شر البلية ما يضحك

شر البلية ما يضحك

في أوآخـرعـام  1982 حـدثـت معي حادثـة طريفـة أثناء عملي بالسفارة الليبية باليونان ، وذلك عندما وردت لي تعليمات عجيبة غريبة من رئيس البعثـة الليبية “أمين المكتب الشعبي ” السيد محمد القمودي تطلب منى كمسؤل إعـلامى بالسفارة القيام بزيارة عاجلـة لمكتب السيد وزيرالإعـلام اليونانى وإحاطته علما بوجـود مطبوعة مضادة للحكم فى ليبيا تحت أسـم ” صوت الطليعة ” تـوزع داخـل اليونـان عـن طريـق بعـض الأكشاك فى مدينتي أثينا وسالونيك ، وتقـوم هذه المطبوعة بشن حملات تشويه مسيئة لنظام الحكم الليبى وعدد من رمـوزه ،وأن نطلب من وزيـرالإعلام اليوناني التدخل لمنع دخـول أوتـوزيع هـذه المطبوعة داخـل اليونان

هذه التعليمات وردت لنا خلال فترة حكم حزب الباسوك اليوناني الإشتراكي الـذي كان متربعـا على سدة الحكـم فى اليونان منذ فوزه فى انتخابات عـام 1981…وذلك تحت قيادة زعيمه السيد ” أندرياس باباندريو”الـذي كانت تربطه خلال تلك الفترة علاقـات صداقـة وتعـاون مع نظـام الحكم فى ليبيا  ولا أدرى إن كانت تلـك التعليمات التى أستلمناها نحـن فى سفارتنا فى أثينا قـدعممت حينها أيضا على كـل السفارات الليبية بالخارج أم أنها كانت فقط مقصورة على سفارتنا فى اليونان ، وذلك بسبب نشاط بيع وتوزيع المجلة المذكورة فيها …؟؟

وبناء على تلك التعليمات العاجلة التى وردت إلينـا من وزارة الخارجية الليبية بطرابلس قـام السيـد أميـن اللجنـة الشعبية للسفارة “وهو بمقام السفير” بالتهميش عليها بالإحالـة إلى شخصي للتنفيذ الفوري بصفتى المكلف بالشؤون الإعـلامية …. ولم يكن أمامى حينها إلا الإلتزام بالتنفيذ رغما عن قناعتي بتفاهـة وسذاجـة تلك التعليمات ، ولكن حتى لا يفسرأي تقاعس أو تباطـوء من جانبي عن التنفيذ بتفسيرات مغرضة أوسيئة ضـد شخصي تسهم أكثر فأكثر فى زيادة حـدة التوتـرالذي كان قائما بينى وبين أعضاء اللجنة الشعبية المكلفة بإدارة السفارة ، التزمت بالتنفيذ

وكلف الزميل ” فرج شنبور” الموظف بالسفارة ليرافقني فى تنفيذ هذه المهمة كما كلفت السيدة ” مارينا “سكرتيرة السفير بالإتصال بـوزارة الخارجية اليونانية لتحديـد موعـد لى لزيارة السيـد وزيـر الإعـلام فى مكتبه

وطلبت وزارة الخارجية اليونانية من أجل الموافقة على تحديد الموعد لنا لزيارة وزيرالاعلام ، تزويدهم مسبقا بأسمائنا وصفاتنا الرسمية بالسفارة وأسباب طلب الزيارة ، وتم فعلا تـزويدهم بالمعلومات المطلوبة واستلمنا ردهم بالموافقة، ولكن بتحديد الموعـد مع السيد مدير مكتب وزيرالإعلام  وليس مع الوزير نفسه وذلـك بسبب انشغاله

وفهمنا من خلال ذلك الـرد أن الوزيـرقـد لا يكـون مشغـول فعـلا كما برر لنا ولكن مقتضيات ” البرتوكول ” كانت تقتضي هـذا الـرد الدبلوماسى حيث أن اللقـاء بوزير الإعلام كان من المفترض ان يقوم به رئيس البعثة الليبية نفسه … ولهذا أختلقوا فكرة إنشغال الوزير وتحويلنا للقاء بمدير مكتبه…وكان هـذا هو الرد ” المناسب ” الـذي تلقيناه من وزارة الإعـلام اليونانية حتى نحترم التسلسل الإداري عند زيارات المسؤولين اليونانيين   ولكن هـذا الرد لـم يثني السفارة عـن الإستمرار فى تنفيذ المهمة التى أوكل إلي تنفيذها حتى ولو كان ذلك علي مستوي أقـل من مستوى وزيـر الإعـلام

والحقيقة أن الرجـل مديرمكتب وزيـرالإعـلام كان خلال استقباله لنا فى مكتبه كان فى قمة التواضع ، بشوشا ، دمثا ومجاملا معنا إلى درجة كبيرة ،وبمجـرد أن أحتوانا مكتبه سألنا ، أثناء ذلك اللقاء عن أسم وزيرالإعـلام الليبى وعن عدد الوزارات الليبية وعـن القنوات التلفزيونية العاملة فى بلادنا وعـن الصحف والدوريات الليبية ، مشيـدا بتطـور العلاقـات الطيبة بيـن ليبيـا واليونـان فـى كافـة المجالات

