من هو هذه شخصية الغامضة المجهولة التي أستطاعت التسلل من اليونان للقاء بالقذافى مباشرة بعد انقلاب الاول من سبتمبر عام 1969 دون أن تلفت النظر إليها فى حينه …. ومن كان وراءها وما هى الأدوار التى لعبتها… وكيف تحولت هذه الشخصية من صديق للنظام الليبى إلى عدو شرس نهم مستغل …..؟؟
هو المحامى اليونانى كونستانتينوس بليفرس من مواليد أثينا العاصمة اليونانية عام 1939، ضليع في القانون لدى القضاء اليوناني و لـدى المحكمة العليا اليونانية ، تحصل على مؤهله العلمى في القانون من جامعة ” أرسطو ” في مدينة سالونيك ، كما تحصل علي بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة ” بانتيون” بأثينا وتحصل كذلك علي مؤهله العلمي في علم الاجتماع من فرنسا عمل كأستاذ محاضر في علم الإجتماع السياسي والحرب النفسية بهيئة الأركان العامة للجيش اليوناني وأيضا في كلية ضباط الشرطة بأثينا
” The Front Line ” فى السبعينات كما أسس حزب ” The 4th of August “أسـس حزب ولكنها كانت أحـزاب صغيرة لـم تستطيع مقارعـة الأحـزاب الكبيرة التى تداولـت على السلطـة فى اليونـان فيما بينهـا ، رغما عـن أنـه كاـن لهـا حضـور وتأثيـر في تشكيـل الإتجـاه المستقبلي لليمين المتطـرف فى اليونـان ، كما أنهـا حضيت بإهتمام ونـوع من القبـول والدعـم مـن قبـل العسكرتاريا الذيـن أستولـوا على السلطـة فى اليونـان فى الفتـرة مابيـن عامى 1967 – 1974 ،خاصة وأن أحـد الضباط الكبار المتطرفين وهو العقيد ” إيوانيس لاداس” الذى كان مسؤلا عـن الشرطة العسكرية فى العاصمة اليونانية كان على صلـة وثيقـة بالمحامي ” بليفـرس ” ويعتبـر من الأعضاء المهمين فى حـزبه ( حـزب 4 أغسطس ) وساهـم بنشر العـديـد من المقـالات المتطرفـة في مجلة الحـزب التي وصفها المؤرخ البريطاني ” ريتشارد أوك “… بأنها مجلة عنصرية معادية للسامية
والمحامي ” بليفـرس ” كاتـب ومؤلـف نشـط غـزيـر الإنتاج ، قـام علـى مـدى عـقـود بتأليـف العـديـد مـن الكتب والنصوص فى المجالات السياسية المختلفة وفي علـوم الإجتماع والتاريـخ والثقافـة اليونانية ، ومن بيـن كتبـه التى أثـارت الكثيـر من الجـدل والإنتقـادات كتـاب لـه تحـت عنـان ” كـل الحقيقـة عـن اليهـود “ الـذى تعـرض بسببه الى إنتقادات وهجـوم من قبـل اللـوبى اليهـودى فى اليوناـن وفى الصحافة الغربية بصفة عامة ، ووصف بأنـه كاتب عنصري معاد للسامية ، والسيد بليفـرس نفسه لا ينفي هذه التهمة عن نفسه و يعترف بها بصراحة ووضوح فى كتابه المذكور بأنـه ” فاشي ، نـازي ، عنصري ، مناهض للديموقراطية ومعادي للسامية
كما تضمن الكتاب التعظيم والإشـادة بالزعيـم الألمانى ” أدولف هتلر ” والإشادة بمواقفه المعادية لليهود ، كما أنه في نفس الكتاب وجه بليفرس سيل من الشتائم والإهانات إلى السكرتير العام السابق للامم المتحـدة ” كوفي عنان ” عندما وصفه بأنـه ينحدر من سلالة آكـلى لحـوم البشر
وبسبب هذا الكتاب دخـل السيد بليفرس في مواجهات حامية الوطيس ضد خصومه أعضاء اللوبى اليهودي اليوناني وأنتهت هذه المواجهات بتوجيه تهمة التحريض على العنف العنصري ضد المحامى بليفرس من قبـل النائب العـام اليوناني وصـدرت ضـده أحكام بالإدانة والحبس 14 شهـر مع وقـف التنفيـذ ، إلا أنه بحكم خبرتـه الطويلة وعمق ثقافتـه ودهائه القانـوني والسياسى أستطاع بعد الإستئناف أن يفلـت من تنفيـذ تلك الأحكام التى صدرت فى حقه
