أسافين التخريـب التى ضخمت الجهاز الوظيفى بوزارة الخارجية الليبية

رغم الظروف والمعوقات الإقتصادية والمادية والاجتماعية والسياسية الصعبة التى ولدت فيها ( دولة الاستقلال الليبية ) عام 1952 ، حيث كانت قد صنفت خلال تلك الفترة من قبل المنظمة الأممية كإحدى أفقـر دول العالم المستقلة ، إلا أن هذه الدولة الإفريقية االفقيرة الصغيرة التى ولدت من رحم المعاناة  استطاعت تحت سلطة وقيادة الحكومات الليبية المتعاقبة على ادارتها فى العهد الملكى ، سواء فى عهد الحكومات الاتحادية التى كانت الدولة تتوزع فيها الى ثلاث ولايات متجانسة ومتقاربه هى ( طرابلس و برقة وفزان) ، أن تكون سلكا دبلوماسيا متميزاً فى تأهيله وآدائه  ، وتطورهذا السلك الدبلوماسى تطورا ملحوظا الى الأفضل خاصة بعد دمج حكومات الولايات الثلاث فى حكومة مركزية موحـدة ، وكان من بين العوامل الكثيرة التى ساعدت على تميز السلك الدبلوماسى الليبى سواء فى عهد الحكومة الاتحادية او فى عهد الحكومة المركزية أن الدولة حرصت على تغذية هذا السلك  بعناصر جيـدة  تم  ترشيحها او اختياها بدقة متناهية تتمتع بالخبرة والثقافة والسمعة الطيبة والحنكة الدبلوماسية

ولهذا فقـد برز خلال  تلك الحقبة  فى الكادر  الدبلوماسى لوزارة الخارجية الليبية  عدد من الشخصيات الدبلوماسية المميزة  ذات الكفاءة  العالية  التى عملت داخل ديوان وزارة الخارجية كمدراء ادارات  و رؤساء اقسام  ، أو عملت فى الخارج  لدى الدول الاجنبية المضيفة لهم كسفراء او وزراء مفوضين  ، أو مستشارين  أو إداريين ، وكان لهذا  الجيل من  من موظفى وزارة الخارجية الأوائل ( بما توفر لهم من خبرة وثقافة وحنكة سياسية ) الفضل الكبير فى نقـل خبراتهم وتجاربهم للأجيال الجديدة التى التحقت بركب الوزارة ، والحقيقة  أن هذه العتاصر القيادية الاولى  التى رشحت أو عينت  لتكوين وتاسيس وزارة الخارجية  بعد الإستقلال مباشرة  ، كان قد تم اختيارها من قبل القيادة السياسية للدولة الليبية  بالتوازن من  بين  أفراد الأسـر أوالعائلات العريقـة  ذات السمعة الطيبة  المتميزة بالعلم والثقافة  والوطنية المقربة من محيط الديوان الملكى او بحكم قرابتهم لمراكز السلطة

