نحـن ومنظمة التجارة العالمية

منظمـة التجـارة العالمية هي أحــدأضلاع المثلث (الذي يتكـون أيضا من المصرف الدولى وصندوق النقد الدولي) المنظـم لحركـة المـال والتجــارة الدولية والذي يهدف إلى تحريـر التجـارة العالمية وتخليصها من كافـة القيـود والمصاعـب التي تعيـق إنسياب السلـع والخدمـات مـن وإلـى الـدول الأعضاء وحمايـة الملكية الفكرية فـي المجـالات الإنتاجيـة المختلفة وفقــا للمخطـط الـذى رسمته وتعمل على تنفيـذه .

وتعود فكرة تأسيس المنظمة إلى فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدايات تشكل النظام الإقتصادي العالمي والذي رافـق التوقيع على معاهدة بريتون وودز(Briton Woods) عام 1945 وما صاحبه من ظهور ما عرف بالاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة (GATT)الجـات عام 1947 . والمشروع فى أساسه كان مبادرة أمريكية رأى من خلالها صناع القرار الأمريكي أنها ستمهد الطريق لإزالة الحواجز التي تعترض طريق السلع الأمريكية وستسهم في فتح السوق العالمية أمام المنتجات الأمريكية التي بدا وكأنها لا تواجه منافسة، خصوصا أن كبرى الدول المصنعة في أوربا وآسيا دمرتها الحرب وأصبحت تعتمد بشكل مباشر على الاقتصاد الأمريكي لإعادة بناء اقتصادياتها.

وجوهر اتفاقية الجات يقـوم على تحرير التجارة من خلال خفض الرسوم الجمركية ووقف دعم المنتجات المحلية القابلة للتصدير. وعقدت الجـات عدة جولات من المفاوضات كان من أشهرها جولة الأرجواي التي دامت ثماني سنوات ( 1986 – 1994 ) والتي تمخضت عنها جملة من الإتفاقات المهمة كان من أبرزها الإتفاق على تأسيس منظمة التجارة العالمية التي حلت كليا محل منظمة الجات وتمارس مهام الإشراف على تنظيم التجارة الدولية.

وتقـوم اتفاقيات منظمة التجارة العالمية على فلسفة الميزة النسبيةComparative Advantage التي تعني أن لدى كل دولة مقومات وظروف للتخصص في مجالات إنتاجية أو خدمية معينة تسمح لها بإنتاج سلع أو تقديم خدمات ذات مواصفات نوعية عالية بأقل التكاليف ما يحقق لها ربحا جيدا.ومن خلال حرية التجارة وانسياب السلع والخدمات ورؤوس الأموال يتحقق النمو والرخاء للجميع، كما يتم الإنتفاع بصورة أفضل بالموارد المتاحـة.

ومن أجـل تحقيق ذلك تنص اتفاقيات منظمة التجارة العالمية على أن الوسيلة الوحيدة المسموح بها لحماية الإنتاج المحلي من منافسة السلع الأجنبية هي الرسوم الجمركية، وإن أية ميزة جمركية تعطيها دولة لدولة أخرى تصبح عامة تستفيد منها جميع الدول الأعضاء بحسب مبدأ الدولة الأولى بالرعاية (Most favoured nation) الذي يمنع التمييز بين الموردين المحليين والأجانب، ومبدأ عـدم التفرقـه بين المنتج المحلي والمنتجـات المستوردة .

وتتضارب الآراء حـول الـدور الذي تقـوم به هـذه المنظمه ، فهناك من يسانـدها ويـرى أنها تعمـل على ازدهـار التجـارة العالمية، وترفـع من مستـوى الـدول الناميـه وهناك من ينظـر لهـا بعيـن الشـك والريبـة ، وأنهـا مجـرد أداة فرضتهـا الـدول الصناعية المتقدمة والشركـات متعـددة الجنسيـة ، لترسيخ اعتماد الدول الناميـة على الدول الصناعية المتقدمة

وتتمتع ليبيا بعضوبة مراقب فى المنظمة المذكورة منذ عام 1952، ولم تقـدم الجهات الليبية على أي خطـوات خلال العقـود الماضية لتغيير الموقف الليبي الذي تطـور إلى موقف أيديولوجي يقـوم على رفض الانضمام للمنظمة لخضوعها لهيمنة الدول الكبرى وذلك خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، ومع تطـور الأحداث الدولية التي أفضت إلى تحول كبير في السياسة الخارجية الليبية تقدمت ليبيا عام 2001 بطلب الإنضمام للمنظمة، ولم يدرج الطلب الليبي ضمن أجندة اجتماعات المنظمة خلال الأعوام التي تلت تقديم الطلب إلا بعد الانفتاح الذي شهدته ليبيا على العالم والتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية المعترض الأول على انضمام ليبيا.

