ترشحى لمنصب وكيل وزارة الخارجية

 

كان يوم الجمعة الحادى عشر من شهر ديسمبر 2012 وكانت عقارب الساعة فى طرابلس تشير الى العاشرة صباحا عندما استيقضت فجأة على رنين متوصل لهاتف المنزل بحجرة الصالون فانسلخت من فراشى بهدوء متثاقلا و مترنحا متجها الى حجرة الصالون اتحسس طريقى وسط الظلام  الدامس الذي كان يلف حجرتى متجها الى الصالون للرد على الهاتف ، وقد ساعدنى على سرعة الوصول الى الهاتف والرد علي رنينه قبـل ان ينقطع صغـر حجـم شقتى التى لا يتجاوز حجمها ال110 م2 ، وما إن دلفت الى حجرة الصالون والقيت بثقلى على الكرسى المجاور للهاتف ورفعت السماعة متكاسلا ’وقلت آلو …نعم …حتى جاءنى  من خلالها صوت رجالى لم يكن مألوفا لى  يقول لى ” السلام عليكم أستاذ عاشور وصبحك الله بكل  خيـرفرددت على التحية بما يجب أن يـرد  ” وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته “…وكان المتصل الزميل المرحوم المناضل الدكتور سليمان ابو شويقيرسفيرنا فى سويسرا

وفى الحقيقة لم يكن بيننا أى إتصال منـذ أكثـر من ربع قـرن من الزمان حيث انه لكل منا ظروفه الخاصة التى ساهمـت فى نـدرة الاتصالات فيمـا بيننـا , وبعـد الترحيـب وتبـادل عبـارت التحـايـا والمجاملات العادية مستفسرا عن صحتى وصحة اسرتى قال لي  ” أعذرنى – أخى عاشور- فى اتصالى بك فى هذه الساعة من يوم الجمعة وهو بلا شك يوم راحتكم فى ليبيا وكان من الواجب ألا أقلقكم ”  …ولكن للضرورة أحكام …لقد تحصلت على رقم هاتف منزلكم بعـد أستفسارات عديدة من بعض زملائنا القدامي فى وزارة الخارجية ، الذين بارك الله فيهم أفادوني بآخر المعلومات عنكم ، وأنك موجود فى مدينة طرابلس وانك تعمل بمنصب الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة ، علما بأن آخر معلوماتي عنكم أنـك متواجـد باليونـان تعمل كمساعد للأميـن العام للغرفة التجارية العربية اليونانية وعلى اي حال أخي عاشور سوف لن أطيل عليك … حيث أنه لدي صديق عزيزعلى استفسر مني عن شخصكم وطلب مني أن أزوده برقم هاتفكم للضررورة الملحة  فمنحته له بعد أن تحصلت عليه بمساعدة زملائك  فى الوزارة….وأرجو أن تعذرنى علي هذا التصرف  حيث أن زميلى هذا سوف يتصل بكم ربما اليوم أو غدا يوم السبت … وأعتقد أن إتصاله هو هام لكم انتم ايضا ، خاصة وأنه يتعلق يالشأن الوطني فارجـو الإهتمام والتعاون معه من جهتكم

فأجبتـه بكـل سرور أخى سليمان ، ويشرفنى التعاون معه فى أى أمر يتعلق بالمصلحة العامة طالما أنه من طرفكم وبمعرفتكم ، ورغما عن الحاحى الشديـد فى أن يفصح لى الزميل المرحوم سليمان بو شويقير عن أسم هـذا ” المتصل المجهول ” أو الغـرض مـن الإتصال بى ، إلا أنـه تهرب بأسلوبـه المراوغ والذكى فى أن يفصح لى عـن أسـمه

وبالرغم من اننى حاولت الا اشغل نفسى كثيرا بالتفكير فى هذا الموضوع أو سر المتصل المجهول إلا أننى و بحكـم عملى خلال تلك الفتـرة كمديـر عـام لغـرفـة التجـارة والصناعـة بالجفارة و ترأسى كذلك للجنـة الإستشاريـة الاقتصاديـة بالاتحـاد العام لغـرف التجــارة والصناعـة فقـد أرجعـت ان يكون هـذا الإتصال المنتظر من الشخص المجهول  بالتأكيد لـه علاقـة بطبيعة عملى ….حيث ان الكثيرين يتصلون بى فيما يتعلق بتسجيل شركاتهم لدى الغرف التجارية ، او الاستفسار عن بعض المستندات المطلوبة فى هذا الخصوص وغيرها من المعلومات الخاصة بالقطاع  الاستثمارى والتجارى في ليبيا

عنتد الساعة الحادية عشـرتقريبا من صباح   يـوم السبت الموافـق 12 / 12 / 2012  رن جـرس هاتـف البيت ، فـأسرعت إلى الـرد عليـه متوقعـا أن يكـون المتصل هـو ” المجهـول ” الـذى كنـت أنتظـر إتصالـه والـذى أوصـانى الزميـل المرحـوم الدكتـور سليمان بوشويقيـر بالإهتمام بالـرد عليه والتعـاون معه ، ولكـن المتصل هـذه المـرة لـم يكـن سـوى زميلـى الأستــاذ الطاهـر المحيشى ، الـذى عـادة مـا يتصل بـى صباح كـل يـوم سبـت لنتفـق سـويـا علـى تحديـد موعـد للقـاء فى أحـد المقـاهى المجاورة لسكنى بزاويـة الدهمانى وذلـك للهـدرزة على رشفـات من الكابـوتشينـو “المعتـق ” كما كنا نطلق عليه

ويـوم السبت بالنسبة لى لا يعـد يـوم عطلة ، بـل هـو أحـد الأيـام الثلاثة من كـل أسبوع الـذى عادة ما أكـون فيها مشغول بإصطحاب المرحومة إبنتى جيهان ظهـرا إلى مصحة الغسيل الكلوى بطريـق الشـط بطرابلس خـلال مواعيـد محـددة حيـث تخضـع هناك لجلسة تنقيـة الـدم لمـدة أربـع ساعات متواصلة ثـم أعـود بها بعـد الإنتهـاء من جلسة الغسيل الكلوي إلى البيت مباشرة لتخلد للـراحـة والنوم

وفى اللحظة التى كنت أتهيأ فيها للخروج برفقـة إبنتى إلى موعـدها بمصحـة الغسيل الكلوي رن جـرس الهاتف مجـددا فتوقعـت أن يكـون نفس المتصل الأستاذ الطاهـر المحيشى ، ربما ليبلغنى بتغييـرموعـد اللقـاء بيننا أو تغيير مكانه…. ولكـن هـذه المـرة ما إن رفعت السماعة حتى انساب إلى سمعي صوت أجش بعض الشىء متسائلا …الأستاذ عاشور الإمام …فأجبته …نعم  .. فـرد ”  صباحكم مبارك استاذ عاشور معـك علـى زيـدان رئيس مجلس الـوزراء…كيـف حالـك ..؟؟

فى الحقيقة لحقنى الشك فى أنه مقلب من أحد الزملاء وكنت على وشك  أن أرد عليه مستهزئا … ولكن توقفت عن ذلك عندما واصل الرجل حديثه مشيرا الى إتصال الزميل الدكتور سليمان ابو شويقير بى يوم امس الجمعه .. فأجبته أهلا أستاذ على… فرصة طيبة  أن أسمع صوتكم كيف حالكم ” ، فرد على بصوت منخفض لا يكـاد يسمع من كثـرة هدوئه ..” الحمـد لله أستاذ عاشـور.. بخير ، ثم واصل حديثه  قائلا  لا أدرى أستاذ عاشور إن كـان فى إمكانكم الحضوراليوم الى مكتبي برئاسـة مجلـس الـوزراء علـى تمام الواحـدة ظهـرا  للحديث والتشـاور”….فأجبته بكل سرور يشرفنى ذلك أستاذ على …غير أننى للاسف  سوف لن يمكنني  الحضورعلى تمام الواحدة لأنى مرتبط  بموعد هام فى مصحة الغسيل الكلوى فى هذا الوقت بالذات  ….وسوف لن يكون فى إمكاني الحضور الا ما بعد الثالثة مساءا  أو نؤجل الموعد إلى يوم غد الأحد الموافق 13 / 12 / 2012  فى أى وقت ترونه مناسبا لكم . فأبدى موافقته على أن نلتقى فى نفس اليوم بمكتبه تمام الرابعة من مساء ذلك اليوم

إذا أتضخت لى الآن هوية المتصل الذي كان مجهولا بالنسبة لى ….والذي رغم الحاحى علي زميلى الدكتور ابو شويقير بأن يذكر لى اسمه تملص وأمتنع عن  التصريح بأسمه ، وأكتفى فقط  بإفادتى بأنه شخص مهم  وسيتصل بى فى موضوع هام وشدد على وجوب تعاوني معه إذا هو الأستاذ على زيدان  رئيس وزراء ليبيا  ، غيـر أننى لـم أكـن أتوقـع أن يأتينى إتصالـه فى هـذا الوقـت المزعج الـذى أستعـد فيـه للمغـادرة لتوصيـل إبنتى للمصحـة ولـم يكن أيضا يـدور بخلـدى أن يطلب منى الحضـور إلـى رئاسـة مجلـس الـوزراء هـذا اليـوم بالـذات وعلى تمام الساعة الواحدة مساءا  ،غير أنه بعـد الإعتذار له ، وشرح ظـروفى الخاصـة  الموجبة لتغيير توقيت…كان جنتلمان ومتفهما لظروفي حيث ترك لى حرية اختيار التوقيت كما افادني بأنه يعمـل بمكتبه حتى ساعـات متأخـرة من كـل يـوم وأنـه سيكـون بانتظـارى، فشكرتـه على ذلـك 

وبعـد الإنتهاء من محادثتى مع السيـد على زيدان حملت إبنتى الى مصحـة  الغسيل الكلوى بطريق الشط ، وهنـاك أنمتها على سريرها المعتاد بـعـد أن قمت بتعقيمه وأخرجـت من حقيبة إبنتى الصحيـة فلتـرالتعقيـم والوصلات البلاستيكيـة الخاصة بعملية تنقيـة الــدم وسلمتها جميعا للمـرضة المختصة لكـى تتولى تركيبها بمعرفتها بجهـاز تنقيـة الـدم ( الدياليسز) ، وجلسـت كا لعـادة بـقـرب سريـر أبنتـى أرقـب فى حـزن والـم مكبوت إنسياب دمها الأحمر صعـودا وهبوطا عبرالوصلات الشريانية الوريدية الشفافة الموصولة بذراعها اليسرى عبر جهاز” الفيستولا ” المزروع فى وريــد ذراعهـا….عملية مزعجـة فـى غاية التعقيـد لا يحـس بمرارتهــا وآلامهــا إلا من أبتــلى بهــذا المـرض اللعيـن..مـرض الفشــل الكلـوى

