المحامي كوستانتينوس بليفرس وعلاقته بالحكم العسكري فى ليبيا

من هو هذه شخصية الغامضة المجهولة التي أستطاعت التسلل من اليونان للقاء بالقذافى مباشرة بعد انقلاب الاول من سبتمبر عام 1969 دون أن تلفت النظر إليها فى حينه …. ومن كان وراءها وما هى الأدوار التى لعبتها… وكيف تحولت هذه الشخصية من صديق للنظام الليبى إلى عدو شرس نهم مستغل  …..؟؟

هو المحامى اليونانى كونستانتينوس بليفرس من مواليد أثينا العاصمة اليونانية عام 1939، ضليع في القانون لدى القضاء اليوناني و لـدى المحكمة العليا اليونانية ، تحصل على مؤهله العلمى في القانون من جامعة ” أرسطو ” في مدينة سالونيك ، كما تحصل علي بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة ” بانتيون” بأثينا وتحصل كذلك علي مؤهله العلمي في علم الاجتماع من فرنسا عمل كأستاذ محاضر في علم الإجتماع السياسي والحرب النفسية بهيئة الأركان العامة للجيش اليوناني وأيضا في كلية ضباط الشرطة بأثينا

” The Front Line ”  فى السبعينات  كما أسس حزب  ”  The 4th of August أسـس حزب    ولكنها كانت  أحـزاب صغيرة لـم تستطيع مقارعـة الأحـزاب الكبيرة التى تداولـت على السلطـة فى اليونـان فيما بينهـا ، رغما عـن أنـه كاـن لهـا حضـور وتأثيـر في تشكيـل الإتجـاه المستقبلي لليمين المتطـرف فى اليونـان ، كما أنهـا حضيت بإهتمام ونـوع من القبـول والدعـم مـن قبـل العسكرتاريا الذيـن أستولـوا على السلطـة فى اليونـان فى الفتـرة مابيـن عامى 1967 – 1974 ،خاصة وأن أحـد الضباط الكبار المتطرفين وهو العقيد ” إيوانيس لاداس”  الذى كان مسؤلا عـن الشرطة العسكرية فى العاصمة اليونانية كان على صلـة وثيقـة بالمحامي ” بليفـرس ” ويعتبـر من الأعضاء المهمين فى حـزبه ( حـزب 4 أغسطس ) وساهـم بنشر العـديـد من المقـالات المتطرفـة في مجلة الحـزب التي  وصفها المؤرخ البريطاني ” ريتشارد أوك “… بأنها مجلة عنصرية معادية للسامية

والمحامي ” بليفـرس ” كاتـب ومؤلـف نشـط غـزيـر الإنتاج ، قـام علـى مـدى عـقـود بتأليـف العـديـد مـن الكتب والنصوص فى المجالات السياسية المختلفة وفي علـوم الإجتماع والتاريـخ والثقافـة اليونانية ، ومن بيـن كتبـه التى أثـارت الكثيـر من الجـدل والإنتقـادات كتـاب لـه تحـت عنـان ”  كـل الحقيقـة عـن اليهـود الـذى تعـرض بسببه الى إنتقادات وهجـوم من قبـل اللـوبى اليهـودى فى اليوناـن وفى الصحافة الغربية بصفة عامة ، ووصف بأنـه كاتب عنصري معاد للسامية ، والسيد بليفـرس نفسه لا ينفي هذه التهمة عن نفسه و يعترف  بها بصراحة ووضوح فى كتابه المذكور  بأنـه ” فاشي ، نـازي ، عنصري ، مناهض للديموقراطية ومعادي للسامية

كما تضمن الكتاب التعظيم والإشـادة بالزعيـم الألمانى ” أدولف هتلر ” والإشادة بمواقفه المعادية لليهود ، كما أنه في نفس الكتاب وجه بليفرس سيل من الشتائم والإهانات إلى السكرتير العام السابق للامم المتحـدة ” كوفي عنان ” عندما وصفه بأنـه ينحدر من  سلالة آكـلى لحـوم البشر

