الباركوريون أو النطاطون… فى ليبيا

اختلفت الآراء حول تفسير معني كلمة ” الباركور”.. وهى رياضة النط الجديدة التى أصبح يمارسها لاعبون محترفون على المستوى الدولى، ولكن مهما اختلفت هذه الأراء فى تفسير معنى هذه (الكلمة)ا فإننا نستطيع أن نوجزها فى إجادة فن (القفز. والتسلق. والدحرجة)، ورياضى الباركور يروض جميع أجزاء جسمه وعقله بشكل توافقى مع النطيط والقفز والتسلق ومع البيئة المحيطة لكى يتجاوز كل الحواجز والعقبات للوصول إلى الهدف المنشود.
وأول ما ظهرت رياضة ” الباركور ” ظهرت في فرنسا ثم تبلورت قواعدها وأسسها حتى وصلت إلى شكلها الحالي،ثم انتشرت بعد ذلك إلى العالم الخارجى منذ عام 2003 عندما أذاع التليفيزيون البريطاني الفيلمن الوثائقيين المعروفان ب” قفزة لندن ” و ” قفزة بريطانيا” و قامت قناة “الجزيرة الوثائقية” بنشر هذا الأخير مدبلجا إلى العربية تحت اسم “النطاطون”.

غير أن هذه الرياضة (النطاطون) كانت معروفة عندنا فى ليبيا منذ سنين عديدة وقبل حتى أن يخترعها او يعرفها الفرنسيون، وقد مورست فى ليبيا منذ إنقلاب عام 1969 ” الذى جاء بالقذافى على قمة السلطة ” عندما أنتهجها عدد كبير من(المتسلقين الليبيين) من رجالات ومسؤولى العهد الملكى والذين ما إن تأكدوا من سقوط الملكية حتى سارعو ا إلى ممارسة هذا النوع من الرياضه (النطيط والقفز، والتسلق)، فأنقلبوا مابين عشية وضحاها من ملكيين إلى ثوريين قذافيين وفقا لما كان متعارف عليه آنذاك ومارسوا (البصاصة) والتنكيل والملاحقة لعدد من رموز النظام الملكى الذين كانوا رؤساء وأسياد لهم يتعاونون معهم بالداخل والخارج ولم يثنيهم عن ممارسة فن التسلق كشجرة اللبلاب أى رادع خلقى أو إنسانى.
واليوم وبعد ان شاهد هؤلاء (الباركوريون) أو النطاطون النجاح الكبير الذى حققته ثورة 17 فبراير فى الداخل والخارج بعد ان حطمت عرش القذافى الطاغية، قاموا هم بذاتهم، نفس المتسلقين وربما أيضا حتى أبنائهم وأحفادهم الذين ورثوا (فن ممارسة هذه الصنعة) بالقفز إلى الصفوف الأمامية والتمنطق برداء الثورية… متسببين بالحاق الأذى بعدد كبير من الأبرياء الذين هم ربما كانوا أكثر منهم وطنية وأكثر منهم تمتعا بالصدق الثورى، ونكلوا بشريحة من الأغلبية الصامتة التى لا لها فى العير ولا لها فى النفير… وتسابق هؤلاء (الباركوريون) الى سلالم الصعود يتدافرون مستخدمين كافة الوسائل الاعلامية والتشهيرية من أجل تلميع صورهم وتواريخهم.
والأمثلة على تجذر مثل هذه النماذج (الباركورية) فى مجتمعنا كثيرة ولا تحصى، غير أننى هنا سأكتفى باختصار بإيراد صور من عينات معينة لبعض هذه النماذج والتى صدمت (شخصيا) برؤيتها وهى تمارس من جديد نفس رياضتهم المفضلة فى القفز والتسلق.