وعلى تمام الرابعـة مساءا بعـد أن أتمـت ” إبنتى ” قرابة اربع ساعات فى جلسـة الغسيـل المعتـادة ،عـدنا إلى البيت وكانت ككـل مـرة تعـود معى الى البيت متعبة ومرهقة ومنهكـه القـوي….والأدهي والأمر أننا فى العديد من الأوقات نجد  جهاز المصعد عاطل عن العمل بسبب إنقطاع الكهرباء، وإبنتـى لا تقـوى حتى علـى السير، فمـا بالـك أن تتحمل صعـود السلـم إلى الـدور الرابع ،وكانت عـادتنا عندما نفاجأ بحدوث مثل هـذا العطل …ننتظر داخل السيارة فترة من الوقت أو نذهب معا إلي الجلوس في أحد المقاهى المجاورة وحتى رجوع الكهرباء للعمارة ، ولكـن لحسـن حـظنا ذالك اليـوم لـم ننتظـرطويـلا ، فلـم تتأخـر الكهرباء كثيرا كما هو متوقع في العادة ، ودلفنـا الى المصعـد بمجـرد عودتهـا صعـودا إلـى شقتى الصغيـرة …. وعلـى بـاب الشقـة كانـت تنتظرنـا شقيقـة ” جيهـان ” التى كانـت قـد رجعـت من عملهـا وبرفقتهـا ” قطـة جيهـان ” التى تعـودت هى أيضا على أن تكون في إستقبـال صاحبتهـا عنـد عودتها لترتمى بيـن أحضانها ، مداعبة لهـا ومخففـة من أحـزانها وآلامهـا ، و توجهـت أنا بعـد أن أوصلت أبنتى واطمأننـت عليهـا ، مباشـرة إلـى موعـدى مع الأستـاذ علـى زيـدان برئاسـة مجلـس الـوزراء

الـذى كان معارضا راديكاليا ضد نظام حكـم القـذافي السابق حكومته

 

 من المعروف ان حكومة الأستاذ علي زيدان كانت قد حلت محل حكومة الاستاذ عبد الرحيم الكيب ” أول رئيس وزراء لدولة ليبيا ” وذلك في شهر نوفمبر 2012 وشكل الأستـاذ على زيـدان حكومته من قـرابة ” 29 ” وزيرا من اللبراليين والمستقلين والاسلاميين وعرض هذه التشكيلة – التى فصل فيها ما بين وزارة الخارجية ووزارة التعاون الـدولى – علي المؤتمر الوطني مرشحا الزميل محمد عبد العـزيز وزيرا للتعـاون الدولي والزميل على الأوجلى وزيـرا للخارجية إلا أن الزميل علي لم يستلم أو بالأحري لم تسلم له وزارة الخارجية التى ظل منصب وزيرها شاغـرا حتي   الاول من شهـر يناير 2013 عندما تـم إعادة دمجها مجـددا مع وزارة التعـاون الدولى في وزارة واحدة

 واستمرت حكومة الأستاذ على زيـدان فى ممارسة أعمالها حتى منتصف مارس عام 2014 في مواجهة شرسة ضد سيل الإنتقادات الموجهة له ولحكومته من قبـل عـدد من المتشددين من بين اعضـاء المؤتمـرالوطنى العـام الذين حسب جلهم على التيار الإسلامى الامرالـذى أدى فى نهاية المطاف الى حجب الثقة عـن حكومتة وإسقاطها وتـم تكليف السيد ” عبد الله الثنى ” الوزير السابق للدفـاع فى حكومة الأستاذ على زيدان بتسيير أعمال الحكومـة المؤقتة

شخصيا لم تكن تربطنى بالأستاذ على زيدان أي علاقـة خاصة فهو كما اوضحت سابقا ليس من جيلى جيل الدبلوماسيين الذين التحقـوا بالعمل الدبلوماسى خلال فتـرة العهد الملكى كما أنه لـم يسبق لى التعـرف أو التعامل مع سيادته بعـد التحاقه بالعمل بـوزارة الخارجية حيث من المتعارف عليه أن تنقلات موظفى وزارة الخارجية ما بين ديوان الوزارة  والسفارات في الخارج تسهم بشكل كبيرفى عدم وجود فرص للتواصل والتعارف الشخصى مـا بين الأجيال المتتابعة من موظفي الوزارة

ولذلك كان مـن الطبيعى جـدا ألا تكون قد نشأت بينى وبين الأستـاذ على زيـدان ” الـذى أكـن لشخصه الكريم كل الإحترام والتقدير” أي تواصل أو تعارف مسبق، ومن الطبيعى جدا أيضا ألا تتوفـرلى أى خلفية عـن شخصه الكريم اوعن فترة عمله بالـوزارة 

والمعلومه الوحيدة التى توفـرت لى عن شخصه الكريم ، كانـت ما بعـد أحـداث فبـرايـر 2011 وذلك بعـد بروز شخصيته ” إعلاميا “كمعارض أسهـم بمجهـود إيجابى مع عدد من قيادات المعارضة الليبية في الخارج فى تسهيل نيـل إعترافات عـدد من الـدول الأوروبية بالمجلس الانتقالي الليبـي ، أضافة إلى إسهاماته الحقوقية

 

كان يوم الجمعة الحادى عشر من شهر ديسمبر 2012 وكانت عقارب الساعة فى طرابلس تشير الى العاشرة صباحا عندما استيقضت فجأة على رنين متوصل لهاتف المنزل بحجرة الصالون فانسلخت من فراشى بهدوء متثاقلا و مترنحا متجها الى حجرة الصالون اتحسس طريقى وسط الظلام  الدامس الذي كان يلف حجرتى متجها الى الصالون للرد على الهاتف ، وقد ساعدنى على سرعة الوصول الى الهاتف والرد علي رنينه قبـل ان ينقطع صغـر حجـم شقتى التى لا يتجاوز حجمها ال110 م2 ، وما إن دلفت الى حجرة الصالون والقيت بثقلى على الكرسى المجاور للهاتف ورفعت السماعة متكاسلا ’وقلت آلو …نعم …حتى جاءنى  من خلالها صوت رجالى لم يكن مألوفا لى  يقول لى ” السلام عليكم أستاذ عاشور وصبحك الله بكل  خيـرفرددت على التحية بما يجب أن يـرد  ” وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته “…وكان المتصل الزميل المرحوم المناضل الدكتور سليمان ابو شويقيرسفيرنا فى سويسرا

وفى الحقيقة لم يكن بيننا أى إتصال منـذ أكثـر من ربع قـرن من الزمان حيث انه لكل منا ظروفه الخاصة التى ساهمـت فى نـدرة الاتصالات فيمـا بيننـا , وبعـد الترحيـب وتبـادل عبـارت التحـايـا والمجاملات العادية مستفسرا عن صحتى وصحة اسرتى قال لي  ” أعذرنى – أخى عاشور- فى اتصالى بك فى هذه الساعة من يوم الجمعة وهو بلا شك يوم راحتكم فى ليبيا وكان من الواجب ألا أقلقكم ”  …ولكن للضرورة أحكام …لقد تحصلت على رقم هاتف منزلكم بعـد أستفسارات عديدة من بعض زملائنا القدامي فى وزارة الخارجية ، الذين بارك الله فيهم أفادوني بآخر المعلومات عنكم ، وأنك موجود فى مدينة طرابلس وانك تعمل بمنصب الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة ، علما بأن آخر معلوماتي عنكم أنـك متواجـد باليونـان تعمل كمساعد للأميـن العام للغرفة التجارية العربية اليونانية وعلى اي حال أخي عاشور سوف لن أطيل عليك … حيث أنه لدي صديق عزيزعلى استفسر مني عن شخصكم وطلب مني أن أزوده برقم هاتفكم للضررورة الملحة  فمنحته له بعد أن تحصلت عليه بمساعدة زملائك  فى الوزارة….وأرجو أن تعذرنى علي هذا التصرف  حيث أن زميلى هذا سوف يتصل بكم ربما اليوم أو غدا يوم السبت … وأعتقد أن إتصاله هو هام لكم انتم ايضا ، خاصة وأنه يتعلق يالشأن الوطني فارجـو الإهتمام والتعاون معه من جهتكم

فأجبتـه بكـل سرور أخى سليمان ، ويشرفنى التعاون معه فى أى أمر يتعلق بالمصلحة العامة طالما أنه من طرفكم وبمعرفتكم ، ورغما عن الحاحى الشديـد فى أن يفصح لى الزميل المرحوم سليمان بو شويقير عن أسم هـذا ” المتصل المجهول ” أو الغـرض مـن الإتصال بى ، إلا أنـه تهرب بأسلوبـه المراوغ والذكى فى أن يفصح لى عـن أسـمه

وبالرغم من اننى حاولت الا اشغل نفسى كثيرا بالتفكير فى هذا الموضوع أو سر المتصل المجهول إلا أننى و بحكـم عملى خلال تلك الفتـرة كمديـر عـام لغـرفـة التجـارة والصناعـة بالجفارة و ترأسى كذلك للجنـة الإستشاريـة الاقتصاديـة بالاتحـاد العام لغـرف التجــارة والصناعـة فقـد أرجعـت ان يكون هـذا الإتصال المنتظر من الشخص المجهول  بالتأكيد لـه علاقـة بطبيعة عملى ….حيث ان الكثيرين يتصلون بى فيما يتعلق بتسجيل شركاتهم لدى الغرف التجارية ، او الاستفسار عن بعض المستندات المطلوبة فى هذا الخصوص وغيرها من المعلومات الخاصة بالقطاع  الاستثمارى والتجارى في ليبيا

