من إسلام آباد الى واشنطن

هـذا الإدراج يحكى قصة الإنعكاسات التى أحدثها التغيير فى نظام الحكم فى ليبيا فى الأول من شهر سبتمبر 1969، من ملكى إلى جمهورى على إدارة السفارة الليبية فى واشنطن أثناء فترة عملي بها …..رأيت أن أوثقها عبر …… أوراق المبعثرة من مفكرتي
كنت قائما بالاعمال بالسفارة الليبية بالباكستان فى الفترة منذ تأسيسها منتصف عام 1967 وحتى منتصف عام 1969 حيث تم نقلى للعمل بسفارتنا فى واشنطن بالولايات المتحدة الامريكية مع نهاية شهر مايـو 1969 ، وكان هذا النقل قد جاء بناء على رغبتى الشخصية التى كنت قد أبديتها عبر برقية عاجلة وجهتها للسيد وزير الخارجية المرحوم ونيس القذافى طالبا منه امكانية نقلى إلى أى بلد أوروبى يتوفر فيه علاج لأبنتى الكبرى ” المرحومة جيهان” التى كانت قد أصيبت بعدوى مرض التهاب السحايا “مينينجايتى Meningitis ” وهو مرض خطير فى علاجه وفيما يترتب عليه من مضاعفات إذا لم يعالج بكفاءة …وكانت إبنتى حين هاجمها هذا المرض اللعين لم تجاوز الرابعة من عمرها ، فى وقت كانت فيه العاصمة الباكستانية إسلام أباد لازالت فى بداوتها عبارة عن قرية صغيرة لم تتوفر بها بعد أى مقومات للحياة العصرية وخاصة فى مجال العناية الصحية ، وكان لإستجابة السيد وزير الخارجية ” الانسان ” ونيس القذافى العاجلة بنقلي فورا للعمل بسفارتنا فى واشنطن أثرها الكبير فى فى نفسي وفي رفع معناويات أسرتى ، وتم ضمن هذا الإطار نقل الزميل المرحوم المستشار على الغدامسى عاجلا من ديوان وزارة الخارجية بطرابلس لكى يحل محلى كقائم بالأعمال بدولة الباكستان
وبوصول الزميل على الغدامسى بتاريخ 10 / 06 / 1969 لإستلام مهام البعثة الليبية فى اسلام أبـاد ، بدأت فى تجهيز أمورى الشخصية والأسرية استعـدادا لمغادرة الباكستان ، وكان من ضمن هذه الأمـور بيع سيارتى الخاصة ، وتسليم سكنى المؤجر لمالكه ، والتخلص من أثاثه ، وتسوية أمورى مع السفارة بإخلاء ذمتى المالية و الإدارية ، وكذلك إعـداد مذكرات شفوية لكل من السفارتين الإيطالية والأمريكية لتأمين تاشيرات الدخـول لى ولأفراد أسرتى إلى كل من ايطاليا والولايات المتحدة الامريكية

وبتاريخ 27 /06/ 1969 بعد انهاء اجراءات التسليم والإستلام بصفة رسمية بينى وبين المرحوم الأستاذ على الغدامسى أقام المذكور حفـل توديع لى ولزوجتى بفندق إنترك
ونتنتال بمدينة روالبندى التى تبعـد عن العاصمة ” إسلام أبـاد” بحوالى خمس كم، وحضر هذا الحفل عـدد من الأصدقـاء من كبار مسؤولي وزارة الخارجية الباكستانية وعدد من ورؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والاسلامية والأجنبية المعتمدة فى العاصمة “اسلام أباد “وفى نهاية شهر مايو 1969 غادرت مع أسرتى الصغيرة المكونة من زوجتى وأبنتى المرحومة جيهان وشقيقتها فيرووز العاصمة الباكستانية إسلام اباد إلى مدينة كراتشى وذلك فى طريقى إلى مقر عملي الـجديد بالعاصمة الأمريكية واشنطـن