فهذا.. الدبلوماسى النطاط “القفاز ” الذى يمثل شريحة معينة من الدبلوماسيين المنافقين، كان من اشد المتحمسين للتعاون مع (اللانظام القمعى) و كان معروفا عنه أنه يشى بزملائه الذين لا يدينون بالولاء، كما كان بحكم وظيفته وما يملكه من صلاحيات يتولى تقييمهم فى تقارير مفصلة تصل بطرق مباشرة أو غير مباشرة إلى الأمن الخارجى أو الداخلى، وكان يتابع (متطوعا) تحركات المعارضين أو المنشقين عن (اللانظام) خلال فترة الثمانينات ولا يتورع عن وصفهم بالكلاب الضالة فى كل مناسبة أو لقاء يضمه بالاجانب أو المواطنين الليبيين المهاجرين أوالدارسين بالخارج، وكان يتعمد إلحاق الأذى بهم وبأسرهم فى الخارج.
وهذا النموذج كان يعتبر أن أى زيارة (فسحة او علاج او دراسة) يقوم بها أى من أبناء الطاغية أو أى أحد من أقاربه أو أزلامه الكبارللبلد المعتمد به بمثابة وسام شرف كبير له ولسفارته، ويسارع بتقديم كل فروض الولاء والطاعة حتى ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة أو على حساب القيم والأخلاق والضمير الانسانى كما كان يجمد كافة حسابات وارصدة البعثة السياسية لصالحهم معرضا بذلك نفقات علاج المرضى ومكافأت الطلبة للتوقف طيلة فترة هذه الزيارات، وينفق دون حساب على هذه الزيارات متجاوزا بذلك ما تفرضه القوانين واللوائح المالية من قيود أو إشتراطات.
هذا الدبلوماسى (النطاط) نفاجأ به الآن (ودون ذرة من حياء) بعد ان شاهد سفينة سيده وأبنائه قد أشرفت على الغرق النهائي، يخلع عنه جلد الحرباء الأخضر الذى كان يتمنطقه فى عهد سيده ليستبدله بالجلد الجديد لكى تتماشى ألوانه مع البيئة المحيطة، ويهرع إلى جهاز هاتفه النقال وبمنتهى البرود التسلقى يتصل بإحدى القنوا ت الإعلامية الليبية الجديدة مشيدا بثورة 17 فبراير ومنددا بالنظام المنهار وبأبناء القذافى، وتصرفاتهم السيئة فى البلد الذى كان معتمدا به، مظهرا نفسه كمواطن ثورى ممتاز من الدرجة الأولى.
وللحقيقة والتاريخ فإن العديد من العاملين بالسلك الوظيفى الخارجى واجهوا المتاعب والتشريد على أيدى أمثال هذا النموذج النطاط المتسلق من الدبلوماسيين. ويحز فى نفسى أن أرى هذا النموذج السئ لا زال يواصل ممارسة رياضة الباركور (النط والتسلق) فى العهد الجديد.
واذاما تركنا هذا النوذج السئ من الدبلوماسيين (الباركوريين) بالإنتقال إلى استعراض شريحة أخرى تمثل رجال الأعمال الليبيين فسنصطدم بنموذج سئ آخر من هؤلاء (النطاطين) الذى برز كرجل اعمال كبير فقط فى عهد القذافى وكان قد جمع ثروته الطائلة عن طريق الرشوة والتعاون مع كبار أزلام (اللانظام) والمشاركة معهم فى تقاسم الارباح المترتبة عن المشاريع والتحويلات المشبوهة وتهريب الأرصدة إلى المصارف فى ألمانيا وسويسرا وبريطانيا وفرنسا، هذا المتسلق النطاط، لم يخفى إمتعاضه ومعارضته لأى خروج على اللانظام عندما فوجئ بثورة 17 فبراير، فتطوع وبكل صفاقة ووقاحة (ودون أن يكون مجبرا على ذلك) بتوزيع رسالة (مسج) عن طريق هاتفه النقال على العديد من زملائه من أصحاب الأعمال الليبيين تتضمن (فتوى) يدعوهم فيها إلى عدم الخروج عن طاعة ولى الأمر حتى لو أذلهم أو ألهب جلودهم بالسياط. “حسب ما ورد فى المسج الموزعة على رجال الأعمال ” ثم هرب بعد ذلك إلى تونس
ويالها من نصيحة رائعة تفضل رجل الأعمال المذكور من خلالها ببث السم والتحريض على مقاومة ثورة 17 فبراير… وهذا الموقف المؤيد (للانظام) سوف لن يكون مستغربا منه أو مستهجنا لو أستمر فيه (وسأنحنى له تقديرا واحتراما لثباته على مبدئه)… ولكن المستغرب والمستهجن أن ينقلب صاحبنا هذا مائة درجة فى الإتجاه المعاكس (فى تونس) بعد أن تأكد من تحطم سفينة سيده فغرس هو الآخر خنجره فى ظهر سيده وولى نعمته، وتمنطق شأنه شأن من سبقوه من النطاطين المتسلقين رداء الثورية عارضا ولائه ومساعدته المادية لدعم ثورة 17 فبراير… واعتبر كرجل أعمال تأييده لها (صفقة مالية مربحة).