عنتد الساعة الحادية عشـرتقريبا من صباح   يـوم السبت الموافـق 12 / 12 / 2012  رن جـرس هاتـف البيت ، فـأسرعت إلى الـرد عليـه متوقعـا أن يكـون المتصل هـو ” المجهـول ” الـذى كنـت أنتظـر إتصالـه والـذى أوصـانى الزميـل المرحـوم الدكتـور سليمان بوشويقيـر بالإهتمام بالـرد عليه والتعـاون معه ، ولكـن المتصل هـذه المـرة لـم يكـن سـوى زميلـى الأستــاذ الطاهـر المحيشى ، الـذى عـادة مـا يتصل بـى صباح كـل يـوم سبـت لنتفـق سـويـا علـى تحديـد موعـد للقـاء فى أحـد المقـاهى المجاورة لسكنى بزاويـة الدهمانى وذلـك للهـدرزة على رشفـات من الكابـوتشينـو “المعتـق ” كما كنا نطلق عليه

ويـوم السبت بالنسبة لى لا يعـد يـوم عطلة ، بـل هـو أحـد الأيـام الثلاثة من كـل أسبوع الـذى عادة ما أكـون فيها مشغول بإصطحاب المرحومة إبنتى جيهان ظهـرا إلى مصحة الغسيل الكلوى بطريـق الشـط بطرابلس خـلال مواعيـد محـددة حيـث تخضـع هناك لجلسة تنقيـة الـدم لمـدة أربـع ساعات متواصلة ثـم أعـود بها بعـد الإنتهـاء من جلسة الغسيل الكلوي إلى البيت مباشرة لتخلد للـراحـة والنوم

وفى اللحظة التى كنت أتهيأ فيها للخروج برفقـة إبنتى إلى موعـدها بمصحـة الغسيل الكلوي رن جـرس الهاتف مجـددا فتوقعـت أن يكـون نفس المتصل الأستاذ الطاهـر المحيشى ، ربما ليبلغنى بتغييـرموعـد اللقـاء بيننا أو تغيير مكانه…. ولكـن هـذه المـرة ما إن رفعت السماعة حتى انساب إلى سمعي صوت أجش بعض الشىء متسائلا …الأستاذ عاشور الإمام …فأجبته …نعم  .. فـرد ”  صباحكم مبارك استاذ عاشور معـك علـى زيـدان رئيس مجلس الـوزراء…كيـف حالـك ..؟؟

فى الحقيقة لحقنى الشك فى أنه مقلب من أحد الزملاء وكنت على وشك  أن أرد عليه مستهزئا … ولكن توقفت عن ذلك عندما واصل الرجل حديثه مشيرا الى إتصال الزميل الدكتور سليمان ابو شويقير بى يوم امس الجمعه .. فأجبته أهلا أستاذ على… فرصة طيبة  أن أسمع صوتكم كيف حالكم ” ، فرد على بصوت منخفض لا يكـاد يسمع من كثـرة هدوئه ..” الحمـد لله أستاذ عاشـور.. بخير ، ثم واصل حديثه  قائلا  لا أدرى أستاذ عاشور إن كـان فى إمكانكم الحضوراليوم الى مكتبي برئاسـة مجلـس الـوزراء علـى تمام الواحـدة ظهـرا  للحديث والتشـاور”….فأجبته بكل سرور يشرفنى ذلك أستاذ على …غير أننى للاسف  سوف لن يمكنني  الحضورعلى تمام الواحدة لأنى مرتبط  بموعد هام فى مصحة الغسيل الكلوى فى هذا الوقت بالذات  ….وسوف لن يكون فى إمكاني الحضور الا ما بعد الثالثة مساءا  أو نؤجل الموعد إلى يوم غد الأحد الموافق 13 / 12 / 2012  فى أى وقت ترونه مناسبا لكم . فأبدى موافقته على أن نلتقى فى نفس اليوم بمكتبه تمام الرابعة من مساء ذلك اليوم

إذا أتضخت لى الآن هوية المتصل الذي كان مجهولا بالنسبة لى ….والذي رغم الحاحى علي زميلى الدكتور ابو شويقير بأن يذكر لى اسمه تملص وأمتنع عن  التصريح بأسمه ، وأكتفى فقط  بإفادتى بأنه شخص مهم  وسيتصل بى فى موضوع هام وشدد على وجوب تعاوني معه إذا هو الأستاذ على زيدان  رئيس وزراء ليبيا  ، غيـر أننى لـم أكـن أتوقـع أن يأتينى إتصالـه فى هـذا الوقـت المزعج الـذى أستعـد فيـه للمغـادرة لتوصيـل إبنتى للمصحـة ولـم يكن أيضا يـدور بخلـدى أن يطلب منى الحضـور إلـى رئاسـة مجلـس الـوزراء هـذا اليـوم بالـذات وعلى تمام الساعة الواحدة مساءا  ،غير أنه بعـد الإعتذار له ، وشرح ظـروفى الخاصـة  الموجبة لتغيير توقيت…كان جنتلمان ومتفهما لظروفي حيث ترك لى حرية اختيار التوقيت كما افادني بأنه يعمـل بمكتبه حتى ساعـات متأخـرة من كـل يـوم وأنـه سيكـون بانتظـارى، فشكرتـه على ذلـك 

وبعـد الإنتهاء من محادثتى مع السيـد على زيدان حملت إبنتى الى مصحـة  الغسيل الكلوى بطريق الشط ، وهنـاك أنمتها على سريرها المعتاد بـعـد أن قمت بتعقيمه وأخرجـت من حقيبة إبنتى الصحيـة فلتـرالتعقيـم والوصلات البلاستيكيـة الخاصة بعملية تنقيـة الــدم وسلمتها جميعا للمـرضة المختصة لكـى تتولى تركيبها بمعرفتها بجهـاز تنقيـة الـدم ( الدياليسز) ، وجلسـت كا لعـادة بـقـرب سريـر أبنتـى أرقـب فى حـزن والـم مكبوت إنسياب دمها الأحمر صعـودا وهبوطا عبرالوصلات الشريانية الوريدية الشفافة الموصولة بذراعها اليسرى عبر جهاز” الفيستولا ” المزروع فى وريــد ذراعهـا….عملية مزعجـة فـى غاية التعقيـد لا يحـس بمرارتهــا وآلامهــا إلا من أبتــلى بهــذا المـرض اللعيـن..مـرض الفشــل الكلـوى

وعلى تمام الرابعـة مساءا بعـد أن أتمـت ” إبنتى ” قرابة اربع ساعات فى جلسـة الغسيـل المعتـادة ،عـدنا إلى البيت وكانت ككـل مـرة تعـود معى الى البيت متعبة ومرهقة ومنهكـه القـوي….والأدهي والأمر أننا فى العديد من الأوقات نجد  جهاز المصعد عاطل عن العمل بسبب إنقطاع الكهرباء، وإبنتـى لا تقـوى حتى علـى السير، فمـا بالـك أن تتحمل صعـود السلـم إلى الـدور الرابع ،وكانت عـادتنا عندما نفاجأ بحدوث مثل هـذا العطل …ننتظر داخل السيارة فترة من الوقت أو نذهب معا إلي الجلوس في أحد المقاهى المجاورة وحتى رجوع الكهرباء للعمارة ، ولكـن لحسـن حـظنا ذالك اليـوم لـم ننتظـرطويـلا ، فلـم تتأخـر الكهرباء كثيرا كما هو متوقع في العادة ، ودلفنـا الى المصعـد بمجـرد عودتهـا صعـودا إلـى شقتى الصغيـرة …. وعلـى بـاب الشقـة كانـت تنتظرنـا شقيقـة ” جيهـان ” التى كانـت قـد رجعـت من عملهـا وبرفقتهـا ” قطـة جيهـان ” التى تعـودت هى أيضا على أن تكون في إستقبـال صاحبتهـا عنـد عودتها لترتمى بيـن أحضانها ، مداعبة لهـا ومخففـة من أحـزانها وآلامهـا ، و توجهـت أنا بعـد أن أوصلت أبنتى واطمأننـت عليهـا ، مباشـرة إلـى موعـدى مع الأستـاذ علـى زيـدان برئاسـة مجلـس الـوزراء

 من المعروف ان حكومة الأستاذ علي زيدان كانت قد حلت محل حكومة الاستاذ عبد الرحيم الكيب ” أول رئيس وزراء لدولة ليبيا ” وذلك في شهر نوفمبر 2012 وشكل الأستـاذ على زيـدان حكومته من قـرابة ” 29 ” وزيرا من اللبراليين والمستقلين والاسلاميين وعرض هذه التشكيلة – التى فصل فيها ما بين وزارة الخارجية ووزارة التعاون الـدولى – علي المؤتمر الوطني مرشحا الزميل محمد عبد العـزيز وزيرا للتعـاون الدولي والزميل على الأوجلى وزيـرا للخارجية إلا أن الزميل علي لم يستلم أو بالأحري لم تسلم له وزارة الخارجية التى ظل منصب وزيرها شاغـرا حتي   الاول من شهـر يناير 2013 عندما تـم إعادة دمجها مجـددا مع وزارة التعـاون الدولى في وزارة واحدة

 واستمرت حكومة الأستاذ على زيـدان فى ممارسة أعمالها حتى منتصف مارس عام 2014 في مواجهة شرسة ضد سيل الإنتقادات الموجهة له ولحكومته من قبـل عـدد من المتشددين من بين اعضـاء المؤتمـرالوطنى العـام الذين حسب جلهم على التيار الإسلامى الامرالـذى أدى فى نهاية المطاف الى حجب الثقة عـن حكومتة وإسقاطها وتـم تكليف السيد ” عبد الله الثنى ” الوزير السابق للدفـاع فى حكومة الأستاذ على زيدان بتسيير أعمال الحكومـة المؤقتة

شخصيا لم تكن تربطنى بالأستاذ على زيدان أي علاقـة خاصة فهو كما اوضحت سابقا ليس من جيلى جيل الدبلوماسيين الذين التحقـوا بالعمل الدبلوماسى خلال فتـرة العهد الملكى كما أنه لـم يسبق لى التعـرف أو التعامل مع سيادته بعـد التحاقه بالعمل بـوزارة الخارجية حيث من المتعارف عليه أن تنقلات موظفى وزارة الخارجية ما بين ديوان الوزارة  والسفارات في الخارج تسهم بشكل كبيرفى عدم وجود فرص للتواصل والتعارف الشخصى مـا بين الأجيال المتتابعة من موظفي الوزارة

