتحلى بها دهاقنة الدبلوماسية العصرية والقـادة السياسيين . وكان عليه وهو البسيط كما اسلفنا فى طبعه وتطبعه أن يمسك بكافة هذه الخيوط دفعة واحدة داخل هذه الشبكة من المتناقضات عند اتخاذ قرارته الصعبة الآنية أو العاجلة مستعينا فى كثير من الاحيان بشعرة معاوية .. التى ارادها ألا تنقطع وأن تربط بينه وبين مجموعة نسيج العنكبوت المتشابك .

ولكن هل ستصمد هذه الشعرة فى مواجهة هذا الجذب القوى المتعدد الأطراف والإتجاهات .. فى الداخل والخارج .. وهل يستطيع المستشار مصطفى عبد الجليل الانسان الخلوق الطيب ان يكون معاوية بن ابى سفيان الداهية ، وان يمسك بالعصا من منتصفها كما فعل معاوية أو كما يفعل دهاقنة السياسة فى العصر الحديث وأن يحافظ على ديمومة هذه الشعرة سليمة ولا تنقطع حتى يقضى الله أمرا كان مقضيا … لا أضن .. ولا أعتقد أن ذلك سيكون بالأمر الهين . وأتمنى أن ينجح فى ذلك .