وفى يـوم الأحـد بتاريخ 05 / 07 /1969 غادرت وأسرتى مطار “على جناح ” بمدينة كراتشى أكبر المدن الباكستانية متوجها على متن الخطوط الإيطالية الى أمريكا عبر المرور بالعاصمة الايطالية روما االتى كنا قد وصلنا إليها بعد ظهر نفس اليوم ، وكان فى استقبالنا بمطار ” فيومتشينو Fiumicino ” الدولي الزميل الأستاذ عاشور بن خيال السكرتير الثانيبالسفارة الليبية في إيطاليا والسيدة الفاضله حرمه ، اللذان بالإضافـة إلى تجشـمهما الحضور الى المطار لأستقبالنا أصرا إصرارا قـويا على إسضافتنا بمحل إقامتهما ، كما قاما ضمن كرم ضيافتنا عندهما في روما بتوفير جولات سياحية لنا للإطلاع على معالم مدينة روما الجميلة
الوصول إلى واشنطن


غادرنا روما بتاريخ 10 /07 / 1969 بعد ذلك على نفس الخطوط الإيطالية الى مطار دالاس بالعاصمة واشنطن ، وكان فى استقبالنا هناك الزملاء على السورى المراقب المالى بالسفارة والزميلين أحمد كمال أمين المحفوظات ومساعده الأستاذ عـون التاجورى وكان برفقتهما سائق السفارة المرحـوم محمد ساسى وهو مواطن ليبى مهاجر منذ مدة طويلة الي امريكا ومقيم بها ، وتم الحجز لنا عند قدومنا من قبل السفارة فى أحد الفنادق المتواضعه لفترة أسبوع كامل ، أنتقلنا فى نهايته إلى السكني في شقة صغيرة مؤثثـة بنفس المبنى الذي كان يقيم به الزميل على السورى ، وكان صدفة أن يكون جارى أيضا فى الشقة المقابلة لشقتى فى ذلك المبنى الزميل المرحوم الأستاذ سالم عميش الذي كان حينها طالبا ليبيا موفـدا للدرسات العليا بواشنطـن
وبعد ثلاثة ايام من وصولى وتنظيم أمورى الأسرية بالسكن قمت بزيارة إلى السفارة حيث التقيت بالأخت الفاضلة الزميلة فاطمة عاشور الوزير المفوض والتى كانت تشغل وظيفة الشخص الثانى بالسفارة، حيث قامت مشكورة خلال زيارتى لها بتعريفى بزملاء العمل وهم ، الملحق الاعلامى الأستاذ سعيد الختالى موفد من قبل وزارة الاعلام ، والملحق الثقافي المرحوم الأستاذ سالم الزيات الموفد من قبل وزارة التعليم ، وعدد من الموظفين المحليين ، غير أنه فى ذلك اليوم لم أتمكن من مقابلة السيد السفير فتحى علي العابدية ، إلا بعد أكثرمن أسبوع من التحاقى بالعمل بالسفارة بسبب التزاماته ومشاغله وكان اللقاء به عادة لا يتم الا بتحـديد موعـد عـن طريق سكرتيرته ، وهذا الإجراء كان متبعا مع كل موظقى السفارة
وبعد قرابة أسبوع أفادتنى سكرتيرة السفير بتحديـد موعـد اللقاء به و كان ذلك بحضور الزميلة فاطمة عاشور وأيضا بحضور الموظف المحلى بالقسم القنصلي المدعـو “غياث النقشبندى”، وتـم خلال ذلك اللقاء تكلفيى برئاسة قسم الشؤون القنصلية الذي كان يرأسه فى السابق الزميل إبراهيم الجزيرى الذي كان قد استقال من العمل بوزارة الخارجية ومن السفارة والتحق بالعمل مع احدى الشركات الامريكية المتعاونة أقتصاديا مع ليبيا

أستلمت عملى كرئيس للقسم القنصلى بعد يوم واحد من لقائى بالسيد السفير وكان يساعدنى فى العمل بالقسم بناء على تعليمات السفير الموظف السورى غياث النقشبندى الذي كان قد حضر اللقاء بينى وبين السيد السفير وهو كما علمت يمت بصلة قرابة بحرم السيد السفير وهى سورية اردنبة من أصول جزائرية ، والمعروف أن السيد السفير فتحى العابدية هو من أسرة ليبية عريقة مهاجرة ومجاهدة والـده المرحـوم “على العابدية باشا ” ، كان قد أنعـم عليه بلقب الباشوية السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى و كان من المقربين من