صاحبة الجلاله نقلتنى إلى الباكستان

حــدث ذلك خلال الفتره مابين شهرى مايو ويونيه من عام 1967 التى تميزت بالسخونه السياسيه فى اعقاب تفجر المظاهرات في كل من مدينتى طرابلس وبنغازي وتعرّض السّـفارتين الأمريكية والبريطانية والقنصليّـات للرّشق بالحجارة وحرق العلم الأمريكي ، واضراب عمال النفط ، وتفجر حركة عصيان شعبى ، وكان الجو مشحونا ومتوترا بين الدوله والصحافه حيث تبنت صحف البلاغ والوطن والرقيب والحريه مواقف داعمه لمطالب المظاهرات بتصفية القواعد البريطانيه والامريكية فى كل من طبرق ٌ ( قاعدة العدم ) وطرابلس( قاعدة الملاحة ) وكانت خطابات عبد الناصر ومقالات حسنين هيكل على على صحيفة الاهرام ولعلعة إذاعة صوت العرب من القاهرة قد الهبت مشاعرالغضب والتحدى لدى الليبيين وكان صوت المذيع احمد سعيد وزميله محمد عروق يسمع مجلجلا فى كل بيت او مقهى اونادى او متجر محرضا الجماهير الليبية على تصفية هذه القواعد التى اتهمت من قبل النظام المصرى وعبد الناصر بالذات بمسهمتها فى العدوان الثلاثى على مصر الذى اشتركت فيه فرنسا وبريطانيا واسرائيل .
وفى هذا الجو المشحون بكل هذه التوترات دعانى المرحوم احمد ابو راس رئيس لجنة ادارة نادى الشباب العربى بطرابلس للمساهمه ضمن برنامج ( لقـاءات ثقافيه ) التى كان يتبناها النادى خلال تلك الفترة إلى إ لقـاء محاضره عن اى موضوع ثقافى أو إعلامى ، فاخترت ان تكون محاضرتى متمشية مع ما تمر به البلاد من طفرة فى المجال الصحفى ومدى مساهمة الصحافة فى تثوير الراى العام الليبى اتجاه ماتمر به البلاد من احداث متتالية ، ورايت ان يكون موضوع محاضرتى فى هذا النادى العريق الذى كان يشكل ملتقى لرجال الفكر والثقافة عن (صاحبة الجلالة ) الصحافة . واذكرانه كان من بين الحضور لهذه المحاضرة المرحوم على وريث (صاحب صحيفة البلاغ وهى صحيفة جديدة ناشئة شهدت خلال تلك الفترة اقبال جماهيرى على قراءتها لما كانت تنشره من مواضيع اتسمت بالسخونه والتحدى ضد الحومة الليبية كما حضرها الاديب الاستاذ على مصطفى المصراتى و المحامى ابراهيم الغويل الذى كانت تربطه علاقة حميمة بالمرحوم على وريث ، وعدد من الدبلوماسيين الشباب من وزارة الخارجية ، وقد تطرقت المحاضره الى الاشاده بالدور الوطنى لبعض الصحف الجريئه التى تحدت الرقابه والتكميم مثل صحيفتى البلاغ والوطن كما تطرقت الى الوضع السئ الذى مرت به الصحافه وما تتعرض له من ضغوطات ومصادره ومنعها حتى من الانتشار او التوزيع فيما بين الأقاليم والمدن الليبية .