وبسبب هذا الكتاب دخـل السيد بليفرس في مواجهات حامية الوطيس ضد خصومه أعضاء اللوبى اليهودي اليوناني وأنتهت هذه المواجهات بتوجيه تهمة التحريض على العنف العنصري ضد المحامى بليفرس من قبـل النائب العـام اليوناني وصـدرت ضـده أحكام بالإدانة والحبس 14 شهـر مع وقـف التنفيـذ ، إلا أنه بحكم خبرتـه الطويلة وعمق ثقافتـه ودهائه القانـوني والسياسى أستطاع  بعد الإستئناف أن يفلـت من تنفيـذ  تلك الأحكام التى صدرت فى حقه

ويقـوم السيد بليفرس بالإضافـة إلى نشاطـه فى مجال تأليـف الكتـب بنشـاط إعلامى موجـه عبـر عــدد مـن القنوات التلفزيونية اليونانية لتى تعـقـد معه سلسلة من اللقاءات لدعـم أفكاره ونظرياته المتطرفة على قنـاة ” إكسترا 3 “، ويدعمه فى هذا الإتجاه إبنـه ” ثانوس بليفرس ” عضو البرلمان اليونانى عـن حـزب التجمع الشعبي الأرثذوكسى 

بعـدهـذه النبـذة المختصرة عـن المحامى اليوناني ” بليفـرس ” والتى رأيـت أهمية التطـرق إليها لإعطاء خلفية سياسية عنه أنتقـل بكم إلى الحـديث عـن المعطيات والظـروف التى هيئت أو سهلت له علاقته بليبيا ، وقـد أبتـدأت هذه العلاقـة بينه وبين نظـام الحكـم فى ليبيا  كما أوضح هو شخصيا فى أحد مؤلفاته مباشرة منذ الأيام الأولي التى أستولي فيها الضباط الليبيين على السلطة فى ليبيـا فى 01 /09 /1969 وذكر فى كتابه أن هذا الإنقلاب العسكرى فى ليبيا  جـاء بعـد عامين تقريبا مـن إنقلاب العسكريين فى اليونان بقيادة الجنرال ” بابادوبولوس “على حكم الملك قسطنطين الثاني  آخر ملوك اليونان عـام 1967 ، وقـد حـدث هـذا التغيير فى نظام الحكم فى ليبيا عندما كـان ملك ليبيـا إدريس السنوسى متواجـدا للعلاج الطبيعى باليونـان بمدينة ( كامينا فورلا ) التى تبعـد حوالى 200 كـم عـن العاصمة ( أثينـا ) وكان برفقته زوجته وإبنته بالتبنى ولعض من حاشيته ومترجم من  السفارة الليبية فى اليونان

واخترع الإعلام اليونانى المتأثر بحكم العسكر فى اليونـان حينها قصة غريبة عجيبة لا واقـع لها ….!!! ….حيث سرب هـذا الإعلام أن معمر القذافى كان طالبا يدرس فى اليونان عام 1965 فى إحـدى الكليات العسكرية وهي  “كلية إيفبلـدون” وتلقى تدريبـه العسكرى على يــد الضباط اليونانيين في هذه الكلية الذين دعموه عند قيامه بانقلابه على النظام الملكى عام 1969 ، وذلك بأن قطعوا الإتصالات السلكية والاسلكية بين الملك إدريس ومرافقيه وبين ليبيا ، إسهاما منهم فى إنجاح الإنقلاب الليبي

ولا أعرف على أى اساس أخترعت هذه الأكذوبة  …؟؟  التى لازالت – للأسف – تجـد أذانا صاغية لها حتى يومنا هـذا فى الأوساط اليونانية…وربما كان الهدف من إختراعها والترويج لها خلال تلك الفترة هو خلق فرصة لمـد خيوط وأطـراف التعاون بين الحكم العسكرى فى اليونان وقـادة الإنقلاب فى ليبيا ، وربما فى نفس الوقت خلق أو إجاد مبـرر أيضا لسفـر المحامى بليفرس الذي كانت تربطه علاقـات وثيقـة بحكـم العسكر فى اليونـان كمبعوث شخصى لهـم للقـاء بقائـد الثورة الليبية معمر القـذافى لمعرفة نواياه والتعاون معه

فى الوقـت الذي فتحت فيه الكثير من الملفـات المطمورة عن عـلاقـات العـديد من الأنظمة الأوربية بالنظـام الليبى منذ عـام 1969 ، تظـل هناك فيما يتعلق باليونان بالـذات ملفات مطمورة ومنسية عن هذه العلاقـات بين النظام العسكرى الليبى وبين مختلف الأحزاب والتنظبيمات اليونانية ، ملفات ومستندات طمرت مبعثرة داخـل ضباب الستينات تحت غبارالنسيان والتقادم مبعثرة علي رقعة شطرنج العلاقات الدبلوماسية الليبية اليونانية داخل دواميس الدولتين لـم يتم الإفـراج عنها

