من اليونان إلي مالطا

كنت قد ذكرت فى أحد إدراجات ( أوراق من مفكرتى ) السابقة بأن الزحف على السفارة الليبية فى اليونان وتحويلها إلي ما سمي  حينه بالمكتب الشعبى كان قـد حـدث بتاريخ الأول من سبتمبر 1979 في عهـد السفير السابق الأستاذ عمرالجليـدي ( أطال الله فى عمره ) ولـم يكـن وقتهـا قـد مضى على تعييني بالسفارة كمستشار سياسي سـوي عامين فقـط

وكنت أيضا قد تطرقت فى تلك الادراجات الي الكيفية التى تم بها الزحف علي السفارة وبأن أسمى لـم يكـن حينهـا مدرجـا مـن ضمـن قائمة الأسمـاء المرشحة لعضويـة اللجنـة الشعبيـة للسفارة الليبية باليونان برئاسة الأستاذ ( علي ماريا ) وكنت الدبلوماسى المحترف الوحيد من بين أعضاء اللجنة التابع لكادرا وزارة الخارجية

وقـد سارت أمـورالتعاون بينى وبين الزملاء أعضاء اللجنـة الشعبية المصعديـن خلال السنة الاولي من عمر الزحف علي مايرام فى جـو من الـود والاحترام المتبادل وكنت أجـد الكثير من التفهـم والتقديـر بصفة خاصة لشخصي من قبـل الأستـاذ علي ماريـا أميـن اللجنـة

إلا أن هذا التعاون – للأسف – تعثر كثيرا بعد قـرار النقـل الفجائي للأستاذ علي ماريا من اليونان للعمل بإحدي سفاراتنا فى الخارج وتعيين بديل له لتولي مهام أمين اللجنـة الشعبية ، وانعكست هذه التغييرات التى طرأت على قيادة اللجنة الشعبية للسفارة انعكاسا سلبيا على أمورالتعاون بينى وبين اللجنة ، وطفت علي السطح الخلافات بينى وبينهم اتجاه العديد من القضايا سواء فيما يخص علاقاتنا السياسية باليونان أوفيما يخص علاقاتنا الخاصة بالطلبة والجالية الليبية باليونان واتهمت – للأسف – ضمن اطارهذا الخلاف من قبل أعضاء اللجنة باتهامات كيدية باطلة تـم نقلها بسـوء النية الي علم كل من مكتب الإتصال باللجـان الثورية وجهاز الأمن الخارجى بطرابلس

وبعد أن اصبح التفاهم بيني وبين أعضاء اللجنة مستحيلا ووصلنا فى علاقاتنا الي طريق مسدود أصدرهؤلاء في اجتماع خاص عقد فيما بينهم – لم أدع إليه – قـرارا إرتجاليا تحت تأثير أمين اللحنة الشعبية ل الجديد ، بأسقاط عضويتى من اللجنة الشعبيىة للسفارة ووقـف صرف مرتباتى ونقـلي فـورا الى طرابلس بتاريخ 06/02/ 1982. وكان هذا القرار مثيرا للسخرية ودليل علي  الجهل وعدم النضج الادارى والسياسى لدي من قاموا بإصداره ، حيث أن إسقاط عضوية أي عضو من اللجنة هو قرار خارج عن إختصاصهم

كما أصدروا أيضا زيادة في التعنت والغطرسة  قرار بفصل زوجتى من عملها بالمدرسة الليبية باليونان والتى كان لها جهـد كبير في تأسيسها من العدم تحت إشراف وتوجيهات السفير السابق الأستاذ عمر الجليدى ووالمستشارالثقافي السابق الاستاذ على عويدان ، كما قاموا فوق كل ذلك بما هو أسوأ وأبشع وذلك بمنع اطفالي من مواصلة دراستهم بالمدرسة الليبية ….تصرفات كلها عدائية مبعثها الحقد والحسد والغيرة

والحقيقة كان رد وزارة الخارجية على هذا التصرف عادلا ومنصفا في البداية حيث رفضت الوزارة هذا الاجراء واعتبرته مخالفا للتشريعات وأبرقت الى السفارة بتاريـخ 20 / 07 / 1982 مطالبة بإلغاء هذا القرار المخالف فـورا واستمرارعملي ودفع مرتباتى ونفقات علاج اسرتى

الا أن أنه من منطلق روح (الغرور والإستعلاء ) التى كانت تميز تصرفات أمين  وأعضاء اللجنة  التابعين لمكتب الاتصال باللجان الثورية رفضوا الإنصياع لتعليمات وزارة الخارجية واستمروا في غيهم  في وقف صرف مرتباتى ونفقات علاج أسـرتى وتجاوزوا ذلك الى منعي أيضا من التـردد على مكتبى بالسفارة ، الأمر الذي دفعني إلي طلب تمتعي بإجازتى السنوية اعتبارا من 20 / 07 / وحتى 31 / 08 / 1982 وتم الموافقة عليها من وزارة الخارجية

وبعـد مضى مـدة شهـر تقريبــا فوجئـت بورود كتاب من مكتب الإتصال باللجـان الثوريـة مدعـوم للأسف من وزارة الخارجية بنقـلي الى ديوان الوزارة بطرابلس إعتبارا من تاريخ 30 / 09 / 1982 … ويبدو أن هـذا التراجع فى موقـف وزارة الخارجية قـد حدث بكل تأكيد تحت ضغوطات شديدة من مكتب الإتصال باللجان الثورية

بالطبع أثـارهذا التذبذب فى مواقـف وزارة الخارجية العـديد من الهواجس والشكوك الأمنية واتضح لى بجلاء أن عودتى الى طرابلس خلال تلك اافترة ليس بالقرار الحكيم خاصة وان أسرتى تمر بظروف صحية سيئة جدا وفى حاجة لوجودى بقربهم ، لذلك لم أمتثل  لقـرار النقـل التعسفي وقدمت كرد فعل اتجاهه إستقالتى من عملى بوزارة الخارجية عن طريق السفارة التي رفضت استلامها في البدء

