الملـف الساخـن فـى العلاقــات الليبيـة اليونانيــة ..

علـى ضــوء مـا يتــردد بيــن الأوســاط اليونانيــه عــن قــرب زيــارة رئــيس الـوزراء اليونانـى يورغــوس باباندريـو إبــن الزعيــم اليونانــى الراحــل أندريـاس بابانـدريو زيــارة رسميـه إلــى الجماهيريـه العظمـى بهــدف تلطيــف جــو العلاقــات الإقتصاديــه مــع بلاده ، رأيــت بهـذه المناسبـه – إنطلاقــا مـن خبـرتى الطويلــه فـى فهــم العلاقــات الليبيــه اليونانيــه التــى عاصرتهـا قرابــة العشريــن عامــا على كـل المستويـات وتحــت مختلـف الظــروف – أن أذكــر الأخــوه المسؤوليـن الليبييــن ( بحقيقــة مــره) لا أعتقـــد بأنهـا خافيــه على بعـض منهــم …وهــذه الحقيقــه التى سبــق وأن أوضحتهــا إلــى الأصدقـــاء اليونانييـــن فــى أكثــر مــن مناسبــه ، قــد لا تــروق للكثيريـــن مـن أنصـار الأيدولوجيــات الإشتراكيـــه من كــلا الجانبيــن وهى تتلخـص فـى أن التعــاون الليبــى اليونانــى فــى المجــال الإقتصــادي قــد ( ولــد ونمـى وترعــرع) فــى أحضــان حكومــة المحافظــين خـلال فتــرة حكمهــم مــا بيــن 1976 – 1980 ، وهـى حكومــه كانــت لا تنسجــم أفكــارها أو تطلعاتهــا مـع الأيدولوجيــات الليبيـــه ، وقبـــر هـــذا التعــاون ( أو بالأحــرى مــات ودفــن نهائيــا ) فــى عهــد حكومــة أصدقائنــا الإشتراكييــن الذيــن كنــا نلتقــى معهـــم فــى الكثيــر مــن الأفكــار والتطلعــات الأيدولوجيــه ، وكنــا على العكـس نتوقــع أن يشهـــد هــذا التعــاون بعـــد وصولهـــم إلــى ســدة الحكـــم عــام 1981 م زخمــا وتطــورا إلــى الأفضــل إلا أن النتائــج – للأســف – جـــاءت مخيبــه للآمــآل الأمــر الــذى أدى فــى النهايــة إلــى شــل وتوقـــف إجتماعــات اللجنــة المشتركــة الليبيــه اليونانيــه وإلــى انهيـــار وتصفيــة كافـــة أوجـــه التعـــاون الإقتصــادى والإستثمــارى بيـــن البلديـــن الصديقيـن

وكمــا قلــت هـــذه الحقيقــه المـره قــد لا تــروق للبعــض من الجانبيــن الليبــى واليونانــى ولكـن – للأســف – لا منــاص مـن الهــروب منهــا حيــث ستظــل حاضــرة ( واضحــــه أو مستتــره ) شئنــا أم أبينـــا فــى كـــل إجتماعاتنــا أو مشاواراتنــــا مــع الجانــب اليونانــى ، وتعتبــر قضيــة إنهيـــار المصــرف العــربى اليــونانى ( أحــــد المؤسســات الإقتصاديــه الليبيـــه اليونانيـة المشتركـة ) فى عهــد حكومــة الإشتراكييـــن( أصدقائنـــا ) أحــد الأمثلـــه الشاهـــده على تجــذر هــذه الحقيقــه المــره فى ملـــف العلاقــات الثنائيــه الإقتصاديــه بيــن البلديـــن ، والمصــرف العربــى اليونانـــى ولـــد ونمــى وترعـــرع أبــان العصــر الذهبــى للعلاقاــت الليبيــه اليونانيــه فى عهـــد حكومــة كارامنليس رئــيس حـــزب الديقراطيــة الجديـــدة ’ حيــث ولــد كمؤسســة ماليــة أقتصـــأدية يونانيــة برأسمــال قـــدره ( 15.000.000) دولار أمريكى وذلــك بنــاء على اتفاقيــة للشراكــة وقعــت فــى العاصمــه اليونانيــه أثينــا فى 01/11/1979 بيــن كـــل من ( ليبيــــا و اليونـــان والكويـــت ) وقــــد نصــت الاتفاقيـة على أن يتولى هــذا المصــرف تنميــة التعــاون الإقتصــادى و الاستثمــارى المشترك بيــن اليونــان والــدول العربيـة والمساهمـة فــى تطويــر النشاطــات المصرفيــة والتمويليـة المحليــة والدوليـــة ، كمـا نصـت الاتفاقيـــه أيضــا على إسنـــاد رئاســة مجلــس إدارة المصــرف
للجانــب العربــى ( بالتنـــاوب ) بيــن كــل من دولتــى الكويــت وليبيـــا بينمــا يسنـــد منصــب المديــر العــام للمصــرف وتعييــن باقــى موظفيــه للجانــب اليونانــى ، كمــا نصــت على إعفـــاء المصــرف مــن شــرط عــدم تجــاوز حصــة ال49 % التــى كانــت مطبقــة علــى المؤسســات المماثلــة فــى اليونــان ، وتولــى الجانــب الكويتــى الفتــرة الأولــى مــن رئاســة مجلــس ادارة المصـرف إلا أنــه تنــازل بعـد ذلك عــن هـذا الحــق و بصفــة مستمـرة للجانــب الليبـى لمــا تتمتــع بــه ليبيــا آنــذاك مـن علاقــات طيبــه مرموقـة مـع السلطات اليونانيــة