الا انه بعد صدور قانون السلك الدبلوماسى والقنصلى رقم 16 لسنة 1959 الذى تمت صياغته من قبل خبـراء متخصصين فى العمل الدبلوماسى والقنصلى ، لم  يعد الاختيار والترشح للعمل بوازرة الخارجية  مقصورا على فئة معينة  او يتم عن طريق الوساطة والمحسوبية  أو ربما حكرا على عائلات أو أسر معينة  ، حيث تولى هذا القانون  إتاحة الفرصة على حد سواء  لكل المواطنين الليبيين الراغبين فى العمل بوزارة الخارجية كدبلوماسيين او اداريين او فنيين  عن طريق التنافس الشريف  بين المرشحين  منهم وفقا للشروط  المحددة  التى نص عليها القانون ،  كما  تولى هذا القانون ايضا  تنظيم علاقات العمل فيما بين الإدارات  المختصة بوزارة الخارجية على مستوى الداخل وكذلك علاقات هذه الادارات  بالسفارات أو المندوبيات  على مستوى الخارج  ، وجاء هذا القانون حاويا وشاملا لكل الإجراءات والمعاملات الإدارية والمالية بصورة حضارية  متطورة  تتفق وتتماشى مع ما كانت تقضى به التشريعات المحلية  أو المواثيق والمعاهدات الدولية .
وهكذا أصبحت  تغذيـة وظائف السلك الدبلوماسى الليبى  بعد صدور هذا القانون عام 1959 بالعناصر الشابة االجيدة تتم  ( وفقا لمعايير وشروط  وإجراءات محددة  جاء بها هذا القانون ، مثل نشر الاعلانات مسبقا عن الوظائف  الدبلوماسية المطلوب شغرها  فى الصحف المحلية  وعبر كافة اجهزة الاعلام المرئى  والمسموع ، وغالبا ما تكون هذه الوظائف المطلوبة هى للملحقين الدبلوماسيين  الذين  يبدأون عملهم  بوزارة الخارجية من  أول السلم ، أى  يبدأون  عملهم  الدبلوماسى من أدنى درجات السلك الدبلوماسى  وهى درجة  ملحـق ( كان وقتها  يتم تصنيفهم على  الدرجة الرابعة طبقا للتشريعات السارية  ، وكان يشترط فى من يعين فى هذه الوظيفة  ان يكون حاملا   لمؤهل جامعي  فى تخصصات معينة ( الاقتصاد ، العلوم السياسية ، الحقوق ، اللغات  )  ، وعلى أن  يخضع  ايضا  لإمتحانات خاصة  تشمل ( مقابلات  شخصية وإمتحانات تحريرية )   تجرى  لهم  بديوان الوزارة  تحت اشراف لجان  متخصصة ،  مشكلة من قبل مدراء الادرات بالوزارة  ، وتشمل هذه الاجراءات أيضا  فحص ما يتمتع به  الموظف المرشح من  ثقافة عامة ولباقة فى الحوار وكاريزما شخصية ، الامر الذى جعل الدبلوماسى الليبى بصراحة خلال تلك الحقبة من تاريخ وزارة الخارجية الليبية ( 1960 – 1970 ) يتبوأ مكانة راقية من حيث  المظهر الحسن والثقافة والخبرة مقارنة باقرانه من دبلوماسى الدول العربية والدول النامية .
كما كانت ترقيات اعضاء السلك الدبلوماسى والادارى داخل ديوان الوزارة وخارجها بالبعثات  أوالمندوبيات وترشيحاتهم للعمل بالخارج ، أوإرجاعهم الى ديوان الوزارة تتم أيضا وفقا لمعايير وأسس نزيهة وعادلة ومنتظمة متعارف عليها  تتطابق واشتراطات قانون السلك الدبلوماسى وذلك  عن طريق لجنة خاصة تسمى ” لجنة شؤون السلك ” وهى لجنة تعتبر دائمة  بوزارة الخارجية ( طبقا لنص المادة 12 من قانون السلك الدبلوماسى ) وغالبا ما تكون  هذه اللجنة برئاسة وكيل وزارة الخارجية مصحوبا بأحد مدراء الإدارات بوازارة الخارجية وكذلك عضوية كل من رئيس ادارة الفتوى والتشريع والمدير العام لإدارة الخدمة المدنية

 كما كان التسلسل الادارى بين اعضاء السلك الدبلوماسى خط أحمر  يجب ان يحترم داخـل الوزارة وبالسفارات الليبية بالخارج  ، وفقا لما يقضى به القانون واللوائح الداخلية المنظمة للعمل  الدبلوماسى والإدارى بالوزارة ، سواء من حيث احترام السلم الادارى فى اصدار واستلام التعليمات أو من حيث احترام اقدمية الموظف أو أسبقيته ،الأمر الذى قضى الى حد كبير على الفوضى او المحسوبية أوالوساطة سواء فى التعيينات او فى الترشيحات لشغل المناصب بالداخل أوالخارج.

واستمرت وزارة الخارجية فى تنظيمها وعملها على هذا النهج المثالى منذ عام 1959 وحتى عام 1971… إلا أنه منذ ذلك التاريخ نكبت وزارة الخارجية وقانونها الدبلوماسى بعـدد متتابع من الخروقات او أو كما أسميها ( الأسافيـن ) التى تم دقهـا  بالتتابع فى جسم الوزارة عبر ضخ ممنهج لأعداد هائلة من الموظفين الغير مؤهلين فى جهازها الدبلوماسى  بناء على مبدأ ( الولاء قبل الكفاءة )  مما أدى الى تضخم هذا الجهاز بصورة مخيفة ومرعبة مقارنة بما كان عليه فى السابق من حسن تنظيم وتوافق ادارى  بين  مختلف مكوناته

