رحلتى إلى مورشيوس

بعـد رجوعى الى ليبيا من الولايات المتحـدة الأمريكية فى شهـرأغسطس عام 1970 تم تكليفى بتاريخ  02 /09 /1970 بتأسيس قسم الشؤون الأسيوية بالإدارة الإفريقية الأسيوية بوزارة الوحدة والخارجية ، وأسندت إلى رئاسة القسم إعتبارا من تاريـخ تأسيسه وحتى الأول من شهـر يوليـو 1972 ، تاريـخ نقليى للعمل فى سفارتنا بروما وقـد تطـورهذا القسم مع مرور الوقـت  ليتحول إلي إدارة كبيرة مكونة من عدة أقسام بإسـم إدارة الشـؤون الأسيوية

وأثناء فترة رئاستى لذلك القسم التى أستمرت قرابـة العامين طلب منى المرحوم ” الأستاذ نجيب الشيبانى ” مدير الإدارة الأفريقية الأسيوية  في شهـرأبريـل 1972 إعـداد مشروع خطـاب موجـه من قبـل رئيس مجلس الوزراء العقيـد معمر القـذافـى إلـى رئيس مجلس وزراء دولـة موريشوس السيد ” سيوغـوررام غـلام ” بخصوص تأسيس علاقات دبلوماسية بين ليبيا ودولة موريشوس ، وذلك ردا علي المبادرة التي كانت قـد أبدتها دولـة موريشوس عـن طريق سفيرها في دولة الباكستان وكذلك عـن طريـق مندوبها لـدي المنظمة الأممية

بعد أن أعددت مسودة الخطاب عرضته علي المرحوم الأستـاذ نجيب الشيبانى الذي أعتمدها وقـام بإرسالها إلى مكتب المرحوم الأستاذ عبد الفتاح النعاس وكيل الوزارة خلال تلك الفترة الـذي بـدوره أحاله إلي مكتب الرئيس للمعلـومات برئاسة مجلس الوزراء للعـرض علي العقيـد معمر القـذافي رئيس مجلس الوزراء للإعتماد والتوقيع عليه وتـم ضمن هـذا الإطـار اقتراح إسمى لتولـى  مهمة توصيل هـذا الخطاب لعـلم السيـد رئيس وزراء دولـة موريشوس

بعد فترة ليست بالطويلة أعـيد لنا الخطاب في صيغته النهائية معتمدا وموقعا من قبل العقيد معمرالقذافي دون إجـراء أي تغيير في صياغته سـوي إضافـة إسمى ” عاشور مفتاح الإمام ” بصفـة مبعـوث شخصى لرئيس الوزراء العقيـد معمر القذافـى مكلفا من قبله بمهمة تسليم الخطاب المذكور شخصيا ويـدا بيـد لرئيس وزراء دولة موريشوس

وبتاريخ 10 / 04 / 1972 وجه لى الأستاذ نجيب الشيبانى مديرإدارة الشؤون الإفريقية والأسيوية رسالة رسمية بتكليفى بهذه المهمة  مؤكـدا لى بأن تكليفى بها لـم يكـن إجـراءا ” عشوائيا ” وإنما جـاء بنـاء على المعطيات التاليـة

أولا  : – أن الموضوع يدخل فى صميم منطقة إختصاصى كرئيس لقسم الشـؤون الأسيوية، وأننى كنت ملما بسوابقه

ثانيا : – لا تعـوزني الخبـرة حيث أنه سبق لي المساهمة في تأسيس السفارة الليبية بدولـة الباكستان عـام 1967

وفعلا بعد إستلامى لخطاب التكليف بهذه المهمة سواء كانت من قبل رئاسة مجلس الـوزراء أو كانت من قبـل وزارة الخارجية شرعت فى إتمام إجـراءا ت سفـرى للشروع في القيام بها ، إلا أننى فـوجئت – للأسف – بعـدد من العراقيل والمصاعب الإدارية والمالية التى أثيرت في وجهي مـن قبـل إدارة الشؤون المالية والإدارية بالوزارة ، التي للأسف كانت قد تقـوقعـت داخـل حرفيات النصوص القانونية الجامدة المتعلقة بحجـز تذاكـر سفـرى أوتلـك المتعلقـة بخـط سيـر رحلتى جـوا من طـرابلس وحتى مدينة ” بـورت لويس ” عاصمة دولـة موريشوس

وقـد تمثلت تلك العراقيل فى تفسير منطوق إحـدي مواد قـانون السلك الدبلوماسى والقنصلى التى كانت تنـص على أن يكون سفـرموظفى الوزارة الى مقـارأعمالهم بالخارج أوأثناء تكليفهم بالمهام الرسمية وفقـا لدرجاتهم الوظيفية ، وأن يكون بأ قصر الطـرق ، وفسرت هذه المادة بأسلوب متصلب بعيـدا عن المرونة وعن المنطق السليم حيث أصـروا بناء على هـذا التفسير على الآتى
أولا : –  أن يتم الحجـز لى بالسفرجـوا من طرابلس وحتى دولة موريشوس بالدرجة السياحية لأن درجتي الوظيفية ( سكرتير أول ) لا يحق لها السفر بالدرجة الأولى المخصصة فقط للسادة السفـراء والوزراء المفوضين والمستشارين وأسرهـم وحاملي الحقائب الدبلوماسية

ثانيا : –  أن يتم سفـرى لإنجاز هذه المهمة المكلف بها بأقصر الطرق وفسرت جملة أقصر الطرق بأن يتم هذا السفر من طرابلس الى موريشوس جـوا عبرخمس دول إفريقية هى ” مصر/ السودان / الحبشة / تنزانيا / مدغشقـر “

حاولت أن أقنع هـؤلاء الزملاء بأن مهمتى ” كمبعوث شخصى لرئيس الدولة ” لاعلاقـة لها على الإطلاق بدرجتى الوظيفية المنصوص عليها فى قانون السلك ..وعليه يجب أن أعامل كحاملى الحقائب الدبلوماسية وأن يكون سفـرى بالدرجة الأولي ، خاصة وأنـه عنـد وصولي إلى مطـار دولـة موريشوس سيكـون فى إستقبالى مدير مراسم الدولـة ورجال الإعـلام وعـدد من كبار المسؤليـن

أما فيما يتعلق بأن الحجز لى بالسفرعبر خمس دول افريقية يمثل ” أقصرالطرق ” …فهـو تفسيرمغلوط جانبه الصواب حيث أن أقصـر الطـرق فعـلا هـو ان يتم سفرى جـوا من طرابلس الى موريشوس عبر روما أو باريس فهـو فعـلا أقصرالطـرق وأسرعهـا وأقلهـا كلفـة
ولكـنهم للأسـف أصموا آذانهـم واعتبـروا جـدالي معهم تهكما وسخرية منهم …وأبلغـوني من باب التهـديـد بأن الرائـد عبد المنعم الهوني المكلف بالوزارة حينها قـد طلب منهم تكليف غيرى بالمهمة فى حالة تمسكى بالسفر بالدرجة الأولى…. وطبعا لـم أرضخ لهـذا التهديـد وأصررت على تمسكى بالسفـر بالدرجة الأولي

ولكن عند شروعهـم فى تنفيـذ تهـديدهـم بتكليف غيرى بالمهمة ، صدمـوا بإستحالة تحقيـق ذلك لأن أسـمى عاشـورمفتاح الإمـام كان مدونا داخـل الخطاب كمبعـوث شخصى لرئيس وزراء الدولة الليبية ، وعليه فـإن إعـادة صياغـة الخطـاب من جـديد أمـرغيـر مستساغ بـل ، ليس من السهـل تنفيـذه خاصة مع العقيـد معمرالقـذافي …وأمام هـذه الصعوبة التى اعترضتهم أقترح السيد وكيـل الوزارة المرحوم  الأستاذ عبد الفتاح النعاس حـلا لهـذا الإشكال ، بأن يكون سفـرى من طرابلس وحتى ” تتاناريف “عاصمة دولة مدغشقـر ذهابا وإيابـا بالدرجة السياحية وسفـرى من ” تتناريف ” حتى بورت لويس عاصمة دولـة موريشوس ذهابـا وإيابـا بالدرجة الأولـى

وفعـلا قبلت – علي مضض – بهـذا الحـل حتى لا يفسر رفضى بـأى تفسيرات خاطئة أو مغرضة واستلمت رسالة الحجـز بهـذه الكيفية موقعـة من السيد وكيـل الوزارة بتاريخ 12 /04 /1972 ، كما صـدرت لى مذكرة شفويـة من قبـل الـوزارة موجهة إلـى كل من سفارتى بريطانيا والسفارة المصرية  فـى طرابلس لتأميـن تاشيرات  سفـرى إلـى كل من مصر و موريشوس التى تحصلت عليها بتاريخ 18 ابريل 1972

أما باقى التأشيرات الأخـرى للـدول الافريقية الواقعة فى خـط سيرى فقـد تم تنظيم الحصول عليها عـن طريـق سفارتنا بالقاهـرة التى وصلت اليهـا يـوم 22 / 04 /1972 والتى كانت تمثـل بدايـة خـط سير رحلتى إلـى دولـة موريشوس عبـر القـارة الأفريقية

أنطلقـت رحلتي إلى جـزيـرة موريشيوس صباح يـوم السبت الموافـق 22 / 04 / 1972 على متـن رحلـة الخطـوط الليبيـة مـن مدينـة طرابلس إلى العاصمة المصرية ” القاهـرة” التى وصلتها ظهـرا ، ووجـدت فى استقبالى بالمطارسائـق السفـارة الليبيـة بالقاهـرة وبرفقته أحـد الموظفين المحليين بالسفارة مكلفـين بتوصيلي إلى ” فنـدق الهلتـون ” الـذي لـم أغادره إلا صباح اليوم التالى متوجها إلى مـقرالسفارة الليبيـة بحى الزمالك …. واستقبلت بالسفارة من قبـل الزملاء بحفـاوة بالغـة وخاصة مـن قبـل السيـد السفيـرالمرحـوم العقيـد سعـد الديـن أبوشـوريب الـذي سلمته المظـروف الـذي يحتـوى على خطاب العقيـد معمر القـذافى الموجه لرئيس دولـة موريشوس طالبا منه أن يحفظه فى خزانـة مكتبـه الخاصة وإلى أن يحين موعـد مغـادرتى مـن القاهـرة ….إلى جـزيـرة موريشوس

