تخبط غرفنا التجارية بين .. قانون بلا لائحة ولائحة بلا قانون

قانــون النشاط الاقتصادى الجديد المسمى قانون رقم ” 23 ” فى مواده وبنوده المتعلقة بتنظيم غرف التجارة والصناعة لم يأت بجديد ، والتعديلات التى ادخلت عليه هى عبارة عن ترديد وشفط لكل المواد الوارده فى القانون رقم ” 4 ” المقبور والذى كان ينظم اعمال غرف التجارة والصناعة فى ليبيا ،وإذا كان هناك من إضافه تمت فهى أنه أرجع النشاط الزراعى ضمن هيكلة غرف التجاره والصناعه ، إضافة الى انه شدد على ان يكون تعيين رئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة يدخل ضمن صلاحيات رئيس الوزراء وليس ضمن صلاحيات وزير الاقتصاد، والتبريرات التى قدمت فى هذا الخصوص جاءت على خلفية ان إضافة النشاط الزراعى ضمن مسؤوليات الإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة ” وكذلك الغرف التجارية ” قد أخضع هذا الاتحاد والغرف بصفة عامة لاشراف وزارتين سياديتين هما وزارتى الاقتصاد والزراعة ، وبالتالى يصبح منطقيا ألا تمنح صلاحية تعيين رئيس الإتحاد العام للغرف لأى من الوزارتين ، وهى بكل تأكيد تبريرات ” تافهه ” ولا تعنى شيئا ولا أعرف ماهو الفرق بين أن يعين رئيس الإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة كما هو متعارف عليه فى السابق من قبل وزير الإقتصاد والتجاره وبين ان تمنح هذه الصلاحيه ( وفقا للقانون الجديد ) للسيد رئيس الوزراء …… ؟؟؟ وحتى إذا ما أجزنا – مجـازا – هذا التبريرات التافهه ، فانه يصبح منطقيا أيضا ” لكى تكتمل فصول اللعبة ” أن يعين رئيس الوزراء ( رؤساء الجمعيات العمومية للغرف التجارية وكذلك اعضاء ورؤساء مجالس الادارات بالغرف التجارية… ) وبالطبع المتتبعين لبواطن الأمور يعرفون جيدا من خلال هذه اللعبة الدراميه انه كان وراء هذه التعديلات للأسف حزازات وخلافات ومصالح شخصية لاعلاقة لها بمصلحة الغرف التجارية ولا علاقة لها بالمصلحة العامة.

على اى حال فإن القانون رقم ” 23 ” فيما يخص غرف التجارة والصناعة أعتبره قانون معاق لم يعالج بعد النقص أو العيوب التى حفل بها القانون رقم ” 4 ” كما أنه لا يعطى دفعا للقطاع الخاص ولا أغالى إذا ماقلت أنه لا زال يهمش دور هذا القطاع ويعيق حركته بصورة أسوأ ، وكنت أتمنى لو تم الإستعانه ببعض المواد من القانون رقم ” 101″ الذى رغما عن انه صدر إبان هيمنة القطاع العام على اقتصاد الدوله ، كان قد أعطى حريه أوسع واكثر تشجيعا للقطاع الخاص و كان أكثر رحمة ورفقا بهذا القطاع ، وسبق وان انتقدت فى مقال لى منذ عامين تحت عنوان ” غرف التجارة والصناعةإلى أين …. ؟ ” هذا القانون وكذلك أسلوب التصعيد الذى كان متبعا لإختيار مجالس الادارات بالغرف التجارية ، وأوضحت بأن القانون رقم ” 101″ بالمقارنه بالقانون رقـم ” 4″ وكذلك القانون رقم “23” يعتبر من احسنهما سواء من حيث الحبكه القانونيه أو من حيث تشجيع القطاع الخاص ، ولذلك فأنا أدعوا إلى عقد المقارنات بين هذه القوانين الثلاثه وسيتضح لكم و بما لا يدع مجال للشك أن العودده إلى القانون رقم 101 هى أرحم واكثر نفعا للمجتمع من هذا التخبط العشوائى بين القانون رقم “23” واللائحه التنفيذية للقانون رقم “4” المقبور .

إن غرف التجارة والصناعة والزراعة الآن تعيش حالة من الفوضى والتخبط بين قانون سارى المفعول هو القانون رقم “23” بدون لائحة تنفيذية ، ولائحة تنفيذية ملغاة للقانون رقم “4 ” ، أضف الى ذلك ان هناك مشكلة اخرى تواجهها بعض الغرف حاليا فيما يتعلق بنطاق نشاطها الجغرافى وستظهر او ربما قد ظهرت هذه المشكلة فعلا على السطح بعد الغاء ما كان يسمى بالشعبيات وهى مشكلة لا يجب الاستهزاء بها أو مواجهتها بالصمت وعدم المبالاة ..