وملف علاقات المحامى اليونانى النشط ” قسطنطين بليفـرس “وتنظيماته المتطرفة مع النظام الليبى تمثـل إحدي إحي هذه الملفات التي كانت مطمورة والتى سبقت بزمن علاقات النظام الليبي مع عـدد من الأحزاب والتنظيمات اليونانية الأخـرى مثل العلاقـات مع حزب الديموقراطية الجديدة أوحزب ” الباسوك ” حزب الحركة الاشتراكية

هناك مثل ليبي متداول يقـول أضرب الحديد وهو ساخن ومعناه إذا واتتـك الفرصة فأنتهـزها ولا تضيعها ، والمحامى اليونانى قسطنطين بليفرس خبيث وذكي أنتهز فرصة سخونة حديـد إنقلاب أول سبتميرعـام1969 فاستبق الجميع وأنتهز الفرصة وضرب الحديـد وهوساخن ، وذلك عندما أقتـرح على المجلس العسكرى اليوناني عن طريق صديقه الوفي  العقيد ” إيـوانيس لادا ” سرعة دعـم الإنقلاب فى ليبيا ، وذلك بقطع الإتصالات الهاتفية بين الملك إدريس الذي كان موجودا لحظة وقوع الإنقلاب فى اليونان بمدينة ” كامينا فورلا ” وبين أتباعه فى ليبيا ، ولاقي هـذا المقترح  أستحسانا وموافقة من قبل المجلس العسكرى اليونانى وتم تنفيذه على الفـور وقرر المجلس العسكرى ضمن هذا الإطار أيضا إرسال المحامى بليفرس كمبعوث خاص  للمجلس العسكري للقـاء بقائد الإنقلاب الليبى  معمر القذافي لتحقيق عدة أهداف منها

أولا  : –  نقـل إعتراف النظام العسكرى فى اليونان بنظام الحكم الجديد فى ليبيا  والإعراب عن مساندته ودعمه


ثانيا : –  إحاطة قادة قادة إنقلاب سبتمبر فى ليبيا علما بالخطوة الإيجابية التى قام بها المجلس العسكرى باليونان لصالح الإنقلاب الليبي عندما بادر بقطع الإتصالات الهاتفية الرابطة بين الملك ادريس السنوسى وبين أفراد حكومته فى ليبيـا

ثالثا : –  الإطلاع عـن قـرب على أفكـار وأهداف وتطلعات قـادة الإنقـلاب الليبى وربط العلاقات بينهم  وبين الحكم العسكرى اليونانى بقيادة الجنرال بابادوبولوس

غير أن المحامى ” بليفرس” فى أحد كتبه أدعى بأنه لـم يذهب كمبعوث خاص للمجلس العسكرى اليوناني للقاء بالقـذافى وإنما هذا الأخير أى القذافي هو من وجه له الدعوة للقاء به شخصيا فى ليبيا ، وذلك عندما وصل الي علمه خبر قطع الاتصالات الهانفية بين الملك ادريس السنوسى وأتباعه في ليبيا دعما لأنقلاب الأول من سبتمبر وهذه بالطبع  ” كذبة ” لا أساس لها من الصحة ….ولكن على أى حال الحقيقة الثابتة فعلا أن المحامى بليفرس قد التقى بالملازم معمر القذافى بعـد إنقلاب سبتمر مباشرة سـواء كان هـذا اللقـاء قـد تم بناء علي دعـوة موجهة له من معمر القذافى شخصيا ” كما يدعى بليفرس ” أو قـد تـم بنـاء علي تكليف لـه كمبعوث للمجلس العسكـرى اليونانى للقاء  بالقذافي….. ” الصورة المرفقة النادرة توضح ذلك اللقاء بين بليفرس والقذافىخلال الايام الاولي لإنقلاب الاول من سبتمبر عام 1969 فى ليبي   