كما سلمته أيضا جـواز سفـرى الدبلوماسى لكى تؤمـن لى السفـارة الحصول على تأشيرات عبـورأو دخـول الى كـل مـن ” السـودان / تنزانيـا / إثيوبيـا / مدغشقـر ” طلـب تاشيرات عبـورأو دخـول إلى أراضيهـا ..واستغرب السيد السفيران يكون خـط سيرسفـرى لجـزيرة موريشوس بهذا التعقيد بالمـرورعبـر خمس دول افريقيـة بـدلا من أن يكـون مباشرة من ” طرابلس / روما أو باريس / موريشوس ” اختصارللوقـت وتقليصا للنفـقات…فحكيت لـه قصتى كاملة مع هـذا الحجـز…..فضحك كثيرا مستغربا من هذا التصرف

على أى حال أستغـرق تأميـن تاشيراتى إلى الـدول الأفريقية التى سـوف أمـرعبـرأراضيها أسبـوعا كاملا ، ولـولا تدخـل السيـد السفيـر سعـد الديـن واتصالاتـه المثمرة بسفـراء تلـك الـدول لمـا تمكنت من تأمين هـذه التأشيرات مجـانا من بهـذه السرعـة

وخـلال لقـائى الرائع هـذا بسعادة السفيـرسعـد الديـن فى مكتبـه عادت بنا الـذاكـرة إلى أحـداث الأول مـن سبتمبر 1969واسترجعنا خلال هذه المناسبة معا تاريـخ إتصاله بى من روما هاتفيا خلال الأيام الأولى من شهرسبتمبر 1969 فى سفارتنا في واشنطـن مستفسرا منى عـن أوضاع السفـارة الليبيـة ، وكنت حينها قـد ورطـت فى إستلام مهـام إدارتهـا كقائـم بالأعمال بالوكالـة تحـت ظـروف الإنسحاب الفجـائي لكـل مـن السيد السفيرالمرحوم فتحى العابدية والسيـدة الزميلة المرحومة فاطمة عاشور” الـوزيـرالمفوض” خلال تلك الظروف الصعبة….وقـد عرجنا على هـذه الذكرى ضمن دردشة شيقـة وممتعة مع السيد السفير … رحـم الله الأستاذ سعـد الدين الإنسان الطيب الخلوق

غادرت القاهـرة يـوم الأثنين الموافق الأول من شهـرمايـو 1972 على رحلة الخطـوط المصرية المتجـه رأسـا إلي ” دارالسلام ” وذلك بعـد توقـف دام قرابة الساعتين  في صالة ” الترانـزت ” بمطـارالخرطـوم الـدولي وكـان فى إستقبالـى بمطـارالعاصمة التنزانيـة أثنان مـن أعضاء السفارة الجزائرية ، قـدما لإستقبالى بناء على برقية كنت قـد أبرقتهـا مـن القـاهـرة لعلـم زميلى وصديقى المرحوم ”  بـن ونـيش محمـد  ” القائم بأعمال السفارة الجزائرية فى تنزانيا خلال تلك الفترة ” تـوفى رحمه الله فى حادث تفجيـر طائرة وزيـر خارجية الجـزائـرمحمد الصديق بـن يحى عندما كـان برفقته من ضمن أعضاء الوفـد الجـزائرى “

من تنزانيا أستأنفت رحلتى صباح يـوم 3 مايو1972على الخطوط التنزانية إلى العاصمة الأثيوبية ” أديس أبابا ” …والأسـم أديس أبيبا أو أديس أبابا يعنى ” الزهـرة الجديـدة ” ، وكان فى إستقبالى أحـد العاملين بالسفارة المصرية الذيـن أمنـوا لى الحجـز بفنـدق الهلتـون ، وتشاء الصدف أن يتـزامن وجـودى فى ” أديس أبـابـا ” مع مناسبة إقامة السفارة المصرية لحفـل توديـع لأحـد موظفيها كـان منقولا للقاهـرة ، وقام الزملاء المصريين بهذه المناسبة بدعـوتى لحضورحفـل العشاء الذي أقيم على شرف زميلهم المنقول ، وكانت مناسبة طيبة التقيت فيها بعـدد من الوجوه الأفـريقية وكان من ضمن هـذه الوجوه سيـدة مجتمع أثيوبية راقية تعـدت الستين من عمرها ، تعرفت بها بعد أن أجلست بجانبى  قيل لى بانها متزوجة من ثلاثة أزواج ولـم تطلق من أى منهم …أى أن الأزواج الثلاثة علي ذمتها محتفظه بهـم جميعا حواليها كأضدقـاء

وفى يـوم 5 / 05 / 1972 أسأنفـت رحلتى مـن أديس أبـابـا إلى ” أنتناناريفـو” عاصمة دولـة مدغشقـر، التى يقـول التاريـخ أنهـا كانت مملكة ، خضعت فى فتـرة ما لحكم ملكـة طاغيـة مستبـدة تسمى الملكة ” رانافالونا الأولى ” حكمت الجزيـرة بالحـديـد والنار لمدة 33 عاما عـزلت فيها الجزيـرة عن العالم المتحضر وتسببت في إبادة نصف سكانها

ولكـن دولـة مدغشقـر وجدتها أثنـاء مرورى بها رغما عن فقر سكانها دولـة متحضرة ، منفتحـة على العالـم تنعـم بالسلام والحرية والتعايش السلمى بين جميع الثقافـات والديانات ، وكم كـنت أتمني الإقامة بها للمدة أطـول لولا ضغـوطات برنامج رحلتى الذي كـان مربوطا بسفـري منها صباح يـوم 6 /05 /1972 على الخطوط الأسترالية إلى ” بـورت لويس ” عاصمة دولـة موريشوس التى وصلت إليها على تمام الساعة التاسعـة والنصف صباحـا بعـد رحلـة استغرقـت قرابة الساعتين ، وكان فى إستقبالى على أرض مطار العاصمة مديـرالمراسـم بوزارة الخارجية الموريشية ، ومديـرمكتب رئيس مجلس الوزراء ” سيوجـوررام غـلام ” وعـدد من مراسلى الصحف والقنوات الاعلامية ورجـال الأمـن ، وامتنعت حينها عـن الادلاء باى أحاديث أو تصريحات رغما عـن ملاحقات وضغوطات رجال الإعلام

وكانت المفاجـأة الغيـرمتوقعـة أن ضابـط الأمـن العجـوزالأسمرالـذي كان مكلفـا بحراستى وتوصيلى مع سائقي الخاص حتى مقـرضيافتى في فندق ” بـارك هـوتيـل ” أكتشفت أنـه يجيـد التحـدث باللهجة البدوية الليبية للمنطقة الشرقية إجـادة تامة ، وذلـك عندما حيانى بحرارة أثنـاء إستقبالى فى المطار، وعرفـت بعـد ذلك أن أسمه ” سـردار ” وأنه كانت لـه قصة غريبة فى ليبيا…سأسردها عليكم فى لقاءنـا القادم بإذن الله

( 2 )

كـان وصولى كما ذكـرت إلى ” بورت لويس ” عاصمة موريشيوس قـادما اليهـا من جزيـرة مدغشقـرعلى الخطـوط الأستراليـة صباح يــوم السبت الموافـق 6 / 05 / 1972 على تمام التاسعـة والنصـف صباحـا ، وبالرغـم مـن أنـه كـان يـوم عطلـة رسمية فقـد حضـر لإستقبالى عـدد من كبـار مسـؤولى الدولـة ، وتـم اصطحابى من قبـل مديـر مراسـم رئاسة الـوزراء إلى داخـل صالـة كبـار الـزوار للراحـة ، وإنتظـارا لإنهـاء إجـراءات دخولى واستلام حقيبتى

ولم يمض وقت طويل على وجـودي داخل صالـة الانتظار بعيدا عن مضايقة الصحفيين حتى طلب منا الهبوط الى ساحة المطار حيث احتوتنا سيارة إدارة المراسم التى كانت فى انتظارنا منطلقة بنا صوب مقـر ضيافتى فى فندق ” بارك هوتيل ” الذي وصلناه بعد قرابة نصف ساعة عبر عـدد من الشوارع الضيقة النظيفة ذات الإتجاه الواحد التى أصطفت على جانبيها مساحات شاسعة من مزارع قصب السكر الذي تشتهر الجزيرة بإنتاجه وتصديره

وطبعا نظام قيادة السيارات فى موريشوس مثل كل مستعمرات الامبراطورية البريطانية السابقة .. المقـود على يمين السيارة والإتجاه عكس ما هو مطبق فى بلادنا

كانت الساعة قد قاربت على الثانية عشر عند وصولنا الى فنـدق الضيافـة ، وقـد تـم الحجـز لى فى هذا الفندق ضيفا على حساب الحكومة الموريشية ، وداخل بهو الفندق قادنى مندوب المراسم للجلوس فى أحد الصالونات الفخمة المنتشرة فى بهو الفندق للراحة إلى حين إتمام إجراءات حجز حجرتى مع مسؤولى صالة الاستقبال.. وقدم لى اثناء جلوسى مشروب الضيافة وهو عبارة عن كوب من عصير فواكه الجزيرة مصحوبا بقطع من الكاندى مع فوطة مطهرة بالماء الساخـن بـدلا من استخدام ” ورق الكلينكس “