ولذلك كان مـن الطبيعى جـدا ألا تكون قد نشأت بينى وبين الأستـاذ على زيـدان ” الـذى أكـن لشخصه الكريم كل الإحترام والتقدير” أي تواصل أو تعارف مسبق، ومن الطبيعى جدا أيضا ألا تتوفـرلى أى خلفية عـن شخصه الكريم اوعن فترة عمله بالـوزارة 

والمعلومه الوحيدة التى توفـرت لى عن شخصه الكريم ، كانـت ما بعـد أحـداث فبـرايـر 2011 وذلك بعـد بروز شخصيته ” إعلاميا “كمعارض راديكالي أسهـم بمجهـود إيجابى مع عدد من قيادات المعارضة الليبية في الخارج فى تسهيل نيـل إعترافات عـدد من الـدول الأوروبية بالمجلس الانتقالي الليبـي ، أضافة إلى إسهاماته الحقوقية مع كل من الدكتـور سليمان أبو شويقيـر والأستـاذ منصوررشيـد الكيخيا فى تأسيس الرابطـة الليبيـة لحقـوق الإنسان فى سويسـرا

رأيت أن أفتتـح هـذا الجـزء مـن أوراقـى المطويـة بهـذه المقدمـة الضروريـة لمـا لهـا مــن أهميـة خاصة كفاتحـة للقـائى بالأستـاذ الفاضل على زيدان فـى مبنى رئاسـة مجلـس الـوزراء بتاريـخ 12 / 12 /2012 وذلـك بنـاء على رغبتـه الشخصية فى أن نلتقى معا ، علما بأنـه لـيس لـدى مسبقـا أى خلفيـة عـن أسباب أو دواعى هـذا الاستدعـاء العاجـل للقـاء بحضرته بسبب تكتـم المرحوم الدكتور ” سليمـان أبـو شويقيـر” عن الإفصاح لى خلال اتصاله الهاتفي بي عن اسم الشخصية المجهولة التي سوف تتصل بى والتي عرفتها فى بداية ادراجي ب ” المتصل المجهول “والذي اتضح فيما بعد أنه الأستاذ على زيـدان

ولكـن مع ظهـر يـوم السبت الموافق 12 / 12 / 2012 زال هـذا الغموض الـذى أكتنفنى مـنذ يـوم الجمعة 11/ 12 / 2012 عندما أتصـل بى المتصل المجهول ” الأستـاذ على زيـدان ” هاتفيـا معـربا عـن رغبتـه فى اللقـاء بى فى مقـر رئاسـة مجلس الـوزراء ، مع تخمينى حينها أن أمـرهـذا الإستدعـاء بهـذه العجالـة قد يكون لـه علاقـة مباشرة بالـزيارة المرتقبة لـوزيـرخارجية اليونـان السيـد ” ديمتريس أفـراموبوليس ” التي كانت مزمعه خلال النصف الثـانى مـن شهـر ديسمبر 2012 ، على أساس اننى أملـك خبـرة طويلة عن العلاقـات الليبية اليونانية التى كنت مسؤولا عـن ملفهـا لفتـرة طويلـة جدا خــلال عملى بالـوزارة أو العمل بسفارتنا باليونان لفترتيـن متتاليتين ، وكذلك عملى كمساعـد للأمين العـام للغرفـة العربية اليونانية للتجارة والتميـة

على أى حال ، وحتى لا أطيـل عليكم ، وصلت إلـى مقـر رئاسة مجلـس الـوزراء بشـارع السيدى بطرابلس فى الموعـد المحـدد لـى للقاء بالأستاذ على زيـدان ، وهناك عنـد المدخـل الرئيسى أستقبلنى شباب الأمن بالـدورالأرضى ، وطلبـوا منى بطاقـة هويتى ،  ثـم منحونى كـرت الصعـود إلى مكتب الأستـاذ علـى زيـدان ، وقـادنى المرافـق إلى أحـد الصالونات بالمبنى حيـث جلست فـى انتظـارأن يخـرج بعـض الـزوارمـن مكتبه للقـاء بـه على إنفـراد

ولم يمض الكثير من الوقـت على انتظارى بالصالون حتى فوجئت بدخول الأستاذ على زيدان إلى الصالون و بادرنى مصافحا بالتحية والترحيب بـى …..وهـذه هى المرة الأولى التى التقـى فيها بالأستـاذ علـى زيـدان وجهـا لوجـه، وقادنى بمنتهى الـذوق والتواضع إلى مكتبه الخاص وأجلسنى فى الكرسى المواجـه لمكتبـه ، ثــم انسـل فى عجالـة ليغـوص فى كرسى مكتبـه المتواضع بين أكـداس من الملفـات التى تكومت فى فوضى وعـدم ترتيب عـن يمينـه وعـن شماله وذلـك بعـد أن أمـن لى  في كرم حاتمي بـراد من الشاهـى الأخضـر، وبكرج من القهوة العربية  تاركا لى حرية الأختيار والمفاضلة بينهما

وبعـد أن أغلق أحـد الملفات التى كانت مفتوحة أمامه ورمى بها على يمينه ، حـدق مليا من خلف نظارتـه السميكة فى شخصي ، وقال لى مبتسما ومداعبا في نفس الوقت  ”  فـى ذهنى أستاذ عاشور أنـك أطـول مما اراك الأن  …)  فأجبتـه ردا على دعابته … ربما أختلـط عليـك الأمـرأستـاذ على  فحسبتنى عاشور بن خيال ، فأعجبه ردى وضحـكنا معا…. ثـم انتقلنا بعـد هـذه الدعابة اللطيفة إلى الحديث عن وزارة الخارجية وهمومها

للمعلومية هـذه ليست المـرة الاولى التى يتـم فيهـا استدعائى لمقابلـة مسـؤول بمجلـس الوزراء الليبى منذ عام 2011 ، ففى أحد أيام الاسبوع الاول “على ما اذكر” من شهر أبريـل مـن عــام 2012 اتصـل بى السيــد ( الأجنـف ) سكرتير الدكتور ناصر المانع الناطـق الرسمى باســم حكومة الاستـاذ عبـد الرحمن الكـيب الإنتقاليـة وافـادنى برغبـة الدكتور ناصر المانع فى اللقـاء بى فى مكتبـه برئاسـة مجلـس الـوزراء للحديـث معـى فى بعــض الأمـور المتعلقـة بـوزارة الخارجيـة 

وفعلا اتفقنـا على تحديـد الموعــد واستقبلـت فـى ذلـك الموعــد مـن قبـل الاستـاذ ناصر المانع فى مكتبـه علمـا بانـه لــم تكـن تربطنـى بالرجـل أى صلـة او علاقــة شخصية ، غير انـه للتـاريخ والحقيقـة الرجل أخجلنى بتواضعه وبحرارة الاستقبال حيث جلسنا معـا فـى صالـون مكتبـه قرابــة نصـف ساعـة تبادلنـا خلالهـا حـوار ممتـع وشيـق عــن تاريـخ وزارة الخارجيـة وعـن مـا مـرت بـه ( سلبـا أو إيجابـا ) مـن تطورات وظـروف ، وناقشنى حينها بتوسع عما كنت قد كتبته على صحيفة المستقبل من ادراجات ومقـالات عـن الـوزارة وعـن ظروف وتبعـات العمـل الدبلوماسى بهـا ، واظهر تشوقه لمعرفة المزيـد من المعلومات عـن ماضى ونشاط هـذه الوزارة التى – كما اوضح لى – لا ينفصل الاطلاع على نشاطها ومعرفة خبايـاهـا عـن مهامه ومسؤولياتـه كمتحـدث رسمى للحكومة

ومهمـا حاولـت أن اطنـب فى وصـف هـذا الرجـل ( الجنتلمان ) الـذى تشرفـت بمقابلتـه ومعرفته وبما احاطنى بـه حينهـا مـن تواضـع وحسـن استقبال لى فى مكتبه أوحتى حيـن توديعـه لى حتى خارج باب مكتبه فإني  بصراحة لـم اوفيه حقـه ، ولازلت ومنـذ تاريخ ذلك اللقـاء احمـل لشخصه الكريـم كامل التقديـر والاحترام ، أما استدعائى للقـاء بالأستاذ على زيـدان برئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 12/12 /2012 فـقد حدث ذلك بعــد مضى قرابة ستة أشهر تقريبا على لقائى بالدكتور ناصر المانع فى شهر أبريل 2012 ويعتبر لقائي بالأستاذ على زيدان هـو ثانى لقـاء لي بمسؤول كبيـر بمبنى رئاسة مجلس الوزراء  الليبي بطريق السكة

بعـد هذه المقدمة التوضيحية أعـود بكـم لمواصلـة حديثى عـن ذلك اللقـاء الـذى كـان قـد جمعنى بالأستـاذ على زيـدان ، وما دار بيننـا من حـوار حول هموم مهـامه كوزير للخارجية الليبية إلـى جانـب مسؤولياتـه أيضا كرئيـس لمجلـس الـوزراء…. وفعـلا من خلال نبرات صوتـه المتهدج الخافت الذى لا يكـاد يسمع الا بصعوبة خلال هـذا الحواربيننا  شعـرت بمـا يواجهه الرجـل من تعقيدات ومصاعـب بسبب ضخامة المسؤوليـات الملقــاة على عاتقـه فـى ظـروف حرجـة ومتوتـرة تمر بها ليبيا ، إلتقيتـه منهكـا ومتعبـا غارقا بجسمه النحيل داخـل كرسى مكتبـه المتواضع بين أكداس مكدسة من الملفات المبعثرة عن شماله وعـن يمينه ، منشغـلا طـوال الوقـت فى تقليب وفحـص محتوياتهـا