وفعلا لم يكن امامى بعد هذا التعنت وهذا التآمـرالواضح ضد شخصى إلا تجاهـل قـرار نقـلي والبقـاء في اليونان ( وليكن ما يكون ) واضعا نصب عينى مواصلة الإهتمام بعلاج زوجتى وإبنتى وتوفير التعليم لأبنـائي فى المدارس الأجنبية بعـد ان طـردوا ( ظلما ) من المدرسة الليبية

وبدعـم من الله سبحانه وتعالي ومن بعض الخيرين الليبيين تمكنت من الحصول على عمل ادارى كمستشار تسويق مع شركة يونانية متخصصة فى صناعة وتصديـر ملابس الأطفال يدعم رأسمالها شريك ليبى من مدينة بنغازى ..وأمنت لي هذه الشركة بالاضافة الى مرتبي الشهرى توفير التأمين الصحى لى ولأفراد أسرتى وكذلك تحمل نفقات دراسة أبنائي ، وحمدت الله ( العادل فى حكمه ) كثيرا علي أنه قد هيأ لي من مد لى يد العون والمساعدة فى أصعب الظروف الإنسانية التى مررت بها في اليونان

وفي 01 / 03 / 1983 بعد هذا الانقطاع الطويل بينى وبين وزارة الخارجية منذ أن قدمت إستقالتى ، فوجئت بصدور قـرار ( غريب عجيب ) مـن قـبل وزارة الخارجية بتصعيدى أو تعيينى عضوا باللجنة الشعبية لشؤون الاعلام بالسفارة الليبية بمالطا …..وتضمن هذا القرار تفويض السفارة الليبية بمالطا بتسوية كافة مرتباتى التى كانت موقوفة باليونان وتم تزويدى بصورة من هذا القرارمرفقا بشهادة الدفع الأخير صادرة عن سفارتنا باليونان لتقديمها لعلـم سفارتنا فى مالطا

(2)

كنـت قـد تحدثـت فى الجزء الأول من هذا الادراج عن ظهـورعـدم توافـق أو إنسجـام بينى وبيـن بعـض مـن أعضاء اللجنـة الشعبيـة بالسفـارة خاصة مع إطلالـة عـام 1980 حيـث أتسمت علاقاتهم بي بنوع من الشك وعدم الثقة وتعاملوا معي كجسم غريب عنهم ، وكانـوا يلجـأون في بعض الأحيان إلى عـقـد بعض إجتماعـات اللجنـة – فى عدم حضورى – في بيوتهـم وكانـوا يتخـذون خلالهـا مـا يحلـو لهـم مـن الإجراءات والقرارات المالية والادارية وكان من ضمنها كما أوضحت ( قـرارإسقـاط عضويتى من اللجنـة ) ونقـلي فـورا لطرابلس مع علمهم بأن مثل هذا الأجـراء هو إختصاص أصيل لوزارة الخارجية …إلا أنني لـم أولي قـرارهـم ( المعـاق ) هـذا أي إهتمـام ورفضتـه في حينـه ،كما أن وزارة الخارجية أيضا لـم تعترف به وأبرقـت للسفارة بإلغائـه فأورا

إلا أن وزارة الخارجية للأسـف لـم تستمـر فى موقفها الإيجابي هـذا الرافـض لهـذا القـرار وتراجعت عنـه بعـد ثلاثة شهور واستبدلته بقرار نقـل جديد صادرعنها تحت الضغوطات التى مورست عليهـا من قبـل مكتب الإتصاـل باللجـان الثورية بطرابلس ، وكنت أتمنى من وزارة الخارجية لـو أنها أستمرت فى التمسك بموقفها الرافـض لهذا القـرار، ولكن للأسف لم يحدث هذا الأمر مما شكل إحباطا كبيرا لي ، إلا أنه لم يثنينى عن الاستمرار فى التمسك بموقفي الرافـض للقـــرار

وربما يتسآل البعض متي تشكل هذا الخلاف بينى وبين أعضاء اللجنة التى كنت قد صعدت عضوا فيها منذ الزحف على السفارة في سبتمبر عام 1979 ..وحتى أكون صريحا وواضحا معكم فإن الخلاف بينى وبين اللجنة كان منذ البداية الا أنه كان مخفيا ولم يظهرعلى السطح إلا بعد وقـوع أول جريمة إغتيال بشعة فى اليونان فى 21 مايو 1980 والتى راح ضحيتها المواطن الليبى عبد الرحمن أبوبكر” الكومباس” الذي وُجد مذبوحا في شقته ، وقد فصل رأسه عـن جسـده ، وكـان المرحـوم – بإذن الله ـ قـد تـرك الخدمة العسكرية ، لأسباب مجهولـة في شهر مارس من عـام 1980، وقـرر العيش بسلام ، كعامل أجـرة بسيط، في أحـد المصانع باليونـان

ووجدت نفسى كقائم بالأعمال فى السفارة خلال تلك الفترة وجها لوجه في مواجهة المجرم مرتكب جريمة القتـل داخـل مكتبي طالبـا منى ( بصحة وجه ) صرف مكافأة يبدو أنه كـان موعودا بها من أشخاص أو شخص ما بالسفارة … ولكـن خاب مسعاة عندما صدم بترأسى للبعثة وكذلك عندما طردته أيضا من مكتبى وطالبته بأن يسلم نفسه فورا للسـلطات اليونانية

ووسط هذا الجـو المكهرب الذى أعقب هـذه الحادثة والذي زاد من تأجـج التوتـر بينى وبين أعضاء اللجنة ، تشـاء إرادة الله العادل فى حكمه والـذى ” يمهـل ولا يهمـل ” أن تطفـوعلى السطح فضائح أخلاقية مسيئة لسمعة السفارة أرتكبت من قبل احد اعضاء اللجنة الشعبية وترتب عليها طرده من قبل وزارة الخارجية اليونانية على أعتبار أنه شخص غير مرغوب فيه …..وفعلا تم سحبه من قبل وزارة الخارجيية الليبية