وبعـد أن أتـم ” منـدوب المراسم ” إجـراءات الحجـز أعـاد إلى جـوازسفـرى الـذي كـان محتفظا بـه منذ وصـولى للمطار واصطحبنى هو وأحد موظفي الإستقبال إلى حجـرتى التى كانت عبارة عـن” سويت كبيـر ” فى الـدور الثالث من الفندق مزود بكافة وسائـل الراحة ، ولـه إطلالـة على حديقـة الفنـدق وعـلى حمـام السباحـة ، وبعـد أن اطمئـن مندوب المراسـم على وصولى إلى حجرتى واستلامى لحقيبـة سفـرى داخـل الحجـرة ، أفـادنى بـأن السائـق ” جافيـد ” سيكـون تحـت تصـرفي يوميا مـن الصبـاح وحتـى المساء ، وقـدم لـى كرتـه الشخـصى للإتصال بـه عنـد الحاجـة…..ثـم صافحنى مودعـا على أن يلتـقى بى صباح يـوم الإثنيـن الموافـق 08 / 05 / 1972 على تمام الحادية عشـر صباحا لـكى نتـوجـه سويـا الى مقـر رئيس الدولــة

بعـد راحـة قصيـرة فى شقـتى الجميلـة ، نـزلـت إلى ردهـة الإستقبال بالفنـدق حيث قمت بتصريـف بعـض الدولارات إلى العملـة المحلية ” الروبيـة الموريشية ” واشتـريت من كشـك الفنـدق بعـض الصحـف الصادرة للإطـلاع على أخبـار الجـزيـرة علما بأن صحـفهـا تصـدر بلغـات ثـلاث هـى ” الفـرنسية والانجليـزية والموريشية ” ، ثــم واصلت تجـوالي بيـن بقيـة الأكشـاك مطلعـا على مـا احتـوتـه من معـروضات ومقتنيـات سياحيـة مختلفـة

وفى نهايـة جولتى داخـل صالـة الفنـدق دلفت إلى خارجها حيث حديقـة الفنـدق التى أحاطت بـه مـن كل جوانبه تزينها أشكال وأنـواع جميلة ونادرة من الأزهـار والـورود والأشجـار، ولمحـت بالصدفـة أثنـاء تجـوالي وجـود السائـق ” جاويـد” وبصحبتـه رجـل الأمـن ” سردار” جالسان يتجاذبان أطراف الحـديث على أحـد مقاعـد الحديقـة المنزويـة ، فانتهـزت الفرصـة ودعوتهمـا لمصاحبتى فى إحتساء فناجيـن من القهـوة أو الشـاي فى ” كافتيـريا ” الحديقـة ووجـدتهـا فرصة خـلال تلـك الجلسـة للـدردشة معهما فـى الحصـول علـى بعـض المعلومات عـن الجـزيـرة وعـن أجمـل أماكنهـا السياحيـة وعـن نظامها السياسى ومكـونات إقتصادها ، متطرقا في نفـس الوقـت ضمن هـذ ه الإستفسارات للكشـف عـن السـر وراء إجـادة الضابـط ” سـردار ” المكلف بأمني  للهجـة البدويـة الليبيـة

أفادنى الضابط سردار بأنـه كان أكبر اخوتـه الثلاثة عندما جنـد بإختيـاره فـى الجـيش البريطانى وهـوفـى سـن التاسعـة عشـر مـن عمـره خـلال فترة الحـرب العالمية الثانية 1939 / 1940 ، وكـان قـد جنـد معه عـدد كبيـرمـن شباب الجـزيرة ضمـن ” الفـرقـة الموريشية ” التابعـة للفيلق البريطانى فى منطقـة العلمين بالصحراء الليبيـة المصريـة ، وأن الأقـدار جعلت منـه ضحية من ضحايا هجومات ” الكـرو الـفـر” مـا بيـن جـيش دول المحـور وجيـش الحلفـاء وذلك خـلال المعارك الطاحنـة التى شهدتهـا المنطقـة الممتـدة مـن السلـوم وسيـدى البـرانـى وطبـرق وحتى تخـوم مدينـة درنـه ، وحكـى لي كيف أنهـم كمجنديـن وكذلك سكـان تلك المناطـق من المدنيين عاشوا شهـور مؤلمة وقاسية خـلال ذلك ” الـكر والـفـر ” الـذى تعـرضـوا بسبب تكـراره لأخطـار الموت والتشـرد أو الإعتقـال ، لأنـه مـا إن ينتصـر فريـق على خصمه لعـدة أيـام حتى يهـزم هـذا الفريـق ويطـرد من نفـس المنطقـة التى كـان قـد أنتصـر فيهـا ، وهكـذا استمـر صراع ” الكـر والفـر” بيـن الجيشيـن للإستيلاء علي نفـس المنطقـة لأكثر من ثلاثـة شهور مما ترتب عليه أنـه فقـد الإتصال بفـرقتـه بعـد أن أبتلعته صحـراء منطقـة طبـرق تائهـا جائعـا يجـرجـر رجلـه اليسـرى التى أصيبت ببعـض الجـروح ” وكشف لـى عـن ساقـه اليسرى ليـرينى آثـار تلـك الجـروح ” ، وكان خائفا من وقـوعه أسيرا فى أيدي الإيطاليين أو الألمـان بعـد أن ضاعت منـه معالـم طريـق العـودة لفـرقتـه

وفـى الوقـت الذى كـان يتخـفى فيه وقـد نـال منه التعـب والعطـش إلى درجة انه لم يعد يقوى حتى على السير ، قيـض الله لـه أحـد الرعيـان من شبـاب إحـدى قبائـل المنطقـة الـذى ” على رأيه ” أنقـذ حياته ” بجرعات مياه من ” مطارة ” كـان يحملها وقطـع مـن الخبـز أفـرغها مـن جـراب كـان مثبتا ” ببرذعـة ” حماره … ثـم مـع أفـول الشمس أركبـه حماره متوجهـا بـه إلى ” نجـع القبيلـة

وفي ذلـك النجـع عـاش ” الجنـدى سردار ” بيـن أفـراد القبيلـة قرابـة الشهريـن معـززا مكرما كفـرد منهـم ، وكانـوا حريصين على ألا يخـرج من النجـع إلا لقضـاء الحاجـة ، أوبـرفقـة شباب القبيلـة متخفيـا بالملابس العربية ” السورية والسروال والجـرد” وقـد ساعدتـه بشرتـه السمـراء على التخفى بيـن شباب القبيلـة بعيـدا عـن عيـون الأعـداء ، وكانوا فى ذلك النجـع ينادونه ” بالموريشانى”

وظـل ضيفـا عندهـم إلـى أن تـم تهريبـه إلـى الحـدود المصريـة من قبـل ثلاثـة من رجـل القبيلـة الذيـن – للأسـف – لـم يعـد سردار يتذكـرسـوى أسـم أحدهـم ربما يكـون حسـب تخمينه ” معيـوف أو معـروف “

التقيـت بتمثال رئيس الوزراء قبـل اللقـاء به

صباح يـوم الاحـد الموافـق 07 / 05 / 1972 قـرر كـل مـن رجـل الأمـن سـردار والسائـق جافيـد أن أصحبهما فى جولـة داخـل مدينـة بـورت لويـس ونواحيهـا للإطـلاع على بعـض معالمها السياحيـة وقـد رحبـت بهـذا الإقتـراح ، خاصة وأن الفنـدق المقيـم بـه يبعـد كثيـرا عـن وسـط العاصمة ، كما أن بـورت لويـس التى تقـع فى الطـرف الشمالى الغـربى مـن الجـزيرة تعتبر وجهـة سياحيـة هامـة للوافديـن والـزوار لكونهـا مدينـة عصريـة جميلـة تحيـط بها الجبـال من جميع النـواحى فيمـا عـدا مينائهـا الزاخـر بالبـواخـر والأنشطـة التجاريـة أما وسـط المدينـة فيشكل فسيفسـاء رائعـة تشعـر وأنت تتجـول بين طرقاتـها ومتاجـرها ومقاهيها ومطاعمها سيـرا علـى الأقـدام أنـك وسـط مدينة خيالية متنوعـة الألـوان والثقافـات، فيها ومضات من آسيا وأستراليا وأفـريقيا وأوروبا ، وتتعايـش فيهـا كـل الثقافـات والديانـات فى جـو من المحبة والتآلـف والأمـان ، انتشـرت فى شوارعها وحدائـقها العـديد من التماثيـل والمتاحـف والمبانى الاثريـة الجميلـة والتى كـان من بينهـا تلـك المعابـد الهندوسية ذات الرسـوم والألـوان القزحيـة ، ومقـر رئـاسة الدولـة ورئـاسة الوزراء ، وشـد إنتباهـى كثيرا من بيـن أعـداد التماثيـل المنتشرة  تمثـال  للسيد رئيس وزراء موريشيوس ” سيجور رام غلام ” الرجـل الـذي أحمـل الخـطـاب الموجـه إليـه مـن قبـل رئيس الدولة الليبية ، رجـل يحترمه سكان الجزيرة ويعتبرونـه الأب الروحى لهـا وبـانى إستقلالها ونهضتها

والتفـت لى الضابـط ” سـردار ” وهـو يشير بأصبعـه صوب تمثـال هـذا رئيس وزراء بلده قائـلا ؛غـدا – سيـدى – سـوف تلتـقى هـذا التمثـال وقـد دبت فيـه الحياة فى مبنى رئاسة الدولـة….واردف ذلك بضحكة مصطنعه وكانت نكتـه لطيفـة مـنه ضحكنـا لهـا جميعا مـن أعماق قـلوبنـا

قبل أن أستعـرض لقـائي بالسيد سيجـوررام غـلام رئيس الوزراء الـذي كلفت بزيارتـه كمبعوث شخصى لرئيس الـدولة الليبية من أجـل بحث تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، أرى أن أعـطى نبـذه مختضرة جـدا عـن هـذه الشخصية الفـذة التى أستحـوذت علي إهتمام رأس الـدولـة الليبيـة ووزارة خارجيتها ، فمن يكوم السيد سيوو ساغـور رامغـولام ؟؟