ومـن خـلال الفتحة المتاحـة لى لكى أتبيـن ملامـح وجهـه المطمـور بين ضفتـى الملفـات المكدسة رفـع الرجل رأسـه فى إعيـاء وقـال لى بصوت خافـت منهــك …. “أخ عاشور كنت قـد قدمـت تشكيلـة حكومتى بنهاية شهر اكتوبـر الماضى 2012 إلـى المؤتمـر الوطنى العـام للإعتماد ونيـل الثقـة ، وكنت قـد راعيت فيهـا أن تكـون تشكيلة مثاليـة ومتوازنـة فـى نفـس الوقت لإرضاء جميع التوجهـات والنخـب الممثلة داخـل المؤتمر الوطنى ، وكنت متوقعا بعـد هــذا الجهـد المضنى أنها ستلاقى الإستحسان والقبول ولكـن – للاسف – فوجئت بما لــم يكـن متوقعـا ، فو جئت بعاصفـة هوجاء مـن الإعتراضات والاحتجاجات مـن قبـل عدد من أعضاء المؤتمر، خاصة فيما يتعلق بفصلى لوزارة الخارجية والتعاون الدولي إلى وزارتين واحدة للخارجية والأخري للتعاون الدولي ، وكذلك إقتراحي ضمـن هـذا الإطـار ، ترشيـح الأسـتاذ علـى الأوجلى كـوزير للخارجية ، والاستاذ محمد عبد العزيز كوزير للتعاون الدولي ..ثـم صمت قليلا مشغـولا بسحب أحد الملفت من بين المجموعة المكدسة امامه وأخذ في تقليب محتوايته….ثم واصل حديثه قائلا ” حاليا كما تعـرف أخ عاشورأنـا أتحمـل عـبء الإشراف على وزارة الخارجية إضافـة الى مهامى ومسؤلياتى كرئيـس لمجلس الـوزراء ، وهـذا يشكـل عبء كبيـر جـدا على شخصى ، لـيس من السهـل على تحمله فى هـذه الظـروف المعقـدة التى تمـر بهـا وزارة الخارجية والتى تحتـاج الى مجهـودات شخص متفرغ  للقيام بمهامها ، شخص كـفء يجنـد نفسه للعمل بهـا ليـلا و نهـارا وفـى كـل الأوقـات

“ثم توقـف عـن الحديث وحـول نظـره من جدـيـد إى مجموعـة الملفـات المكومـة ليجـذب من بينها ملف آخـر يرمى بـه أمامه ويكب عليه أيضا بالفحـص والمتابعـه. فبادرتـه وهـو لازال مكبـا على ذلـك الملـف  قائلا له ” إقتراحـك أستـاذ على بترشيـح الزميـل الأستـاذ علـى الاوجـلى اقتـراح جيـد فالرجـل قــد عاصرته عــن قـرب فـى العمـل داخــل ديـوان الـوزارة منـذ التحاقـه بهـا “عـام 1971″ وكذلـك عملـه فـى العديــد مــن سفاراتنـا بالخارج…. فهمهم لى من وراء كدس الملفات  ”  نعـم …. نعـم …هو كما تفضلت ..ولكن هات من يفهم  أو يقدر …” ثـم توقـف ليزيل نظارته السميكـة عـن عينيه وقـال لى وهـو يمسح زجاجهـا

للأسـف أن بعـض مـن أعضـاء المؤتمـر الوطنـى تحــت ضغوطاـت معينــة أعتـرضـوا على تقسيمي لوزارة الخارجية إلـى وزارتيـن ، وكذلك على تكليفى للأستـاذ على الأوجلى بحقيبـة وزارة لخارجية واصـروا علـى عــدم تمريـر هـذه ” التشكيلة ” مـا لـم تجــرعليها بعـض التعديلات “…ثــم رمقنى بنظـرة أخـرى فاحصة من خلال نظاراته السميكة  ” قائـلا ” انت ..اخ عاشور .. ملـم بأ وضاع وزارة الخارجيـة وبمـا مـرت بـه مـن تقلبـات واوضاع سيئـة أنهكت هيكلتهـا وإدارتهـا بحيث أصبحـت الآن بحاجـة ماسة الى اشخاص اختاصيين مؤهليـن يتولـون مسؤولية إعـادة تنظيمها والرفع من مستوى أدائها وكفاءة العاملين بها

وكـان الرجـل يتحـدث معى حديـث “هــدرزة ” متقطعه مشغولا طوال الوقت بالانكباب بالبحـث والفحص والتقليب لاكداس الملفات المكومة على منضدته يمينا وشمالا ولا يرفع رأسـه عنهــا الا شـذرا لكى يرمقنى بنظـرات متفحصة ثــم يعـود مـن جديــد للانغمـاس بيـن ملفاتـه

وكنـت انتظـر مـن السيـد علـى زيـدان أن ينهـى حيـرتى وأن يفاتحنى فـى الموضـوع الـذى استدعيـت مـن أجـلـه وهـو كما كنـت اعتقــد له علاقــة بالزيـارة المرتقبـة لوزيـر خارجية اليونــان السيد ” ديمتريس أفـراموبوليس ” إلى طرابلـس..ولكن السيـد على لــم يذكـر لى اى شىء يتعلق بهذه الزيارة ، وكان جـل حديثه المتقطع طوال الوقت منصبا على وزارة الخارجية وهموم هـذه الوزارة وتلميحاته بانه متعب من تحمـل مسؤولياتها بالاضافة الى مسؤوليـات رئاسة مجلس الوزراء مشيرا لما تعرض له من إحباط بسبب فشله فى الحصول دعم المؤتمـر الوطنى

ومن خلال كل هذا الحوارالمتقطع الذى لم يستمر طويلا والذى أكتنفه الغموض استطعت ان استشف أن أمـر استدعائـى للقـاء بـه لـم يكـن لــه أى علاقـة بزيـارة وزيـر خارجيـة اليونــان الى طرابلـس ، وانـه كما بــدا لى يريـد منى العـودة للعمـل داخـل ديـوان وزارة الخارجية بطرابلـس متعـاونا معـه فى تحمـل جــزء مـن المسؤوليات الملقاة على عاتقه خاصة بعد ان قطع الامل من استلام الاستاذ على الاوجلى مهــام وأعبــاء هـذه الوزارة ، ولكـن بصراحـة لـم يوضح لـى كيـف ستكـون عـودتى للـوزارة و تحت أي مسمى وزيـر أم وكيــل … أم مــاذا……؟؟؟؟ 

 

كلنا نعلم بأن وزارة الخارجية الليبيةعاشت أسوأ مراحلهـا بعـد خطاب زواره الشهيرعام 1973 الـذى جمد العمل بقانون السلك الدبلوماسي والقنصلي لعام 1959 ،الأمر الذي ترتب عليه تعرض الوزارة الى هـزات تخريب وفوضي إدارية عارمة بسبب ماسمى حينها زورا وبهتانا بالثورة الشعبية والتي تمثلت في زحوفات على ديوانها بطرابلس وعلي سفارتهـا بالخارج ، ومـا واكب تلـك الزحوفـات مـن فتح أبواب الوزارة على مصارعها ليتدافع داخلها دون احترام او نظام كل من هب ودب من المتسلقين وانصاف المتعلمين وأصحاب الوساطة والمشبعين بروح الكراهية والحسد والحقد على موظفي وزارة الخارجية ، ووجدوفيها فرصة لهم سانحة ليتكالبوا على غزوالوزارى والإستيلاء علي وظائفها من أصحابها الشرعيين

وكان العشم كبيرا أن التغييرات التي طرأت علي نظام الحكم في ليبيا بعـد 17 فبراير قـد تصلح مـا تهتك مـن نسيـج هـذه الوزارة البائسة وذلك بإعادة الأمور الى نصابها الطبيعي  وترميم ما أفسد  من كادرها الوظيفي ولكن للأسف تـت الرياح بما لا تشتهى السفن حيث أن الوزارة تعرضت للفساد الأعظـم في تاريخها ، وقـد ابتدأت بوادرهـذا الفساد الأعظـم عندما تولى زمام السلطة في إدارة الدولة الليبية “المجلس الانتقالي “، حيث قام بمجرد توليه السلطة بتهميش موظفي وزارة الخارجية المحترفين ، وقام في كرم حاتمي بتوزيع مناصب رؤساء البعثات الدبلوماسية الليبية بالخارج على العديد من أعضائه كثمـن لمشاركتهـم في هـذا المجلس وكمغنـم لهـم من مغانـم ثورة 17 فبرايـر ورغبة في كسب ولاء القبائل والمناطق ، متناقضا بذلك مع ما سبق وأن تعهـد به على رؤوس الأشهـاد بأن أعضاء المجلس الإنتقالي عند إنتهاء مدة عملهم سوف لن تسند لهم وظائف قيادية بالداخل او الخارج ،” ولكـن كمـا يقولون كـلام الليـل مدهـون بالزبـدة ” 

واستمرهذا التهتـك والفساد الـذى أستشـرى داخـل إدارة الدولة حتى بعـد انتهـاء سلطة المجلس الإنتقالي وسلطتى حكومة السيد عبد الرحيم الكيـب وحكومة السيـد على زيـدان، ولـم يتخـذ أيّ إجـراء ملموس للحـد من هـذا الوضع البائـس الـذي عاشته وزارة الخارجية رغـم التغيير المستمر في قياداتها…. واستمر حجـم الفساد في الاتساع والتفاقـم عندما حـدث الإنفصام السياسي للـوزارة إلى وزارتين  ” شرقية وغربية

وفى أعقاب توالي هـذه المآسي وهـذا التخريب الممنهج الذي تعرضت له وزارة الخارجية بعـد 17 فبرايـر رأيت مـن واجبـى كابن مـن أبنائهـا أن أنبه السـادة المسؤولين إلـى تلافـى خطـورة مـا حـدث داخـل هـذه الوزارة البائسة وذلك من خلال نشري لمقـال مميـز بتاريخ 20/ 02 / 2012 على صفحات بعض صحفنا الليبية تحـت عنوان ” أسافين التخريب التي ضخمت الجهاز الوظيفي بوزارة الخارجية http://articles.elemam.net/?p=247    ……  الليبيـة

ورغـم الاهتمام الذي أبـداه بعـض المسؤولين بما ورد في ذلـك المقـال ومنهم الناطـق الرسمي بحكومة الأستاذ عبـد الرحيـم الكيب ” الدكتور ناصرالمانع ” الذي استدعاني خصيصا إلي مبني رئاسة الوزراء للحوارمعي  بخصوص المقال  وبخصوص تاريخ وأوضاع وزارة الخارجية  الا أنه – للأسف – لـم يجـرؤ أي مسؤول بالدولة على وقـف هـذا الفساد الذي استشرى في وزارة الخارجية رغما عن فقاعـات التصريحات الإصلاحية الخجولة التي صدرت عنهم عبر أجهـزة الإعلام المختلفة وفي كل مناسبة