بدايــــة المصــاعب

وكــان المتوقــع بعــد أن تأســس هــذا المصــرف أن تســارع البعثــات الدبلوماسيه العربيــه وكذلــك الشركــات والمؤسسات العربيــة المتواجــدة على الساحــة اليونانيــة الى مسانــدة ودعــم هــذا المولــود الإقتصــادى المشتـرك الجديــد بنقــل حساباتهــا أو أرصدتهــا إليــه وممارســة أنشطتهــا الماليــة والتجاريــة عــن طريقــه ولكـن – وللأســف – قوبــل إنشــاء هــذا المصـرف فــى العاصمـة اليونانيــة مــن قبــل الجانـب العربـى بالسلبيـة التامـه ، وكانـت البعثــة الدبلوماسيــه الليبيــة هــى البعثــة العربيـة الوحيــدة التــى نقلــت حساباتهــا وأرصدتهــا وكافــة تعاملاتها اليــه أو عن طريقــه إضافــة الـى المؤسســات والشركـات الليبيـة اليونانيـة المشتركـة ، بينمــا امتنعـت كــل الشركــات والمؤسسـات العربيــه والبعثــات الدبلوماسيـه العربيـه وبمــا فيهــا بعثــة الكويـت ( أحــد مؤسسى المصـرف ) مــن التعامــل أو التعاطـى مـع هـــذا المصـرف

ورغمــا عــن هــذه المقاطعــة العربيــة الغيــر متوقعــه التـى استقبــل بهــا تأسـيس هــذا المصــرف فقــد استطــاع بحكــم وضعــه المـالى الممتــاز والمدعــوم من كــل من ليبيــا واليونــان أن يثبــت وجــوده وأن يحقــق نجاحــا كبيــرا داخــل اليونــان وخارجهــا ، إلا أن هــذا النجـاح الــذى حققــه المصـرف خـلال السنــوات الأولى مــن تاريــخ تأسيسه لفــت إليــه الأنظــار فأخــذت بعــض المؤسســات الماليــة المحليــة والدوليــة تحيــك ضــده سـرا المؤمـرات والدسائــس وابتــدأت مسيــرة هــذه المؤمــرات والدسائــس تتخــذ أشكــالا مكشوفــة مع اطلالـة عــام 1990 عنــدما طلبــت السلطـات اليونانيــة إبعــاد رئيـس مجلـس ادارة المصـرف ( الليبـى )
بسبــب خـلاف مصطنــع وقــع بينــه وبيــن المديــرالعــام اليونانــى ، وبالرغــم مــن اسلـوب الكياســة والدبلوماسيــة التـى عالــج بهـــا الجانــب الليبــى هـــذه الواقعــه فقــد أسهــمت ترسبــاتهــا فيمــا بعـــد فــى تعميــق
الشــروخ والحساسيــات بيــن الجانبيــن الليبــى واليونانــى

وفــى نهايــة الأسبــوع الأول من شهر فبرايـرعــام 1992 أوضـح تقريــر المراجــع العــام لمصـرف اليونــان المركــزى ضـرورة زيــادة رأس مــال المصــرف العــربى اليونــانى ، وامتثــالا لهــذه التعليمـات أصــدر
محافــظ المصــرف المركــزى مع بدايــة الأسبــوع الأخيــر مـن شهــر فبرايـر 1992 بالحــد مــن صلاحيــات ونشــاط المصــرف العــربى اليونــانى وإلــى أن يتحقــق شــرط زيــادة رأس المــال