 وفيما يلى  أورد  أمثلة  لهذه ” الأسافين الشيطانية ” التى  خربت أو أساءت الى وزارة الخارجية وما كانت تتمتع به من مكانة محلية ودولية مرموقة وذلك عندما شلت  قدرتها ومقدرتها على التحرك الدبلوماسى السليم  محليا ودوليا ، الأمر الذى  أساء إلى سمعة موظفى الوزارة على المستوىيين الداخلى والخارجى …. ونستطيع  ان نوجز هذه الاسافين الشيطانية فى اربعة أسافين  أساسية  نختزلها فيما يلى :-

الأسفين الأول
جاء هذا الأسفيـن على اثـر حـدوث انقلاب 1969 عندما  قامت الدولة بإحالة حوالى 60 دبلوماسيا من موظفى وزارة الخارجية على  الخدمة العامة أو التقاعـد ، وكان أغلب هؤلاء الذين تم الاستغناء عنهم من طائفة السفراء ، والوزراء المفوضين ، والمستشارين الذين اعتبروا من قبل  النظام الجديد من الموالين للنظام الملكى السابق …. وعلى اثر هذه الخلخلة التى قاموا بها  فى كادر الوزارة  ، قاموا  بتعيين أكثر من 90 ضابطا من كبار الرتب بالجيش فى وظائف عليا بالسلك الدبلوماسى والقنصلى ( فقط ) وقد تسبب دمج هذا العدد الكبير من ضباط الجيش الليبى على مختلف رتبهم فى وظائف عليا بالسلك الدبلوماسى فى حالة من الإرباك الادارى والمالى للوزارة ،  وتسبب  أيضا فى إحداث خلل  كبير فى  توازن الأقدميات المتبعة  والتسلسل الادارى بالكادر الوظيفى  الدبلوماسى مما  تسبب عنه  اضرار طالت عدد كبير من الموظفين الدبلوماسيين القدماء الذين كانوا مرشحين  للترقى الى وظائف أعلى فى السلك الدبلوماسى   إلا أن تعيين هذا العدد  الضخم من الضباط  فى خانة هذه الوظائف أقفـل فى وجوههم الأمل فى هذا الترقى  .
وبالرغم من ان عدد من هؤلاء الضباط الذين اجبروا على االعمل بالسلك الدبلوماسى لم يكن لديهم  التأهيـل أو الخبرة الكافية التى تؤهلهم للعمل  الدبلوماسى ، إلا أنه – للعدل والتاريخ –  كان بعض منهم على مستوى راق من الكفاءة والقدرة واستطاعوا ان يثبتوا جدارتهم ومقدرتهم على التكيف داخل وزارة الخارجية ، إلا أن تعيينهم كمنا اسلفت لم يكن مرحبا به من  قبل موظفى الوزارة القدماء الذين رأو فيه اغلاق لباب الترقى والترفع فى وظائفهم ، كما رأوا فيه ايضا انتهاك لقانون السلك الدبلوماسى  الذى كان منظما  لعمل الوزارة والذى كان يشترط معايير خاصة فى تعيين الدبلوماسيين ، الأمر الذى ترتب عليه فيما بعد ظهور طبقتين متنافستين متصارعتين من الموظفين داخل وزارة الخارجية ( عسكريين ومدنيين ) وتمتعت فيها  طبقة العسكريين بالتفوق والنفـوذ سـواء داخل الوزارة او فى البعثات  بحم قربهم واتصالهم المباشر  بقيادات الجيش المسيطرة والمسيرة  لنظام الحكم الجديد .
ولم  تكتفى  ادارة الدولة  الجديدة  بهذه التعيينات   بدمج كبار ضباط الجيش  المستغنى عنهم بوزارة الخارجية ، بل عمدت أيضا إلىى اعتماد تعيينات أخرى جديدة لاحقة لعدد من الشخصيات العسكرية  من كبار الضباط كسفراء بديوان الوزارة أو بالسفارات الليبية بالخارج ، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر ( سعـد الدين بوشويرب  ( الذى ظهر اسمه فى الأيام  الأولى لإنقلاب  سبتمر 1959 كقائـد لهذا الإنقلاب  ) ،  رمضان غريبيل ، يونس العمرانى ، محمد المسمارى ، أحمد فوزى هلال ، عبد الله سويسى ، فرج مطر ، جلال الدغيلى … إضافة  إلى  عدد  من المدنيين الذين كانت تربطهم علاقات  شخصية  مع بعض من  قادة الانقلاب من أمثال بشيرالمغيربى ،عبد القادرغوقة ، عبد السلام بسيكرى ، محمود المغربى ، عزالدين الغدامسى ، صالح بويصير ، مفتاح الشريف ، أحمد بن خيال ، عبد اللطيف الكيخيا ، كامل المقهور……الخ