بعـد هذه المقدمة التوضيحية عـن الأوضاع السيئة التي إنحدرت اليها أوضاع إدارة وزارة الخارجية أعـود بـكم إلى مواصلة موضوع لقائي مع الزميل ” الأستاذ علي زيدان رئيس الوزراء” ، وكنت قد أوضحت في ادراجي السابق أنه بعـد استقبالي من قبـل سيادته أجلسني علي مقعـد في مواجهة مكتبه مباشرة  لتبادل الحوار والنقاش معه رغما عـن أنه كان منشغـلا طـوال الوقـت بفحص وتقليب أكوام من الملفات المبعثرة عـن يمينه وعن شماله فوق طاولة مكتبه غائصا بيـن أكداسها إلى قمة رأسه حتي لا يكاد يري من بينها ،

وكان انشغاله بهـذه الملفات واهتمامه البالغ بالبحث في محتوياتها قـد طغى حتى على انشغاله أو اهتمامه بضيفـه الـذى أستدعاه وطلب حضوره إليـه ، وهـو تصـرف لم يكن مقبولا مـن قبـل الأستاذ على زيدان “الرجل الدبلوماسي” الذى احمل له كل التقدير والاحترام ، إلا أنني تغاضيت عـن  ذلك مقـدرا ما كان يمر به الرجل  خلال تلك المرحلة من ضغوطات وإرهـاق في العمـل 

من خلال التقاطي لحديثـه الخافـت المتقطع الـذى لا يكاد يسمع والذي كان ينساب إلى سمعي أثناء انشغاله بتقليب اوراق ملفاته استشفيت  ”  إن لـم أكـن مخطئا ”  أن الرجـل كان يعـرض على التعاون معـه بالعمل  داخل ديوان وزارة الخارجية، وهـوعرض لم يفصح لي عنه في حينه بصراحة ووضـوح بـل وصلني عبر همهمة خافتة ومتقطعـة، كالغـاز الكلمات المتقاطعة … عملا بمبدأ اللبيب بالإشارة يفهم ، فهمت فك لغز الكلمات المتقاطعه بما يفيد رغبته في أن نتعاون معا …. ولكن كيف سيكون هـذا التعـاون …وتحـت أي مسمى وجدته  للأسف قد عـاد مـن جديـد إلى الإنكباب على تقليب ملفاته، الأمـر الـذى أدخلني في دوامـة مـن التخمينات والتفسيـرات أوجزتهـا حينه في تفسيرين 

التفسير الأول :  –  أن الأستاذ علي  فضل عـدم البوح لي بصريح العبارة بالوظيفى التي يعرضها علي بوزارة  الخارجية معتقـدا أنه لدى علم بعا مسبق عن طريق صديقنا المشترك المرحوم الدكتور سليمان أبو شويقير

التفسير الثاني : ـ  ربما طرأت بعـد فترة إستدعائي لمكتبه تطورات جديدة فيما يتعلق بترشيحه لي ، للوظيفة  أحرجته حينه وعرقلت مشروعه وأربكت حـواره معي

على أيى حـال وبصـرف النظـر عـن كل هـذه التخمينـات والتفسيرات فيما يتعلق بترشحي ( مـن عدمه ) وبصـرف النظر أيضا عـن أسلـوب الغمـوض الـذى أكتنـف موضوع هـذا الترشح ، فقد قررت أن أتخـذ قراري في حينه بالإعتذار بكل وضوح للأستاذ على زيدان عن استلام أي وظيفة للعمل بوزارة الخارجيـة تحـت أي صفـة كانت ، لكوني بصريـح العبارة خلال تلك الفترة ،أحسست بأني  لست الشخص المناسب الـذى في إمكانه تحمل أعباء ومسؤوليات تلك الوظيفـة ، التي في رأى يجب ان يرشح لها مـن يجب عليه أن يجند نفسه لها ويتفرغ لهـا تفرغـا تـاما 

و اعتذاري عـن تحمـل ثقـل هـذه الأمانة جـاء تلقائيا وحاسما وبعيـدا كـل البعـد عن أي تفسيرات ، حيث أن الدافع الأساسي لذلك القرار كان انشغالي التام بالظـروف الصحية السيئة التي كانت تواجهها إبنتي المرحومة التي انتقلت روحها الطاهرة إلى بارئها بتاريخ 17 فبراير 2019 حيـث أن عنايتي واهتمامي بأسرتي كـان هـو شغلي الشاغـل في تلك الفترة وكان يستنزف ـكل جهدي وأوقاتي ، واكـون كاذبـا مع نفسى ومع الزميل على زيـدان اذا مـا قبلـت حينهـا عرضه بتحـمل أعبـاء ومسؤوليات وظيفة وكيل وزارة الخارجية تحـت تلـك الظـروف التي كانت تمر بها الوزارة  ، علمـا بأني أقـدر بكل الإعـزاز والإكبار للأستاذ على زيـدان ثقتـه في شخصي وما لمسته منه خلال حواري معه من تواضع وأخلاق كريمة وما رأيته منه رأى العيـن من اخلاص ومداومة على العمـل المضنى لإنجـاز المسؤوليات والمهاـم التي أنيطـت بـه، والتي كان وفيـا وصادقا في تجنيـد وقتـه وجهـده لإنجازهـا حتى خارج أوقات الدوام الرسمي وأثناء أيــام العطــلات

وكـم كـان بـودى إستلام وظيفـة مغريـة براتـب مغرى،يتسابق الغير ويتنافسوا للفوزبها ولكن العين بصيرة واليـد قصيرة.. ولهـذا لـم يكـن أمامي إلا أن أتـخـذ ذلك القرار الصائب بالإعتـذار، رغما عن أن ذلك القـرار كان قـد شكل مفاجـأة غير متوقعه للأستاذ على زيدان في حينه وهو الـذى يتهافـت على مكتبـه العشـرات من صائدي الوظائف والمناصب، لكـن للضرورة وللظروف أحكـامها

مع كل من الدكتـور سليمان أبو شويقيـر والأستـاذ منصوررشيـد الكيخيا فى تأسيس الرابطـة الليبيـة لحقـوق الإنسان فى سويسـرا

رأيت أن أفتتـح هـذا الجـزء مـن أوراقـى المطويـة بهـذه المقدمـة الضروريـة لمـا لهـا مــن أهميـة خاصة كفاتحـة للقـائى بالأستـاذ الفاضل على زيدان فـى مبنى رئاسـة مجلـس الـوزراء بتاريـخ 12 / 12 /2012 وذلـك بنـاء على رغبتـه الشخصية فى أن نلتقى معا ، علما بأنـه لـيس لـدى مسبقـا أى خلفيـة عـن أسباب أو دواعى هـذا الاستدعـاء العاجـل للقـاء بحضرته بسبب تكتـم المرحوم الدكتور ” سليمـان أبـو شويقيـر” عن الإفصاح لى خلال اتصاله الهاتفي بي عن اسم الشخصية المجهولة التي سوف تتصل بى والتي عرفتها فى بداية ادراجي ب ” المتصل المجهول “والذي اتضح فيما بعد أنه الأستاذ على زيـدان

ولكـن مع ظهـر يـوم السبت الموافق 12 / 12 / 2012 زال هـذا الغموض الـذى أكتنفنى مـنذ يـوم الجمعة 11/ 12 / 2012 عندما أتصـل بى المتصل المجهول ” الأستـاذ على زيـدان ” هاتفيـا معـربا عـن رغبتـه فى اللقـاء بى فى مقـر رئاسـة مجلس الـوزراء ، مع تخمينى حينها أن أمـرهـذا الإستدعـاء بهـذه العجالـة قد يكون لـه علاقـة مباشرة بالـزيارة المرتقبة لـوزيـرخارجية اليونـان السيـد ” ديمتريس أفـراموبوليس ” التي كانت مزمعه خلال النصف الثـانى مـن شهـر ديسمبر 2012 ، على أساس اننى أملـك خبـرة طويلة عن العلاقـات الليبية اليونانية التى كنت مسؤولا عـن ملفهـا لفتـرة طويلـة جدا خــلال عملى بالـوزارة أو العمل بسفارتنا باليونان لفترتيـن متتاليتين ، وكذلك عملى كمساعـد للأمين العـام للغرفـة العربية اليونانية للتجارة والتميـة

على أى حال ، وحتى لا أطيـل عليكم ، وصلت إلـى مقـر رئاسة مجلـس الـوزراء بشـارع السيدى بطرابلس فى الموعـد المحـدد لـى للقاء بالأستاذ على زيـدان ، وهناك عنـد المدخـل الرئيسى أستقبلنى شباب الأمن بالـدورالأرضى ، وطلبـوا منى بطاقـة هويتى ،  ثـم منحونى كـرت الصعـود إلى مكتب الأستـاذ علـى زيـدان ، وقـادنى المرافـق إلى أحـد الصالونات بالمبنى حيـث جلست فـى انتظـارأن يخـرج بعـض الـزوارمـن مكتبه للقـاء بـه على إنفـراد

ولم يمض الكثير من الوقـت على انتظارى بالصالون حتى فوجئت بدخول الأستاذ على زيدان إلى الصالون و بادرنى مصافحا بالتحية والترحيب بـى …..وهـذه هى المرة الأولى التى التقـى فيها بالأستـاذ علـى زيـدان وجهـا لوجـه، وقادنى بمنتهى الـذوق والتواضع إلى مكتبه الخاص وأجلسنى فى الكرسى المواجـه لمكتبـه ، ثــم انسـل فى عجالـة ليغـوص فى كرسى مكتبـه المتواضع بين أكـداس من الملفـات التى تكومت فى فوضى وعـدم ترتيب عـن يمينـه وعـن شماله وذلـك بعـد أن أمـن لى  في كرم حاتمي بـراد من الشاهـى الأخضـر، وبكرج من القهوة العربية  تاركا لى حرية الأختيار والمفاضلة بينهما

وبعـد أن أغلق أحـد الملفات التى كانت مفتوحة أمامه ورمى بها على يمينه ، حـدق مليا من خلف نظارتـه السميكة فى شخصي ، وقال لى مبتسما ومداعبا في نفس الوقت  ”  فـى ذهنى أستاذ عاشور أنـك أطـول مما اراك الأن  …)  فأجبتـه ردا على دعابته … ربما أختلـط عليـك الأمـرأستـاذ على  فحسبتنى عاشور بن خيال ، فأعجبه ردى وضحـكنا معا…. ثـم انتقلنا بعـد هـذه الدعابة اللطيفة إلى الحديث عن وزارة الخارجية وهمومها