ولـد الدكتور سيووساغـور رامغـولام الـزعيـم والأب الروحـي لـدولـة موريشيـوس في 18 سبتمبر 1900 في مقاطعـة فـلاك بالجـزيـرة  ، وهـو من أصول هنـدية موريشيـة ، وبـرز كسياسى محنك فـى الجزيـرة منـذ أن أسـس وتـزعـم حـزب العمل الموريشى ،  وكـان قائـدا ومناضلا فى حركـة تحرير وإستقـلال الجـزيرة عـن التـاج البريـطانى عـام 1968 ، وشغـل منصب رئيس وزراء موريشيوس عندما كانت تحت حكم التـاج البريطانى ما بيـن عـامي 1961 – 1968 وأنعمت عليـه ملكـة بريطانيـا اليزابيت الثانية بلقـب ” فـارس ” عـام 1965 وبعد استقلال موريشيوس عام 1968 ظل شاغلا لمنصب رئيس وزرائها حتى منتصف عام 1979، وكان له دور بارزفي تطويـر الجزيرة ثقافيا وسياسيا وأقصاديا ، كما كـان لـه دوره البارز أيضا فى نشـرالتعليـم المجـاني وبعـث خدمات الرعايـة الصحية المجانيـة ومعاشـات الشيخوخـة ، وكان رامغولام من المعجبين المتحمسين لأسلـوب الـزعيـم الهنـدي الراحـل ” المهاتمـا غانـدي ” فى مقارعة الإستعمارالبريطاني سلميا دون اللجوءالي العنف وإراقـة الدماء في حملاتـه من أجـل المطالبة بالإستقلال وذلك خلال فتـرة تزعمه لحـزب العمل الموريشي من عـام 1959 حتي عـام 1982

وشغـل السيد رامغـولام أيضا منصب الحاكـم العـام للجزيـرة منـذ عام 1983 وحتى تاريـخ وفاتـه في قصر الرئاسة عام 1985 ، كما كان رئيساً لمنظمة الوحدة الإفـريقية مابين عـامي  1976 – 1977

الشعب الموريشى يعتبر السيد ” رام غولام ” الأب الـروحى للجزيـرة  وباعث حريتها ونهضتها ولذلك تحمل الكثير من شوارع الجـزيرة وقـراها والأماكن العامة المختلفـة كالحدائق والمنتزهات والمرافـق العلاجية أسمه كما طبعت صوره على الأوراق والمعادن النقدية ، وتـم تسمية المطار الرئيسى الدولى فى الجزيرة بأسمه ، إضافـة إلى إنتشار النصب والتماثيـل التذكـارية لـه فى مختلف مناطـق الجـزيـرة

 اللقاء مع السيد سيغوررام غلام

على تمام الساعة العاشرة صباحا هبطت من حجرتى الى بهو الفندق ثم الى صالة الافطار حيث تناولت افطارى المكون من عصير الجريب فروت والقهوة بالحليب مع بيضة مطبوخة وقطعتى كرواسان ممزوجتان بالعسل الطبيعى وتمتعت أثناء إفطاري البطىء هذا على صوت النغمات الموسيقية الهادئة بمطالعة بعض صحف الصباح التي كنت قد اصطحبتها معي من حجرتي ….ولـم يمض الكثير من الوقـت حتى شاركنى تلك الجلسة الجميلـة مندوب المراسم الذي قـدم لى أيضا مشكورا بعض من صحف الجزيـرة التى كانت قـد تحدثت بإقتضاب عـن وصولى للجزيـرة دون التطرق لأى تعليقات أو تفاصيل ….وتطرقنا فى جلستنا تلك الى الحديث عن شخصية السيد رئيس وزراء الجزيرة السيد ” سيوغور رام غولام ” وعـن تاريـخ حياتـه وعلاقاته مع مختلف الأحزاب فى الجزيرة ، واستفـدت من خلال دردشتى تلك بعض المعلومات الهامة عن هذه الشخصية

وفى الحادية عشر توجهت مع مندوب المراسم والحارس الخاص فى سيارة المراسم الى وسط العاصمة ” بورت لويس” مخترقـة بنـا عـدد مـن الشوارع الجميلة والنظيفـة التى زينتها الورود واصطفت على جانبيها أشجار نخيل جـوز الهنـد الباسقة متجهيـن إلي حيث مقـر الحاكـم العام للجزيـرة للقـاء بالسيد ” رام غولام ” فى مكتبه المتواجد داخـل مينى مقـر الحاكم العام للجزيـرة ، وكان الحاكم العام للجزيرة خلال فترة زيارتى للجزيرة عام 1972 هـو البريطانى ” سير ليونارد وليامز ” الذي كان يحكمها منذ عام 1986، وكانت الجزيرة تحت سلطة وحكم الملكة اليزابيث الثانية

وصلنا لمدخـل البوابة الرئيسية لمقرالحاكم العام قبل حلـول الموعـد بعشر دقائـق ، وكان يتصدرذلك المدخـل تمثال ضخم جـدا للملكة ” فردريكا ” ملكة بريطانيا ، اجتازناه بالسيارة إلى المبنى الرئيسي حيث أنتصب فى مقدمته أيضا تمثال آخـر برونـزى للكولونيـل ” وليـم ستيفنسن ” الحاكـم العـام التاسع للجزيـرة في الفترة مابين عامى 1857 – 1863  وهو من أصول جاميكية

ترجلنا من السيارة أمام المدخل الرئيسى لمقر الحاكم العام الذي يتكون مـن طابقيـن اذا ما استثنينا الـدور الأرضى  أحدهما على جهة اليميـن والاخـرعلى جهة الشمال ، متساويان فى الطـول والعـرض ، يربـط بينهمـا مبنى وسطى بنفـس المواصفـات يتوسطه سلـم رخامى يقـود إلى الأدوار العليا  ، صعـدنا السلـم إلى بهـو دائـرى فى الـدور الاول زينـت جـدرانـه بصـور لعـدد من الحكام العامين الذيـن حكموا الجزيـرة خـلال القرنيـن الثامن عشر والتاسع عشر ، ثـم صعـدنا بعـد ذلك الـدرج الـرخامى المغطى بالسجاد الأحمـر إلـى الـدور الثـانى مـن المبنى حيث توجـد صالـة استقبال خاصة بضيوف رئيس الـوزراء

انتهت هنا أمام  مدخل تلك الصالة مهمة مندوب المراسم لتتسلمنى داخـل الصالة السكرتيرة الخاصة لرئيس الـوزراء التى أجلستنى على أريكـة ثلا ثيـة كلاسيكية خمنت حينها أنها مـن طـراز لويـس السادس عشـر ، أنتصبـت أمامها منضـدة خشبيـة مستطيلـة من نفـس الطـراز مذهبـة الأطراف تعلوها مزهريـة ورود تزينها رسومات صينية جميلـة ، ولـم تمض دقائـق على جلوسى داخـل ذلـك الصالون اللويسى حتى دخـل النـادل ” صينى الملامح ” أنحنى في أدب وسألنى فى صوت منخفض عـن مشروبى المفضل ، فطلبت منه ان يحضر لى شاى أخضر

كنت اثناء جلوسى فى تلك الصالة منبهرا مشدوها بروعة ديكورها ، وجمال ثرياتها ، وتلك الصورالسياحية الجميلة المعلقة على حوائطها ، ولـم يفيقـنى من هـذا الانبهار بروعة المكان إلا دخـول السيد  ” رام غـلام “رئيس الوزراء مرحبا بى فوقفـت إحتراما وأندفعت إليه مصافحا بحـرارة ، فأمسك بيـدى وأعادني كمـا كنـت لجلستى، وجلس هـو الآخـر بجانبى على نفـس الأريكـة مبتسما ومرحبا

بعـد أن تبادلنـا عبارات المجاملـة والترحيب ، أستأذنته فـى أن أفتـح حقيبتى لأخـرج منهـا المظروف المغلـق المحتوى لخطاب رئيس وزؤاء الدولة الليبية ” الموجه لسيادته فأذن لى بذلك مبتسما ، وأخرجت المظروف وسلمتـه لـه يـدا بيـد ، فاستلمـه منى شاكـرا ، ثـم فتحـه وأخرج من داخلـه ورقـة الخطاب الموجهـه له

بعـد أن تفحص ورقـة الخطاب في نوع من الاستغراب التفـت لى ضاحكا ومداعبا ” أوه……مستـر إمـام  مـاذا فعلت بى …إنـه مكتوب بلغتكم العربية ….وأعتقدت في البدء أنها مكتوبة باللغة الأرديية التي أفهمها ”  ولكن لا بأس  فلدينا مترجمين أكفياء سنكلفهم بترجمته ، وسنـرد عليـه ، ثم سلـم المظروف إلى سكرتيرته التى كانت واقفه  طالبا منها إحالنه للترجمة

بعـد ذلك دار بيننا حديث ودى وشيق أستشعـرت من خلاله بمدى ما يتمتع به هذا الرجل من جاذبية في حديثـه ومـا يتمتـع بـه مـن ثقافـة عاليـة ، تحـس عنـد جلوسك إليـه كأنـك تجالـس صديـق أو بسبب مـا يتمتع بـه مـن بساطـه وتواضع ، وتحـس وأنـت تحـاوره كأنـك أمام نهـر متدفـق من المعلومات ، وكان حديثـه معى عـن جـزيرة موريشوس ” تاريخها ، ثقافتها جغرافيتها ، سكانها ، سياستها ، مشاكلها “..  حديثا شيقـا ومفيـدا ومثمرا حيث أستفدت من خبرتـه وثقافتـه كثيرا ، حديث لا ينسي ..ويظـل راسخـا فى الذاكـرة … حديث يؤكد فعـلا علي أن هذا الرجل شخصية قيادية رائعة ونادرة يستحق أن يحمل  لقب ” الأب الروحى للجزيرة” الذي توجه به مواطنى الجزيرة

( 3 )