الاسفين الثانى
غرس هذا الاسفين فى جسم الوزارة بتولي السيد  أبوزيد عمردوردة  منصب  وكيل وزارة الخارجية  وكان وقتها قد تمتع بصلاحيات وزير  الخارجية ( فى أعقاب هروب الرائد عبدالمنعم الهوني وزيرالخارجية إثر إتهامه بدعم محاولة  الإنقلاب  الفاشلة التى أتهم الرائد عمر المحيشي  يبتدبيرها عام  1975  ، حيث قام أبوزيد عمر دورده  بجلب وتعيين دفعة جديدة من الموظفين على درجات ووظائف كبيرة فى السلك الدبلوماسى” سفراء ووزراء مفوضين ” وكان معظمهم من دفعته فى الجامعية التى تخرجت عام 65 /66 ، أوممن تربطه بهم  صلات خاصة وعماوا معه فى السابق  بوزارات اخرى ، والمؤسف ان تعيين هؤلاء السفراء والوزراء المفوضين جاء كإعتداء أيضا على حقوق  شريحة من الدبلوماسيين القدامى بوزارة الخارجية  الذين هم أحق بالترقى الى هذه الوظائف الكبيرة( وزراء مفوضين وسفراء )  التى  انعم  بها أبو زيد دورده  على أصدقائه و وأحبابه  ، ومن هؤلاء المدنيين الذين تم ضمهم أو تعيينهم كسفراء ووزراء مفوضين، عمر الجليدى ، سعد مجبر ، سالم الشويهدى ، محمد الحضيرى ، رمضان الرعوبى ، إبراهيم ابجاد ، بشير فضل ، يوسف عريبى ، بشير جموم ، عياد الطاهر ، محمد غتور، محمد سيالة ، أحمد الطبيب  وعبد الوهاب الزنتانى .. وربما كان  الهدف من وراء  هذه التعيينات الجديدة م
أولا : أن يغلق باب الترقى لوظائف السفراء والوزراء المفوضين أمام قدماء الموظفين من المستشارين العاملين بالسلك الدبلوماسى من خريجى حقبة  العهد الملكى
ثانيا :  تغليب طبقة الموظفين الموالين للنظام فى مواجهة  طبقة العسكريين  بوزارة  الخارجية ” الغير موالين ” والذين اجبروا على الانخراط فى السلك الدبلوماسى  .

وفعلا تأكدت هذه الأهداف  لاحقا عام 1999 عندما تم  إجراء تعديلات  مزاجية فى قانون  التقاعد  لأعضاء السلك الدبلوماسى  والقنصلى تم بموجبه  تحديد سن التقاعد ب 62/63 عاما ،  وتم بناء على هذا التعديل إحالة  عدد كبير من الدبلوماسيين والإداريين  ممن عينوا فى العهد الملكى على التقاعـد ، ثم تم بعد ذلك عام 2001 التراجع عن هذا القانون وتمديد سن التقاعد إلى أكثر من 70 عاما