للمعلومية هـذه ليست المـرة الاولى التى يتـم فيهـا استدعائى لمقابلـة مسـؤول بمجلـس الوزراء الليبى منذ عام 2011 ، ففى أحد أيام الاسبوع الاول “على ما اذكر” من شهر أبريـل مـن عــام 2012 اتصـل بى السيــد ( الأجنـف ) سكرتير الدكتور ناصر المانع الناطـق الرسمى باســم حكومة الاستـاذ عبـد الرحمن الكـيب الإنتقاليـة وافـادنى برغبـة الدكتور ناصر المانع فى اللقـاء بى فى مكتبـه برئاسـة مجلـس الـوزراء للحديـث معـى فى بعــض الأمـور المتعلقـة بـوزارة الخارجيـة 

وفعلا اتفقنـا على تحديـد الموعــد واستقبلـت فـى ذلـك الموعــد مـن قبـل الاستـاذ ناصر المانع فى مكتبـه علمـا بانـه لــم تكـن تربطنـى بالرجـل أى صلـة او علاقــة شخصية ، غير انـه للتـاريخ والحقيقـة الرجل أخجلنى بتواضعه وبحرارة الاستقبال حيث جلسنا معـا فـى صالـون مكتبـه قرابــة نصـف ساعـة تبادلنـا خلالهـا حـوار ممتـع وشيـق عــن تاريـخ وزارة الخارجيـة وعـن مـا مـرت بـه ( سلبـا أو إيجابـا ) مـن تطورات وظـروف ، وناقشنى حينها بتوسع عما كنت قد كتبته على صحيفة المستقبل من ادراجات ومقـالات عـن الـوزارة وعـن ظروف وتبعـات العمـل الدبلوماسى بهـا ، واظهر تشوقه لمعرفة المزيـد من المعلومات عـن ماضى ونشاط هـذه الوزارة التى – كما اوضح لى – لا ينفصل الاطلاع على نشاطها ومعرفة خبايـاهـا عـن مهامه ومسؤولياتـه كمتحـدث رسمى للحكومة

ومهمـا حاولـت أن اطنـب فى وصـف هـذا الرجـل ( الجنتلمان ) الـذى تشرفـت بمقابلتـه ومعرفته وبما احاطنى بـه حينهـا مـن تواضـع وحسـن استقبال لى فى مكتبه أوحتى حيـن توديعـه لى حتى خارج باب مكتبه فإني  بصراحة لـم اوفيه حقـه ، ولازلت ومنـذ تاريخ ذلك اللقـاء احمـل لشخصه الكريـم كامل التقديـر والاحترام ، أما استدعائى للقـاء بالأستاذ على زيـدان برئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 12/12 /2012 فـقد حدث ذلك بعــد مضى قرابة ستة أشهر تقريبا على لقائى بالدكتور ناصر المانع فى شهر أبريل 2012 ويعتبر لقائي بالأستاذ على زيدان هـو ثانى لقـاء لي بمسؤول كبيـر بمبنى رئاسة مجلس الوزراء  الليبي بطريق السكة

بعـد هذه المقدمة التوضيحية أعـود بكـم لمواصلـة حديثى عـن ذلك اللقـاء الـذى كـان قـد جمعنى بالأستـاذ على زيـدان ، وما دار بيننـا من حـوار حول هموم مهـامه كوزير للخارجية الليبية إلـى جانـب مسؤولياتـه أيضا كرئيـس لمجلـس الـوزراء…. وفعـلا من خلال نبرات صوتـه المتهدج الخافت الذى لا يكـاد يسمع الا بصعوبة خلال هـذا الحواربيننا  شعـرت بمـا يواجهه الرجـل من تعقيدات ومصاعـب بسبب ضخامة المسؤوليـات الملقــاة على عاتقـه فـى ظـروف حرجـة ومتوتـرة تمر بها ليبيا ، إلتقيتـه منهكـا ومتعبـا غارقا بجسمه النحيل داخـل كرسى مكتبـه المتواضع بين أكداس مكدسة من الملفات المبعثرة عن شماله وعـن يمينه ، منشغـلا طـوال الوقـت فى تقليب وفحـص محتوياتهـا

ومـن خـلال الفتحة المتاحـة لى لكى أتبيـن ملامـح وجهـه المطمـور بين ضفتـى الملفـات المكدسة رفـع الرجل رأسـه فى إعيـاء وقـال لى بصوت خافـت منهــك …. “أخ عاشور كنت قـد قدمـت تشكيلـة حكومتى بنهاية شهر اكتوبـر الماضى 2012 إلـى المؤتمـر الوطنى العـام للإعتماد ونيـل الثقـة ، وكنت قـد راعيت فيهـا أن تكـون تشكيلة مثاليـة ومتوازنـة فـى نفـس الوقت لإرضاء جميع التوجهـات والنخـب الممثلة داخـل المؤتمر الوطنى ، وكنت متوقعا بعـد هــذا الجهـد المضنى أنها ستلاقى الإستحسان والقبول ولكـن – للاسف – فوجئت بما لــم يكـن متوقعـا ، فو جئت بعاصفـة هوجاء مـن الإعتراضات والاحتجاجات مـن قبـل عدد من أعضاء المؤتمر، خاصة فيما يتعلق بفصلى لوزارة الخارجية والتعاون الدولي إلى وزارتين واحدة للخارجية والأخري للتعاون الدولي ، وكذلك إقتراحي ضمـن هـذا الإطـار ، ترشيـح الأسـتاذ علـى الأوجلى كـوزير للخارجية ، والاستاذ محمد عبد العزيز كوزير للتعاون الدولي ..ثـم صمت قليلا مشغـولا بسحب أحد الملفت من بين المجموعة المكدسة امامه وأخذ في تقليب محتوايته….ثم واصل حديثه قائلا ” حاليا كما تعـرف أخ عاشورأنـا أتحمـل عـبء الإشراف على وزارة الخارجية إضافـة الى مهامى ومسؤلياتى كرئيـس لمجلس الـوزراء ، وهـذا يشكـل عبء كبيـر جـدا على شخصى ، لـيس من السهـل على تحمله فى هـذه الظـروف المعقـدة التى تمـر بهـا وزارة الخارجية والتى تحتـاج الى مجهـودات شخص متفرغ  للقيام بمهامها ، شخص كـفء يجنـد نفسه للعمل بهـا ليـلا و نهـارا وفـى كـل الأوقـات

“ثم توقـف عـن الحديث وحـول نظـره من جدـيـد إى مجموعـة الملفـات المكومـة ليجـذب من بينها ملف آخـر يرمى بـه أمامه ويكب عليه أيضا بالفحـص والمتابعـه. فبادرتـه وهـو لازال مكبـا على ذلـك الملـف  قائلا له ” إقتراحـك أستـاذ على بترشيـح الزميـل الأستـاذ علـى الاوجـلى اقتـراح جيـد فالرجـل قــد عاصرته عــن قـرب فـى العمـل داخــل ديـوان الـوزارة منـذ التحاقـه بهـا “عـام 1971″ وكذلـك عملـه فـى العديــد مــن سفاراتنـا بالخارج…. فهمهم لى من وراء كدس الملفات  ”  نعـم …. نعـم …هو كما تفضلت ..ولكن هات من يفهم  أو يقدر …” ثـم توقـف ليزيل نظارته السميكـة عـن عينيه وقـال لى وهـو يمسح زجاجهـا

للأسـف أن بعـض مـن أعضـاء المؤتمـر الوطنـى تحــت ضغوطاـت معينــة أعتـرضـوا على تقسيمي لوزارة الخارجية إلـى وزارتيـن ، وكذلك على تكليفى للأستـاذ على الأوجلى بحقيبـة وزارة لخارجية واصـروا علـى عــدم تمريـر هـذه ” التشكيلة ” مـا لـم تجــرعليها بعـض التعديلات “…ثــم رمقنى بنظـرة أخـرى فاحصة من خلال نظاراته السميكة  ” قائـلا ” انت ..اخ عاشور .. ملـم بأ وضاع وزارة الخارجيـة وبمـا مـرت بـه مـن تقلبـات واوضاع سيئـة أنهكت هيكلتهـا وإدارتهـا بحيث أصبحـت الآن بحاجـة ماسة الى اشخاص اختاصيين مؤهليـن يتولـون مسؤولية إعـادة تنظيمها والرفع من مستوى أدائها وكفاءة العاملين بها

وكـان الرجـل يتحـدث معى حديـث “هــدرزة ” متقطعه مشغولا طوال الوقت بالانكباب بالبحـث والفحص والتقليب لاكداس الملفات المكومة على منضدته يمينا وشمالا ولا يرفع رأسـه عنهــا الا شـذرا لكى يرمقنى بنظـرات متفحصة ثــم يعـود مـن جديــد للانغمـاس بيـن ملفاتـه

وكنـت انتظـر مـن السيـد علـى زيـدان أن ينهـى حيـرتى وأن يفاتحنى فـى الموضـوع الـذى استدعيـت مـن أجـلـه وهـو كما كنـت اعتقــد له علاقــة بالزيـارة المرتقبـة لوزيـر خارجية اليونــان السيد ” ديمتريس أفـراموبوليس ” إلى طرابلـس..ولكن السيـد على لــم يذكـر لى اى شىء يتعلق بهذه الزيارة ، وكان جـل حديثه المتقطع طوال الوقت منصبا على وزارة الخارجية وهموم هـذه الوزارة وتلميحاته بانه متعب من تحمـل مسؤولياتها بالاضافة الى مسؤوليـات رئاسة مجلس الوزراء مشيرا لما تعرض له من إحباط بسبب فشله فى الحصول دعم المؤتمـر الوطنى

ومن خلال كل هذا الحوارالمتقطع الذى لم يستمر طويلا والذى أكتنفه الغموض استطعت ان استشف أن أمـر استدعائـى للقـاء بـه لـم يكـن لــه أى علاقـة بزيـارة وزيـر خارجيـة اليونــان الى طرابلـس ، وانـه كما بــدا لى يريـد منى العـودة للعمـل داخـل ديـوان وزارة الخارجية بطرابلـس متعـاونا معـه فى تحمـل جــزء مـن المسؤوليات الملقاة على عاتقه خاصة بعد ان قطع الامل من استلام الاستاذ على الاوجلى مهــام وأعبــاء هـذه الوزارة ، ولكـن بصراحـة لـم يوضح لـى كيـف ستكـون عـودتى للـوزارة و تحت أي مسمى وزيـر أم وكيــل … أم مــاذا……؟؟؟؟ 