القصر الملكى والعائلة السنوسية وكان متزوجا فى المهجر من سيدتين أحداهما أردنية من أصول سورية ، والأخرى ليبية يقال أنها برعصية ، وأنجب السيد على العابدية باشا من زوجتيه سبعة أولاد منهم السيدالسفير فتحى بالإضافة إلي أربع بنات ، وقد شغل السيدالسفير فتحى العابدية قبل تعيينه سفيرا بالسفارة الليبية بواشنطن منذعام 1964 حتى 1969 عدة مناصب هامة منها أنه كان وكيلا للديوان الملكى وسكرتيرا للتشريفات ثم مستشارا فى السفارة الليبية فى واشنطـن و في لندن ثم وزيرا مفوضا فى السفارة الليبية بجـدة ، ثم تولى بعدها مباشرة منصب وكيل لوزارة الخارجية الليبية


وضع السفارة الليبية فى واشنطن قبل سبتمبر 1969
فى الأول من سبتمبر1969 تـم الإطاحة بالنظام الملكى فى ليبيا من قبل عـدد من صغـار الضباط بالجيش الوطنى الليبى معلنين عبر بيان أذيع من مقـر الاذاعة الليبية فى بنغازى عـن إنتهاء فترة الحكم الملكى وإحلال سلطة النظام الجمهورى محله ، ولم يعـلن خلال الأيام الأولى من شهر سبتمبر 1969 عن قادة هذا الحدث الفجائي الغير متوقع والذي يقال أنه لـم يزعج السلطات الأمريكية الرسمية حين وقوعه رغما عـن عـدم المامها المسبق بأي تفاصيل عنه ، وكان طاقـم السفارة الليبية خلال هذا التغيير الذي حـدث فى نظام الحكم فى ليبيا فى الأول من سبتمبر 1969 يتكون من السادة :- السيد السفير فتحى على العابدية ، السيدة الوزيـر المفوض فاطمة عاشور اسماعيل ، السكرتير الثاني عاشور مفتاح الإمام ، الملحق الإعلامى سعيد الختالي ، الملحق الثقافي سالم الزيات ، المراقب المالي على السورى ، أمين المحفوظات أحمد كمال يساعده الزميل عون التاجورى .وكان لهذا التغيير الذي حدث فى نظام الحكم فى ليبيا عام 1969 انعكاسته المختلفة على أجـواء العمل بالسفارة الليبية فى واشنطن وعلى أفـراد الجالية الليبية فى العاصمـة الأمريكيـة
كما أوضحت فيما سبق أن طاقـم السفارة الليبية فى واشنطـن الذي عاصر إنتهاء فتـرة الحكم الملكى فى ليبيا في الأول من سبتمبرعام 1969 كان يتكون في حينه من ثمان موظفيـن ليبيين موفـديـن منهم فقـط ” ثلاثـة دبلوماسيين ليبييـن ” يتبعـون الكادر الرسمى لوزارة الخارجية الليبية وهـم حسب تسلسل درجاتهم الوظيفية فى السفارة كـالأتى
المرحوم السفيرالسيد فتحى على العابدية رئيس البعثة
المرحومة السيدة فاطمة عاشور إسماعيل الوزيـر المفـوض ” الشخص الثـانى بالسفارة
السيد عاشور مفتاح الإمام السكرتير الثانى ” الشخـص الثالـث فى السفارة
إضافة الى تواجـد طاقـم إدارى كان يتكون من أثنيـن من الموفـدين من قبل ديـوان وزارة الخارجية بطرابلس هما أمين المحفوظات السيد أحمد كمال ، ومساعـده السيد عـون التاجـورى ، وأثنيـن مـن الملحقين الفنيين لا يتبعان كادر وزارة الخارجية هما السيد سعيـد الختالي الملحق الإعلامى موفـد من قبـل وزارة الإعـلام الليبية ، والسيد المرحوم سالم الزيات الملحق الثقافى ، موفـد من قبل وزارة التعليم الليبية ، بالإضافة إلي موفد وزارة المالية الليبية المراقب المالي الأستاذ على السورى ، وتحدثت أيضا عن تكليفى من قبل السيد السفير فتحى العابدية برئاسة قسم الشؤون القنصلية والتجارية إضافـة إلى ما يسند إلى مـن مسؤوليات دبلوماسية داخـل البعثـة