وبمجرد تسرب خبر هذه الفضائخ الأخلاقية الي خارج السفارة ، تجمع عدد كبير من الطلبة الدارسين باليونان وأفـراد من الجالية الليبيـة وزحفـوا على السفـارة وأستولـوا غلـي إدارتهـا لتطهيرها ..وأبرقـوا لوزارة الخارجية بطرابلس يفيدونها باستيلائهم علي السفارة طالبين منها تعيين أمين جـديـد لها …. وجاءهـم رد الوزارة على برقيتهم عبر برقية بتوقيع الأستاذ احمد الشحاتى بتكليف المستشار” عاشورمفتاح الامام ” المتواجـد باليونـان باستلام مهـام االسفارة وإلي حين إشعار آخـر

وتنفيذا لما ورد فى تلك البرقيـة زارنى فى بيتى الذي لـم يكن يبعد كثيرا عـن مقـر السفـارة وفــد يمثـل هـؤلاء الزاحفين وقدمـوا لى برقيـة التكليف باستلامي لمهـام السفـارة…ولكني مـن منطلق عـدم تأييدى لمبـدأ الزحـف الذى ثبت فشله داخل ليبيا وخارجها أستطعت إقناعهم فى جلسة حوارهادئ بينى وبينهم بقبـول إعتـذارى عـن إستلام هذه المهمة شاكرا لهم ثقتهـم في شخصى وثقـة الوزارة

ولهذا عندما استلمت قـرار تصعيدى كعضو لجنة شعبية للاعلام فى سفارتنا بمالطا بعدهذا الطلاق بينى وبين وزارة الخارجية وصفته بانه قـرارغريب وعجيب لانه جاء فى ظروف غريبة وعجيبة تزامنت مع الاحـداث التاليـة

 حادثة طردى للمجرم قاتـل المرحوم عبد الرحمن ابوبكر الكومباس من مكتبي  يالسفارة في نهاية شهر مايو عام 1980

 إنقطاعى عـن العمل لفترة طويلة فى أعقاب رفضى تنفيذ قـرار نقـلي الى طرابلس فى شهـر مايو 1982

رفضى إستلام مهام السفارة الليبية فى اليونان بعد أن تم الزحف عليها في أعقاب تسرب أخبار الفضيحة الأخلاقية وطرد عضو اللجنة المتسبب فيها

ووجـدت نفسى فى حيرة في مواجهة تنفـذ أو عـدم تنفـذ قـرار تصعيدى كعضو في اللجنـة الشعبية لسفاراتنـا في مالطـا ” الـذى قـدم لي علي أنـه قـرار رد إعتبـار لشخصى ”  ولكـن هـل أنـا فى حاجـة إلـى قبـول رد إعتبار بعـد المعانـاة القاسيـة لـي ولأفـراد أسـرتى …التى مررت بها ….؟؟؟

(3)

كنت قد تحدثت فى السابق عن الجريمة البشعة التى حدثت فى 21 مايو 1980والتي راح ضحيتها الجـندى الليبى عبد الرحمـن ابوبكـر ” الكومباس ” أحـد مواطنى سـوق الجمعه بطرابلس ، وأوضحت بـأن القاتل مجرم محترف أعترف أمامى بكل صفاقة وفخر بجريمته مما ترتب عليه صدام بينى وبينه داخل مكتبى بالسفارة عندما سفهته وطردته وطلبت منه تسليم نفسه فورا للسلطات الأمنية اليونانية ، وكانت ردة فعلـه أنه أراد الأعتـداء على بالضرب لولا تدخل رجل أمن السفارة العقيد محمد بن عمران ومساعده السيد محمد الميار

على اى حال حتى لا أطيل في التفاصيل فإن هذا القاتل المحترف نال جـزاءه الربانى ، إثـر تعرضه واسرته لحادث سيارة على الحـدود
وكانت جريمة إغتيال الجندى عبد الرحمن أبوبكرعام 1980 فاتحة لأرتكاب سلسلة من جرائـم الإغتيـال لليبيين فى اليونـان مابين عامى 1980 / 1984

ومن الصدف الغريبة أن يتزامـن تاريـخ إرتكاب جريمة إغتيال الجنـدى عبد الرحمن مع تاريـخ قـدوم الوزير المرحوم على عبد السلام التركي في زيارة رسمية لليونان ، وكانت بالطبع مفاجأة غير سارة ومؤلمه له عندما فوجىء بأخبارها تتصدرأعمدة الصحف اليونانية الأمـر الذي أربـك زيارته لليونان وأفشلهـا فرجع الي ليبيـا غاضبا محبطا

وللمعلومية والتوثيق أيضا فإن الزحـف على السفارة الليبية فى اليونان في سبتمبر 1979 كان قـد تزامن أيضا مع زيارة رسمية لوزير التخطيط المرحـوم (موسى أبوفريـوة ) يؤديها لزميله وزير التنسيق اليونانى السيد ( قسطنطين ميتسوتاكيس ) والـد رئيس وزراء اليونان الحالي ، وكانت زيارته قد وقعت فى أواخر فترة حكم حزب الديموقراطيين باليونان ، عام 1980 أي قبل أن يعتلى حزب الباسوك الاشتراكى سدة الحكم عام 1981، وفى عهد حكم هذا الحزب الأشتراكي لليونان ، تصاعدت حـدة الإغتيالات السياسية لليبيين ممن حسبوا على المعارضة الليبية داخل اليونـان في الفترة مابين عامى 1980 / 1984

كما كانت العاصمة اليونانية خلال تلك الفترة أيضا مسرحا مباحا للصراع الـدولى المحموم بين أجهـزة المخابرات التابعة للعـديـد من الـدول الأجنبية ( إسرائيلية ، أمريكية ، بريطانية ، روسية ، تركية ، فلسطينية ، عراقية ، سورية ، فصائيل فلسطينية….) وكانت كل هذه الاجهزة الإستخباراتية الممثلة لجميع الدول والتنظيمات والتوجهـات الأيدولوجية والدينية تتنافس وتتصارع فيما بينها داخل هذه المساحة الصغيرة للعاصمة اليونانية ، وتصطاد عملائها من بين المغتربين والمقيمين فى اليونان من عـرب وأجانب مستغلة ظروفهم المادية والسياسية وانتماءاتهم العرقية أوالدينية لتجنيدهم لخدمة أغراضها