الإسفين الثالث
هذا الإسفين تم غرسه فى جسم الوزارة فى عهد الوزير جمعه المهدى الفزانى  وزير أمانة الوحدة ،  وهى عبارة عن جسم غريب أسس عام 1993 على غير دراسة او منطق معقول   ليكون  موازيا ورادفا  لوزارة الخارجية  وتم تكليق السيد الفزانى وهو  أحد  المثقفين المنظرين  لافكار الزعيم الليبى و المقربين  شخصيا له  وكان يشغل  قبل تكليفه بهذ الوزارة منصب مدير الادارة العربية بوزارة الخارجية الليبية  ، وكان الهدف من انشائها ان تهتم بأمور العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع الدول العربية ( خلال فترة عشق القذافى للناصرية ولأحلام الوحدة العربية )،  ولم  يكتفى  الوزير جمعه الفزانى  بعد تأسيس هذه الوزارة الجديدة معتمدا  بدمج  كادر الادارة العربية  بوزارة الخارجية  الليبية  فى هذه الوزارة الجديدة  ،  بل زاد الطين بله  بتطعيمها   بجيش من الموظفين جلبهم من خارج السلك الدبلوماسى الليبى –  ولا علاقة لهم به – من موظفى  وزارة الثقافة  ومركز دراسات الكتاب الاخضر أو من بين اعضاء ومنتسبى اللجان الثورية وأغلبهم – للاسف – كانوا لا يجيدون  حتى اللغات الاجنبية ولا يحملون أى مؤهلات تؤهلهم للعمل بالسلك الدبلوماسى فيما عدى عدد محدود  منهم ،  إلا ان عمل هذه الوزارة  لم يستمر طويلا وكانت تجربة فاشلة  بكل المقاييس  حيث  ألغيت  وتم دمج كادرها  من جديد  فى وزارة جديدة  تحت مسمى ( أمانة الوحدة الإفريقية ) التى لم تستمر لاكثر من عام واحد وذلك  عندما غضب القذافى  من  تخاذل العرب  وعدم مساندتهم  له فى  قضية لوكربى  واسندت رئاستها  للدكتور على التريكى  فى الوقت الذى عين فيه جمعه الفزانى  رئيسا لمكتب العلاقات بالقاهرة ثم رئيسا لمكتب الاخوة بدمشق  ووللاسف كبدت  هاتان الوزارتان  الفاشلتان الدولة  نفقات مالية  باهضة  وخلقتا ارباك للدبلوماسية الليبية فى التعامل مع مؤسسات العالم المماثلة ،  اضافة الى انهما اثقلتا كاهل وزارة الخارجية  ( الأم  )  فيما بعد بكم هائل من الموظفين الذين تم دمجهم  جميعا فى كادر وزارة الخارجية  بعد ان تم تغيير اسمها  إلى مسمى ( وزارة الوحدة والخارجية ) واسندت رئاستها للدكتور على عبد السلام التريكى

الإسفين الرابع
وجاء الاسفين الرابع أو التخريب الممنهج الذى دمر الجهاز الوظيفى للوزارة بصورة درامتيكية مؤلمة فى نهاية عام 1979 فى عهد أحمد عبد النبى الشحاتى رئيس مركز دراسات الكتاب الاخضر والذى كان يشغل وظيفة سكرتير اول بوزارة الخارجية عندما كلف من قبل االنظام  بما سمى ( بالزحـف )على ديوان وزارة الخارجية فى طرابلس وذلك من خلال مسرحية هزلية ، خطط لها مسبقا ،  تحت مسمى الدبلوماسية الشعبية ، وكانت هذه المسرحية عبارة عن امتداد للسياسة التخريبية التى تمثلت فى خطاب زوارة المشهور بالزحف على كافة مؤسسات الدولة الليبية فى الداخل وتخريبها اداريا وماليا واجتماعيا تحت مسمى الثورة الإدارية ، وتم الزحف الغوغائى هذا على وزارة الخارجية من قبل شلة  من منتسبى مكتب اللجان الثورية ورجال الامن الخارجى وموظفى مركز دراسات الكتاب الاخضر وبعض الطلبة والاعلاميين الموالين بقيادة احمد الشحاتى، وقاموا بالاستيلاء على ادارات ومكاتب الوزارة وعاثوا فيها فسادا وكونوا ماسمى( بالمكتب الشعبى للاتصال الخارجى ) ، وكان هذا المكتب بمثابة وزارة خارجية جديدة تعمل فى ازدواجية مع وزارة الخارجية الأصيلة أو “أمانة الخارجية ” التى كان يترأسها حينها الدكتورعلى التريكى ، وهذه المسرحية هى  أيضا عبارة عن مهزلة مماثلة لتلك الازدواجية السابقة عندما ترأس جمعه الفزانى ما سمى  بأمانة الوحدة التى كانت موازية أيضا لوزارة الخارجية الأصيلة