وعلى اى حال وضمن هذا السياق وطالما نحن مقبلون بكل تأكيد على تعديل هذا القانون المعاق رقم “23” وتطويره بما يتمشى وروح التوجهات الجديدة فى السياسة الاقتصادية للدولة فاننى اورد فيما يلى بعض الملاحظات التى ارجو من السيد وزير الاقتصادالاستاذ أحمد الكوشلى دراستها وأخذها فى الاعتبارعند الشروع فى إجراء التعديلات المرتقبه سواء على القانون رقم” 23″ نفسه أوعلى لائحته التنفيذية .

الوضع الحالى لغرف التجارة والصناعة والزراعة

أولا – العدد الحالى لغـرف التجاره والصناعة والزراعة عدد مبالغ فيه وبما لا يتمشى أساسا مع مصلحة الاقتصاد الوطنى او مصالح المنتسبين فى هذه الغرف وتسبب فى أن تتحول بعض من هذه الغرف “للأسف الشديد ” الى مراكز جبايـه فقـط لتوفيرمرتبات للعاملين بها ” بالكـاد ” ، بل إن بعظها عجز حتى عن توفير هذه المرتبات واضطر للجوء للإتحاد العام لغرف التجارة من أجل دعمها ماديا الأمر الذى أعجزها أيضا حتى عن تقديم الخدمات المطلوبه للمنتسبين بصورة مرضية .

ثانيا – من المعروف ان كل غرفه تتكون من عدد كبير من المنتسبين من أصحاب الأنشطه الإقتصاديه داخل نطاقها الجغرافى ، يتم قيدهـم فى سجلات الغرفـه بقوة القانون بعد إستيفاء مستندات تسجيلهـم ، وآدائهم الرسوم المستحقه ، وهؤلاء يتم تنظيمهم فى شعب نوعيه متجانسه وتحـدد اللائحـه التنفيذيـه للقانون تصنيـفات هذه الشعـب ، وشـروط وإجـراءات الانتساب اليهـا وبالنسبة لهذا البند كما ورد فى القانون يحتاج الأمرالى ادخال بعض الضوابط ، التى تؤكد على أن تكون ملفات االمنتسبين لهذه الشعب متكامله ومتطابقه مع متطلبات الإنتساب.. أى ان يكون المنتسبين لهذه الشعب فعلا “رجال أعمال حقيقيين ” وأصحاب أنشطه إقتصاديه من دافعى الضرائب وليس تجار شنطه أو تجار فرص أو أدعياء يلجـأون للتزوير ويتهربون من دفع الضرائب كما اكتشف فى بعض الغرف التجارية ، كما يجب ان يكون هناك تنسيق وتناسق فى تسجيل هؤلاء المنتسبين بين مؤسسات وزارة الاقتصاد والبلديات واى مؤسسات اقتصادية عامه اخرى ، وأن تكلف لجان جرد خاصة يصدر بتكوينها قرارمن الوزيرالمختص تتولى إعادة جرد وفحص كافة ملفات منتسبى هذه الغرف وفقا للإشتراطات والضوابط القانونية ، وأرى ان تكون هذه اللجان فى الغرف التجارية من ( مديرعام الغرفة + مندوب عن وزارة الاقتصاد والتجارة + مندوب عن الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة ) .

ثالثا – وإذا مـا سلمنـا بـأن غرف التجـاره والصناعة يجب أن تؤسس على مبـدأ أنها مؤسسات أهليـه مستقلـه تعمل على نمووتفعيل القطاع الخـاص ، نـرى من هـذا المنطلق أن يقلـص تدخـل القطـاع العـام فى تكويـن الجمعيات العموميه لغرف التجارة والصناعة إلـى أدنى حـد ممكن بحيث يتمثل دورالقطاع العام فقـط فى الاشـراف والترشيـد وليس الهيمنـه والإستحـواذ ، وأن يتـم أنتخاب رؤساء الجمعيات العموميه من بين كبـار مـزاولى الأنشطـة الاقتصاديـه المنتسبيـن للغرفـه لاكثر من ثلاث سنوات ، وأن لا يفـرضو بالتعيين من خارجها ، حيث أن مبـدأ تعييـن رئيس الجمعيه العموميه فى السابـق حـدث فيـه ، بسبب غموض التشريعـات السابقـه ، بعـض التجـاوزات عنـدما عيـن – للأسف – رؤساء للجمعيات العموميه هـم عبـاره عن موظفـين عموميين يتقاضـون مرتبـات من القطاع العـام ولا صلة لهـم بمزاولـة النشـاط الإقتصادى على الإطـلاق.