واذكـر أنـه خلال هـذه الفترة العصيبة والحرجة من حياتى فى العاصمة اليونانية زارنى على غير توقع فى مكتبى بمقر ” شركة سوريتى ” التى كنت أعمل بهـا بعـد إنفصالي عـن عملى بالسفارة الليبية باليونان ، الدكتـور محمـد المقريف برفقة أحـد أعـز الأصدقاء لي في اليونان ، وكان  يشغل منصب سفير ليبيا لدى جمهورية الهنـد منذ عام 1978 وحتى عام 1980عندما أنشق عن النظام الليبى وانشق معه في نفس الفترة زميليه بالسفارة فى الهند على زيدان وعبد السلام عيلة

والحقيقة لم تكن لى أى سابـق معرفة بالأستاذ محمد المقريف عندما زارنى فى اليونان فهو من الرعيل الأول الذي تخرج من كلية الاقتصاد والتجارة بجامعة بنغازى عام 1962 ، أي قبل تخرجى منها بقرابة العامين ، وبالطبـع أبديت ترحيبى بهذه الزيارة الغير وتبادلنـا خـلالها العـديد من وجهـات النظـر فيمـا يتعلـق بالأوضـاع السياسية والإدارية التى كانت تقلقنـا والتى كانت سائـدة فـى بلادنـا ، كما تناولنا ضمن هـذا الإطـار أيضا مـا آلـت إليـه الأوضـاع بوزارة الخارجيـة والسفـارات الليبيـة بالخـارج من تهتـك وســوء إدارة بسبب الزحوفات العبثية التى قادها ( لصوص الوظائف الدبلوماسية )

وأوضح لى الأستاذ المقريف خلال ذلك اللقـاء بأنـه يقـوم بهـذه الزيارات لليونـان والبـلاد الاوروبية بهـدف ( التعريف والتعرف) بالعناصرالليبيـة المتواجـدة خارج الوطن وكذلك لعرض مشروعه القاضى بتأسيس الجبهة الوطنية للإنقـاذ واستمزاج االأراء والمقترحات بخصوصها

وزارنى أيضا ضمن هذا الإطار في بيتى بعـد فترة شهر من زيارة الدكتور محمد المقريف لي فى مكتبى ، كـل من الدكتور يوسـف شاكيـر والدكتـور السنوسى المقرحـى وكان برفقتهما ” اذا لـم تخنى الذاكـرة “..الأستـاذ فايـز جبريـل على ما أعتقـد …وتبادلنـا خـلال هـذه الزيـارة الأحاديـث عـن مشاكل الوطـن وهمومـة ، وآخـر المستجـدات على الساحـتين الأوروبية واليونانيـة ، ورغما عن أن النقاش والحوار كان مجديا ومفيـدا للجميع مع رشفات فناجيـن القهـوة ، إلا أننى بصراحة لم ألتزم بأى تعهد بالإنضمام للجبهة التى كانت حينها فى طور التشكل

وأخيرا ..إلى اللقاـء في الجزء الرابع من ( قصة نقـلي من اليونـان إلى مالطـا ) …مـع تحيـاتى وخالص شكرى وتقديرى لكل من شرفنى بالتعليق أو بمتابعة أجزاء هـذا الادراج

(4)

كما أوضحـت فى الأجـزاء السابقة أنني رفضت الإلتزام بتنفيـذ قـرارات نقلي  المدونه ادناه المتتابعـة إلى ليبيا وهى

 قراراللجنة الشعبية للسفارة ” المخالف ” الذي حـدد تاريخ نقلـي إلى طرابلس بتاريخ 06/02/ 1982
قرار مكتب الإتصال باللجان الثورية ” المخالف ” الداعم لقرار لسفارة بنقلى بتاريخ 06 /02 / 1982
قـرار وزارة الخارجية بالغـاء نقلي بتاريخ 06 / 02 / 1982 وتأجيله إلي تاريخ 30/ 09 / 1982

وذكرت أنه بعد مضى مدة طويله على رفضى تنفيذ تلك القرارات المتتابعه التى بنيت على الباطل أستلمت بتاريـخ 01 / 03 / 1983 القـرارالعجيب القاضي ( بتصعيـدى ) عضـوا باللجنـة الشعبيـة لشـؤون الإعـلام بالسفـارة الليبيـة بمالطـا ، وتضمـن هـذا القـرار تفويـض سفارتنا بمالطـا بتسوية كافـة مرتباتى التى كانت موقوفـة من قبـل سفارتنا باليونان منذ 01 / 09 / 1982 حتى01 / 03 / 1983 وتـم وتزويدى بشهادة الدفع الأخير الصادرة عـن السفارة الليبية باليونان لتقديمها لعلـم سفارتنا فى مالطا لتسوية هذه المستحقات المالية

ترددت كثيـرا في البدايـة في تنفيـذ هـذا القـرارالفجـائي لكثـرة الشكـوك التـى ساورتني عنـد إستلامى لـه ، إلا أن بعض الاصدقاـء الذين أعـزهم فى ديـوان الوزارة خففوا من تأثيـرهذه الشكـوك ، ونصحوني بالتنفيـذ خاصة وأنه على رأيهـم ( قـرار رد إعتبـار) ، حتى لا اتيـح الفرصة لمـن يصطادون فـى الميـاه العكـرة لإستغـلال رفضى لبـث الفتـن وتصعيـد التوتـر بينى وزارة الخارجية

واستجابـة لهـذه النصائح من الزملاء حـزمت أمـرى ( بعـد التوكـل على الله ) على التوجـه إلى مالطـا فى الأسبـوع الثـانى من شهـر يونيـو 1983 أى بعـد ثلاثة أشهـر ونصف مـن تاريخ صـدور القـرار