ويبدو أن هذا اللقاء بين المحامى بليفرس والقائد الليبى عام 1969 قد فتح الباب للمحامى بليفرس لكى يلتقى مرة أخرى بالقائد الليبى عام 1970 وذلك عند وصول بعثة طلابية مكونة من 110 طيار ليبى إلي اليونان للتدريب على الطائرات المقاتلة نوع ” ف 5 ” ، علما بأن هذه البعثة الطلابية للتدريب فى اليونان لم تكن الأولي من نوعها فقـد سبقتها عـدة بعثات طلابية عسكرية

كما أن هذا اللقاء بين المحامى بليفرس وقائد انقلاب الاول من سبتمبر كان فاتحة لزيارة رسمية للعقيـد ستيليانوس باتاكوس إلى ليبيا فى شهر مارس عام 1971 حيث التقى بالسيد عبد المنعم الهوني أحد قادة الانقلاب الليبي  وناقـش معه عـدد من المواضيع الهامة التى تتعلـق بالعلاقـات الثنائية بيـن البلديـن وكان من ضمن هذه المواضيع مقترح تكوين  ” كومنولث متوسطى ”  لمواجهة النفـوذ الروسى فى منطقة البحـر الابيض المتوسط واعتقد أن هذا توجه أمريكي  حاول المجلس العسكري اليوناني ادخال ليبيا فيه خلال تلك الفترة

كنت قد ذكرت فى الجزء الأول من هذا الإدراج أن المحامى بليفرس كان يعمل أستاذا لعلم الإجتماع السياسي والحرب النفسية في كلية التربية بهيئة الأركان العامة للجيش اليوناني وربما من خلال عمله هذا تمكن من توطيد علاقات جيـدة مع عـدد من الضباط الليبيين الدارسين باليونان خلال تلك الحقبة ، كما أستطاع أن يربط أيضا علاقات طيبة مع السفارة الليبية التى كانت تدار عام 1970 من قبل عـدد من ضباط الجيش الليبى المبعدين من ليبيا اثر  نجاح انقلاب عـام 1969 وأن السفارة الليبية باليونان خلال تلك الفترة كان يترأسها كقائم بالأعمال العقيد محمد سعد جبريل يعاونه عـدد من زملائه الضباط من بينهم الضابط يوسف شخير وضابط البحرية فهيم الجربى وتم خلال تلك الفترةعام 1970  تعيين المحامي  بليفرس  كمحامى رسمى للسفارة باليونان 

وقد أتضح لى ذلك من خلال  رساله شكوى ضد السفارة الليبية فى اليونان كان قد وجهها المحامى بليفرس الى العقيد معمر القذافى بتاريخ 10 / 09 / 2009 باللغة الانجليزية ومترجمة للعربى أكد فيها أنه عين عام 1970 بصفة رسمية كمحام للسفارة الليبية فى اليونان ، غير انه لم يوضح فى رسالته المذكورة من قام بتعيينه ولا متى فصل واخمن أنه ربما تم تعيينه من قبل السيد القائم بالأعمال محمد سعد جبريل أو من قبل السيد السفير عمر أو القاسم الجليدى الذي كان بليفرس ( وفقا لقوله ) يتمتع بلعب الشطرنج معه فى بيته عام

وفى رسالة الشكوي المذكوره أعلاه يذكر بليفرس بأنه خلال فترة عمله بالسفارة الليبية باليونان كان قـد ربح قضية هامة جدا لصالح الدولة الليبية ضد شركة الإنشاءات اليونانية ” إيبوريتيكى نيودومي ” التى كانت قد رفعت قضية ضد الدولة الليبية تطالبها فيها بدفع مبلغ وقدره ثلاثمائة وثمانية وسبعون مليون  دولارا أمريكي  ” 378000  ”  كتعويض لها عن الخسائر كانت قد تكبدتها أثناء عملها فى ليبيا بسبب الغاء او تجميد عملها فى ليبيا ، وادعى المحامى بليفرس فى رسالته المذكوره انه قد جنب الدولة الليبية خسارة هذا المبلغ الكبير عندما كسب هذه القضية لصالح ليبيا تحت حكم القضاء اليوناني رقـم ( 2003 / 496 .4 ). وأنه كان متفقا مع السفارة على أن تكون أتعابه إذا نجح في كسبت تلك القضية مبلغ وقدره ” ستة مليون دولار أمريكى  6.000.000 دولار أمريكى ” غير أن السفارة لـم ت -علي رأيه – لم توفي بوعـدها الذي قطعته على نفسها ورفضت دفع أتعابه

