قصتي مع صاحبة الجلالة وسعادة السفير خيري بن عامر

لا تذهبوا بعيـد في تفسيرعنوان هـذا الإدراج…….؟؟؟؟

صحيح أن المرحوم الأستاذ خيري بـن عامر كان سفيرا معتمدا  لليبيا عـام 1970 لدي صاحة الجلالة ملكة بريطانيا … ولكن صاحبة الجلالة هنا في هـذا الادراج ليست ملكة بريطانيا ، ولاعلاقة للأدراج بها….بينما صاحبـة الجلالـة المقصـودة في هـذا الإدراج شاءت الصـدف أن يجمعنا في معيتهـا لقـاءغيرمبرمج داخل مبني وزارة الخارجية الليبية في شارع البلدية خلال شهر يونيه 1967 عندما كان سعادة السفير خيري بن عامر حينها وكيلا لوزارة الخارجية…. ولهـذا الحـدث قصة أورد لكم تفاصيلها فيما يلي : –
في الخامس من شهر يونيه عام 1967 شنت دولة العصابات الصهيونية هجـوم مباغت على مصر وعلي جاراتها الـدول العربية سمي  هذا الهجوم فيما بعـد ب” حرب الأيام الستة ” تمكنت دولـة العصابـات الصهيونية من تدميـرأسطـول السلاح الجـوي المصرى ، وهزيمة جيـوش الـدول العربيـة الداعمة لمصـر وتفجـرت في أعقـاب هـذه الهزيمة المنكـرة للـدول العربية المظاهرات الشعبية في كل أنحاء الدولة الليبية مصحوبة باضرابات شاملة لعمال النفـط ، وتعـرّضت السّـفارتيـن الأمريكيـة والبريطانية فـي طرابلـس وبنغازي للرّشق بالحجارة وحـرق أعلامها الوطنية أمام مقارها ، وتحـول جو الهدوء والاستقرارالذي كان سائدا في الشارع الليبي الي جو مشحون بالتوتر والسخـط والغضب وانعـدام الأمـن ، وكـان لخطابات الرئيس جمال عبد الناصر ومقالات حسنين هيكل ولعلعة إذاعة صوت العرب فى كل بيت او مقهى اونادى او متجر المطالبة بتصفية القواعـد البريطانيه والامريكية فى ليبيا دوركبيرفي إلهـاب وإثارةمشاعـر الغضب والسخـط والتحـدى لدي الشارع الليبي خاصة بعـد إنضمام عـدد مـن الصحـف الليبيـة المؤثـرة في الرأي العـام إلي دعـم وتاييـد تلك المظاهـرات الشعبية .
وفى هذا الجو المشحون بكل هذه التوترات كنت مرتبطا بناء علي موعد مسبق مع الزميل المرحوم أحمد أبو راس رئيس لجنة ادارة نادى الشباب العربى بطرابلس للمساهمه بمحاضرة ثقافية ضمن برنامج لقـاءات ثقافيه التى كان يتبناه النادى خلال تلك الفترة ، واخترت ان تكون محاضرتى متمشية مع ما تمر به البلاد من طفرة فى المجال الصحفى ومدى مساهمة الصحافة فى تنوير الراى العام الليبى اتجاه ماتمر به البلاد من احداث متتالية ، ورأيت ان يكون موضوع محاضرتى عن الصحافة الليبية واخترت لها عنوان ….. “صاحبة الجلالة “.
وفعلا كان قد تم مسبقا الاتفاق مع النادي على تحديد مساء يوم 14 يونيه 1967 موعد لالقاء المحاضرة فى ذلك النادى العريق الذى كان يشكل ملتقى لرجال الفكر والثقافة ، وقد حضر تلك المحاضرة لفيف من المفكرين والادباء والصحفيين ، وأذكر أنه كان من بينهم المرحوم على وريث صاحب صحيفة البلاغ ، والمحامى ابراهيم الغويل الذى كانت تربطه علاقة حميمة بالصحفي على وريث إضافة الي حضور الأديب الأستاذ على مصطفى المصراتى وعدد من الدبلوماسيين الشباب من موظفي وزارة الخارجية ، ولا اريدهنا ان أدخل في تفاصيل ما حوته تلك المحاضرة لضيق المجال .