وأعقب المحاضره نقاش وحوار صريح بين الحضور ابدى خلاله معظم المعلقين استيائهم من المواقف والاجراءات التى اتخذت لعرقلة حرية الاعلام ومصادرة الرأى الآخرمسفهين اجراءات الدولة فى محاصرة الصحف الخاصة الغير مموله من الدولة ومنعها من التوزيع او الانتشار فى كافة المناطق
وفـى صباح اليوم التالى من إلقاء محاضرتى ، عند ما ذهبت الى عملى كالمعتاد بوزارة الخارجيه بطرابلس فوجئت صبا ذلك اليوم باستدعائى لمقابلة الاخ وكيل الوزاره ( خيرى بن عامر رحمه الله ) الذى بالرغم من أنه استقبلنى بنوع من التجهم دعانى الى الجلوس الى مكتبه ، وبعد ان ازاح عن عينيه نظارته الطبيه ورمى بها جانبا فوق مكتبه ، نظر لى متفحصا ثم ابتدرنى قائلا وبهدوء أهنئك يااستاذ على محاضرتك عن ( صاحبة الجلاله ) …. كانت محاضرة جيدة وكان من الممكن الا تثير هذه المحاضره أى زوبعة داخل وزارة الخارجية او اى اهتمام اهتمام لولا حضور السفير الروسى ( الذى يجيد اللغة العربيه ) هذه المحاضره ، لقد اثار حضور السفير الروسى محاضرتك يااستاذ غضب الدولة …. وأنا لا احملك أنت مسؤلية ذلك .. فالمسؤولية يتحملها زميلك عبد العظيم بعيو الذى للاسف وجه الدعوة للسفير الروسى لحضور هذه المحاضرة وكان مرافقا له اثناء القائها من قبلكم وما اعقبها من حوار ونقاش وانتقادات لسياسة الدولة
ولو كانت المحاضره لم تتطرق إلى اثارة النقاش الذى اعقبها والذى استغل فى اعطاء صوره سيئة عن تعامل الدوله مع الاعلام والاعلاميين فى حضور السفير الروسى ، وانت تعرف الظروف التى تمر بها بلادنا ، وهى ظروف غير مواتيه لمثل هذا النشاط ، وانا لا احب ان اوجه لك أى لفت نظر كتابى ولكنى سأكتفى بهذا وأن اطلب منك مستقبلا بصفتك موظف بالدوله ان تطلب الاذن عند القيام باى نشاط من هذا القبيل . ولم يمنحنى السيد وكيل الوزارة اى فرصة للرد عليه لتوضيح وجهة نظرى . واكتفى بان اعتذر لى عن قبول اى ىنقاش فى الموضوع حيث كان مرتبطا بموعد مع احد السفراء الذى كان ينتظر الدخول إليه.
وكنــت وقتها مرشحا للذهاب للعمل بإحدى سفاراتنا فى دولة أوروبيه ( ……. ) وفقا لما توفر لى من معلومات ، إلا أننى فوجئت بعد هذا الاستدعاء بتغيير ترشحى للدولة الاوروبية الى الاتجاه المعاكس وذلك بنقلى للعمل بالباكستان التى لا يوجد أى تمثيل دبلوماسى مقيم بيننا وبينها وعلى ان أن أتحمل مع لجنة مكلفة عبء تأسيس البعثة السياسية بها ..وأمام هذا التكليف اضطررت الى ترك اسرتى والذهاب بمفردى للاقامه فى عاصمتها الجديده( اسلام اباد ) التى كانت انذاك عباره عن هضاب ومنحدرات واوديه تتجول بها العقارب والزواحف وكانت كل مبانيها تحت التأسيس ولا تتوفر بها اى مقومات للحياه العصرية .ولا توجد بها اى سفاره إللهم إلا ممثل للسفاره السعوديه ساعدنى على التغلب على وحشة المكان وبداوته .
وهكذا تسببت لى محاضرة ( صاحبة الجلاله ) التى القيتها بنادى الشباب العربى بطرابلس فى نقلى الى أقاصى الشرق إلى الباكستان حيث ساهمت فى تأسيس اول بعثة دبلوماسيه ليبية فى الشرق الاقصى، وكانت تجربه قاسيه جدا لى ولأسرتى . وللمعلوميه فإن اسلام اباد الحديثه الآن عاصمة عصريه و من أجمل المدن تتوفر بها كل سبل الحياة المرفهه.