على أى حال تلك  الفترة التى تتعلق بتعيين السيد بليفرس كمحامي خاص للسفارة الليبية باليونان الواقعة ما بين عامى 1970/ 1969 هى فتـرة لم أعاصرها  وسابقة لتعيينى للعمل بالسفارةالليبية باليونان حيث كنت خلال تلك الفترة أعمل سكرتير ثانى بسفارتنا الليبية فى واشنطن بأمريكا وهي الفترة التى عاصر ت خلال حدوث إنقلاب الأول من سبتمبر عام 1969  فى ليبيا أثناء عملي في السفارة الليبية فى واشنطن وكانت من أحرج وأصعب الفترات فى تاريخ عملى الدبلوماسي

الباجقنى ينجـو من مقصلة القذافى

فى 11 فبرايـرمن عام 1980 أستلم جهاز رادار قوات المارين الأمريكية المرابطة فى قاعـدة “سودا “بجزيرة كريت اليونانية التى تبعـد 200 ميل عن السواحل الليبية نداء إستغاثة من طائرة ميج 23 تابعة للسلاح الجوى الليبى يطلب ملاحها السماح له بالهـوط الاضطراراى فى القاعدة الأمريكية وتم الاستجابة لطلب الملاح الليبي العاجل بتسهيل هبوط طائرته فى مطار “ماليمى”  الصغير المهجور الملاصق لقاعـدة ” سودا “الأمريكية ، وما أن هبطت الطائرة التى كان يقودها الكابتن طيار “حازم الباجقنى”خريج أكاديمية الطيران العسكرى فى يوغسلافيـا بسلام فى المطار المذكـورحتى هرعت قوات المارين الأمريكية إلى تطويقها من كل الجوانب ، وبعـد أن أنهوا تفتيشها قبضواعلى ملاحها واقتادوه إلى مقر قيادة قاعـدة “سودا”  حيـث تـم أستجوابه والتحقيق معـه من قبل الإستخبارات الأمريكية ، وقــد اوضـح الكابتـن “الباجقنى” لسلطـات التحقيق “كما سرب حينها على لسانه ” بأنه هارب من ليبيا خوفا على حياته بعد أن أكتشفت السلطـات الليبية ضلوعه فى خطة لتهريـب 19 ضابطـا ليبيـا كـانت قــد صدرت ضدهم أحكام بالإعدام

وفى مساء نفس اليوم 11 فبرايراستلـمت السفـارة الليبيـة فى أثينا تزامنا مع هبوط طائرة الباجقني برقيـة عاجلة موجهة الى رئيس البعثة تفـد بأن طائرة ليبية من طـراز ميج – 23 – ظلـت طريقهـا بسبـب سـوء الأحوال الجوية وهبطت اضطراريا بجزيـرة كريـت ، وتطلب البرقية من السفارة  الإتصال فورا بالسلطات اليونانية لتسهيل رجوع الطياروالطائرة بسلام إلى ليبيـا

ولمـا كـان ” رئيس البعثـة ” خـلال تلك الفتـرة متغيبا فى إجازة فى ليبيـا، كنت وقتها مكلفا كقائـم بالأعمال بالسفارة وبالتالي ملزما بتنفـذ التعليمات كما وردت بالبرقية وفعلا تم تحـديد موعـد لي عاجـل مع وزير الخارجية اليونانية خلال تلك الفترة السيد قسطنطين ميتسوتاكيس يوم 12 فبرايرفى مكتبه بمبنى وزارة الخارجية

وكانت تربطنى بالسيد ميتسةتاكيس وزير الخارجية معرفة سابقة عندما كان وزيرا للتنسيق حيث كنت ومعي الزميل الفاضل المصرفي الليبي عبد الله السعودى قد شاركنا معه فى العـديد من الإجتماعات واللقاءات المتعلقة بالتعاون الليبي اليوناني فى المجالات الاقتصاديىة والاستثمارية والتى كان من ضمنها تأسيس المصرف العربي اليوناني

وخلال اللقـاء الذي تم بحضور مدير ادارة المراسم بوزارة الخارجية اليونانية نقلت للسيد ميتسوتاكيس طلـب الحكومة الليبية كما وردنى بالمساعدة فى تأمين عودة الطياروالطائرة التى هبطت هبوط إضطرارى في جزيرة كريت بسبب سوء الأحوال الجوية إلي ليبيا