أثناء لقائي يوم الاثنين 08 /05 / 1972 برئيس وزراء موريشيوس  بمكتبه ، وبعد أن كنت قد سلمته الأمانة التى حملت مسؤلية تسليمها له يدا بيد بمكتبه ، أنتهزت فرصة ما لمسته منه أثناء هـذا اللقـاء من بساطة وتواضع وأبـوة وهو يحدثنى عـن دولة موريشيوس ” تاريخها ، ثقافتها جغرافيتها ، سكانها ، سياستها ، مشاكلها ، نضالها “… فقلت لـه سيدى أجدنى عاجـز عـن شكـر سعادتكـم بما تستحقونه على تفضلكـم بتعـريفـى ببعـض الجوانـب المشرقة والمشرفة من تاريخ نضال وكفاح الشعـب الموريشي الصديق من أجـل الحرية والإستقلال ، وأسمحوا لى سعادتكم أن أطلب منكم ضمن هـذا الإطـار تنويـرى بمعلومات عن ما يسمى بقضية  “جزيـرة دييغـوغارسيا ” التى أشرتـم لها أثـناء حديثكـم ، والتى اثار موضوعها إهتمامى وشغفي لمعرفـة المزيد عنها ، ولا أعتقـد… سيـدى أن هناك من سيفيدنى بدقة وموضوعية أكثر من سيادتكم بإعتباركم الأب الـروحى لهـذا البلد الـذى تصدرتـم قيادة نضالـه ”  فابتسـم وربـت بباطـن كفه اليمنى على ظهـر يدى اليسرى التى كانت مسجاة على الكنبة ..وقـال لى  ” مستر إمام ..هـل تريدنى أن أجاوبـك على إستفسارك كصحـفى …أم كدبلوماسى …؟؟؟…. قضحكت وقلت له إنـه لشرف لى ….سيـدى … أن أنصـت لكـم كتلميذ تحـت أى صفـة ترونها مناسبة ومفيدة لى فى حياتى الدبلوماسية .. فضحك وقـال ” أشكرك…يا إبنى وأفيدك بإيجاز… بما يلى

نحن لا نطالب بجزيـرة ” دييغـوغارسيا ” فقط وإنما نطالـب بكامل سيادة دولـة موريشيوس على كـل ” أرخبيل تشاغـوس” في المحيط الهنـدي المتنازع عليه حاليا بيننـا وبين المملكة المتحدة ، وكنا قـد أكدنا مراراً وتكراراً أن هـذا الأرخبيل بما فيـه ” جزيرة دييغـو غارسيا ” يشكـل جـزء من أراضينا بموجـب القانون الموريشي والقانـون الـدولي على حـد سـوا . ولكـن المسؤلين البريطانيين إدعـوا زورا أن جـزيـرة ” دييغـو غارسيا ” هي جزيرة قـفراء غيـر مأهولـة وتمثل جـزء من مستعمراتهم ، ومن حقهم التصرف فيها بمنحها للولايات المتحدة الامريكية لـكى تقيـم عليها قاعـدة نـوويـة لحماية أمـن المحيط الهنـدى ضـد التهديـد الـروسى والصينـى

ولكـن الحقيقـة أن الجزيـرة كانت مأهولـة وأنهـم طـردوا أكثـر مـن 2000 من سكانها إلى البر الموريشى وأن مـا قامـوا بـه هـو تهـديد لأمننـا وسلامتنا ويشكـل إنتهاكـاً صريحـا لقـرارات الأمـم المتحـدة التي تحظـر تقطيـع أوصـال الأقاليم المستعمـرة من بريطانيا قبـل الإستقـلال ، وكانت حكومة المملكة المتحـدة قـد وعـدت أنها سـوف تتنازل لنا عن الجزيـرة بعـد الإستقلال مباشرة ولكنها للأسف لم توف بوعدها

ونظـراً لعـدم إحـراز أي تقـدم فى مفاوضاتنا معها ، قررنا ” تـدويل النـزاع ” في جميع المحافـل الدولية والاقليمية القانونية والسياسية ، وقـد أعـرب كـل مـنظمة الوحدة الأفـريقية وحـركـة عدم الإنحياز عن تأييدهما بالإجماع لنا بشأن قضية ” دييغو غارسيا ” ودستورنا ينص على أن كل الجـزر الخارجية لموريشيوس وهى ” جـزر موريشيوس ، رودريغس ، أغاليغا ، كارغادوس ، أرخبيل شاغوس، دييغـوغارسيا ” هى من ضـمن دولة موريشيوس

وزودنى سيادته ضمن إطـار هـذه اللمحـة المختصرة عـن قضية جزيـرة “دييغـوغارسيا ” بمعلومات عـن جزيرة موريشوس بصفة عامة وعـن عـلاقاتها الدبلوماسية والإ قتصاديـة مع العـديـد مـن دول العالـم ، وعـن عضويتها فى العـديـد من المنظمات والتنظيمات الدوليـة والاقليميـة ، معـربا لـى فـى نفـس الوقـت عـن ترحيبـه بالمبـادرة الليبية لتأسيس علاقـات دبلوماسية بيـن موريشيوس وليبيـا طالبا منى نقـل موافقـة وترحيب حكومة موريشيوس بتأسيس العلاقـات الدبلوماسية بين البلـدين ، واعدا بتقديم كافـة التسهيلات لمن سيكلفـون عمليا بتأسيس مقر البعثة الليبية في العاصمة “بورت لويس ” ، طالبا منى فى نفس الوقـت نقـل تحياتـه إلى السيد رئـيس وزراء ليبيـا العقيد معمر القذافى وإلى السيـد وزيـر خارجيتها
وخرجـت مـن مكتـب السيـد رئيس وزراء موريشيوس بعـد أن كـان قـد ودعنى بحـرارة ، واعـدا أيـايـى بأنـه سيستقبلنى مجـددا لكى يسلمنى رده على خطـاب السيد رئيس وزراء ليبيا ، وشكرته على ذلك وعلى حسـن استقبالـه وصحبتنـى سكرتيرتـه إلى الصالـة الخارجية ثـم إلى الـدور الأرضى ليستلمنى منـدوب المراسـم الـذي كان ينتظـرنى رفقة السائـق والحارس الخاص

بعد انتهاء ذلك اللقـاء مع رئيس الوزراء رافقنى كل من مندوب المراسم والسائق والحارس حتى مقـر إقامتي فى ” بارك هوتيـل ” الـذي وصلت إليه بعد ظهـر ذلـك اليوم مرهقـا بعض الشىء بسبب رطوبـة الجـو ، ومـا إن دلفـت داخـل الفنـدق حتى أنعشتنى النسمات الباردة المنبعثـة مـن مكيفـات التبريـد المنتشرة داخلـه التى أعـادت إلـى نـوع مـن النشاط ، وتوجهت مباشرة إلى الكافتيريا حيث تناولـت وجبة الغداء ، ثم صعـدت بعد ذلك إلى غـرفتى للراحـة

صباح يوم 10 / 05 / 1972 بعـد أن تناولـت افـطـارى أقتـرح علي السائـق والحـارس أن يصحبانـي فـى جولـة داخـل الجـزيـرة للإطلاع على بعض معالمها السياحية والأثرية. فرحبت بالفكـرة على أن نبـدأ هـذه الجولـة بزيارة إلى مسجد … ” الجمعـه “… وهو مسجد يقـع داخل العاصمة …وفعلا توجهنا جميعا إلى لزيارتـه ، ولـم يكـن يبعـد كثيـرا عن ميناء بـورت لويس

وقيل لى أثناء التجـوال بأنـه تـم تشيـيده من قبـل عـدد مـن التجـار المسلمين الهنـود فى القـرن التاسع عشـر تحـت اسـم ” مسجـد العـرب ” ، لكنهـم تراجعـوا عـن هـذه التسمية بعـد توسيعته وتطويـره ليحمل أسـم ” مسجـد الجمعـة ” وهـو يعـد واحد من أقـدم المساجـد وأجمل المباني الدينيـة في الجـزيـرة
يشكل المسلمون فى موريشوس.. 18% ..من مجمل السكان وهم ينقسمون الي فصائل سنية وشيعية متعـددة …. أما المسيحيون فيشكلون حوالى 33% ، فى الوقت الذي يشكل الهندوس قرابة نصف سكان الجزيرة ، والحقيقة أن جـل سكان جـزيرة موريشيوس التى لا تزيد مساحتها عن 2000 كم مربع عبارة عـن رقيـق أستوردوا قصـرا من إفريقيا مدغشقر وآسيا ( الهنـد ) من قبـل المستعمرين الغربيين الأوائل للجزيرة…. من هولنديين وفرنسيين وبريطانيين لإستخدامهم فى الزراعـة والبنـاء والتعمير تحت نظـام السخـرة والإستعباد

وتتميز دولة موريشيوس بتنوع سكانها القادمين إليها من مختلف القارات والأعراق ، ولـم يحـدد دستورها أي ديـن رسمي للدولـة ، أو أى لغـة رسمية لهـا ، ولذلـك فهى مثـال حـى على التعايـش السلمي بيـن مختلـف الثقافـات والمجتمعات والأديـان والأعـراق منـذ مئـات السنين ، ومـن الصعـب إيجـاد مثـل هـذا الكـم مـن التنـوع متركـزاً في منطقـة صغيـرة كجـزيـرة موريشيوس فمثلا في محيط 500 متـر مربع” في العاصمة بـورت لويس ستجد هناك معبـداً هندوسياً ، ومعبـدا صينيا ، ومسجـدا اسلاميا ، وكنيسـة مسيحيـة… غير متباعدين عن بعظهم البعض يتعايش مرتادوها فيما بينهـا بالسلـم والمحبـة والآمــان