والدولة الليبية شاركت في السابق في اجتماعات المنظمه تحت صفـة (مراقـب) كدولـة ناميـة لديهـا الرغبة والطموح في أن تنظـم إلى قائمـة الـدول الأعضـاء بهــذه المنظمــه للإستفــادة مــن المكاسـب والإغــراءات التي تقدمها للـدول الناميـة، وتحقيقـا لهــذه الرغبـة أو الطموح كانت قد اأنكـبت حكومة النظـام السابق على إدخـال عـدد من التغييرات والإصلاحـات الملحة على هيكلتها الإقتصاديـة والإداريـة وعلى التشريعـات المنظمـة لهـا والتي كان يؤمـل من وراء تعديلها أن تساعد على تعجيـل انضمامهـا الرسمي الى عضويـة المنظمـة بأسرع وقـت ممكن رغـما عـن أن هـذا الانضمام كان يشكـل نقطــة خـلاف مستعـر بيـن الرادكاليين من الحـرس القديـم والليبراليين على مستـوى الداخـل، إلا أن كافـة المعطيـات كانت تؤيـد وربمـا لا أبالـغ إذا مـا قلـت أنهـا كانت تدفــع وبكـل قــوة فـي إتجـاه هـذا الإنضمـام رغمـا عـن مـا يدفـع بــه الحرس القديـم مـن حجج وانتقادات معارضة تتمثـل فـي الآتـي:

1 – إن الإنظمام للمنظمة يستدعي تطبيـق شـروط الإنضمام المتمثله فـي الالتزام بإقامـة نظـام تعــددي ديمقراطي وحمايـة حقـوق الإنسان والملكية الفكرية وفرض تعديلات سياسية واقتصادية بما يتطابق مع المواثيق والمعاهـدات الدولية في المجـالات السابقـة وهـو فـي واقـع الأمر دفـع لليبيـا إلى دائـرة النظـام الرأسمالي

2 – سـوف يـؤدي هـذا الإنضمام إلى إحـداث فجـوات واسعـة بيـن القـدرات الانتاجيـة والتنافسية للفعاليات الإقتصادية فــي بلادنـا وتلك التي تتمتع بهـا الـدول المتقدمة الأمـر الذي قـد يـؤدى ببلادنـا إلى أن تكـون سـوق مستهلكة لا سـوق منتجـة. إلا أن هـذه المخاوف من قبل المتشددين الليبيين مع تسليمنا ببعـض منهـا كان مبالـغ فيها (حرصا منهم على عدم تخلخـل النظـام ) وتتبـدد أمام مقتضيات الواقـع الفعـلى المحيط ببلادنـا والمتمثـل في الآتــي:

أولا – أن إنضمـام معظـم دول الطـوق التى تحيط بنا الى عضويـة هـذه المنظمة، لا يتـرك لنـــا اى مجــال للخيـار أوالتفكيــر أو حتـى التــردد فى الانضمام ، حيــث ان عدم الانضمام يجعلنــا وبكـل صراحـة تحـت رحمـة هـذه الـدول التي (شئنـا أم أبينـا) تشكل طوقـا يخنـق اقتصادنـا وويتحكم فيه، وعلينا أن نكسر هـذا الطـوق إذا ما أردنا لاقتصادنا أن يتحـرر وأن يتفاعـل مباشرة مع الإقتصـاد العالمي بعيـدا عـن حنان وعطـف وهيمنة دول الجـوار.

ثانيا – لا خـوف من الفجـوة الإقتصادية التي قــد يحدثهــا هذا الإنضمام حيـث أنـه من غير المتوقـع أن يؤثـر إنضمام ليبيـا إلى المنظمة على معـدل صادراتهـا وذلــك بسبب هيمنة الصادرات النفطية على أكثـر مـن 95 % منهـا، وهي صـادرات غيـر خاضعة لشـروط الانضمام للمنظمةفي الوقـت الـذي تشكـل فيه الصادرات غيـر النفطيـه والتي ستخضع لشــروط المنظمـة نسبـة قليلة جــدا لا تكـاد تذكـر.