رابعا – مـع إكتمال إختيـارأعضـاء الجمعيه العموميه لكل غرفـة وترشيح رئيسها من بينهم يتـم أيضـا انتخاب ثلثـى أعضـاء مجلس ادارة الغرفـه المعنية وبما فيهم رئيس مجلس ادارة الغرفة وكذلك عضوى ادارة الغرفة لدى الإتحاد العام لغرف التجاره والصناعة والزراعة ، ويتولى وزير الاقتصاد تعيين الثلث المتبقى لأعضاء مجلس ادارة الغرفة المعنية وفقا لاختياره فيما عدا رئيس مجلس ادارة الغرفة فإننا نرى ترسيخا للديموقراطية أن يكون انتخابه من قبل الجمعية العمومية للغرفة المعنية وليس تعيينا من قبل وزير الاقتصاد ، والسبب الذى يدعونا لهذا التحوط ان اغلب رؤساء الغرف التجارية عندما يفرضون على مجلس ادارة الغرفة المعنية فرضا من قبل القطاع العام لا يحدث فى اغلب الاحوال توافق بينهم وبين اعضاء مجلس الادارة المنتخبين فتحدث الخلافات والمشاكل .

خامسا – يجب ان يراعى فى اختيار أعضاء مجلس ادارة الغرفه بأن يكون العضو المختار رجل أعمال فعلا مشهود له بحسن السيرة والسلوك ، وقد مـر على ممارسته للنشـاط الاقتصـادى فتـرة لا تقل بأى حال من الأحوال عن الثلاث سنوات ، وألا يتم اختيار عضوين فى المجلس عن نفس القطاع ، تجسيدا لمبدأ التنوع فى المشاركة ، وفى حاله وجود نقص فى احدى الشرائح يجب ان يعمل الثلث المعين من قبل الوزير المختص على معالجة هذا الخلل .

سادسا – نسبة 15 %المنصوص ” قانونا ” على تحصيلها شهريا من إجمالى الدخل العام لغرف التجارة والصناعة لصالح الإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة ، أرى ارجاعها الى النسبة السابقة 10% ، والنص على ان تحصل فقط عن صافى الدخل للغرف التجارية وليس على مجمل دخلها العام ، حيث اتضح أن الغرف التجارية تدفع هذه النسبة عن مبالغ لا تعتبر من صافى دخلها واستقطعت اساسا من دخلها لصالح جهات أخرى ” كضرائب او مرتبات او ضمان اجتماعى ….الخ “وبالتالى فاستقطاع هذه النسبة بهذه الكيفية ، يعتبراجحاف فى حق هذه الغرف كما أرى ضمن هذا السياق ايضا إخضاع دخل وزارة الاقتصاد والتجارة الذى تتحصل عليه كرسوم عن تسجيل الشركات فى السجل التجارى الى استقطاع هذه النسبة 15% من هذا الدخل لصالح الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة .

سابعا : وفقا للقانون يتكون مجلس ادارة الإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة من رؤساء مجالس الإدارت بالغرف التجارية وعددهـم ” 14 عضوا ” وممثلين عن الجمعيات العمومية للغرف التجارية وعددهـم ” 28 عضوا ” وعدد ” 5 أعضاء ” يمثلون المؤسسات والشركات. أى ان اجمالى عدد مجلس ادارة الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة مع إضافة رئيس الاتحاد يبلغ ” 48 عضوا ” وهل يعقل ان يكون مجلس ادارة بهذا العدد الضخم من الأفراد …؟؟؟؟ شىء غير معقول…. !!! وغير منطقى ولن يساعد اداريا على حسن سير العمل بالإتحاد خاصة اذا ماعلمنا ان اجتماع هذا العدد سيكون لمرتين خلال العام الواحد على الاقل …وعليه أرى ان يحول هذا المجلس الى ” جمعية عمومية للإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة ” وأن يضاف إلى هذه الجمعية ثلاثة اعضاء بمناصب قيادية يمثلون كل من وزارة الاقتصاد والتجارة ومجلس رجال الاعمال وادارة التعاون بوزارة الخارجية الليبية ، نظرا لأهمية مشاركة هذه الجهات فى الجمعية العمومية للاتحاد العام وذلك لتسهيل اتصالاات وعمل الإتحاد العام على المستويين المحلى والدولى .