جزبرة موريشيوش يزينها شاطئ من الرمل الأبيض يبلغ طوله 330 كيلومتراً. وهى عبارة عن جزيرة بركانية، حجارتها بلون السواد ، تكسوها هضاب وجبال تمتـد قبالـة البحـر وقـد غطتها الأشجار والحشائش أو حـقول الشاي أو الأناناس، طرقاتها تلامس الشاطئ أحياناً أو تخترق حقول قصب السكر وينمو وسط رمالها شجـر جـوز الهنـد بارتفاعات شاهقة ، وبيوتها الصغيرة متواضعة تتسلق فـوق بعضها بعضاً أو تتراصف أفقيـا، تطل واجهاتها على الطرقات التى تفصلها عن رمال شاطىء البحر

ويشكل ذلك الشاطئ عدد من شرفاتها ، كما تتحول اعراف اشجار جـوز الهنـد التى تحيط ببيوتها إلى ” مناشر للغسيل ” معلقـة عليها ثياب الأطفال وقمصان الرجال والنساء ، تتسامر العجائـز وافراد العائلات تحت ظلالها على الشواطى اما جلوسا فوق الحصائر أو الكراسى يلعبون الورق أو يتبادلون الأحاديث والقصص والنكات والضحكات حول فناجين من القهوة الفرنسية ، أو أكواب من الشاى الانجليزى الموريشى ، وترسو أمام بيوتهم على الشاطئ مراكـب الصيـد الصغيـرة ، حيث انه لكل بيـت موريشى على الشاطئ قاربـه الخاص

ويقال أن أول المكتشفين لجزيـرة موريشيوس كان البحارة العرب فى القـرن العاشر الميلادى ، لكن زيارتهم الإستكشافيـة كانت خاطفة ولـم يستعمروها وجـاء بعـدهـم الهولنديون وأقامـوا بهـا أول مستعمـرة ، نقلـوا اليها أعـداد من الحيوانـات الأليفـة والغزلان وشجعـوا زراعة قصب السكر فيهـا ، ولكنهم ايضا رحلـو عنها ليحـل محلهـم الفرنسيون فأسسو بها مينـاء ” بورت لويس ” الذي نشأت حوله عاصمة الجزيـرة الان . واستولت بريطانيا على الجزيـرة عـام 1810 بعـد هزيمة نابليون بـونابرت وأحدثـت بها تغييرات جوهريـة اجتماعيـة واقتصادية وثقافيـة أدت فيما بعـد إلى إعــلان استقـلالها عـن بريطانيا عام 1968

( 4 )

أحـب قبـل الخـوض فـى تفاصيل إدراجي هـذا أن أوضـح سـت حقائـق هامـة عـن دولــة موريشيوس والتى ربما تكـون غائبـة عـن البعـض من متابعـي إدراجـاتى السابقـة ، وهـذه الحقائـق تتلخـص فى الآتـي

أولا : – كان البحارة العرب هـم أول من اكتشـف جـزيـرة موريشيوس وأطلقـوا عليها (دنيا العـروبة) الا انهم لم يقيموا بها لكونها مهجورة ثـم جـاء بعـدهـم البرتغاليون في القـرن السادس عشـر الميلادي. وظلت الجـزيرة مهجـورة، إلي أن حل بها الهولنديوّن فأطلقوا عليها اسم موريشيوس تيمُّنًا بالأمير موريس أمير ناساو. وجلبوا لها الأفارقة عُنْوةً من جزيرة مدغشقر الافريقية للعمل في قطع الأخشاب من غابات الأبنوس التي كانت ُتغطي أرض الجزيـرة، غير أنّهم تخلـوا عنها ليحل محلهم الفرنسيون ، الذين الغوا اسم موريشيوس واطلقوا على الجزيرة اسم فرنسا ، جلبوا لها العمال الافارقة لفلاحة أرضها وزراعة البن والفواكه والتوابل وقصب السكر والخضراوات فيها ، وبنوا بها ميناء بور لوبس ، ثم بعد هزيمة فرنسا من قبل بريطانيا خضعت الجزيرة لسيطرة البريطانيين واعتُبِرت من حينها مستعمرة بريطانية، تحمل من جديد اسم موريشيوس أن جـزيـرة موريشيوسMauritius أو موريس Maurice

ثانيا : – رغــم كـون جـزيـرة مورشيوس تتبـع جغـرافـيا القـارة الإفريقيـة ، إلا أنها مذهبيـا واقتصاديا وتجاريا متأثـرة أكثـر بروابطها بالقـارة الآسيوية نتيجـة لهيمنـة العمالـة الهنديـة والصينيـة التي هجـرت اليهـا ” قصـرا أو طوعـا ” مـن آسيـا ، من قبـل المستعمرين وكان لاختـلاط هذه الأجنـاس المحتلفـة من العمالـة الهندية والصينية والأفريقية فى الجـزيرة دوره فـى أن يجعـل منها بوتقـة ونموذج لتـلاقي عـدد من الثقافـات القابلـة للتمازج والتعايـش فيمـا بينهـا بعيـدا عـن التنافـرأو التضاد أو التناحـر

ثالثا : مدينة بورت لوييس ” Port Louis ” عاصمة جزيرة موريشيوس كانت بدايتها كما أوضحنا عبـارة عـن مينـاء تجـارى هـام أسسـه الفرنسيون فى الجزيـرة لتشجيع حركـة التجـارة فى المحيط الهنـدى مابين قارتى أفريقيا وآسيا ، وهـم ” الفرنسيون ” أول من أطلـق أسم بورت لويس على الميناء تخلـيدا لذكرى لويس الخامس عشر ملك فرنسا ، ثـم تطورهذا الميناء فيمـا بعـد ليصبح العاصمة الإدارية والسياسية والاقتصادية لدولـة موريشيوس

رابعا : –  دولـة موريشيوس لا تعنى جـزيـرة واحـدة فـقط هـى جـزيـرة موريشيوس بـل هى تتكون من عدد من الجزر أكبرها فعلا جزيرة موريشيوس ومعها عدد من الجزر الأخرى مثل جـزر ” أگاليگـا ، كاراجـوس شوولـز ، دييغـو غارسيا ” وهـذه الآخيـرة لازالت تقـع ضمـن الجـزر البريطانية التى لم تتنازل عنهـا بريطانيـا لدوبة موريشيوس وعلى العكس قامت بتأجيرها بما يخالف دستور دولة موريشيوس للولايـات المتحـدة الأمريكية لكى تقيـم بهـا قاعـدة نووييـة…. ” وسبـق وأن تحدثـت فـى ادراجـى السابـق عـن قضية الخلاف بين موريشيوس وبريطانيا بخصوص ملكية هذه الـجزيـرة

خامسا : –  بالرغـم من أن نسبة السكـان المسلمين بدولـة موريشيوس تشكـل قرابـة 18% وهـى أقـل نسبـة مؤيـة مقارنـة بعـدد الهنـدوس والمسيحييـن من سكان الجزيـرة ، حيث نجـد أن نسبـة الهنـدوس تصـل إلي 50 % أى أنهـم يشكلـون نصف الدولـة الموريشية ، وقـد وصل هـؤلاء الهنـدوس إلـى موريشيوس عندما جـيء بأعـداد كبيـرة من الهنـود من شتى الظوائـف والخلفيـات الدينيـة ليعملـوا كعمال مأجورين بعقود للمستعمرين الهولنديين والفرنسيين والبريطانيين في مزارع موريشيوس وجـزر المحيط الهندي المجاورة ، وهـذا مـا جعـل من دولـة موريشيوس أكبـر دولـة أفريقيـة من حيث النسبة التي يشكلها الهندوس وثالـث أكبـر دولـة فـى العالم من حيـث نسبـة الهنـدوس بعـد دولتى نيبال والهنـد ، أما المسيحيين فإنهم يشكلون قرابة 28 % من نسبة السكان أى أنهم الطبقة الغالبة الثانية بعـد الهـندوس وهـم خليـط مـن الأوربييـن والأفريقييـن والأسيوييـن

غيـر أن هناك ملاحظـة هامة تـم رصـدها وهى أن نسبـة السكـان المسلميـن فى العاصمة بـورت لويـس ترتفـع الى 60 % أى أكثـر من نصف عدد سكانها ويعتبـر الحـى الإسلامى فى العاصمة من أكبـر أحيائهـا وأكثـرها إكتضاضا بالسكـان ، وهـو أيضا أكثرها فقـرا وإهمالا ،وتنتشر فيه المساجد والمدارس والجامعات الاسلامية بنسب أكبر من انتشارها فى باقى مناطق دولة موريشيوس ، كما أن عدد من هؤلاء المسلمين تمكن عن طريق الأحزاب المنظمين إليها من الوصول الى مراكـز قياديـة فى دولـة موريشيوس سـواء كحكام للجـزيرة فى عهـد الإدارة البريطانيـة أو حتي كوزراء رؤساء وزارء فى عهـدي ” الإستقلال و الجمهورية “

سادسا : – اللغـات السائـدة فى دولـة موريشيوس نستطيع أن نوجـزها فـى ثـلاث لغـات هامـة حسب انتشارها ” الانجليزيـة ، الكريوليـة ، الفرنسيـة ” بالإضافـة إلـى اللغـات البوجبورية والتاميليـة والهنديـة التي يتحدثها الهندوس في بالمنـزل أو بالتجـارة. غيـر ان اللغـة السائـدة فى المعاملات الرسميـة للدولـة الموريشيـة هـى اللغـة الانجليزيـة بالدرجـة الأولـي يليهـا اللغة الفرنسية ، وقـد سعى الناشطون الهنـدوس سياسيـاً للحفـاظ على اللغـة الهندـية ، حيث أطلقـوا عليها لقـب ” اللغـة الأم ” أو ” لغـة الأجـداد “، إلا أن أغلبهـم يستخـدم الكريوليـة في حياتهم اليوميـة ، والكروليـة هي ” لغـة هجينـة ” ظهـرت نتيجـة الإحتكـاك مـا بيـن الهنـود والأفارقـة فـي الجـزيـرة ، واللغـة البوجبورية تنتشر انتشاراً واسعـاً في المناطـق الجنوبية الريفيـة التى تسكنها تجمعات هندوسية