فابتسم الوزيـرعندما نقلت له هذا الطلب وعبرلى عن أسفه الشديـد، لعـدم قـدرة السلطات اليونانية على تحقيق هذا الطلب موضحا لى بصراحة بأن هبوط الطيار قـد تـم فعلا فى قاعـدة عسكرية أمريكية، وهي  خارج نطاق سلطات الحكومة اليونانية ، كما أفادنى بأن المعلومات التى لديهم تفيد بأن الطيارالليبى لم يضل طريقه بسبب سوء الأحوال الجوية بل هبط برغبته طالبا منحه حق اللجوء السياسى من بعثة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فى اليونان عن طريق سلطات القاعدة الأمريكية فى جزيرة كريت…ولهذا فإنه يستحيل إجباره علي العودة الى ليبيا وليس من صلاحياتنا ذلك ، أما فيما يتعلق بترجيع الطائرة فإن سلطات قاعـدة ” سودا الامريكية ” فى الجزيرة لا يمانعون فى ترجيعها الى الأراضى الليبية شرط ان يتم ذلك من قبل السلطات الليبية وعلى نفقتها

واكتفيت بهذا الرد من قبل السيد وزيـرالخارجية الذى ودعنى بحرارة حتى خارج مكتبه، وقمت فور وصولى إلى مكتبي بالسفارة بالإبراق الى وزارة الخارجية الليبية بفحوى رد وزير الخارجية وأوضحت لهم فى برقيتى بأنه لا أمل فى ترجيـع الطيار لتمتعه بحـق اللجـوء السياسى من قبـل الحكومة الأمريكية، أما بخصوص الطائـرة فسترجع على الفوروفى اى وقت تقرر السلطات الليبية ذلك

وكنت اتصورأننى بهـذا الـرد قـد اقنعـت السلطات فى بلادي بعـدم جـدوى المطالبة بتسليم الطيار الليبى ،إلا أننى فوجئت بعدم اقتناعهم بـردى وذلك عندما تم الضغـط على السيد أمين المكتب الشعبى الذي كان متواجـدا كما ذكرت فى إجازة فى ليبيا لقطع إجازته والعودة فـورا  إلى اليونان ليتولى شخصيا معالجـة موضوع عودة الطيارالليبى إلي ليبيا

وفعلا طلـب السيد أمين المكتب بمجرد وصوله إلى اليونان تحـديد موعـد عاجـل لـه مع وزير الخارجية اليونـاني لمواصلة المطالبة بترجيع الطيار الليبي وتـم تحـديد الموعد له وأصطحبني معه أيضا ، إلا أننا رجعنا بخفى حنين حيث أستلم نفس الجواب الذي كنت قد استلمته قبله

بتاريخ 14 فبراير 1980 تم تفكيك الطائرة الميج 23 فى مطار ماليمى بجزيرة كريت وتم شحنها علي رحلتين الى ليبيا على إحدى طائرات الشحن الليبية تحت اشراف فريق متخصص من المهندسين والفنيين الليبيين بقيادة النقيب طيار محمد مازق

وكنت أتصورأن موضوع المطالبة بترجيع الطيار الليبي قد أنتهى عند هذا الحد ولكني فوجئت بأننى أصبحت خارج الصورة وأن المطالبة بترجيعه أخذت منحى جديد وذلك بتلفيق تهمة المتاجرة بالمخدرات للطيار الباجـقنى وكلف محامى السفارة الليبية المدعـو كوستانتينوس بليفرس بمتابعة هذا الموضوع مع السلطات اليونانية

والحقيقة من جانبي وجدت أنها تهمة ساذجـة وعبيطة لا تعتمد علي أي أسس منطقية أو قانونية وجاءت فى غير توقيتها حيث أن أمرمنح اللجوء السياسي للطيار الليبي قد حسم ولم يعـد من إختصاص السلطات اليونانية ولكن كانت لبعض المسؤولين عندنا فى سواء في السفارة، أوفي جهاز الاستخبارات العسكرية فى ليبيا وجهة نظر مختلفة