ويعـود سبب تأخـرى في السفـر لإرتباطى المسبق بعقـد العمل مع شركـة ( سوريتى ) التى كنت أعمـل بها والذي ينتهـى فى 01 / 10 / 1983 إلا أنهـم تفهما لظـروفى وافقـوا علي تقديـم إخـلاء طـرفي فى 01 / 06 / 1983 لكى أتفـرغ لإعــداد نفسى للسفـر إلـى مالطـا ، مع تعهـدهـم بالإستمـرار في تمـديـد الاقامـة لي ولأفــراد أسـرتى ومواصلـة دفـع نفقـات التأمين الصحـى والتعليـم لأبنـائى حتى نهايـة عـام 1983 ؟

في 18 / 06 / 1983 غادرت مطار أثينـا بمفردى متجهـا إلي مالطـا علي متن الخطـوط الجويـة اليونانيـة وكـان في توديعى علي أرض المطار فـي جـو من الكآبة والحزن والتأثـر أفـراد أسرتى والأصدقـاء اليونانيين ، وفضلت أن يكـون سفـرى الى مالطـا ( طـى الكتمان عن كـلا السفارتيـن فى اليونان ومالطا )

وعنـد وصولـى إلـي مطـار ( فاليتـا ) عاصمة مالطـا أستقليـت إحـدى سيارات الأجـرة مـن المطارإلـى فنـدق ( كارلتـون ) الـذي أعرفـه جيـدا فى منطقـة ( سليما ) وهـو فنـدق محتـرم ومتواضع ، ومكثـت ظيفـا فـيه قرابـة ثـلاث أيـام دون أن أتصـل بالسفـارة منتهـزا الفرصـة للتمتع ببعض الهـدوء فـي العاصمة المالطيـة والتجـول فيهـا بحريـة تامـة

فـي صبـاح يـوم 21 / 06 / 1983 توجهـت إلـى السفـارة وطلبـت عـن طريـق موظـف الإستقبـال فـي مدخـل السفـارة مقابلـة السيـد أميـن اللجنـة الشعبية للسفـارة الأستـاذ المرحـوم ( سالـم محمـد الشويهـدى)…وبعـد اتصال هاتفي بمكتبـه قادنـى موظف الإستقبال إلي مكتبـه ، وشكل دخولى على الأستـاذ سالم مفأجـأة غير متوقعـة فاستقبلـى الرجـل بعد أن نهـض من كرسيـه بالأحضان مندهشـا ومرحبـا ومعانقـا ، وبعـد أن أجلسنى فى صالونـه وجلـس قبالتى أبتـدأ معـى إسطوانــة التأنيـب والعتـاب لعـدم إبلاغـي لهـم مسبقـا بقــدومى إلـي مالطـا لـكى يقومـوا بواجب الإستقبال فى المطـار والحجـزلى بأحـد الفنـادق المناسبة التى يتعاملون معها ، فشكرتـه علي أريحتـه وحسـن استقبالـه ومشاعــره الطيبـة معتــذرا لـه عـن هـذا التقصيـر من جانبي ، ومبـررا ذلـك بـأن حجـزى على الخطوط اليونانيـة إلـى مالطـا لـم يكـن مؤكـدا وكنت على قائمة الإنتظار ، ولذلك وجـدت أنه من غير اللائـق تحت هـذا الظرف إزعاجكـم ، خاصة وأننى أعـرف مالطـا جيـدا وسبـق وان زرتها عـدة مـرات ، غير انه لم يقتنع بهـذا التبريـر رغـم إطنابي فى الإعتـذار وأجابنى على الطريقة الليبية ( عليك حـق كبيـر )

بعـد هـذا العتاب الشديـد ، طلب منى مشاركته فى إحتساء فنجان من القهوة التركية أو طاسة من الشـاي الأخضر المعتـق ( على رأيـه ) فأجبتـه ..بعـد أن عرفت قصـده وهـو صاحـب النكنـه والدعابـة ..أفضـل شاهيك ( المعتـق ) وكان يقصد بالمعتق ( المنعنع )

ومع رشفات الشاى الأخضر الدافىء تجاذبنا أطـراف الحديـث عـن أحوال وزارة االخارجية وأحوال سفاراتها بالخارج ومـا طـرأ علي هذه السفارات من خلخلة فى كوادرها بعـد سلسلة الزحوفـات المتتابعة التى تعرضت لها ، وما صحب ذلك من القصص والنوادر

وبعـد أن أتممنـا دردشتنـا الطريفـة هـذه أستدعـي السكرتيـرة وطلب منها إستدعـاء مـن هـو متواجـد مـن الموظفين ( وطنيين ومحليين ) للترحيب بى كزميل جديـد لهـم ..ولاحظت أنـه كـان يقدمنى لهـم بأسمى وبدرجتى الوظيفيـة كوزيـر مفـوض بالسفـارة وليس كعضـو لجنـة شعبيـة

فـي صباح اليـوم التـالي تعرفـت علي المراقـب المالى للسفارة الأستاذ حسن الدعيسى الذي قدمت لـه شهـادة الدفـع الأخيـر الخاصة بى الصادرة عـن سفارتنا باليونان لتسوية مرتباتى المعطلـة مع صورة مـن قـرار تصعيـدى ورجوتـه سرعـة تسويـة مستحقاتى المالية نظـرا لشـدة الحاجة إليها

والحقيقـة كـان الأستاذ حسن الدعيسي متجاوبا معى إلي أقصى الحـدود فأستدعى فـورا سكرتيرة السفارة وطلب منها إعـداد كتاب عاجـل إلي ” مصرف  فاليتـا ”  بفتـح حساـب لـى ، وأشرف بنفسـه على إرسال ذلك الكتاب فى نفـس اليـوم مع السائـق إلـى المصرف ، وتابع أيضا مع أميـن اللجنة إرسال مذكـرة شفويـة إلى وزارة الخارجية المالطيـة بإعتمادى ضمن طاقــم السفـارة ، وفى نهايـة الـدوام قـام بتوصيلى الى فندقى بسيارتـه الخاصة وعـرض على الأقامة معه فى شقته بـدلا مـن الاقـامة فى الفنـدق …فأعتـذرت لـه شاكـرا كرمـه وحسـن تعاونـه