ويقـوم السيد بليفرس بالإضافـة إلى نشاطـه فى مجال تأليـف الكتـب بنشـاط إعلامى موجـه عبـر عــدد مـن القنوات التلفزيونية اليونانية لتى تعـقـد معه سلسلة من اللقاءات لدعـم أفكاره ونظرياته المتطرفة على قنـاة ” إكسترا 3 “، ويدعمه فى هذا الإتجاه إبنـه ” ثانوس بليفرس ” عضو البرلمان اليونانى عـن حـزب التجمع الشعبي الأرثذوكسى
بعـدهـذه النبـذة المختصرة عـن المحامى اليوناني ” بليفـرس ” والتى رأيـت أهمية التطـرق إليها لإعطاء خلفية سياسية عنه أنتقـل بكم إلى الحـديث عـن المعطيات والظـروف التى هيئت أو سهلت له علاقته بليبيا ، وقـد أبتـدأت هذه العلاقـة بينه وبين نظـام الحكـم فى ليبيا كما أوضح هو شخصيا فى أحد مؤلفاته مباشرة منذ الأيام الأولي التى أستولي فيها الضباط الليبيين على السلطة فى ليبيـا فى 01 /09 /1969 وذكر فى كتابه أن هذا الإنقلاب العسكرى فى ليبيا جـاء بعـد عامين تقريبا مـن إنقلاب العسكريين فى اليونان بقيادة الجنرال ” بابادوبولوس “على حكم الملك قسطنطين الثاني آخر ملوك اليونان عـام 1967 ، وقـد حـدث هـذا التغيير فى نظام الحكم فى ليبيا عندما كـان ملك ليبيـا إدريس السنوسى متواجـدا للعلاج الطبيعى باليونـان بمدينة ( كامينا فورلا ) التى تبعـد حوالى 200 كـم عـن العاصمة ( أثينـا ) وكان برفقته زوجته وإبنته بالتبنى ولعض من حاشيته ومترجم من السفارة الليبية فى اليونان
واخترع الإعلام اليونانى المتأثر بحكم العسكر فى اليونـان حينها قصة غريبة عجيبة لا واقـع لها ….!!! ….حيث سرب هـذا الإعلام أن معمر القذافى كان طالبا يدرس فى اليونان عام 1965 فى إحـدى الكليات العسكرية وهي “كلية إيفبلـدون” وتلقى تدريبـه العسكرى على يــد الضباط اليونانيين في هذه الكلية الذين دعموه عند قيامه بانقلابه على النظام الملكى عام 1969 ، وذلك بأن قطعوا الإتصالات السلكية والاسلكية بين الملك إدريس ومرافقيه وبين ليبيا ، إسهاما منهم فى إنجاح الإنقلاب الليبي
ولا أعرف على أى اساس أخترعت هذه الأكذوبة …؟؟ التى لازالت – للأسف – تجـد أذانا صاغية لها حتى يومنا هـذا فى الأوساط اليونانية…وربما كان الهدف من إختراعها والترويج لها خلال تلك الفترة هو خلق فرصة لمـد خيوط وأطـراف التعاون بين الحكم العسكرى فى اليونان وقـادة الإنقلاب فى ليبيا ، وربما فى نفس الوقت خلق أو إجاد مبـرر أيضا لسفـر المحامى بليفرس الذي كانت تربطه علاقـات وثيقـة بحكـم العسكر فى اليونـان كمبعوث شخصى لهـم للقـاء بقائـد الثورة الليبية معمر القـذافى لمعرفة نواياه والتعاون معه
فى الوقـت الذي فتحت فيه الكثير من الملفـات المطمورة عن عـلاقـات العـديد من الأنظمة الأوربية بالنظـام الليبى منذ عـام 1969 ، تظـل هناك فيما يتعلق باليونان بالـذات ملفات مطمورة ومنسية عن هذه العلاقـات بين النظام العسكرى الليبى وبين مختلف الأحزاب والتنظبيمات اليونانية ، ملفات ومستندات طمرت مبعثرة داخـل ضباب الستينات تحت غبارالنسيان والتقادم مبعثرة علي رقعة شطرنج العلاقات الدبلوماسية الليبية اليونانية داخل دواميس الدولتين لـم يتم الإفـراج عنها