أما عن شريحة (الإعلاميين) فحدث ولا حرج فقد هجموا هجوم الذباب على كافة وسائل الإعلام الثورية، وتزاحموا خلف قنوات المرئيات، الكل يعرض وطنيته وبضاعته، وبنفس المنطق الذى كانت تتبعه مدرسة (شاكير وهالة وقدربوه)، ولكن هذه المرة، فى الإتجاه الثورى الجديد، والكل يظهر نفسه على أنه كان متعاونا فى السابق مع (اللانظام) تحت الضغط والمعاناة وانه كان مجبرا تحت التهديد، وأنه كان من المناضلين والمقاومين (الشرفاء) لنظام الطاغية.
وكنموذج من هذه الشريحة نجد فى مواجهتنا على إحدى القنوات المرئية هذا المذيع اللبق النطاط الذى لم تكن تخلو بعض شاشات التلفزيون الليبى من صورته الباسمه وهو يمدح تطوعا سيده و كتابه الأخضر وكان ديكا صداحا (للانظام) فى كافة اللقاءات والندوات، نجده اليوم يطل علينا من خلال إحدى هذه القنوات الثورية الجديدة بنفس الابتسامة ونفس اسلوب اللباقة قد تلون كالحرباء ويصبح من جديد وفى العهد الجديد مذيعا ومبرمجا فى القنوات الجديدة.
أماعن أخرهذه النماذج من (النطاطين) فيتمثل فى أن عدد ا كبيرا من هؤلاء كانوا قد تطوعوا (شيبا وشبابا من الجنسين) لتقديم العون والمساعدة لكتائب الطاغية عندما كانت تتصدى للمظاهرات فى مدينة طرابلس، واستلموا الأسلحة والعتاد والسيارات الفارهة والأموال القذرة لمحاربة ثورة 17 فبراير وكانوا يرقصون ويغنون فى ساحة الشهداء وفى باب العزيزية مرددين الاناشيد والأهازيج المشيدة بأبوهم القذافى وبانقلاب الفاتح، وكانوا يحشدون المواطنين بالترغيب أو الترهيب للإنخراط فيما كان يوصف بالمسيران المليونية فى مختلف المناطق، إنقلبوا هم أيضا (بقدرة قادر) بعد أن تحررت طرابلس لكى يمارسو رياضتهم المفضلة (الباركور) في التسلق من جديد ولكن هذه المرة كثوار مؤيدين لثورة 17 فبراير، وأخذو بعد ان تبرؤا من (الكتانة الخضراء) يتعاونون مع ثوار 17 فبراير فى إقامة الحواجز فى الطرقات ويتمنطقون الاسلحة الرشاشة فى حراسة البوابات ويشاركون ومداهمة أوكار ومعاقل أزلام (اللانظام) يقومون بكل ذلك جنبا إلى جنب مع الثوار الحقيقيين أو بأصح تعبير أعدائهم السابقين الذين كانوا يتمنون (لو لم ينتصر هؤلاء) لكى تتاح لهم فرصة سجنهم وتعذيبهم وربما ذبحم (حتى على غير قبلة)….. وبصراحة على رأى المثل تحب تفهم تدوخ.

بقى استفسار أخير…قد نجد له الجواب وقد لا نجد… وهو هل ستنجح ثورة 17 فبراير فى ان تغير من هذه السلوكيات السلبية وان تقضى على الباركوريين المتسلقين فى المجتمع الليبى الجديد…؟؟؟