المعلـم عليه ان يتعلـم

أهـدي هذه القصة إلي المعلمة الليبية التي تسرعت فصفعت تلميذتها لأنها لم تنتبه للـرد علي سؤالها متصورة أنها تتمرد عليها ، بينما الواقع أن الطفله البريئة ” مصابة بداء السكري ” كانت في غير وعيها لترد علي السؤال بسبب هبوط السكري عندها ، أهديها إلي هذه المعلمه بالذات وكموعظة وعبرة لمن يقرؤها من المعلمين والمعلمات لكي لا يتسرعوا في إصدار الأحكام علي تلاميذهم الذين هم أمانة في أعناقهم .
المعلمـة… التلميـذه
حين وقفت المعلمة أمام الصف الخامس في خلال الأول يوم تستأنف فيه الدراسة، ألقت على مسامع التلاميذ كلمة ترحيب لطيفة تجاملهم بها كما يفعل عادة جميع المعلمين مع بداية كل عام دراسي ، وقالت لهم فيها: إنني معجبه بكم وأحبكم جميعاً، ولكنها في قرارة نفسها كانت تستثني من هذا الاطراء تلميذاً واحدا من تلاميذها يجلس في الصف الأمامي، يدعى (( تيدي ستودارد )) .
كانت السيدة تومسون طيلة العام السابق، غير راضية عن تيدي هذا لكونه بسبب اطواره الغريبه فهو دائما منطوي لا يلعب مع بقية الأطفال ، ودائما يبدو شخصاً غير مبهج، يرتدي ملابس متسخه .
وقد بلغ الأمر أن السيدة تومسون كانت تغاض منه وتتلذذ في تصحيح أوراقه بقلم أحمر عريض الخط، وتضع عليها علامات ) x (بخط عريض، و تكتب عبارة “راسب” في أعلى تلك الأوراق.
وفي المدرسة التي كانت تعمل فيها السيدة تومسون، كان يطلب منها من قبل ادارة المدرسة مراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ، وعند ما كانت تراجع سجل الدرجات الخاص بتيدي فوجئت بتقديرات وملاحظات غريبه من زملائها المدرسين علي ملف تيدي … !!
فقد كتب معلم تيدي في الصف الأول الابتدائي ما يلي : ” تيدي طفل ذكي يتمتع بروح مرحة. إنه يؤدي عمله بعناية واهتمام، وبطريقة منظمة، كما أنه يتمتع بدماثة الأخلاق”. وكتب عنه معلمه في الصف الثاني : ” تيدي تلميذ نجيب، ومحبوب لدى زملائه في الصف، ولكنه منزعج وقلق بسبب إصابة والدته بمرض عضال، مما جعل الحياة في المنزل تسودها المعاناة والمشقة والتعب”.
أما معلمه في الصف الثالث فقد كتب عنه : ” لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه.. ولقد حاول الاجتهاد، وبذل أقصى ما يملك من جهود، ولكن والده – للاسف – لم يكن مهتماً، وإن الحياة في منزله مزعجه وستؤثر عليه إن لم تتخذ بعض الإجراءات”.
بينما كتب عنه معلمه في الصف الرابع : ” تيدي تلميذ يعاني متاعب تدفعه الي الانطواء ، وعدم التركيز ، ولا يبدي الكثير من الرغبة في الدراسة، وبسبب هذه المتاعب ليس لديه الكثير من الأصدقاء .
وهنا أدركت السيدة تومسون المشكلة التي يعانيها تيدي ، فشعرت بالخجل والاستحياء من نفسها على ما بدر منها، وقد تأزم موقفها إلى الأسوأ عندما أحضر لها تلاميذها هدايا عيد الميلاد ملفوفة في أشرطة جميلة وورق براق، ما عدا تيدي . فقد كانت الهدية التي تقدم بها لها في ذلك اليوم ملفوفة بسماجة وعدم انتظام، في ورق داكن اللون ، مأخوذ من كيس من الأكياس التي توضع فيها عادة الأغراض التي تسوق من البقالة، وقد تألمت السيدة تومسون وهي تفتح هدية تيدي، من انفجار الضحك بين التلاميذ عندما وجدت فيها عقداً مؤلفاً من ماسات مزيفة ناقصة الأحجار، وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع فقط.. ولكن سرعان ما كف أولئك التلاميذ عن الضحك عندما عبَّرت السيدة تومسون عن إعجابها الشديد بجمال ذلك العقد ثم لبسته على عنقها ووضعت قطرات من العطر على معصمها. الأمر الذي رفع معنويات تيدي الذي لم يذهب ذلك اليوم بعد انتهاء الدراسة إلى منزله. بل انتظر قليلاً من الوقت ليقابل السيدة تومسون ليقول لها مبتسما : سيدتي … إن رائحتك اليوم جميله جدا جدا مثل رائحة والدتي…!!