ثامنا – أن يشكل مجلس ادارة الإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة ” أو المجلس التنفيذى ” برئاسة رئيس الإتحاد العام وعضوية كافة رؤساء غرف التجارة والصناعة والزراعة مع اضافة المدير العام للاتحاد للمشاركة فى هذا المجلس ” دون إعطائه حق التصويت ” ويتولى هذا المجلس تسيير العمل الادارى والروتينى بالاتحاد ، واعتقد انه بهذا التنظيم نتحاشى الوضع المقلق والغير ادارى على الاطلاق الذى يعانى منه الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة الآن .

تاسعا – ان يسند للإتحاد العام بالتعاون مع كل من وزارة الاقتصاد ووزارة الخارجية الإشراف على تكوين الغرف الثنائيه المشتركه بين ليبيا والعديد من الدول العربية و الأجنبية وكذلك تسمية ممثلى الجانب الليبى في مجالس اداراتها ، ومتابعة نشاطاتها على مختلف الأصعدة ، وكذلك اقتراح ترشيح ممثلى الجانب الليبى فى مجالس ادارات الغرف العربيه الأجنبيه المشتركه التى يشرف عليها اتحاد عام الغرف العربية فى بيروت ، وحبذا لو تم مراجعة وضعنا الحالى مع هذه الغرف سواء كانت ليبية ثنائية مشتركة او كانت عربية اجنبية مشتركة .

عاشرا – لا أرى داعيا ونحن دولة صغيرة فى امكانياتها ، بل وحتى فى مشاكلها القانونية على الصعيد التجارى أن تتولى كل غرفة تشكيل مجلس ” للتوفيق والتحكيم ” خاصا بها ، وأرى ان يوحد هذا الجهد بأن يترك مسؤولية تكوين هذا المجلس للاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة بالتعاون مع الغرف التجارية ، وان يتولى هذا المجلس الفصل فى المنازعات او الخلافات التجاريه التى تحال إليه من الغرف التجاريه أو تنشأ بين مختلف الغرف التجاريه المحليه أو بين منتسبيها وبين غيرهم على الصعيدين الداخلى والخارجى ، كما أرى أيضا ان يتولى الاتحاد العام بالتعاون مع غرف التجارة والصناعة اصدار الدليل التجارى العام المتضمن اسماء المؤسسات والشركات التجارية والمغطى لكافة اوجه النشاط التجارى والصناعى فى ليبيا.

وأخيرا إذا كان البعض يرى أن القطاع الخاص كان فى السابق مقصرا فى أداء دوره فى مسيرة التنمية فإن هذا الاتهام عار عن الصحة ، ولا يستند الى أى ثوابت حقيقية وان أى تقصير – إن حدث – فالسبب يعود فى أغلبه الى صدور هذه القوانين ” المعاقة ” التى كبلت نشاط رجال الاعمال في كل الاتجاهات ، وكذلك منافسة القطاع العام ومؤسساته التجارية والمالية للقطاع الخاص فى أغلب المشاريع والعطاءات ، ولو توفر لرجال الاعمال لمناخ المشجع ، وابتعدت الدوله عن منافستهم فى مشاريعهم ونشاطاتهم ، وقلصت من دور القطاع الاجنبى فى منافستهم فسيقومون بدون شك بدور تاريخى فى تنمية وتقدم ليبيا ، تماما كما كان لهم دور تاريخى وبطولى فى تشجيع ثورة 17 فبراير عندما هبوا يدا واحدة فى دعمها ومساندتها .

وإذا ما أردنا أن نحصل على مردود أكبر من تفعيل عمل رجال الاعمال أرى تشكيل ” مجموعة عمل ” منهم برئاسة أحد االوزراء المختصين ، وعدد من ذوى الاختصاص من غرف التجارة والصناعة تكون مهمتها الإلتقاء على فترات متعددة في مختلف المدن الليبيه الرئيسيه مع التجار والصناعيين للتعرف عن قرب وبالحوار البناء على متطلبات العمل من أجل تحفيز القطاع الخاص وأصحاب المشاريع الصغلرى والمتوسطة بالذات ليكونوا أكثر كفاءة وقدرة على القيام بما هو مطلوب للمساهمة فى بناء وتنمية ليبيا الجديدة ‏…. والله الموفق لنا جميعا .