المهم انه فـى صباح اليوم التالى من إلقاـء محاضرتى عند ما كنت بمكتبي في مبني وزارة الخارجية بشارع البلدية بطرابلس فوجئت باستدعائى عاجلا لمقابلة الأستاذ الفاضل خيري بن عامر وكيل وزارة الخارجية خلال تلك الفترة
وأستقبلنى المرحـوم الخلـوق المتواضـع المرح والمبتسم دائما وهو أحد الكفاءات الدبلوماسية الوطنية المخلصة في ولائها وعطائها للوطن ، أستقبلني على غيرعادته معي شخصيا ، وذلك بابتسامة باهتة وبنوع من التجهم ، وبعـد ان ازاح عـن عينيه نظارته الطبيه السميكة ورمى بها جانبا فـوق مكتبـه، دعاني إلى الجلوس فى مواجهته ، ثـم أبتدرنى وهو يعبث بقلم رصاص بين أنامل يده اليمني قائلا …..” أهنئك أستاذ عاشور على محاضرتك القيمة مساء يوم أمس ،غيرأنه تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن حيث انها تسبب في خلق مشكلة لوزارة الخارجية مع الجهات الأمنية … ثـم توقـف عن الحديث فجأة متفحصا في إهتمام ورقة صغيرة كانت ملقـاة أمامه وواصل حديثه وهو يتفحصني بعيناه الضيقتان مستمرا بالعبث بقلم الرصاص بين أنامله قائلا ” كان من الممكن ألا تثير هذه المحاظرة أى اشكال لولا دعوتكم للسفير الروسى لحضورها ومتابعة لما جرى في أعقابها من نقاشات وأنتقادات لسياسة الدولة االليبية ، الأمر الذي أحـرج موقفنا امام بعض المسؤولين لأنك أستاذ عاشور أحد دبلوماسي وزارة الخارجية الليبية الملتزمين بسياستها ، زد علي ذلك أنها ألقيت تحت ظروف صعبة تمر بها بلادنا … فقاطعته قائلا سيدى ” أؤكـد لكـم أولا لا علاقة ولاعلم لي بدعوة السفير الروسي كما أن محاضرتي لـم تكن سياسية ولم أوجه فيها أي نقـد للحكومة أو الدولة ، وأنا آىسف جـدا سيدي أن تتسبب محاضرتي فى هذا الإحراج لسيادتكم أو للوزارة …فقاطعني قائلا “استاذ عاشور أنا شخصيا لا أحملك أنت وحدك مسؤلية ما حدث حيث يشاركك المسؤولية بالدرجة الأولي زميلك عبد العظيم بعيو موظف ادارة المراسم بالوزارة الذي كان قـد أصطحب السفير الروسي لحضور المحاضرة ، ناهيك عن متابعته وهو الذي يجيد اللغة العربية بطلاقة لكل ما جري فى نهايتها من انتقادات غير مقبولة في حق الدولة الليبية ،وانت تعرف جيدا حاجتنا فى هذه الظروف التى تمر بها بلادنا إلي التهدئة وليس للإثارة والتحريض ، ثم توقف لحظة لينظر في ساعته وواصل حديثه قائلا …” وبارغم من أنه قد طلب مني باصرار اتخاذا اجراءا قاسية ضدك وضد زميلك الاستاذ بعيو الذي كنت قد استدعيته هو الاخر قبل استدعائك اليوم وتم توجيه اللوم له، إلا إلا انني شخصيا تقديرا مني لحسن النية لم انصاع لما طلب مني إتخا إجراءات قاسية وسأكتفى بهذا التنبيه وأن اطلب منك مستقبلا بصفتك موظف دبلوماسي تمثل سياسة ونظام الدولة الليبية أن تطلب الإذن عند القيام بأى نشاط من هذا القبيل
وحاولت أن أدافع عن نفسى إزاء هذا الإحتجاج إلا أنه رحمه الله رغما عما عرف عنه من تواضع وطيبة قلب كان جافا وصارما و لم يمنحنى أى فرصة لمواصلة دفاعي وتوضيح موقفي سوى أنه أنهي النقاش فى الموضوع لأرتباطه بموعد مع أحد السفراء الذى كان ينتظر الاذن له بالدخول إليه
وكنــت وقتها وفقا للاشاعات المسربة عن اجتماع لجنة السلك انني كنت مرشحا للعمل بسفاراتنا فى احدي الدول الأوروبيه ، إلا أننى فوجئت بعد محاضرة صاحبة الجلالة بترشحى للعمل بالباكستان التى لا يوجد حينها أى تمثيل دبلوماسى بينها وبين ليبيا ، وعلى ان أن أتحمل عبء المساهمة في تأسيس السفارة من العدم ، وبسبب الظروف الصحية السيئة فيها وانتشار الأوبئة والامراض أضطررت إلي ترك أسرتى والذهاب بمفردى للاقامه فى عاصمتها الجديده اسلام اباد التى كانت انذاك عباره عن هضاب ومنحدرات واوديه تتجول بها مختلف أنواع الزواحف والقوارض والقطط المفترسة وكانت كل مبانيها لا زالت تحت التأسيس ولا تتوفر بها المقومات للحياه العصرية ولا توجد بها اى سفاره إللهم إلا أنا مع زملائي الطاقم الإداري للسفارة وكذلك ممثل للسفاره السعودية مقيم معنا في نفس الفندق الوحيد بها
وهكذا تسببت صاحبة الجلاله فى نقلى الى أقاصى الشرق بدلا من نقلي الى أوروبا وكانت تجربة قاسيه جدا لى ولأسرتى ، غير أنه وللمعلوميه فإن اسلام اباد العاصمة الباكستانية الآن تعتبر عاصمة عصريه رائعة ومن أجمل المدن الباكستانية تتوفر بها كل سبل الحياة الجميلة المرفهه ….بل تعتبر واحدة من اجمل وأهدأ عواصم العال