وعندما غادر التلاميذ المدرسة، وبقيت السيدة تومسون وحيدة في الفصل الدراسي أجهشت بالبكاء لفترة من الوقت ، لأنها اكتشفت ان تيدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، والتي كان يحتفظ بها كتذكار ، واستنشق عبير رائحة أمه الراحلة في معلمته ، ومنذ ذلك اليوم أولت السيدة تومسون اهتماماً خاصاً لتيدي الذي بدأ عقله يستعيد نشاطه وحيويته ، وبنهاية السنة الدراسية، أصبح تيدي من أكثر التلاميذ تميزاً في الفصل، وأبرزهم ذكاء، وأصبح أحد التلايميذ المدللين عندها. وبعد مضي عام وجدت السيدة تومسون مذكرة عند بابها للتلميذ تيدي، يقول لها فيها: “إنها أفضل معلمة قابلها في حياته”.
ومضت ست سنوات دون أن تتلقى أي مذكرة أخرى منه. ثم بعد ذلك كتب لها أنه أكمل المرحلة الثانوية، وأحرز المرتبة الثالثة في فصله، وأنها حتى الآن مازالت تحتل مكانة أفضل معلمة قابلها طيلة حياته.
وبعد انقضاء أربع سنوات على ذلك، تلقت خطاباً آخر منه يقول لها فيه: “إن الأشياء أصبحت صعبة، وإنه مقيم في الكلية لا يبرحها، وإنه سوف يتخرج قريباً من الجامعة بدرجة الشرف الأولى، وأكد لها كذلك في هذه الرسالة أنها أفضل وأحب معلمة عنده حتى الآن”.
وبعد أربع سنوات أخرى، تلقت خطاباً آخر منه، وفي هذه المرة أوضح لها أنه بعد أن حصل على درجة البكالوريوس، قرر أن يتقدم قليلاً في الدراسة، وأكد لها مرة أخرى أنها أفضل وأحب معلمة قابلته طوال حياته، ولكن هذه المرة كان اسمه طويلاً بعض الشيء، (( دكتور ثيودور إف. ستودارد )).

لم تتوقف القصة عند هذا الحد، لقد جاءها خطاب آخر منه في ذلك الربيع، يقول فيه: “إنه قابل فتاة، وأنه سوف يتزوجها، وكما سبق أن أخبرها بأن والده قد توفي قبل عامين، وطلب منها أن تأتي لتجلس مكان والدته في حفل زواجه، وقد وافقت السيدة تومسون على ذلك”، والعجيب في الأمر أنها كانت ترتدي العقد نفسه الذي أهداه لها في عيد الميلاد منذ سنوات طويلة مضت، والذي كانت إحدى أحجاره ناقصة، والأكثر من ذلك أنه تأكد من تعطّرها بالعطر نفسه الذي ذَكّرهُ بأمه في آخر عيد ميلاد!! واحتضن كل منهما الآخر، وهمس (دكتور ستودارد) في أذن السيدة تومسون قائلاً لها، أشكرك على ثقتك فيّ، وأشكرك أجزل الشكر على أن جعلتيني أشعر بأنني مهم، وأنني يمكن أن أكون مبرزاً ومتميزاً.
فردت عليه السيدة تومسون والدموع تملأ عينيها: أنت مخطئ، لقد كنت أنت من علمني كيف أكون معلمة مبرزة ومتميزة، لم أكن أعرف كيف أعلِّم، حتى قابلتك.
بقي أن تعرف أخي القارئ أن (( تيدي ستودارد )) هو الطبيب الشهير مؤسس مركز ستودارد لعلاج السرطان في مستشفى ميثوددست في ديس مونتيس بولاية أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعد من أفضل مراكز العلاج ليس في الولاية نفسها وإنما على مستوى العالـم .