وفى اليوم الثالث أكرمنى الأستاذ سالـم أميـن السفارة بدعوتى للعشاء معه فى أحـد المطاعم الراقيـة بمنطقـة ( سليما ) وكانت مفاجأة سارة لى أن ألتقى على مائدة العشاء تلك مع زميلنا الدبلوماسى الرائع الاستاذ سالم سليمان الضراط شقيق أخـى ورفيقى فى المسيرة الدبلوماسية السفير الأستاذ إبراهيم سليمان الضراط

وفى اليـوم الرابع على ما اعتقـد أستلمت مهـام عملى فـى مكتبى كعضو في اللجنـة الشعبيـة بالسفارة لشؤون الإعـلام دون حضور الأستـاذ امحمـد الفيتورى الذى كان مكلفا بهذه المهمة والـذى يبـدو أنه كان قــد رجع الى ليبيـا

الشخـص الوحيــد المهـم من ضمـن طاقــم السفـارة الـذي لـم التقيـه والـذي يعتبــر الشخـص الثـانى بهـا كـان أسمـه الأستـاذ علـي الناجـم وقـد كـان هـو والمرحـوم الأستـاذ سالـم الشويهـدى من ضمـن من تصـدروا الزحـف علي السفارة الليبيـة عـام 1979 وتحويلها الى مكتب شعبي

والحقيقـة أننى وجـدت روح إستقبـال طيبة وتعـاون جيـد من كافـة العامليـن بالسفـارة وعلـى رأسهـم الزميليـن ( المرحـوم الأستـاذ سالـم الشويهـدى والزميـل الأستـاذ حسـن الدعيسى )المراقـب المالي ، وكذلك رجـل الأمـن بالسفاـرة الـذي أكرمنى كثيـرا وللأسـف لـم تسعفنى الذاكـرة بتذكـر أسمه لطـول المـدة ولكـن اعتقـد أن أسمه الأول كمـا قـدم لى حينها ( عمر أو عمران ) وقـد لا يكـون هـذا أسمـه الحقيقـي لأن المتعارف عليه أن بعـض الأخوة من رجـال الأمـن يعينـون فى السفارات بأسماء مستعـاره
وهـذا الأجـراء يكـاد يكون تقليـد عام تنتهجـه العـديـد مـن الـدول فى تعيين رجـال الأمـن في سفاراتها بالخـارج

مع تحياتى …على أمـل اللقـاء – بـإذن الله – فى الجـزء الخامـس مـن هـذا الإدراج

(5)

جمهورية مالطا دولة أوروبية تقع في البحر الأبيض المتوسط، قبالة السواحل الليبية والتونسىة وهي واحدة من أصغر دول العالم من حيث مساحة الأرض ولكن فى المقابل تعتبر سابغ دولة من حيث الكثافة السكانية … تتكون من ثلاث جزر مأهولـة هى مالطا، غوزو، وكومينو وعاصمتهـا ( فاليتـا ) التى تعتبر أصغر عواصم دول الاتحاد الأوروبي، وانضمت مالطا للإتحاد الأوروبى عام 2004

وتشغـل مالطـا موقعـاً هامـاً بين جنوب أوروبا وشمال أفريقيـا وبيـن الحـوض الشرقي للبحـر المتوسط والحـوض الغـربي ، أحتلهـا البيزينطيون حتى منتصف القرن الثالث الهجري ، ثم خضعت لحكم الأغالبة والفاطميون حتى القرن الخامس الهجري ، واستولى عليها النورمامدين بعد ذلك ، ثم حكمها العثمانيون ، ثم استولى عليها فرسان القديس يوحنا وأخرجهم منها العثمانيون في منتصف القرن العاشر الهجري ثم استولى عليها البريطانيون وكانت تـدار مـن قبـل حاكم عام بريطانى يتـم تعيينه من قبـل بريطانيا حتى استقلت عنها عام 1964، وفى عام 1974 بعـد إعلانها جمهورية اختيـر السيـد (أنتـونى مامـو ) كأول رئيس لهــا

تعتبـر مالطا بعـد استقلالها بالمختصر والمفيـد ( الرئـة الصناعيـة ) التى تتنفـس مـن خلالهـا ليبيـا فى كـل عهـودها وخاصة وقـت تعـرضهـا للأزمات السياسية أو الاقتصادية المختلفـة ، ولازلت مالطا حتى يومنـا هـذا تلعب نفـس الـدور سـواء ( بمقابـل مادى أو من خلال تبادل المصالح … وهذا لا يعيب مالطا كدولة مستقلة ، فظروفهـا الجغرافيـة والاقتصادية وظروف الجوار للشواطىء الليبية تجعلها دولة مهيئة للقيام بهذا الدور سلبا أو إيجابـا حتى بعـد انضمامها لمنظومـة الـدول الاوروبية ، شأنها فى ذلك شـأن حلفائهـا من دول هذه المنظومة

والعلاقـات الدبلوماسيـة الليبيـة المالطيـة قديمة أبتـدأت مع عـام 1967علـى مـا أعتقـد خلال الحكم الملكى فى ليبيا ، وذلك بعد حصول مالطا على ( شبه استقلال ) عن التاج البريطانى عام 1964 ، وكان يتراسها حينها حاكم عام يتم تعيينه من بريطانيا وكان المرحوم الأستاذ عبد الستار الثلثى قـدعيـن بها خلال تلك الفتـرة كأول سفير للجمهورية الليبية ، وقدم أوراق اعتماده بتاريخ 07 /07 /1971 لحاكم مالطا السيد ( أنتونى مامو ) الصورة وذلك مباشرة بعـد تعيين ( هذا الأخير ) حاكما عاما لمالطا بتاريـخ 03 / 07 / 1971………وبمقارنـة التواريـخ يتضح أن الأستـاذ عبد الستار الثـلثي كـان قـد قـدم أراق إعتمـاده بعـد أربعـة أيـام فقـط من تنصيب السيد ” أنتونى مامو ” حاكما لمالطا …..   أمرغريب أسترعى إنتباهى فى تاريخ علاقاتنا الدبلوماسية مع مالطا