وفــى مواحهــة هــذه التطــورات قــررت الجمعيــة العموميــة للمصــرف بالإجمــاع زيــادة رأس المــال بالقيمــة المطلوبــة علــى أن يتحمــل كــل مساهــم نصيبــه فــى هــذه الزيــادة، وتــم اعتمــاد هــذه الزيــادة مــن
قبــل المصرف المركــزى اليونانى بالقــرار رقــم ” 8509 بتاريــخ 17 /11 /1992 ” إلا أن المساهميــن الكويتييــن واليونانييـــن الذيــن كانــوا قــد أقـــروا هــذه الزيــادة فــى رأس المــال تخلــوا – للأســف – عــن التزاماتهــم بتسديــد نصيبهـــم فــى هــذه الزياــدة ، وأسقــط لــدى الجانــب الليبــى الــذى لــم يكــن يتوقــع هــذا التخــاذل والسلــوك الغيــر مبــرر مــن الجانبيــن الكويتــى واليونانــى مما أضطــره أن يتحمــل بمفــرده عــبء تسديــد كامــل الزيــادة موضحــا للجانــب اليونــانى الرسمـى بكــل جــلاء ووضــوح أنــه فــى الوقــت الــذى يتحمــل فيــه عــبء هــذه الزيــادة فــى رأس المــال لإنقــاذ المصــرف مــن عثرتــه فانــه يشتــرط ألا يكــون هنــاك موانــع سياسيــة أو قانونيــة أخــرى غيــر مرئيــة تحـــول دون استمــرار المصــرف فــى ممارســة نشاطـــه

وبعــد أن استلـم الجانـب الليبـى مــا يفيــد موافقــة المصـرف المركــزى اليونــانى علــى تحمــل الجانــب الليبــى عــبء تغطيــة كامــل الزيــادة فى رأس المــال وتأكيــداته بعــدم وجــود أيــة موانــع سياسيــه أو قانونيــه أخـرى تحـول دون ذلك ، قــام الجانـب الليبـى بتسييـل الزيـادة المطلوبـة فــى رأس المـال فــى صيغــة وديعــة (غيــر زمنيــه ) حفظـت لــدى المصـرف المركــزى اليونــانى ، الا أن هــذا الأخيــر رغمـا عــن إستلامه لهــذه الوديعــة المغطيــة لكامــل الزيــادة فــى رأس المال لــم يفــى بوعــده ولــم يقــم برفــــع الحضــر أو الرقابـــه التـى كــان قــد فرضــهما علـى نشــاط المصــرف ( بمــا فــى ذلك تعييــن أربعــة مراقبيـــن لمراقبــة سيــر العمــل داخلــه ) وعلى العكـس من ذلـــك قــام بطــرح مقترحــات جــديدة تقضــى بإدخــال شريــك جديـــد فــى المصــرف بهــدف الحـــد مــن نسبــة المساهمــة الليبيــة فــى رأس المــال

وأمـام هــذه المماطــلات والأوضاع السيئــة التــى فرضــت علــى المصــرف إضافــة إلـى مــا أبـــداه المصرف المركــزى اليونانى مــن رغبــة واضحــة فــى تقليــص أو إلغــاء المشاركــة الليبيــة ، قــام بعــض رجال
الأعمــال اليونانييــن بإيعــاز مــن المصــرف المركــزى اليونــانى بمحاولــة التوســط بطــرح مبادرة جديــدة تمثلــت فــى أن يتنــازل الجانــب الليبــى لهــم عــن كافــة حقوقــه فــى زيــادة رأس المــال وأن يتولــوا هــم نيابــة عــن الجانــب الليبــى تمثيـــل هــذه الزيــاده فــى رأس مــال المصــرف ودون أن يكــون لليبيــا أيــة سلطــات إداريـــة أو ماليـــة داخـــل المصــرف

وقـــد تزامنـت هــذه المماطلة والضغوطــات مــع صــدور تعليمــات سريــة مــن قبــل وزارة الاقتصــاد اليونانيــة إلــى المصــرف المركــزى اليونانــى بتاريــخ 24 /09 /1993 تطلــب منــه حصــر ودائــع وأمـوال
الدولـــة الليبيــة ومؤسساتهــا فـــى البنــوك اليونانيــه ، وبالربــط بيــن مماطــلأت المصـرف المركــزى اليونانــى فى تلكــأه فــى رفــع الحضــر الــذى فرضـه علـى المصــرف العربــى اليونانــى رغمــا عــن استيفائــه لكافــة الشــروط المطلوبــة وبيــن التعليمـات الصـادرة عــن وزارة الاقتصـاد اليونانيــة التــى سبقـت القــرار رقـــم ( 883 ) الظالــم الــذى صــدر عــن مجلــس الأمــن بتـاريخ 11/11/1993 بفــرض عقوبــات علـى ليبيــا ، يتضـح لنــا مــدى التنسيــق والتعــاون بيــن السلطــات الرسميــة اليونانيــة( الصديقــه ) وبيــن الدوائــر الغربيــة الأمريكيــة فى تكتيــك المؤامــرة وحتــى قبــل اجتماعــات مجلــــس الأمـــــن