كان وصولى كما أسلفت سابقا للعمل بالسفارة الليبية فى واشنطـن فى أوائـل شهـر يوليو من عام 1969 أي قبـل الإطاحة بالنظام الملكى بشهرين فـقط ، ولم تكن فترة الشهرين هـذه كافية لإستيعاب إجراءات وأسرار وعلاقـات العمل داخل السفارة أو خارجها ، خاصة وأننى كنت حينها مشغـول بمتابعة علاج المرحومة أبنتى المريضة…إلا أننى ورغما عن ذلك أستطعت إلى حدما أت أتخـطى هـذه العقبـة بسهولة بمساعـدة رئيسى المباشر فى البعثـة الوزيـر المفوض المرحومة فاطمة عاشور وزملائي بالبعثـة
أما فتـرة ما بعـد الأول من سبتمبر 1969 بعـد حـدوث الإنقلاب أو التغيير فى ليبيا فـإن العمل الروتيني المنتظـم بالسفارة أعتراه الكثير من الإرباك وعـدم الإنتظـام ،خاصة عندما تعرض مبنى السفارة الليبية فى واشنطـن إلى الإقتحام من قبـل مجموعـات من الطلبة الليبيين المدنيين والعسكريين الدارسين فى اشنطـن ومعهم بعـض من أفـراد الجالية الليبية ، وذلك عندما دخلـوا مبني السفارة عنوة طالبين منا نحن العاملين بها الأنظمام لهم ومجاراتهم فى إقتحام مكتب السيد السفير فتحى العابدية ، فأعتذرنا لهـم بكل أدب عـن مجارتهم فى هـذا الإجراء الذي أعتبرناه مسئ ولا يليق بطبيعة عملنا كموظفين بالسفارة مؤكدين لهم فى نفس الوقت تعاطفنا معهم وتفهمنا لمشاعرهم ، طالبين منهم عـدم الركون إلى الفوضي فى التعبير عن مشاعرهم أو مطالبهم وأن يستأذنوا فى الدخول الى مكتب السيد السفير عـن طريق سكرتيرته ” فقـد يكون الرجل فى إجتماع خاص مع بعض الأجانب أو قـد يكون متغيبا عـن مكتبه ” وبالتالي لا يجـوز دخـول مكتبه عنوة
وفعـلا تجاوب عقلائهم مع رأينا ، وصعـدوا فى منتهى الهدوء الى الدور الثانى حيث مكتب السفير وطلبـوا من سكرتيرته إبلاغـه برغبتهم فى مقابلته ، وأذن لهـم السفير واستقبلهم بمنتهى البشاشة والترحيب منصتا فى إهتمام الى مطالبهم التى لخصوها فى ثـلاث نقـاط هـي
1- إنـزال العـلم الليبى من على سارية مبنى السفارة وتمزيقه أو حـرقـه
2 – تحطيم صورة الملك الكبيرة التى كانت معلقـة تتصدر مكتب السفير
3 – ارسال برقية دعـم وتأيـيد لقـادة الإنقلاب بإسم السفارة وأفـراد الجالية الليبية
وأستطاع السيد السفير بأسلوبه السلس وإبتسامته الهادئة وبما عـرف عنه من كياسة و هـدوء ورزانه أن يهـدئ من ثورتهم وجموحهم وأن يجعلهم ينصاعـون لنصحه وارشاداته بأن يتولـوا إنزال صورة الملك بمنهي الهدوء ، ووضعها جانبا فى ركـن منـزوى من مكتبه، كما استطاع أيضا أن يصرفهـم عن فكرة تمزيـق أو حرقه العلم والإكتفـاء فقـط بإنزاله من أعلى مبنى السفارة، واعدا إياهـم بأنه إستجابة لطلبهم سيرسل برقية التأييـد بإسم السفارة وموظفيهاوالجالية الليبية
وبعد إنتهاء هذه الزوبعة المتعلقة بإقتحام مبنى السفارة من قبل المجموعه المؤيـدة للإنقلاب عادت أمور العمل الروتينى بالسفارة إلى مسارها الطبيعى رغما عن تغيـب وإختفـاء كل من السفير والسيدة فاطمة عاشور عن مكاتبهما ، وسرت شائعات فى أعقاب ذلك الإختفـاء ربطت بينه وبين قـدوم السيد ” عمر إبراهيم الشلحى” المستشار الخاص للملك ادريس السنوسى إلى واشنطن ، والسيد عمر هـو الإبـن الأوسط للمرحـوم إبراهيم أحمد الشلحى الـذي كان يشغـل منصب ناضر الخاصة الملكية فى الدولـة منذ عام 1952 وحتى فترة إغتيـاله عام 1954 فى مدينة بنغـازى من قبـل الشاب ” الشريف محى الدين السنوسي” وهو إبن شقيـق الملكـة فاطمة زوجة الملك إدريس السنوسى