وأمام هذه الحقائق ورغما عن تقديرنا لوجهة نظر المعارضين– فإنـه لامناص لنـا – من الإنضمام إلى عضويـة هذه المنظمة إذا أردنـا أن نحافـظ على:

أ) – التوازنـات الإقتصاديـة في بلادنـا وبمــا يحفزنـا على الإستفـادة مـن هـذا الانضمام وتسخيره لخدمة نمـو إقتصادنـا في قطـاع الخدمـات والــزراعة والصناعـات التحويلية وفــق شـروط تفضيليه كتلك التى سبـق للمنظمـة وأن أعتمدتهــا مـع عــدد من الـدول الناميـة.

ب) – حريــة تصديـر منتجاتنـا “خاصة الزراعية” التي تتمتع بالنـدرة أو الجـودة مباشـرة إلى الشاطـئ الأوروبي دون التعرض لأي قيود، أو تمييز وحلحلة هـذا التصديـر من هيمنة الجيـران على تصديـر هــذه المنتجـات بأسعار تفضيلية إلى أوروبا على أســاس أنهــا منتجـات تخـص دولهــم.

وتعتبـر مفاوضـات الإنضمام للمنظمة من المفاوضات الشاقـة التي تحتاج إلى نفـس طويـل وخبـرات فنيـة على مستوى عال حتى يمكن أن تحقق الدولة هدفها الرئيسي في التـوازن بين ما تقدمـه من التزامات أو تنازلات مع ما تحصل عليه من مزايــا أو حقوق في مقابــل هــذا الانضمـام، وليبيــا ليســت كغيــرها من الــدول النامية الأخـرى التي سبقتنا إلى عضويـة هذه المنظمــة فهـي وبكل صراحـة في مركــز تحاوري أفضـل وأكثـر قـوة وإقناعـا من تلك الدول لفـرض بعــض من شروطهــا وذلك لتمتعهـا بمعطيـات ودعائـم ومميزات هامة لها لا تتوفــر لتلك الـدول ومنها على سبيل المثــال لا الحصــر تمتعهــا بالآتــي:

1 – تصدرها للقـارة الافريقية في مواجهة القـارة الاوربية بأطـول شريط ساحلي على البحر الابيض المتوسط أعطاها موقع استرايجى هام جدا ووزن سياسى وإقتصادى سواء ضمن الفضاء الإفريقـى أو فى مواجهة دول الغـرب، يسهم فى تسهيـل إنسيـاب السلع من وإلى الخـارج بأسرع وآمن الطرق وبأقــل كلفــة.

2 – تمتعهــا بثـروة نفطيـة ومشتقــات نفطيـة هائلة ذات ميـزات خاصة (مرغـوب فيها بيئيا من معظم دول العالم) وفـر ظروف جيـدة للاقتصاد الليبي بفضـل عوائـد النفـط وهذه ميـزه لا تتوفـر لـدى الـدول الأخـرى.

3 عــدد سكانها المثالي مقارنـة بحجـم ثـروتهــا النفطيـة سوف لن يشكـل عبئـا على نمــو أو ميكنــة الإقتصــاد القومي.

4 انضمامها إلى تكتلات وتحالفات إقتصاديـة إقليميه فاعلـة مع جيرانهـا مثـــل الكوميسا والإتحــاد الجمركي العـربي يسهـم في تذليـل الكثير من الصعوبـات.

5- مبادرتها بتخفيض القيود على الإستيراد وتخفيض العـــوائد الجمركية بادرة جيدة تتوائـم وشـروط الإنضمام ومن المفروض ان يعاملنا جيراننا بالمثل في هذا المجال حيث ثبت وللاسـف انهم في الوقت الذى يستفيدون فيه اقتصاديا من من هذه التخفيضات لا يلتزمون بشروط المعاملة بالمثل وبالمعاهدات والاتفاقات الموقعة

6- دعـم الولايـات المتحدة وأوروبا للدولة الليبية الجديدة بعـد سقوط النظام الدكتاتوري (الذي كان يصدر الهجـرة الغيـر مشروعة والإرهـاب الى الشواطىء الأوروبية) أعطـى ميزة مضافة تساعـد على تسريع الإنضمام للمنظمة