وفـى 13 ديسمبر 1974 بعـد أن أعلنـت مالطا جمهوريـة تـولى السيـد ” أنتـونى مامـو ” منصب أول رئيس.للجمهورية المالطية ..وتـم في عهده افتتـاح المركـز الثقـافى الليبى عام 1974 بحضورالرئيس الليبى معمرالقـذافى واعتقد أن تلك كانت أول زيارة قـام بها العقيـد لجمهورية مالطا ثـم توالـت زياراته لها فى الأعـوام 1976 / 1978 / 1979 / 1982 / 1984 …..الخ

بعـد هـذه الإطلالـة التاريخية الموجـزة عـن بـدء وتطور علاقتاتنـا الدبلوماسية مع مالطا أعـود إلى موضوعنا الأساسى …وهـو قصة نقـلي للعمـل بسفارتنا في مالطا

فى الأسبوع الثانى مـن وجـودى فى مالطا لـم يتـم تكليفى بـأى أعمال تتعلق بوظيفتى كما لـم أتعرف خلال ذلك الأسبوع على المزيـد مـن زمـلاء العمل أو المترددين على السفـارة مـن الليبيين أو الأجانب …وحتى أميـن اللجنةـ الأستـاذ سالـم الشويهـدى لـم التقـه أبـدا منـذ دعـوته لى للعشاء معه رفقـة زميلنـا الأستاذ سالـم سليمان الضراط

والوحيـد الـذى كـان يتـردد علـى مكتبى أو أزوره فـى مكتبـه كـان المراقـب المالي الأستـاذ حسـن الدعيسى الـذي كـان خيـر رفيـق لـى داخـل السفـارة وخارجها منـذ إستلامى لعملى ، وهـو مـن أقنعنـى بعـد تحسـن ظـروفى الماديـة بتفييـر سكنى مـن الفنـدق الـذي كنـت قـد نزلت بـه أول مرة عنـد قدومى لمالطا إلي فنـدق أكثر فخامة

فى الأسبوع الثالـث على مـا أعتقـد أذكـر أننى طلبت مـن السكرتيـرة مساعدتى عن طريق الصحف فى البحـث عـن سكن لأسرتى فى منطقـة محترمة ، وأفادتنى بـأن هنـاك وكالات متحصصة تتعامـل معها السفـارة مـن الممكـن الاستعانـة بهـا ، فأعطيتهـا مواصات البيت المطلوب بحيث يكـون أرضى من غيـر درج أو شقـة فى بنايـة بها مصعد لكى يتناسب مع الأوضاع الصحيـة لأسـرتى

وعلمت أثنـاء دردشتى بهـذا الخصوص مع السكرتيـرة أن الاستـاذ سالـم أميـن اللجنـة يمـر بظـروف صحيـة وأنـه يعـد نفسـه للسفـر إلى تونـس لإجـراء بعض الفحوصات الطبية فيها ، وسالتهـا إن كـانت تعـرف بالتحديـد موعـد سفـره إلى تونـس ، فاخبرتنى بأنـه لـم يخبرها بعـد بهـذا الموعـد

ومباشـرة بعـد سماعى لهـذا الخبـر المؤسـف أتصلت هاتفيـا بالأستـاذ سالـم فـى مكتبـه وأستأذنتـه فـى الحضور إليـه إذا لـم يكـن مشغولا، فأجابنى بلطفه المعروف ( سبحان الله أستاذ عاشور أنت تطلب الأذن …؟؟؟ تعال ياراجـل ..مكتبى مفتـوح لك فى أى وقـت )…. فقلت لـه بارك الله فيكـم ولكن أريـدكم على إنفـراد إن أمكـن …فـرد على .. أعطنى نصف ساعة … وسأتصل بك

وفعـلا لـم يمض وقـت طويـل حتى أتصل بى طالبا حضورى لمكتبـه ..وفى مكتبه وجدتـه ينتظرنى فحييتـه بحرارة وجلست قبالته على أحـد المقاعـد الجانبية لطاولـة مكتبه وقلت لـه ( لا بـأس عليـك أستـاذ سالـم ..سمعـت أنـك مسافـر إلي تونـس لأجـراء بعض الفحوصات الطبية  ما بـك با رجـل …؟؟ شغلتنى عليـك ..!!!..فنظر لى محدقـا وأجابنى وهـو يعبث بقلـم رصاص بيـن أصابعـه…ما سمعته .. صحيح ، فأنـا منـذ فتـرة أعانى من دهشة وضيق فـى التنفـس ..وقـد أشـارعلى زميلنـا الأستاذ جمعـه الفـزانى بعـدم إهمال الموضوع ودعانى لزيارتـه فـورا فى تونـس لأجـراء بعض الفحوصات مع قبل إختصاصى ( قلب وشرايين )وأصر على قدومى ، وفعـلا قـررت السفر … ثـم واصل حديثه …وفى خـلال فتـرة غيابى فـى تونـس التى سـوف لـن تتتعـدى الأسبـوع ( بـإذن الله ) سيتولـى مهام السفـارة زميلنا ب الأستـاذ علـى الناجـم ، وقـد أرسلت مذكـرة شفويـة بالخصوص صباح اليـوم إلـي وزارة الخارجيـة المالطيـة

كان لهـذا الخبـر الذي طمس وتجاهـل درجتى وأقدميتى ومؤهلى وخبرتى الطويلة فى العمل الدبلوماسى.منذ عام 1964 ، وقعه السئ على شخصى ، حيث لم يسبق لى أن واجهت مثل هـذا الموقـف المهيـن لكرامتى أبـدا فـى أى بعثـة مـن البعثـات الدبلوماسيـة التى عملـت بهـا وحتى عندمـا حـدث الزحـف علـى السفـارة الليبيـة فى اليونـان عـام 1979، وتـم تصعيـدى عضو لجنة لجنة لبها ، تـم تكريمى بالحفاظ على وضعى السابـق كشخص ثانى بالسفارة بعد أمين اللجنة على ماريا مباشرة ….ويعلم الله أن تشبثى بـأن أكـون الشخـص الثـانى بسفارتنـا بمالطا لـم يكـن غـرورا أوصلفـا منى بقـدر مـا كـان إعـتزازا وإحتراما لكرامتـى ووظيفتـى التى شغلتها وأشغلها فى السلك الدبلوماسى

