أمنــاء الجماهيرية بين الــولاء ….للدولـة أو الجهويـة …؟؟؟

سألنى مديــر مكتب سعادة الأمين عندما أردت مقابلة أمين اللجنة الشعبية .. الأسـم من فضلك…؟؟؟ وماهـى الصفة.. وماهــو .. موضوع المقابلة….؟؟؟ ثـم واصل قائلا وهـو مكب على النضـد يرمقنى بيـن الفينة والأخرى بنظرات كسـوله ناعسه الأستاذ (الأمين ) مشغـول جـدا… ولديه مقابلات كثيرة وقــد لا يتسع الوقـت لمقابلتك ليس اليوم فقط بل ربما حتى خـلال هـذا الأسبوع … ؟؟؟ .

وبعـد أن دون كافـة الملاحظـات عن شخصى فى مذكرة أمامه وهممـت بالمغادره قاطعا الأمل فى لقـاء سعادة الأمين ولو فى خلال الاسبوع ، استفسر منى فى نوع من الهمس ما عليش يا استاذ.. من ويـن حضرتك…. ؟؟ من أى جهة … أو منطقه ..؟؟؟ ولا أدرى كيف واتتنى الشجاعه حينها لأكــذب وأقـول لـه أنا من منطقة (….. ) وابن عـم السيد الأمين … وهنا وقف وفجأة كمن لسعته عقرب وقفـزمن مقعـده وتغيرت سحنتة ولانت لهجته وقال لى بعد ان أعـاد ترتيب وضع نظارته الطبيه على أرنبـة أنفـه وقـد علـت ابتسامة بلهاء محياه مقتربا ومصافحـا ( بالجـوده يابـن عمى ) بالجودة بيك …لماذا لم تقـل ذلك من الأول … ؟؟؟ أنا أيضا ابن عمك … وسالنى ماذا نضيفك شاى ام قهوة …. ولا تقلق على التو سوف ادخلك الى مكتب أمين سر الأمين الذى هـو أيضا ( ابـن عمنا ) وبالتأكيد سيدخلك علي الاستاذ فــورا.. وأدركت ان كذبتى وان كانت قد أنطلت عليه… ولكن كيف ستكون النتائـج المترتبة .. اذا ما طلب منى بعض التفاصيل الأخرى المتعلقة بالمنطقة او الاقارب او الاجداد …؟؟؟ وهـذا ما لـم أكن قد فكـرت فيه بعد ان وقعـت فى هذا المطـب …!!! ولكن لا مجال الآن للتراجع…. وليس امامى الا مواصلة تمثيلى لدور ( ابن العـم)… وفعلا تحقق المطلوب فى لمح البصر وأدخلت على سعـادة الأمين الذى رحـب بى كثيرا بعـد أن تفحصنى مليا صعـودا وهبوطـا ، وربما مدركا بأننى لست من الفصيلة او العشيره وحتى لا أتعبه فى التقصى وطرح الأسئله التى ستفضحنى لإثبات الإنتماء الجهوى ، فقد استبقته بشرح ما حـدث ، فضحك كثيرا حتى أغرورقت عيناه ونظارته الطبيه بالدموع، متظاهـرا بأنه فوجئ بهـذا التصرف ( المشين ) من قبل موظفيه وانه سوف يعاقبهم على حـد قوله ( بالتأكيد سوف لن يفعل ) حيث أنهم بمثل هذه التصرفات ( العنصرية) كما عبر لى يسيئون له شخصيا وللدولة.

بعــد هذه المقدمة التى رأيت طرحها كمقدمة عن الروتين الجهوى الذى يحكم ويتحكم فى مكاتب السادة أمناء اللجان الشعبية العامة بألجماهيرية والذى يواجهه المواطن العادى البسيط عندما يجبره حظه العاثر أو الحاجه الماسه على التردد على هذه المكاتب المغلقه دوما فى وجوه الغرباء والذين لا ينتمون للجهة أوالعشيره بينما تفتح على مصراعيها للأقارب وأبناء العشيرة او القبيله والمعامله التفضيليه هذه للاقارب والاحباب لا يواجهها المواطن العادى لمجرد زيارة مكاتب الساده الأمناء فقط أو أخـذ المواعيـد للقـاء بهـم بـل تمتـد أيضا لتشمـل حتى الحصـول على التعيينـات والوظائـف وقضـاءالمصالح المختلفه.