والمعروف عن السيد عمر الشلحى أنه خلال العهد الملكى كان يتمتع بنفـوذ كبير وكانت له إرتباطـات وعلاقـات ومصالح تجارية مع العـديـد من الشركات النفطية الأمريكية ومع كبار رجال المال والأعمال الأمريكيين …وكان الهـدف من زيارته العاجلة إلي واشنطن هـو توظيف علاقاته الاقتصادية والتجارية فى الضغـط علي الإدارة الامريكية بعـدم الإعتراف بالانقلاب ، وقام بتوسيط وزيـر الخارجية الأمريكية المساعـد للشؤون الافريقية ” الدكتور ديفيد نيوسوم ” السفير الامريكى السابق فى ليبيا للحصول على دعـم الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون فى هـذا الخصوص بإرجاع سلطة النظام الملكي لسدة الحكم في ليبيا


وكان السيد عمر الشلحى قبل قدومه إلي واشنطـن قد قـام بزيارة إلى بريطانيا غـداة الإنقـلاب مباشرة ، وقابـل خلال زيارته تلك وزير خارجية بريطانيا السيد “مايكيل ستيوارت ” إلا أنـه كما قيل فشل فى تحقيق أهـدافـه مع بريطانيا ، فأراد المحاولة مع أمريكا ولكنه فشـل أيضا فى تحقيقها مع ادارة الرئيس الامريكى نيكسون ،وقـد لعب كـل من وليم روجـرز وزير الخارجية الأمريكية والسيد ديفيـد نيوسوم مساعـده ،وجوزيف بالمـر السفير الأمريكى فى ليبيا دورا رئيسا فى إفشال مساعى عمر الشلحى التى كانت قد تزامنت مع معاناة ادارة الرئيس نيكسون من تبعات تفجر فضيحة “ووتـر جيـت ” وتبعات التـورط فى حـرب الفيتنام
خـلال تلك الفتـرة الساخنة بالأحداث ، فى الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 1969 ،أحيلت لي من مكتب المحفوظـات بالسفارة مكالمة هاتفية عاجلة من روما من المرحـوم العقيـد سعـد الديـن أبوشويـرب الذي كان أسمه قـد تصـدر الأخبار خلال تلك الفتـرة كقائد للإنقلاب فى ليبيا ، طالبا التحدث مع السيد السفير فتحى العابدية ، فأفدته بعدم تواجوده فى السفارة ، فطلب مني رقم هاتفـه بالبيت إن أمكـن ، وفعلا أعطيته رقم هاتفه ، وليس لدى اى علم بعد ذلك عن اسباب ذلك الاتصال أو نتائجه
عادت الأمور في السفارة إلى طبيعتها العادية خلال الأسبوع الثانى من سبتمبر وكنا نستلم التعليمات والإتصالات عـن طريـق مكتب وزارة الخارجية ” الفرعى ” فى طرابلس الذي كان تحت إدارة الزميل المرحوم ” الطاهر منير برشان” ، وكان السيد الطاهر برشان فى الايام الاولي للأنقلاب ” فبـل تكليف السيد مسعـود بويصير بحقيبة وزارة الخارجية ” يمثل حلقة التواصـل بين قـادة الإنقلاب فى ليبيا وبيـن كافـة السفارات الليبية بالخـارج ، فى الوقت الـذي كان قـد تـم فيـه تجمـيد عمل ديـوان المكتب الرئيسى للوزارة بمدينـة البيضاء الذي جمد ووضع تحت الحراسة المشددة