موسى كوسه يخطب فى جمع من الزاحفين على السفارة الليبية فى بريطانيا

وبالطبع تم مكافأة عصابة الزاحفين من مختلف الوزارات والمؤسسات بتعيينهم فى وظائف دبلوماسية بالوزارة وكذلك توزيعهم على السفارات الليبية فى الخارج لمواصلة الزحف الهمجى البربرى عليها وتخريب اداراتها هى الاخرى ، وتحويلها الى مكاتب شعبية وتهيئتها لتتولى تنقيذ أقذر وأحقر جريمة دولية فى حق المواطن الليبى فى الخارج بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات ضد مواطنين ليبيين ابرياء تحت سمع وبصر الضمير العالمى الذى لم يحرك ساكنا طمعا فى ثروة ليبيا النفطية التى استغلها النظام  فى تكميم الافواه والصمت على جرائمه بالداخل والخارج

وفي الحقيقة إن معظم الذين تم إرسالهم للعمل بهذه المكاتب الشعبية كانوا فى معظمهم يفتقرون للمؤهلات الجامعية ولم تكن لديهم قدرات أوحنكة دبلوماسية ولا حتى إمكانية التحدث باللغات الأجنبية . وكان لمكتب الإتصال باللجان الثورية ، القول الفصل في إختيارهم واختيار قادتهم من أمناء وأعضاء اللجان للعمل في ما سمي بالمكاتب الشعبية في الخارج ، التي تحول أغلبها من ممارسة العمل الدبلوماسي ورعاية مصالح  المواطنين الليبيين في البلد المضيف ، إلى مكاتب للارهاب والترهيب والإغتيالات للمواطنين الليبيين فى الخارج .

وقد ترتب على هذه الاغتيالات القذرة والمقززة لافراد المعارضة الليبية بالخارج خلال الثمانينات والتى خطط لها ودعمها الغزاة الجدد من دبلوماسى المكاتب الشعبية بالخارج ” أو المكاتب الشغبية ” ان تحركت ضمائرعدد من موظفى السلك الدبلوماسى الليبى ” الاصيلين ” والشرفاء بهذه المكاتب فأعلنوا تمردهم وانشقاقهم عن هذه المكاتب ، وانضم العديد منهم للمعارضة الليبية ، وقام البعض الآخر بالابتعاد عن الانخراط أو التعاون مع هذه الشلل الاجرامية وابدوا تعاونهم المستتر مع سلطات الدول المضيفة والمنظمات والمؤسسات الدولية المختلفة من اجل توضيح الوجه  الحقيقى  لهذا النظام ومن اجل كسب التأييد والموازرة وتحقيق الحماية للمواطن الليبى بالخارج .

وللحقيقة والتاريخ فإن الدبلوماسى الليبى منذ عام 1980 خلال الفترة التى شهدت حملة الاغتيالات التى قادها النظام فى الداخل والخارج ضد المواطنين الليبين كان له دوره المشهود والمشرف فى مقاومة هذا النظام الطاغي ، الذى كان مزهوا خلال تلك الفترة بقوته وجبروته وبما يتمتع به من دعم دولى بسبب ما يغدقه من اموال ومشاريع وعطاءات على الدول العربية والافريقية والاجنبية ، ولكن ذلك لم يفت فى عضد الدبلوماسى الليبى فأعلن تمرده وثورته وانشقاقه عنه … ولم يستسلم أو يهادن رغما عن تعرض العديد منهم  واسرهم  للاقصاء والملاحقة  للتشرد  ولصعوبات الحياة   فى ديار الغربة .. ويجب ألا يقارن انشقاق الدبلوماسى الليبى خلال تلك الفترة العصيبة ، فترة الثمانينات ، بانشقاق زميله الدبلوماسى بعد تفجر ثورة 17  فبراير عندما اشرفت سفينة النظام المقبور على الغرق … رغما عن أن انشقاقات الدبلوماسىيين الليبىين بصفة عامة فى الماضى أوالحاضر تضامنا مع شعبهم كانت ولا زالت مثار أعجاب وتقدير من كل دول  العالم ، خاصة عند مقارنتها بالمواقف السلبية  لدبلوماسى  دول ما سمى بالربيع العربى التى كانت مخيبة  لتطلعات شعوبهم