أنتهزنـا فرصة هـذا الإطـراء من قبـل السيد مديـر مكتب الوزيـر، للعلاقـات الطيبـة بيـن ليبيـا واليونـان والحـرص من جانبهم على تطويـرها لـلأفضـل ، وطرحنا عليه ،ونحن يغمرنا الخجل شكوانا ضـد المجلة اللعينة المسماة ” صوت الطليعة ” التى اقلقت راحة النظام الليبي ، طالبين تدخلهم لوقـف دخولها وتوزيعها باليونان ، وقدمنا له كدليل علي سوء سلوك تلك المجلة وما تقوم به من تحريض ضد أمن واستقرار الدولة الليبية بعض الاعـداد  وما حوته من مقالات وصور وكاريكاتيرات مزعجة ومسيئة

وبعـد أن أفـرغنا ما في جعبتنا من معلومات ربما كانت بالنسبة له مبهمة أوغامضة عـن تلـك المجلـة ، رد علينا السيد مديرالاعلام وهـو يقلب في صفحاتها مبتسما لما حوتـه من رسومات كاريكاتير مضحكة جذبت نظره قائلا ” ألهـذه الدرجـة تزعجكم هـذه المجلة ….؟؟؟ أنا لا أعرف محتوي صفحاتها سوي حدسي البسيط لبعـض ما حوتـه من صور ورسوم ،  ثـم واصـل حديثه قائـلا ” أليس فى إمكانكم كسفارة أن تصدروا مجلة تتصدى لهذه المطبوعة وتردعليها …ونحن كمؤسسة إعلامية ليس لدينا أى مانع فى افساح المجال لأى نشاط إعلامى من قبل سفارتكم فى هذا الخصوص  لاننا نحن دولة ديموقراطية تحترم حرية الرأي وحرية الرأى الآخـر

ثـم أمتـدت يـده إلى درج مكتبه وأخـرج منه مجلـة يونانية يظهـرعلى صفحـة غلافهـا الخارجى صورعارية للسـدة ” ديمترا اليانى ” خطيبة رئيس الحكومة اليونانية ” أندرياس باباندريو” ورمى بهـا فـى نـوع مـن الخبث أمامنا قائلا

أيها السادة ،أضع أمامكم الآن عينة من المجلات والصحف اليونانية يتصدر بعضها  صورعارية للسيدة خطيبة رئيس حكومتنا مع تعليقات مهينة ومسيئة …ثـم واصل حديثه محدقـا في وجوهنا من وراء نظارته الطبية ، وكأنه يريـد أن يستشف مـدى تأثيـر وقـع حديثه فى نفوسنا … وواصل بعـد أن سحب المجلة من أمامنا ليعيدها إلى الـدرج الـذي كان قـد سحبهـا منه ” نحـن هنا فى بلادنا لا نستطع إيقـاف هـذه المطبوعات التى أسـآءت لزعيمنا لأنه تحكمنا أعراف وتقاليـد وقـوانين تدعم حرية الإعـلام وحرية النشر وحرية التعبير،وفى حالة نشوب خلاف بين الآراء المتضادة بخصوص ما ينشر على صفحاتها من مقالات او تجريح  نلجأ إلي القضاء لحل خلافاتنا وفقا للتشريعات السارية

وكان هذا درس آخر تلقيناه من وزارة الإعلام فيما يتعلـق بإحترام حرية  الفكروحرية الاعلام واحترام الرأي الآخر، ويضاف هذا الدرس إلي الدرس السابق الذي تعلمناه بإحترام التسلسل الوظيفى فى طلب الزيارات

وودعنا السيد مدير مكتب الوزير الـذي صحبنا حتى مدخـل الوزارة حيث كان ينتطرنا سائق السفارة وهو يحملنا شكره وأطيب تحايـاه للسيد السفير الليبى وللسادة مسؤولى الإعـلام فى ليبيـا ورجعنا نحـن إلى سفارتنا بخفى حنين نجرجـر أذيـال الخيبة  والإحباط في مهمة فاشلة

والأغـرب من كـل هـذا أننـا بعـد أن ” وصمنا ” أنـا والزميل فـرج شنبور بالفشل فى مهمتنا فى إقناع وزارة الإعـلام اليونانية بوقـف تـوزيع مجلة ” صوت الطليعة، تفتـق ذهـن أحـد عباقـرة اللجنة الشعبية للسفارة عـن فكرة فى منتهى التخلف والغباء والعباطـة ، تتمثـل فى تشكيـل مجموعات  مـن الطلبة الليبيين الدارسين فى اليونان للمرورعلى جميع الأكشاك التى تبيع مجلة صوت الطليعة  في كل من أثينا وسالونيك وشراء كل النسخ  المعروضة للبيع والعمل على جلبها للسفارة وتخزينها داخـل القبوفي مبي السفارة لإعـدامها  بعد ذلك حرقا تحت إشراف أحد أعضاء اللجنة الشعبية للسفارة

أما أصحاب الأكشاك فقـد فوجيئوا بهذا الإهتمام والإقبال الكبيرعلى شراء مجلة صوت الطليعه ونفاذ المعروض منها فى أكشاكهم بسرعة فتصوروا أنه أصبح للمجلة سوق رائجة فطلبوا الإستزادة من كمياتها …وشرالبلية ما يضحك