أما بالنسبة لوزارة الخارجية الأمريكية خلال فترة الإنقلاب فـإن إتصالاتنا بها كانت تتـم عن طريق السيد “هيـوم الكسندرهـوران ” المسؤول عـن ادارة الملف الليبى” Libyan Desk ” بالوزارة وهو أمريكى من أصـول إيرانية يتحدث اللغة العربية بطلاقة ، والده هو السيد” الشريف عبد الله إنتظـام ” الـذي كان يشغـل منصب وزير الخارجية الإيرانية فى العهـد الإمبراطوري ،ووالدتـه تحمل الجنسية أمريكية وهى التى أحتضنته منذ طفولته بعـد طلاقها من والـده
خلال الأسبوع الثانى من شهرسبتمبر1969 ، وصلتنى برقية عاجلة من مكتب الوزارة بطرابلس بإستدعاء عاجل لضابطين من كبار ضباط الجيش الليبى الموفـدين إلي أمريكا فى دورة تدريبية هما المقدم طيار” صالـح الفرجـانى ” الذي قيل أنه كان يتدرب على قيـادة الطائرة الملكية الخاصـة المصنعـه فى أمريكا ، والمقدم بالجيش الوطني ” فـرج أبـو دربالـة ” وفعـلا حضرا المذكـوران إلى مكتبي بالقنصلية بعـد الإستدعـاء وكانـا فى حالة من الإضطراب والتوتـر من أمر الإستدعاء ، واستفسرا مني بالحاح إن كانت لـدى أى معلومات عن أسباب الأستدعاء خاصة وأنهما – كما ذكرا لي – لم يتما بعد الدورة التدريبية ، فأفدتهما بأنه ليس لـدى أي معلومات ، وفعلا لم تكن لدى أى معلومات بالخصوص ” وأتممت لهما على الفـور إجراءات سفرهما الى طرابلس . وعلمت فيما بعـد أنهما قـد تعرضا للإعتقـال بمجرد هبوطهما بمطار طرابلس الدولي وتـم التحقيق معهما ، غير أنه أفـرج فورا عـن المقـدم صالح الفرجاني الذي كلف فيما بعد آمرا لقاعدة الملاحة ” ويلس سابقا ” ، بينما أستمر إعتقال المقدم فرج أبو دربالة لفترة من الزمن ، ثـم أفـرج عنه وأبعـد للعمل بإحـدى السفارات الليبية بالخارج


كما وصلنا فى نهاية شهر سبتمبر فجأة للعمل بالسفارة ثلاثة من كبار ضباط الجيش الليبي المبعـدين وهم العقيد عبد الله سويسى ، والمقـدم رمضان الأسطى عمر ، والضابط الهادى العكروت …وقمنا فى حينه بإبـلاغ وزارة الخارجية الأمريكية بوصولهم وإنضمامهم للعمل بالسفارة تحـت الصفات الدبلوماسية المقـرة لكل منهم حسب شهادات الدفع الأخير الخاصة بثلاثتهم الصادرة لهم من مكتب الوزارة بطرابلس ….
للاسف لم استطع التفرغ خلال تلك الفترة الحرجة من شهر سبتمر وما تلاه من شهور حفلت بكثرة المشاغل و الأحداث من متابعة إجراءات عـلاج إبنتى المريضة التى نقلت أساسا للعمل بالسفارة الليبية بواشنطـن من علاجها ، وتزامن إنشغالي بالعمل المرهق عن الإهتمام بعـلاج إبنتى بمفاجأتى بورود تعليمات عاجلة ظالمة فى شهر مايـو 1970 تقضي بنقـلى فورا للعمل بديـوان الـوزارة في طرابلس ، علما بأن مدة عملى بالخارج كان من المفروض أن تنتهى فى منتصف عام 1971 …وليس مايو 1970، و لـم أعترض على هـذا النقـل الظالم ولـم أحتـج عليه ولـم أتوسـط حتى لإلغائـه أو تأجيلـه وقمت بتنفيـذه على الفـور وفى موعـده المحـدد .وكان رئيس البعثة خلال تلك الفترة هو العقيد عبدالله سويسي الذي حل محل السفير فتحى العابدية الذي سبقنى هو ايضا بالنقل الى طرابلس ….
و مـع منتصف شهـر يونيـو 1970 تمكنت من الرجـوع إلى طرابلس ، ونسبت فـورا للعمـل بإدارة الشـؤون الأفريقيـة الأسيويـة بعـد ترقيتى إلى وظيفة سكرتير أول ، وكلفت حينها بإنشاء و تنظيم ورئاسة قسم الشؤون الأسيويـة الذي لم يكن له أى وجود مسبق وقمت بتأسيسه ” من لا شىء ” حتى تطـور فيما بعـد الي ادارة كبيرة بعدة اقسام ، تحت مسمى الإدارة الأسيوية