 

كلنا نعلم بأن وزارة الخارجية الليبيةعاشت أسوأ مراحلهـا بعـد خطاب زواره الشهيرعام 1973 الـذى جمد العمل بقانون السلك الدبلوماسي والقنصلي لعام 1959 ،الأمر الذي ترتب عليه تعرض الوزارة الى هـزات تخريب وفوضي إدارية عارمة بسبب ماسمى حينها زورا وبهتانا بالثورة الشعبية والتي تمثلت في زحوفات على ديوانها بطرابلس وعلي سفارتهـا بالخارج ، ومـا واكب تلـك الزحوفـات مـن فتح أبواب الوزارة على مصارعها ليتدافع داخلها دون احترام او نظام كل من هب ودب من المتسلقين وانصاف المتعلمين وأصحاب الوساطة والمشبعين بروح الكراهية والحسد والحقد على موظفي وزارة الخارجية ، ووجدوفيها فرصة لهم سانحة ليتكالبوا على غزوالوزارى والإستيلاء علي وظائفها من أصحابها الشرعيين

وكان العشم كبيرا أن التغييرات التي طرأت علي نظام الحكم في ليبيا بعـد 17 فبراير قـد تصلح مـا تهتك مـن نسيـج هـذه الوزارة البائسة وذلك بإعادة الأمور الى نصابها الطبيعي  وترميم ما أفسد  من كادرها الوظيفي ولكن للأسف تـت الرياح بما لا تشتهى السفن حيث أن الوزارة تعرضت للفساد الأعظـم في تاريخها ، وقـد ابتدأت بوادرهـذا الفساد الأعظـم عندما تولى زمام السلطة في إدارة الدولة الليبية “المجلس الانتقالي “، حيث قام بمجرد توليه السلطة بتهميش موظفي وزارة الخارجية المحترفين ، وقام في كرم حاتمي بتوزيع مناصب رؤساء البعثات الدبلوماسية الليبية بالخارج على العديد من أعضائه كثمـن لمشاركتهـم في هـذا المجلس وكمغنـم لهـم من مغانـم ثورة 17 فبرايـر ورغبة في كسب ولاء القبائل والمناطق ، متناقضا بذلك مع ما سبق وأن تعهـد به على رؤوس الأشهـاد بأن أعضاء المجلس الإنتقالي عند إنتهاء مدة عملهم سوف لن تسند لهم وظائف قيادية بالداخل او الخارج ،” ولكـن كمـا يقولون كـلام الليـل مدهـون بالزبـدة ” 

واستمرهذا التهتـك والفساد الـذى أستشـرى داخـل إدارة الدولة حتى بعـد انتهـاء سلطة المجلس الإنتقالي وسلطتى حكومة السيد عبد الرحيم الكيـب وحكومة السيـد على زيـدان، ولـم يتخـذ أيّ إجـراء ملموس للحـد من هـذا الوضع البائـس الـذي عاشته وزارة الخارجية رغـم التغيير المستمر في قياداتها…. واستمر حجـم الفساد في الاتساع والتفاقـم عندما حـدث الإنفصام السياسي للـوزارة إلى وزارتين  ” شرقية وغربية

وفى أعقاب توالي هـذه المآسي وهـذا التخريب الممنهج الذي تعرضت له وزارة الخارجية بعـد 17 فبرايـر رأيت مـن واجبـى كابن مـن أبنائهـا أن أنبه السـادة المسؤولين إلـى تلافـى خطـورة مـا حـدث داخـل هـذه الوزارة البائسة وذلك من خلال نشري لمقـال مميـز بتاريخ 20/ 02 / 2012 على صفحات بعض صحفنا الليبية تحـت عنوان ” أسافين التخريب التي ضخمت الجهاز الوظيفي بوزارة الخارجية http://articles.elemam.net/?p=247    ……  الليبيـة

ورغـم الاهتمام الذي أبـداه بعـض المسؤولين بما ورد في ذلـك المقـال ومنهم الناطـق الرسمي بحكومة الأستاذ عبـد الرحيـم الكيب ” الدكتور ناصرالمانع ” الذي استدعاني خصيصا إلي مبني رئاسة الوزراء للحوارمعي  بخصوص المقال  وبخصوص تاريخ وأوضاع وزارة الخارجية  الا أنه – للأسف – لـم يجـرؤ أي مسؤول بالدولة على وقـف هـذا الفساد الذي استشرى في وزارة الخارجية رغما عن فقاعـات التصريحات الإصلاحية الخجولة التي صدرت عنهم عبر أجهـزة الإعلام المختلفة وفي كل مناسبة

بعـد هذه المقدمة التوضيحية عـن الأوضاع السيئة التي إنحدرت اليها أوضاع إدارة وزارة الخارجية أعـود بـكم إلى مواصلة موضوع لقائي مع الزميل ” الأستاذ علي زيدان رئيس الوزراء” ، وكنت قد أوضحت في ادراجي السابق أنه بعـد استقبالي من قبـل سيادته أجلسني علي مقعـد في مواجهة مكتبه مباشرة  لتبادل الحوار والنقاش معه رغما عـن أنه كان منشغـلا طـوال الوقـت بفحص وتقليب أكوام من الملفات المبعثرة عـن يمينه وعن شماله فوق طاولة مكتبه غائصا بيـن أكداسها إلى قمة رأسه حتي لا يكاد يري من بينها ،

وكان انشغاله بهـذه الملفات واهتمامه البالغ بالبحث في محتوياتها قـد طغى حتى على انشغاله أو اهتمامه بضيفـه الـذى أستدعاه وطلب حضوره إليـه ، وهـو تصـرف لم يكن مقبولا مـن قبـل الأستاذ على زيدان “الرجل الدبلوماسي” الذى احمل له كل التقدير والاحترام ، إلا أنني تغاضيت عـن  ذلك مقـدرا ما كان يمر به الرجل  خلال تلك المرحلة من ضغوطات وإرهـاق في العمـل 

من خلال التقاطي لحديثـه الخافـت المتقطع الـذى لا يكاد يسمع والذي كان ينساب إلى سمعي أثناء انشغاله بتقليب اوراق ملفاته استشفيت  ”  إن لـم أكـن مخطئا ”  أن الرجـل كان يعـرض على التعاون معـه بالعمل  داخل ديوان وزارة الخارجية، وهـوعرض لم يفصح لي عنه في حينه بصراحة ووضـوح بـل وصلني عبر همهمة خافتة ومتقطعـة، كالغـاز الكلمات المتقاطعة … عملا بمبدأ اللبيب بالإشارة يفهم ، فهمت فك لغز الكلمات المتقاطعه بما يفيد رغبته في أن نتعاون معا …. ولكن كيف سيكون هـذا التعـاون …وتحـت أي مسمى وجدته  للأسف قد عـاد مـن جديـد إلى الإنكباب على تقليب ملفاته، الأمـر الـذى أدخلني في دوامـة مـن التخمينات والتفسيـرات أوجزتهـا حينه في تفسيرين 

التفسير الأول :  –  أن الأستاذ علي  فضل عـدم البوح لي بصريح العبارة بالوظيفى التي يعرضها علي بوزارة  الخارجية معتقـدا أنه لدى علم بعا مسبق عن طريق صديقنا المشترك المرحوم الدكتور سليمان أبو شويقير

التفسير الثاني : ـ  ربما طرأت بعـد فترة إستدعائي لمكتبه تطورات جديدة فيما يتعلق بترشيحه لي ، للوظيفة  أحرجته حينه وعرقلت مشروعه وأربكت حـواره معي

على أيى حـال وبصـرف النظـر عـن كل هـذه التخمينـات والتفسيرات فيما يتعلق بترشحي ( مـن عدمه ) وبصـرف النظر أيضا عـن أسلـوب الغمـوض الـذى أكتنـف موضوع هـذا الترشح ، فقد قررت أن أتخـذ قراري في حينه بالإعتذار بكل وضوح للأستاذ على زيدان عن استلام أي وظيفة للعمل بوزارة الخارجيـة تحـت أي صفـة كانت ، لكوني بصريـح العبارة خلال تلك الفترة ،أحسست بأني  لست الشخص المناسب الـذى في إمكانه تحمل أعباء ومسؤوليات تلك الوظيفـة ، التي في رأى يجب ان يرشح لها مـن يجب عليه أن يجند نفسه لها ويتفرغ لهـا تفرغـا تـاما 

و اعتذاري عـن تحمـل ثقـل هـذه الأمانة جـاء تلقائيا وحاسما وبعيـدا كـل البعـد عن أي تفسيرات ، حيث أن الدافع الأساسي لذلك القرار كان انشغالي التام بالظـروف الصحية السيئة التي كانت تواجهها إبنتي المرحومة التي انتقلت روحها الطاهرة إلى بارئها بتاريخ 17 فبراير 2019 حيـث أن عنايتي واهتمامي بأسرتي كـان هـو شغلي الشاغـل في تلك الفترة وكان يستنزف ـكل جهدي وأوقاتي ، واكـون كاذبـا مع نفسى ومع الزميل على زيـدان اذا مـا قبلـت حينهـا عرضه بتحـمل أعبـاء ومسؤوليات وظيفة وكيل وزارة الخارجية تحـت تلـك الظـروف التي كانت تمر بها الوزارة  ، علمـا بأني أقـدر بكل الإعـزاز والإكبار للأستاذ على زيـدان ثقتـه في شخصي وما لمسته منه خلال حواري معه من تواضع وأخلاق كريمة وما رأيته منه رأى العيـن من اخلاص ومداومة على العمـل المضنى لإنجـاز المسؤوليات والمهاـم التي أنيطـت بـه، والتي كان وفيـا وصادقا في تجنيـد وقتـه وجهـده لإنجازهـا حتى خارج أوقات الدوام الرسمي وأثناء أيــام العطــلات

وكـم كـان بـودى إستلام وظيفـة مغريـة براتـب مغرى،يتسابق الغير ويتنافسوا للفوزبها ولكن العين بصيرة واليـد قصيرة.. ولهـذا لـم يكـن أمامي إلا أن أتـخـذ ذلك القرار الصائب بالإعتـذار، رغما عن أن ذلك القـرار كان قـد شكل مفاجـأة غير متوقعه للأستاذ على زيدان في حينه وهو الـذى يتهافـت على مكتبـه العشـرات من صائدي الوظائف والمناصب، لكـن للضرورة وللظروف أحكـامها