وفعلا ابتـدأ المحامى بناء على هذا التكليف له من قبل السفارة فى تزويد متتبعى الموضوع فى السفارة بالآمـال الخادعـة فى ترجيـع الطيار الليبى، وذلك بتسريب معلومات  لهم لا أساس لهـا من الصحة مفادها أن الطيار موجود تحت سلطة واشراف السلطات اليونانية وليس الأمريكية كما يدعى وزير الخارجية اليوناني وأنه تحت حراسة مشددة داخل مبنى وزارة الدفاع اليونانية المسمى البنتاجونو وأن محامي السفارة يتتبع أخباره عـن طريـق بعض اصدقائه من الحراس المكلفيـن بحراسته فى مبني وزارة الدفاع اليونانية

والحقيقة آلمنى جـدا هذا الضحـك والإستهـزاء بنا …وحفـزنى ذلك على ضـرورة العمـل على وقـف هـذه المهزلة ووقـف نزيف الأمـوال التى تستحلب بكل غباء من السفارة ، ورأيت أن اسلم طريقة هى إرسال برقية شخصية عاجلـة بـدون علم السفارة عن طريق البريد العام اليونانى إلي  علم الأستاذ عبد العاطى العبيدى المكلف بوزارة الخارجية الليبية خلال تلك الفترة شرحت له فيهـا هـذا العبـث الصبيانى الذي يمارس بخصوص طلب ترجيع الطيار الليبي وأنه لا فائدة تـرجى منه سوى تكبد الخسائر المادية ، ويبـدو أن السيـد عبد العاطي العبيـدى قد أهتم بالموضوع وأقنع من بيدهم الأمر بالتوقف عن هذا العبث ،وتم فعلا وقف التعاون مع المحامى النصاب وأقفـل الملف

الزحف على السفارة الليبية فى اليونان

كانت السفارة الليبية فى اليونان هي أول سفارة ليبية من ضمن سفاراتنا بالخارج التى تم الزحف عليها في الأول من سبتمبر 1979 وتحويلها الى مكتب شعبى ، وتم ذلك فى عهد السفيرالسابق الأستاذ عمر ابو القاسم الجليدى….وحل محله الأستاذ على ماريا أمينا للجنة الشعبية للسفارة يساعده فى ذلك أربع أعضاء مصعدين او مختارين من قبل ما كان يسمى بالمكتب الشعبي للإتصال الخارجى بطرابلس الذي كان قد حل محل وزارة الخارجية التقليدية

ولم يكن لهذا التغييرالذي عصف بهيكلية السفارة الليبية باليونان عام 1979 وتحويلها الى مكتب شعبي أي تأثيرعلي علاقة التعاون والانسجام التى كانت سائدة بين المحامى قسطنطين بليفرس والسفارة الليبية حيث استمرت هذه العلاقة اكثر زخما وقوة مع جميع الأمناء الذين تعاقبوا على إدارة السفارة الليبية باليونان حتى عام 2003

وكنت قد تطرقت إلى الدورالذي لعبه محامى السفارة الليبية فى تتبع قضية الطيار الليبى حازم الباجقنى ورصد تحركاته داخل العاصمة اليونانية ، وأضيف لهذا أن محامى السفارة كان قد كلف ايضا بمتابعة قضية المتهمون الثلاثة بقتل الجندى عبد الرحمن أبوبكر الكومباس ، وذلك بالعمل قدر الامكان على تبرءتهم من جريمة القتل أوالتخفيف من الأحكام الصادرة ضدهم ، وتمكن المحامى فعلا من إنجاز هذه المهمة بحيث تـم تبرئـة اثنـان بينما ثبتت الجريمة على المتهم الرئيسى الذي خففت عنه سنوات السجن ، ثم تم بعد ذلك تهريبه عن طريق جزيرة كريت الى ليبيا

وكانت جريمة قتل الجندى عبد الرحمن ابوبكرالكومباس عام 1980 ، فاتحة لسلسلة من جرائم الإغتيالات التى هزت العاصمة اليونانية في الفتـرة ما بين عامى 1980 / 1987 والتى راح ضحيتها خمسة من الليبيين الأبرياء هـم : –

1ـ عبدالرحمن ابوبكر ….. ( أغتيل في 21 مايو 1980 )
2ـ صالح ابوزيد الشطيطى ( أغتيل في 21 يونيو 1984)
3ـ عبدالمنعم الزاوى ….. ( أغتيل في 03 يوليو 1984 )
4ـ عطية الفرطاس……. ( أغتيل في 03 يوليو 1984 )
5ـ محمد سالم فحيمة….. ( أغتيل في 07 يناير1987 )