بعـد هذه المقدمة الاعتراضية التى رأيـت ضرورة إحاطتكم بها مرفقـة بعـدد من الصـور الموضحة عـن موريشيوس ، أعـود بكم الى مواصلة الحديث عن مستجـدات إدراجى ومنها مقتـرح دعـوة رئـيس وزراء دولـة موريشيوس لـزيارة ليبيـا

صباح يـوم الأربعـاء الموافـق 10 / 05 / 1972 أبـرقـت عن طريق مقـر إقامتى فـى فندق ” بارك هوتيل ” ببرقية إلـى وزارة الخارجية الليبية فـى طرابـلس طلبـت منهـم منحى الموافقـة على ” مقترحيـن ” همـا

المقترح الأول / تفويضي بتوجيه دعـوة شفهية رسمية باسم رئيس وزراء ليبيا للسيد رئيس وزراء دولـة موريشيوس لزيارة ليبيا أقدمها له عند لقائي المرتقب معه الـذي من المقـرر أن يسلمنى خلاله رده على خطاب رئيس وزراء ليبيا الذي سلمته لـه بتاريخ 08 /05 / 1972 يـدا بيـد في مكتبـه

المقترح الثـانى / تفـويضى بالـرد علي الصحـف التى تهجمـت على زيارتـى للجـزيـرة ووصفتها بأنها ” تكتيـك دبلوماسى ليبي ضـد التواجـد الإسرائيلى فى موريشيوس

لـم يتأخـر الـرد من قبـل وزارة الوحـدة والخارجية على مقترحاتي المذكـورة أعـلاه حيث أستلمت الـرد مساء يـوم الجمعه الموافـق 12 / 05 / 1972 بالموافقـة على المقترحيـن

صبـاح يـوم السبت 14 / 05 / 1972 وجـدت في بريدى بصالـة الإستقبال بالفنـدق دعـوة موجهـه لـي مـن إدارة الفنـدق لحضور حفـل استقبال يقيمـه مديـر الفنـدق على شـرف نـزلاء الفنـدق فى المساء حـول حمام السباحة “Swimming Pool ” داخـل حديقـة الفنـدق ، وهـو حفـل – كما شـرح لـي – روتينى تعـودت إدارة الفندق على إقامتـه مع نهايـة كـل أسبوع ، وكانت فرصـة طيبـة أننى أمضيت سهـرة جميلـة ممتعـة خـلال ذلـك الحفـل التقيـت فيهـا ببعـض الشخصيات الهنـديـة والأفـريقيـة والأوروبيـة ، التى قدمـت للسياحـة واستفـدت كثيـرا من الحـوار والحـديث معهـم ، خاصـة وأننى كنـت مثـار إهتمام مـن قبـل البعـض منهـم عنـدما علموا بأنى مواطـن ليبـى

الاثنين 15 / 05 / 1972 مـر أسبوع كامل على لقـائى برئيس وزراء دولـة موريشيوس ولـم يصلنى مـن مكتبه ما يفيـد بتحـديـد موعـد اللقـاء الثـاني بـه ” كما وعـدنى شخصيا ” لكى أستلـم رده على خطـاب رئيس وزراء ليبيـا….. وبالطبـع الرجـل لـه عـذره وظروفـه ومشاغلـه كرئيس دولـة ، ولهـذا أتصلـت بمندوب المراسم الـذي كـان على تواصـل معـى يوميا ، مستفسرا منه عما حـدث بخصوص موعـدي مع السيد رئيس الوزراء ، فوعدنى بأنـه سيبذل جهـده لمتابعـة الموضوع مع مكتـب رئيس الـوزراء وسيوافينى بالنتيجـة فى أقـرب وقـت … ثـم سألنى فى نـوع من المجاملـة ” لماذا ..سيـد إمـام أنـت مستعجـل على فراقنـا ونحـن نريـدك أن تبقـى معنـا بعـض من الوقـ،ت ” ….فضحكـت… لمجاملته الظريفة… وقلـت لـه ” شكرا جزيـلا على كرمكـم اللامحـدود واهتمامكـم … فأنـا هنا كأنى لـم أبعــد عـن وطنى وأحـس بأننى بيـن أهلى معـزز مكـرم من قبلكـم ، ولكـن فقـط ليطئـن قلبى على أن الأمـور ميسرة ، خاصة وأننى الآن قـد كلفـت مـن قبـل حكومتى بتوصيل رسالـة أخـرى ” شفهيـة ” لعلمـ سعـادة رئيس الـوزراء ، فوعـدنى خيرا …وبانه سيضع لي برنامج خاص لزيارة معالم الجزيرة التاريخية والسياحية لتبديد الملل الذي أعتراني

مرت الأيام ولم يصلنى ما يفيد بتحديد الموعـد لى مع رئيس الوزراء الموريشى ، واعتراني القلق من جراء طول فتـرة إقامتى فى الفندق ، رغما عـن فخامته وعـن توفـر كـل سبـل الراحـة فيـه ….ولهذا رأيـت أن أبدد قلقـي هـذا بالبـدء فى تنفيـذ برنـاج الزيـارات الإستكشافيـة لخبايـا وكنـوز الجـزيـرة السياحيـة بتنظيـم وترتيـب من قبـل منـدوب المراسـم وسائقـي الخـاص وإلى حيـن أن يصلنى مـا يفيـد مـن مكتـب رئيس مجلس وزراء موريشيوس

( 5 )

كمـا أوضحـت لكـم فـى إدراجـى السابـق أن تحـديـد موعــد لـى للقـاء برئيـس وزراء دولـة موريشيـوس السيـد ” سير سيووغـور رام غـولام Sir Seewoosagur Ramgoolam ” لكـى أستلـم منه رده علـى خطـاب رئيس وزراء ليبيـا ” معمـرالقـذافي ” قـد تأخـر لأكثـر مـن عشرة أيـام ، وعليـه رأيـت أن أنتهـز هـذه الفـرصـة فى تنظيـم برنـاج زيـارات سياحيـة إستكشافيـة لخبايـا وكنـوز جـزيـرة موريشيوس بالتعـاون مع سائقـى الخـاص ومنـدوب المراسـم بوزارة الخارجية الموريشية المكلف بمرافقتى وإلى حيـن أن يصلنـى مـا يفيـد بتحـديـد موعـد لقـائي بـرئيس الـوزراء الموريشى ، وكنـت كما ذكـرت فـى ادراجـى السابـق قـد بـدأت هـذه الزيـارات بالتركيـز على زيـارة بعـض المعالـم السياحيـة والتاريخيـة والتثقيفيـة في العاصمة ” بورت لويس ” وكنـت أود فى هـذا الإدراج أن أستكمـل معكـم جـولتـى الإستكشافيـة إلـى بـاقى مناطـق الجـزيـرة لإطلعكـم على أجمـل المعالـم السياحيـة فيها ، إلا أننـى رأيـت أوؤجـل ذلـك إلى الإدراج القادم وأن استكمـل معكـم فى هذا الإدراج متابعـة آخـر التطـورات فيما يتعلـق بتحـديـد موعـد لقـائي مع رئيس وزراء دولـة موريشيوس ، حيث أبلغـنى منـدوب المراسـم بتاريـخ 16 / 05 / 1972 بأنـه تـم تحـديـد موعـد لقـائي بـه بتاريـخ 17 / 05 / 1972على تمام العاشـرة صباحـا بمكتبـه وأفـادنى بأنـه سيأتى إلى مقـر إقامتي فى بـارك هوتيـل ” Park Hotel ” لإصطحابى للموعــد

فـى صبـاح يـوم الإربعـاء 17 / 05 / 1972 بعـد أن تناولـت إفطـارى وجـدت منـدوب المراسم ينتظـرنى فـى صالــة االفنـدق ، وخرجنـا سـويـا إلـى خـارج الفنـدق حيـث كـان فـى إنتظارنـا السائـق والحـارس ، وأفـادنى منـدوب المراسم ونحـن فـى طريقنـا إلـى مقــر رئاسـة الـوزراء بأنـه قــد أبـلـغ سكرتيـرة رئـيس الـوزراء ـبأنى أحمـل ” رسالـة شفهيـة هامة ” موجهـه لسعـادة رئيـس الـوزراء ” سيوغـورلا رام غـولام ” موجهـه لـه مـن قبـل نظيـره رئـيس وزراء ليبيا ، فشكرتـه على قيامـه بذلـك

بعـد قرابـة ربـع ساعـة تقريبا وصلنـا إلى البوابـة الرئيسية لمقــر الحاكـم العـام ، وبعـد أن تجاوزنـاها إلى ساحـة حديقـة المقـر صعـدنـا إلى الـدورالثـانى حيـث مكتـب رئيس الـوزراء ، واستقبلني مديـر مكتبـه بكـل بشاشة وقـادني إلى صالـة الإ نتظـارالخاصة بمكتب رئيس الـوزراء وأجلسنى فـى نفـس الصالـون الـذي كنـت قـد قابلـت فيـه رئـيس الـوزراء فـى زيـارتى الأولـى بتاريـخ 8 / 5 /1972 ، وهنـاك استقبلتـنى سكرتيـرة الـرئيس مرحبة بـي واجلسنى بكـل مجاملـة وبشاشة على نفـس الأريكـة الثلاثيـة التى كنـت قـد أجلست عليهـا سابقـا ، ثـم سألتنـى مبتسمة عـن مشروبى المفضـل فطلبت منهـا ” قهـوة موريشية “