ومن هـذا المنطلـق المتمثل فيـما سبـق ذكـره فـإن المحاور الليبي من أجـل إتمام عملية الإنضمـام إلى هـذه المنظمـة – إذا ما تمتع بخبـرة واسعـة ودهقنـة سياسية وإقتصاديـة جيـدة – سـوف تتوفـر له أسلحة حـوار إيجابيه جيـدة (لم تكن قـد توفـرت لغيره) يستطيع بهــا ومن خلالها مواصلة المقارعه والنزال من أجـل الحصـول على أفضـل العـروض والنتائـج التى قـد تسهـم بشكـل أو بآخـر فـى توفيـر سبـل الحمايـة اللازمـة لاقتصادنا وفـي التخفيف مـن الأثـار السلبية التي قــد تترتب على هــذا الإنضمـام خاصـة إذا مـا أدار (المحاورون) هـذا الحـوار ضمـن منظومة المصالـح المشتركة للتكتلات العربيـة والإفريقيـة التي نتمتـع بالعضويــة فيهـا ومستفيـدا أيضا في نفس الوقت مـن تجارب الـدول النامية الشقيقة والصديقة التي سبقتنا إلى هـذا الإنضمام.

ولإعطــاء صورة أكثــر وضوحـا عـن أنـه لا منـاص لنـا مـن الإنضمام إلى هذه المنظمـة، فـإن عــدد الــدول الأعضـاء فــى هــذه المنظمـة قــد قفــز منـذ عام 1995 وحتى الآن من 112 دولة إلى ما يزيد عن 150 دولة، كمـا أن عــدد الـدول المراقبة (ومنها ليبيـا) والتى هى فى طريقها إلى الإنضمام التـام قــد تجـاوز 31 دولـة مع بداية هــذا العــام، وهــذا يعنى أن أكثر من 80% من دول العالـم سيتـم دمجهـم ضمـن هــذه المنظمة.

وأيا كانت وتيرة الرغبة أو البناء التي أتبعتها أوتتبعهـا ليبيا حاليا من أجـل انضمامها للمنظمـة سواء تلك الوتيرة التى كانت قد مرت بها ابان حكم النظـام السابق تحت الظـروف السيئـة والمتضاربـه لبرامـج الهيكلـه الإقتصاديـه والإدارية أوتلك التي تمر بها حاليا تبقى – بكـل الصـدق – وتيـرة مترددة مرتبكـة ومتعثـرة الخطـوات رغمـا عـن أن الفريـق التفاوضي الذي اوكلت اليه هذه المهمة كان جيدا في عطائه وتعامله مع اجراءات الإنضمام وكان قد استكمـل مذكـرة السياسة التجـارية لليبيـا للموافقـه عليها من قبـل المنظمـة، وعليه فـإن سرعـة توافـق وموائمـة خطواتنـا المتخـذه في هـذا المضمـار مـع شـروط الإنضمـام تبقـى فـي نظـري هي الخطـوة الفاصلـه والأهــم التي يتحــدد زمـن وشكـل الإنضمـام على أساسهـا.

ونحن كغــرف للتجـارة والصناعة والزراعة رغما عن العراقيل التى كانت قد وضعـت من قبل بعـض رموز النظام السابق، من أجـل عرقلة هذا الانضمام، وعن تهميش دورنا فقـد أسهمنا فـى المشاركه بطرق غير مباشرة فـي العـديـد مـن اللقـاءات والإجـراءات التشريعيـة والاقتصاديـة التي أنجـزت مؤخـرا لتهيئـة إدارتنـا وإقتصادنـا لمواكبـة متطلبـات العضويـه بالمنظمـة وإننا نتطلـع اليوم وبكـل الصـدق إلى القطـاع العــام (وزارة الإقتصاد والتجارة ووزارة التعاون الدولي في عهدهما الجديد) ألا يهمـشا دورغـرف التجارة والصناعة والزراعة كقطـاع خاص لـه وزنـه وإسهاماته في مسيـرة التطـور والتنميـة التي تشهدهـا بلادنـا سـواء مـن حيـث توسيـع قاعـدة الملكيـه أو من حيث محـاربة البطالة أو إعــادة الهيكله الإقتصاديـة وذلك بدمجنـا في المشاركـة الإيجابيـة والفاعلـة وفـي مواكبـة آخـر التطـورات التى طـرأت على قضيـة إنضمامنا إلى هـذه المنظمـة ودمجنـا فـي برامـج الحـوار أو اللقـاءات (الثنائية أو الجماعية) التي يشارك فيهـا أو يعقـدها القطاع العـام في الداخل أو الخارج مـع المنظمـه أو مع دول المنظمة.