وملف علاقات المحامى اليونانى النشط ” قسطنطين بليفـرس “وتنظيماته المتطرفة مع النظام الليبى تمثـل إحدي إحي هذه الملفات التي كانت مطمورة والتى سبقت بزمن علاقات النظام الليبي مع عـدد من الأحزاب والتنظيمات اليونانية الأخـرى مثل العلاقـات مع حزب الديموقراطية الجديدة أوحزب ” الباسوك ” حزب الحركة الاشتراكية
هناك مثل ليبي متداول يقـول أضرب الحديد وهو ساخن ومعناه إذا واتتـك الفرصة فأنتهـزها ولا تضيعها ، والمحامى اليونانى قسطنطين بليفرس خبيث وذكي أنتهز فرصة سخونة حديـد إنقلاب أول سبتميرعـام1969 فاستبق الجميع وأنتهز الفرصة وضرب الحديـد وهوساخن ، وذلك عندما أقتـرح على المجلس العسكرى اليوناني عن طريق صديقه الوفي العقيد ” إيـوانيس لادا ” سرعة دعـم الإنقلاب فى ليبيا ، وذلك بقطع الإتصالات الهاتفية بين الملك إدريس الذي كان موجودا لحظة وقوع الإنقلاب فى اليونان بمدينة ” كامينا فورلا ” وبين أتباعه فى ليبيا ، ولاقي هـذا المقترح أستحسانا وموافقة من قبل المجلس العسكرى اليونانى وتم تنفيذه على الفـور وقرر المجلس العسكرى ضمن هذا الإطار أيضا إرسال المحامى بليفرس كمبعوث خاص للمجلس العسكري للقـاء بقائد الإنقلاب الليبى معمر القذافي لتحقيق عدة أهداف منها
أولا : – نقـل إعتراف النظام العسكرى فى اليونان بنظام الحكم الجديد فى ليبيا والإعراب عن مساندته ودعمه
ثانيا : – إحاطة قادة قادة إنقلاب سبتمبر فى ليبيا علما بالخطوة الإيجابية التى قام بها المجلس العسكرى باليونان لصالح الإنقلاب الليبي عندما بادر بقطع الإتصالات الهاتفية الرابطة بين الملك ادريس السنوسى وبين أفراد حكومته فى ليبيـا
ثالثا : – الإطلاع عـن قـرب على أفكـار وأهداف وتطلعات قـادة الإنقـلاب الليبى وربط العلاقات بينهم وبين الحكم العسكرى اليونانى بقيادة الجنرال بابادوبولوس
غير أن المحامى ” بليفرس” فى أحد كتبه أدعى بأنه لـم يذهب كمبعوث خاص للمجلس العسكرى اليوناني للقاء بالقـذافى وإنما هذا الأخير أى القذافي هو من وجه له الدعوة للقاء به شخصيا فى ليبيا ، وذلك عندما وصل الي علمه خبر قطع الاتصالات الهانفية بين الملك ادريس السنوسى وأتباعه في ليبيا دعما لأنقلاب الأول من سبتمبر وهذه بالطبع ” كذبة ” لا أساس لها من الصحة ….ولكن على أى حال الحقيقة الثابتة فعلا أن المحامى بليفرس قد التقى بالملازم معمر القذافى بعـد إنقلاب سبتمر مباشرة سـواء كان هـذا اللقـاء قـد تم بناء علي دعـوة موجهة له من معمر القذافى شخصيا ” كما يدعى بليفرس ” أو قـد تـم بنـاء علي تكليف لـه كمبعوث للمجلس العسكـرى اليونانى للقاء بالقذافي….. ” الصورة المرفقة النادرة توضح ذلك اللقاء بين بليفرس والقذافىخلال الايام الاولي لإنقلاب الاول من سبتمبر عام 1969 فى ليبي
ويبدو أن هذا اللقاء بين المحامى بليفرس والقائد الليبى عام 1969 قد فتح الباب للمحامى بليفرس لكى يلتقى مرة أخرى بالقائد الليبى عام 1970 وذلك عند وصول بعثة طلابية مكونة من 110 طيار ليبى إلي اليونان للتدريب على الطائرات المقاتلة نوع ” ف 5 ” ، علما بأن هذه البعثة الطلابية للتدريب فى اليونان لم تكن الأولي من نوعها فقـد سبقتها عـدة بعثات طلابية عسكرية