سحــب الوديعـــة

ا نطلاقــا مـن هــذا الواقــع المؤســف الــذى أخــذ يتهــدد الوديعـــة الليبيــة ، قــام الجانـــب الليبــى بتاريــخ 27 /09 /1993 بسحبهــا حتى لا تتعــرض للمصــادرة أو التجميــد ، وقــد لقــى هــذا الإجــراء ترحيبــا
وارتياحـا لــدى السلطــات اليونانيــة حيــث أنــه قــد جنبهــم مشقــة الدخــول فــى إحراجــات مــع الجانــب الليبـى فــى الوقــت الــذى ازدادت فيــه الضغوطات عليهــم مــن قبــل السلطــات الغربيــة والأمريكية

والحقيقــة أن سحــب هــذه الوديعــة ترتــب عليــه بطــلان كافــة الإجــراءت والقــرارات المتخــذة بشــأن زيــادة رأس المـال وبالتالى أدى ذلك إلى إهــدار المركــز المالــى والقانــونى للمصــرف ، وأعطــى ذلك فرصة
سانحــة للسلطــات اليونانيــة لتنفـــيذ مخططهــا الرامـى إلــى إلغــاء رخصــة المصــرف العــربى اليونانــى

وعلـى أثــر هــذه التطــورات السيئــة المتلاحقــة قــدم رئيــس مجلــس ادارة المصــرف ( وهــو ليبــى ) إستقالته وتــم قبولهــا على الفــور ودون أى تردد من قبــل مجلــس ادارة المصــرف الــذى رحــب بهــا بتاريخ
28 /09 /1994

سحــب الترخيـص وتصفيــة المصــرف

شـكلــت استقالـة رئيـس مجلـس ادارة المصـرف العـربى اليونــانى اضافــة الى سحــب الوديعــة الأسفيــن النهائـى الـذى أعطـى المبـررات لصـــدور قـــرار محـافــظ المصــرف المركــزى اليونـــانى( يانيـس بــوتـو) رقــم ( 2334 ) بتاريــخ 3 / 10 / 1994 بسحـب ترخيـص المصـرف العــربى اليونــانى معتمــدا فـى حيثياتـه علـى عجـــز المصـرف المذكـــور كمؤسســة ائتمانيـة عــن تلبيــة الشــروط القانونيــة فـى زيــادة رأس المــال ، وتــم منـذ ذلـك التاريـخ وضـع المصـرف تحــت التصفيــة النهائيـة وعلقــت كافــة معاملاتــه مـع الجمهــور

وأمـام هـــذا الواقــع المؤلــم تمســك الجانــب الليبــى فــى رفـــض هــــذا الأبتـــزاز وتمســك بحقــه فــى رفــع الأمـر إلـى القضــاء اليونـانــى وكلــف عــــدد مــن المحاميــن باتخــاذ كافـــة الإجــراءت القانونيــة لحفــظ حقــوق ومصالــح الجماهيريـة العظمـى . الا أن هــذه الإجــرآءت لــم تحقـــق أى نتائــج ايجابيــة وترتــب عليهــا – للأســف – تأييــد المحكمـة العليــا اليونـانيـة – التى رفـــع اليهـا الأمــر مــن الجــانب الليبـى -لقــرار تصفيــة أعمــال ونشاطــات المصــرف العــربى اليونــانى

ولازالـت قضيــة وقـــف نشــاط المصـرف العــربى اليونــانى بهــذا الأسلـوب الغــريـب والفـريــد مــن نوعــه فــى عهــد الحكــومة اليونانيــه الصديقــة تشكـل قضيـــة ساخنـــة فى ملــف العلاقــات الإقتصاديــه الليبيــة اليونانيــة حتى يومنــا هــذا وتلـقى بضـلال مــن الشــك والريبــة وعــدم الثقــه علـى مستقبــل أى تعـــاون مشتــرك بيــن البلديــن فــى المجــالات الإقتصاديـــه

ولكــن هــل ستخفــف الزيــاره المرتقبــه لرئيــس الجمهوريــه اليونانيـــه ( يورغــوس باباندريــو )مــن سخونـــة هـــذا الملـــف