لقـد عملت بكـل تواضع مع سفـراء وقائميـن بالأعمال وأمناء لجـان ومـدراء إدارت كانـوا أقـل منى درجـات وأقـل منى مؤهـلات وخبـرة ولـم أعتـرض علـى أى منهـم طالمـا أنهـم عينوا فـى وظائفهـم القياديـة هـذه بمراسيـم أو قـرارات سياديـة ….أمـا ما حـدث معى فى سفارتنا بمالطا ، فالأمـر مختلـف تمام الإختلاف ولا يمكن قبولـه رغما عن كافة المبررات التى قدمهـا لـى الزميـل الأستـاذ سالـم الشويهـدى والتى أطنـب وفصل فيهـا كثيـرا….فقلت لـه ( أستـاذ سالـم …ألا تـري أنـك بهـذه المذكـرة الشفويـة التـى أرسلتهـا لوزارة الخارجية المالطية قد ظلمتنى وأسأت لى ( ربما من حيث لا تدرى ) ووضعتنى للأسـف فى موقـف محـرج …وإن إحتجاجى على هـذا التصرف يجـب ألا يفسـرعلى أنه احتجـاج على شخص الأستـاذ على الناجـم أو ( النجم )….فـالرجـل بصراحـة لا أعرفـه ولـم ألتـقه على الاطـلاق فى السفارة حتى هـذه اللحظـة رغمـاعـن مرور قرابة الأسبوعين علـى تواجـدى بالعمل بها ولكن احتجاجى ينصب على عـدم الاحترام والتقديـر من قبلكم لأقدميتى ودرجتي الوظيفية ا

وبعد أن استمع لى الأستـاذ سالـم بمنتهي الهـدوء تنفـس بعمق وارتشف رشفة من كوب الماء الذي أمامه وقـال لى ( أستاذ عاشور…. أحتـرم وجهة نظرك ويعلـم الله مقـدار معـزتى لـك فأنـت بالنسبـة لى بصراحـة ( لـو فى الدنيـا دنيـا ) لـن تكـون فى وضع شخـص ثـان فى أى سفارة بـل حقـك المشروع أن تكـون شخص أول ( سفيـرأو قائـم بالأعمال) لو أستمرت وزارة الخارجيـة الليبيـة التقليديـة موجودة بكوادرها وتقاليدها وتشريعاتها المثاليـة ..ولكـن وزارة الخارجيـة التى تعرفهـا أستـاذ عاشـور أنتهـت… وعليـك أن تقتنع بذلـك فأنـت اليـوم موظف بالإتصال الخارجـى….جسـم جديـد وهيكلـة جديـدة …أنا أتحـدث اليك بكل وضوح وأتعاطف معك من منطلق إعـزازى لـك وأرجـو أن تتفهني  وأعاهـدك بأننى عنـد رجوعي مـن تونـس سأصلح الأمـر ( إذا ما أتضح لـى أنى أخطأت فيـه ) ، فـا بتسمت وقلـت لـه ..شكـرا أستـاذ سالـم ، ولكـن ربما سيكون الوقـت حينهـا متأخـرا جـدا وخرجت من مكتبه متأثرا محبطا بعـد أن ودعتـه متمنيـا لـه رحلـة موفقـة وشفـاء عاجـل

بعـد أن تأكدت من أن المذكرة الشفوية بتكليف الأسـتاذ على الناجـم كقائم بالأعمال أرسلت لوزارة الخارجية المالطية قـررت أن يكون ردى على هـذه المذكرة هـو عـودتى فـورا إلى اليونـان حفظا لكـرامتى ، وليكن .. ما يكون ، وفعـلا حزمـت أمـرى وتوجهـت مسـاء ذلـك اليـوم الى مطـار ( فاليتـا ) دون ان أخبـر أى إنسان مـن السفـارة بقـرارى هـذا تخوفـا مـن حـدوث أى تطورات سيئـة قـد تعرقـل سفـرى وعدت إلي اليونان على نفس الخطوط التى قدمت عليها إلى مالطا ، وفـى اليـوم التالى وما بعده فوجئت السفارة الليبيـة فـى مالطـا بإختفائي ، وعـودتى لليونـان فأقـامت الدنيـا بحثـا عنى وأطلقـت سيـل من الإتهامـات والتفسيرات المغرضة بخصوصه

عنـدعـودتي لليونان مـن مالطـا فى شهـر يوليـو 1983 ، وجـدت ترحيبـا حـارا مـن قبـل إدارة الشركـة التي كنـت أعمـل بهـا واستلمـت مجـددا نفــس وظيفتـى التى كنـت أشغلهـا فـى جـو مـن الإحتـرام والتقديـر وكأنى لـم أغادرهـا إلا أننى وجدت  أن العاصمة اليونانية أثينا ا خلال تلك الفترة قد شهدت موجة من الإغتيالات البشعة ، أرتكبها مرتزقـة ليبيـون وأجـانب راح ضحيتهـا مواطنين ليبييـن لاعلاقـة لبعضهم بـأى توجهـات سياسيـة ، وذنبهـم الوحيـد أنهـم أقـاموا بالخـارج فى وقـت كانت تعتبر إقامة أى ليبى فى الخارج (مالـم يكـن منتدبا أو مكلفا مـن قبـل الدولـة الليبيـة ) جريمة خيانـة عقابهـا التصفيـة الجسدـية

وأخيـرا مـع وصـولى إلـى نهايـة هـذا الجـزء مـن ( أوراق مبعثرة من مفكـرتى ) فيمـا يتعلـق بنقـلي إلى مالطـا ، أستودعكـم الله مع عاطـر تحيـاتى وعظيـم شكـري وتقديـرى لكـل مـن ساهــم بالإطـلاع والمتابعـة أوالتعليـق أو ساهـم بإثـراء هـذا الإدراج بمـا يفيـد