كما أن هذا اللقاء بين المحامى بليفرس وقائد انقلاب الاول من سبتمبر كان فاتحة لزيارة رسمية للعقيـد ستيليانوس باتاكوس إلى ليبيا فى شهر مارس عام 1971 حيث التقى بالسيد عبد المنعم الهوني أحد قادة الانقلاب الليبي وناقـش معه عـدد من المواضيع الهامة التى تتعلـق بالعلاقـات الثنائية بيـن البلديـن وكان من ضمن هذه المواضيع مقترح تكوين ” كومنولث متوسطى ” لمواجهة النفـوذ الروسى فى منطقة البحـر الابيض المتوسط واعتقد أن هذا توجه أمريكي حاول المجلس العسكري اليوناني ادخال ليبيا فيه خلال تلك الفترة
كنت قد ذكرت فى الجزء الأول من هذا الإدراج أن المحامى بليفرس كان يعمل أستاذا لعلم الإجتماع السياسي والحرب النفسية في كلية التربية بهيئة الأركان العامة للجيش اليوناني وربما من خلال عمله هذا تمكن من توطيد علاقات جيـدة مع عـدد من الضباط الليبيين الدارسين باليونان خلال تلك الحقبة ، كما أستطاع أن يربط أيضا علاقات طيبة مع السفارة الليبية التى كانت تدار عام 1970 من قبل عـدد من ضباط الجيش الليبى المبعدين من ليبيا اثر نجاح انقلاب عـام 1969 وأن السفارة الليبية باليونان خلال تلك الفترة كان يترأسها كقائم بالأعمال العقيد محمد سعد جبريل يعاونه عـدد من زملائه الضباط من بينهم الضابط يوسف شخير وضابط البحرية فهيم الجربى وتم خلال تلك الفترةعام 1970 تعيين المحامي بليفرس كمحامى رسمى للسفارة باليونان
وقد أتضح لى ذلك من خلال رساله شكوى ضد السفارة الليبية فى اليونان كان قد وجهها المحامى بليفرس الى العقيد معمر القذافى بتاريخ 10 / 09 / 2009 باللغة الانجليزية ومترجمة للعربى أكد فيها أنه عين عام 1970 بصفة رسمية كمحام للسفارة الليبية فى اليونان ، غير انه لم يوضح فى رسالته المذكورة من قام بتعيينه ولا متى فصل واخمن أنه ربما تم تعيينه من قبل السيد القائم بالأعمال محمد سعد جبريل أو من قبل السيد السفير عمر أو القاسم الجليدى الذي كان بليفرس ( وفقا لقوله ) يتمتع بلعب الشطرنج معه فى بيته عام
وفى رسالة الشكوي المذكوره أعلاه يذكر بليفرس بأنه خلال فترة عمله بالسفارة الليبية باليونان كان قـد ربح قضية هامة جدا لصالح الدولة الليبية ضد شركة الإنشاءات اليونانية ” إيبوريتيكى نيودومي ” التى كانت قد رفعت قضية ضد الدولة الليبية تطالبها فيها بدفع مبلغ وقدره ثلاثمائة وثمانية وسبعون مليون دولارا أمريكي ” 378000 ” كتعويض لها عن الخسائر كانت قد تكبدتها أثناء عملها فى ليبيا بسبب الغاء او تجميد عملها فى ليبيا ، وادعى المحامى بليفرس فى رسالته المذكوره انه قد جنب الدولة الليبية خسارة هذا المبلغ الكبير عندما كسب هذه القضية لصالح ليبيا تحت حكم القضاء اليوناني رقـم ( 2003 / 496 .4 ). وأنه كان متفقا مع السفارة على أن تكون أتعابه إذا نجح في كسبت تلك القضية مبلغ وقدره ” ستة مليون دولار أمريكى 6.000.000 دولار أمريكى ” غير أن السفارة لـم ت -علي رأيه – لم توفي بوعـدها الذي قطعته على نفسها ورفضت دفع أتعابه
على أى حال تلك الفترة التى تتعلق بتعيين السيد بليفرس كمحامي خاص للسفارة الليبية باليونان الواقعة ما بين عامى 1970/ 1969 هى فتـرة لم أعاصرها وسابقة لتعيينى للعمل بالسفارةالليبية باليونان حيث كنت خلال تلك الفترة أعمل سكرتير ثانى بسفارتنا الليبية فى واشنطن بأمريكا وهي الفترة التى عاصر ت خلال حدوث إنقلاب الأول من سبتمبر عام 1969 فى ليبيا أثناء عملي في السفارة الليبية فى واشنطن وكانت من أحرج وأصعب الفترات فى تاريخ عملى الدبلوماسي