وظاهرة القبيلة أو الانتماء الجهوي ارتبطت فى البلاد العربيه بصفة عامه بنظم الحكم الملكي لحماية العروش من التصدع والانهيار ونمت هذه الظاهره بشكل مبالغ فيه أيضا فى ليبيا إبان العهد الملكى وعمل العهد على دعمها وتأجيج أوارها وتوفير الحماية لها كبديل يسد الفراغ ويعمل على محاربة ظاهرة الحزبيه التى أنتشرت آنذاك والتى أقلقت مضجع النظام الملكي فحاربها النظام عن طريق تنمية روح التعصب القبلى والجهوى ، واستغلت القبيله والجهويه فى محاربة التوجهات الوطنيه والقوميه وحركات الاصلاح الوطنى وعمل العهد الملكى على خلق التوازنات فى توزيع السلطه بين القبائل والمناطق وكان الهدف من كل هذه الاجراءات توفير الحمايه لديمومة العرش ، وفعلا تم تعبئة هذه القبائل فى مسيرات ومظاهرات غضب كبيره عمت كل المناطق فى ليبيا لإثناء الملك عن قراره بترك الحكم .

وبعــد تفجر ثورة سبتمبروالتى لا ننكر دور القبيله أوالمنطقه فى إذكاء جذوتها الا انها كانت أيضا نتاج طبيعى لهذا الصراع الرجعى الذى أذكته روح القبيله أو التعصب القبلى فعملت الثوره بعد تفجرها مباشرة على محاربة هذا التعصب الجهوى وتلاشت الى حد ما النعرات الجهويه أو الإنتماء العشائرى عندما كانت الثوره فى بداوتها ولكن هذا التعصب الجهوى للأسف أطل بوجهه القبيح مجددا مستغلا التوجهات فى نظام التصعيد الشعبى ليكيفها لصالح القبيله اوالجهة او المنطقه وانتشر هذا التوجه او بالأحرى هذا الوباء للاسف بين بعض ممن تم تصعيدهم من الأمناء فى مختلف القطاعات فعملوا من خلال الصلاحيات التى خولت لهم على إذكاء روح القبيله والتعصب الجهوى وأصبح ولاءهم للقبيله وليس للدوله فقاموا بتوزيع الوظائف والمراكز على أبناء العمومه والمقربين وضربوا بنظرية الرجل المناسب فى المكان المناسب عرض الحائط .

وهذه الظاهره السيئه على الدوله أن تعمل على محاربتها وأن تعمل على إذابة القبيله والعشيره فى بوتقة الدوله وإعادة بناء المجتمع وتثقيفه بما يلائم التطور ومجريات العصر الحديث , فليست الحضاره والتقدم والرقى فى تشييد الأبراج وناطحات السحاب ومد الجسور والانفاق فى الوقت الذى يضل فيه الفكر الانسانى الخلاق للمسؤول الليبى لا زال محكوما بأفكار العصر الجاهلى ولازال يركع ويسجد لأفكاره الهمجيه ( وينصرون أخاهـم ظالما أو مظلوما ولا يسألـون أخاهـم على ما جـاء يرهانـا ) .

والدوله هي المسؤول الاول عن تثقيف المسؤولين وحثهم على التمسك بتعاليم الدين واحترام القانون, وحقوق المواطن لا أن تشجعهم على الخضوع في دوامه التصعيدات لناموس التعصب القبلى والجهوى من اجل الفوز بالمناصب القياديه فى معركة همجيه يداس فيها على الضمير وعلى حقوق الانسان ويتم خلالها التمرد حتى على الولاء للدوله أوالقانون وكان الأجدى بهؤلاء المسؤولين الذين يعيشون هذه التناقضات فى مسلكهم ألا تنتابهم حيره الولاء بين ( الجماهيريه … والجهويه ) وان يعـوا بأنهم ( لم يصعدوا عن طريق قبائلهم أو مناطقهم ) كما يصور لهم وإنما واقعيا تم إختيارهم من قبل الدوله ومن قبل القياده لا من قبل العشيره .

وعليه فإن الفهم الخاطئ لأهداف نظام التصعيدات بوضعه الحالى للأسف يعتبر مسؤلا عن ظاهرة تنامى نعرة الولاء للعشيره قبل الدوله وساعد ويساعد على تجذر التعصب القبلى والجهوى الذى قد يذكى جذوة التطاحن والبغضاء بين افراد المجتمع الواحد وقد يعصف ويحطم أحلام الليبيين فى دولة الجماهير العصريه الحديثه التى تلتف فيها الجماهير ( يـدا واحده وقلب واحـد ) فى خدمة دولة العـدل والمساواه ، وليس ببعيد عنا ما يجرى اليوم من احداث مؤلمه فى الصومال والعراق والسودان تحت شعار أنصر أخاك ( ابن قبيلتك) ظالما أو مظلوما .