كما نجى من محاوات الاغتيالات الفاشلة عـدد خمسة ليبيين هم

ـ  محمد الاطيوش. ( محاولة فاشلة أواخر يناير1981)
ـ  فريد مصطفى القريتلى. ( محاولة فاشلة 14 يونيو 1984 )
ـ  يوسف عقيلة المجبري. ( محاولة فاشلة 06 اكتوبر1985 )
ـ  عمران بورويس أمين عام سابق للحركة الوطنية الليبية
ـ  محمد احمد السكر أمين عام سابق للحركة الوطنية الليبية

إلا أن هذا الإنسجام والتعاون بين المحامى بليفرس والسفارة الليبية في اليونان إنقلب الى عكسه إعتبارا من عام 2003 وذلك عندما كلف من قبل السفارة الليبية بمتابعة قضية كانت مجموعة شركات يونانية تحت اسم ( أيبروتيكى نيودومي ) قد رفعتها أمام القضاء اليوناني ضد الدولة الليبية مطالبة بدفع مبلغ وقدره (378.689.014 ) دولار أمريكى كتعويض لها عن الخسائر التى تكبدتها فى ليبيا من جراء تقاعس الدولة الليبية عن دفع مستحقاتها

وأستطاع المحامى بليفرس أن يكسب هذه القضية وأن يتحصل على الحكم القضائي رقـم 4.469/ 2003 ببطلان هذه المطالبة لصالح الدولة الليبية ، ولكنه عند ما طالب السفارة الليبية فى اليونان بدفع اتعابه التى حددها بمبلغ (6.059.000 دولار امريكي ) تعنتت السفارة فى دفع هذه الأتعاب

وأما م رفض السفارة الليبية ، قام المحامى أثناسى بليفرس ( إبن قسطنطين بليفرس ) وهو عضو بمجلس النواب اليوناني برفع قضية أخرى لدى القضاء اليونانى مطالبا بتعويض والـده عن الخسائر التى تعرض لها من جراء تعنت السفارة الليبية فى تسوية أتعابه ، وتمكن من الحصول علي حكم قضائي لصالح والـده تحت رقم ( 17/2007 ) يلزم السفارة الليبية بدفع التعويض وقدره ( 7.573.780 ) دولار أمريكى .ولكن السفارة استمرت أيضا فى عدمالإستجابة

وعندما فشلت كل المحاولات القضائية من قبل ( بليفرس ) في إجبارالسفارة الليبية على دفع أتعابه وفوائدها ، لجأ بكل غباء الى محاولة الحجزعلى مبنى القنصلية الليبية فى ( منطقة بسيكيكو) ، ولكن محاولته باءت بالفشل لشمول القنصلية بالحصانة الدبلوماسية ، ولكنه لم ييأس وظل مداوما علي تصيد أملاك الدولة الليبية باليونان للحجزعليها وسنحت له الفرصة عندما علم بقدوم باخـرة ليبية محملة بالنفط لتفريغه في ميناء ( أجيوي ثيودوروي Agioi Theodoroi) ، فقدم طلباً لمحكمة كورنثيا للحجزعلى الباخرة وفاز بالقضية بصدورحكم قضائى بالحجزعلى الناقلة البالغ قيمتها ( 65 مليون دولار أمريكى ) ، وكان ينوي بيعها بالمزاد العلني ، إلا أن وزير العدل اليونانى السيد ( خارالامبوس أثاناسيو ) أفشل مخططه عندما أصدر قراربتاريخ 25 يونيو 2013 يوقف تنفيذ قرارالحجزعلي الناقلة حفاظا على العلاقات الجيدة التى كانت تربط بين البلدين . إلا أن بليفرس لم يرضخ واستأنف أمام مجلس الدولة، مطالباً بإلغاء قراروزير العدل باعتباره قرارغير دستوري وغير قانوني
إلا أن ذلك كان متأخرا

إدراجنا القادم سيكون مع الشخصية الثانية تحت عنوان من هى …..؟؟ وكيف أستطاعت أن تصل إلي طرابلس للقـاء بالقذافى …وكيف كـان اللقـاء … ( أوراق مبعثرة من مفكرتى )