لـم يمض وقـت طويـل حتى دخـل السيـد ” سيوغـور رام غـولام ” مبتسما ومحييـا فـوقفـت من مقعــدى إحتراما وتقديـرا لـه ، وصافحنى بحـرارة ، وأمسـك بـذراعى وأعـادنى إلـى جلستـى فـى مقعــدي وجلـس إلـى جانبى مواصـلا الترحيـب قائـلا ” كيف حالـك سيـد إمـام …..وكيـف كانـت إقامتـك فـى ضيافتنـا …..؟؟ فأجبتـه ” الحمـد لله سيـدى الرئيس … كانـت بفضلكـم وكريـم عنايتكـم إقامـة رائعـة جـدا ، تمتعـت خلالهـا بزيـارة العـديـد مـن معالـم جـزيـرتكـم الجميلـة ” .. فـرد مبتسما ” هـذا … سيـد إمـام …مـن صميم واجبنـا نحـو ضيوفنـا الأعـزاء … ثـم ربـت على ظهـر راحـة يـدى قائـلا … ” لمعلوميتـك …سيـد إمـام … أنتـم أول دولـة عربيـة تبـدي إهتمامـا فـى ربـط عـلاقـات دبلوماسيـة معنـا بعـد مضى أربعـة سنـوات فقـط من عمـر إستقلالنـا ، ونحـن بصراحـة نثمـن عاليـا موقفكـم هـذا ، ونرحـب بكـل سـرور بالبـدء فى تنفيـذ هـذه العـلاقـات الدبلوماسية فـورا ، وقـد ضمنـت هـذا الترحيب طىـ خطـابي الـذي سـوف تستلمونـه الآن موجهـا لسعـادة رئيس وزراء ليبيـا…. ثـم طلـب مـن السكرتيـرة التى كانـت واقفـه قبالتنـا أن تذهـب إلـي مكتبـه و تحضـر مـنه مظــروف معنـون باسـم سعـادة معمـر القـذافي رئيس وزراء الجمهـورية الليبيـة

واستمـر فى دردشتـه معـى ، ووجدتهـا فرصـة مواتيـة لكـى أوجـه لـه الـدعـوة لـزيارة ليبيـا التى كلفـت بنقلها إليـه نيابـة عـن رئيس وزراء ليبيـا ، فقلـت لـه ” سيـدى…. يسرني اليـوم وانـا أ تشـرف بلقـاء سعادتكـم للمـرة الثانيـة أن أنقـل لسعادتكـم تحيـات السيد رئيس وزراء ليبيـا الـذي كلفني بـأن أنـوب عنـه في دعـوة سعادتكـم لزيـارة ليبيـا فى أى تاريـخ تختارونـه يتوافـق مع إرتباطـات ومشاغـل سعادتكـم ، وأن تلبيتكـم لهـذه الدعـوة هـو شرف لبـلادى أن تحضي بزيـارة سعادتكـم

ورد قائـلا …” أرجـو أن تنقـلـوا أولا عظيم شكـري وتقديـري لسعـادة رئيس وزراء ليبيا على دعـوتـه الكريمة هـذه التى أثمنها عاليـا ، ويسعـدنى تلبيتهـا فـى أقـرب وقـت ممكـن متى سمحـت ظـروفنـا بذلـك…… ثـم واصـل حديثـه مستفسرا مني إن كـان لـدى أى فكـرة عـن مستوى العلاقـات الدبلوماسية المقتـرحه من الجانـب الليبـى هـل ستكـون على مستوي سفـارت ” مقيمة ” فى كـلا البلديـن …أم ستكوـن على مستوي تمثيـل دبلوماسى غيـر مقيـم……؟؟؟ … فـأجبتـه بـأن المعـلومة التى لـدى أن بعثتنـا الدبلوماسية ستكـون علي مستوى سفـارة مقيمة تـدار بصفـة مؤقتـه مـن قبـل قائـم بالأعمال إلـى حيـن تعييـن سفيـر ليبـى ” مقيـم أو غيـر مقيـم ” يتفـق عليـه مع حكـومة سعادتكـم ……..فابتسـم مهتما بما قلتـه … وقـال لـى … ” نحـن نرحـب ببعثـة دبلوماسية ليبيـة مقيمـة عندنـا سـواء كـان سفيركـم مقيـم بجـزيرتنـا أو غيـر مقيـم ، ولكننـا نحـن كـدولـة صغيـرة حديثـة الإستقـلال ذات إمكانـات اقتصاديـة متواضعـة قـد لا يمكننـا المعاملـة بالمثـل بتأسيس بعثـة دبلوماسية لنـا مقيمة فـى بلادكــم

خـلال انشغالنـا فى تبـادل هـذا الحـوار دخلـت السكرتيـرة لتسلمه المظـروف الـذي كـان السيـد سيوغـور رام غـولام قـد طلب منها إحضاره إليـه ، والمتضمن رده على خطـاب الرئيس معمر القـذافي ، وهـو بـدوره سلمه لـى يـدا بيـد قائـلا ” سيـد إمـام…. هـذا المظـروف يتضمـن ردى علـى خطـاب سعـادة رئيس وزراء ليبيـا … وأنتـم الآن باستلامكم لهذا الخطاب تعتبرون ” مبعـوثـى الشخصى ” إلـى سعـادة رئـيس وزراء ليبيـا لتسلمه هـذا الخطـاب يـدا بيـد … ” ثـم قهقه ضاحكا وهو يسلمنى الخطاب ، وتجاوبنا انـا وسكرتيرته التى كانـت لاتـزال واقفـه تنتظـر تعليماتـه مع قهقهته بضحكـات مماثلـة

بعـد إستلامى للخطـاب وضعتـه مباشـرة فـى حقيبتى ، وشكـرت السيد رئيس الـوزراء على حسن إستقبالـه لشخصى وعلى مـا وجـدته منـه مـن إهتمام ومتابعـة ، وصافحته مودعـا ، ولكنـه أبى إلا أن يشـد على راحـة يـدى و يرافـقنى حتى خـارج صالـة الإستقبـال ، وطلـب مـن سكرتيرنـه أن تصحبنـى حتى الـدور الأرضى حيـث كـان ينتظـرنى منـدوب المراسـم الـذي فوجئـت بوجـود صحفييـن أثنين بصحبتـه ينتظـران خـروجـى مـن مكتـب رئيس الـوزراء ، قدمهما لـى منـدوب المراسـم على أنهما صحفيـان ينوبـان عـن أشهـر صحيفتيـن فـى الجـزيـرة هما صحيفتي ( ستـار Star ) و ( أدفانـس Advance ) وهما يـودان إجـراء لقـاء معـى عـن لقائـي مع رئيس الوزراء السيد سيوغور رام غولام ، فشكرتهما على حضورهما واعتـذرت لهما عـن الإدلاء بـأى حديـث فـى هـذه العجالـة حيـث أن التوقيـت والمكاـن غيـر مناسبيـن ، ورحبـت بـأن التقـى بهمـا فـى مقـر إقامتى صباح الغـد لموافـق 19 / 05 / 1972 علي تمام العاشرة .. ـ

على أى حـال فـرحـت كثيـرا بإستلامى لـرد رئيس وزراء موريشيوس على خطـاب السيد رئيس وزراء ليبيا وكذلـك قبولـه للدعـوة الموجهـه لـه لـزيـارة ليبيـا ، وخـرجـت مـن مكتبـه فرحـا بهـذا الإنجـاز وكـأن حملا ثقـيلا كنـت أنـوء بحملـه طيلـة الأيـام الماضيـة قـد أزيـح عـن كاهـلـي

بعـد أن أحتوتني السيارة بهـدف الرجـوع إلى الفنـدق ، أقتـرحت على السائـق والحـارس أن نقـوم بجـولـة استطلاعيـة نـزور خلالها بعـض المناطـق السياحيـة و نتـغـذي فـى نفـس الوقـت فى أحـد المطاعـم ، بـدلا مـن الرجـوع مباشرة إلى الفنـدق فوافـقـا علي ذلـك ، واقتـرحـا علي أن نذهـب لـزيـارة بحيـرة ” غـرانـد بيسيـن Grand Bassin ” أوما تسمى باللغـة االموريشيـة ” جـانجـا تـالاو ” وهى عبارة عـن بحيـرة مقدسـة مـن قبـل الهنـدوس يحجـون إليهـا ويتبركـون بمياههـا ، وتقـع هـذه البحيـرة وسـط أحـراش مـن الغابـات الكثيفـة بيـن مرتفعـات وهضاب عاليـة ، وقـد تكـونـت كما سمعـت نتيجـة ثـورة أحـد البـرا كيـن منـذ مئـات السنيـن ، وتنتشـرعلى ضفـاف هـذه البحيـرة الكبيـرة الجميلـة أعـداد كثيـرة مـن المعابـد والتماثيـل الهندوسيـة التى تجسد أو تعبـرعـن الأساطيـر والمعتقـدات الدينيـة الهندوسيـة

وأكثـر مـا لفـت نظـرى مـن بيـن تلـك المعابـد و التماثيـل المزخرفـه الجميلـة المنتشـرة على كـل شواطـئ البحيـرة التمثال البرونـزي ” لـلآلـه شيفـا ” الـذي قيـل لـى أن إرتفاعـه حـوالـى 33 متـرا ، ينتصـب ذلـك التمثـال فـي مدخـل أحـد المعابـد المطلـة مباشـرة علـى البحيـرة ، ويعتقـد الهندوس طبقـا لأساطيرهـم أن مياه هـذه البحيـرة هـى إمتـداد لميـاه ” نهـر الجـانـج ” المقـدس فـى الهنـد ، الـذي يتعمـد الهندوس فى مياهـه ، ولكـن كيـف قطعـت هـذه الميـاه المقدسـة عبـر الآف الأميـال لتتسـرب مـن تحـت أعمـاق المحيـط الهنـدى المترامى الأطـراف وتصـب في هـذه البحيـرة ….؟؟؟؟… هنـا ..تتـعـدد التفاسير وقصـص الأساطيـر والمعجـزات والكرامات التى يتمتع بهـا ” الآلــه شيفـا ” حـارس هـذه البحيـرة

بعـد الإنتهـاء مـن هـذه الجولـة عـدت مساءا إلـى الفنـدق خائـر القـوى ومرهقـا ولـم أجـد فـى نفسى أى نيـة للعشـاء ، فصعدت الى حجرتى ونمـت بها نومـا عميقـا لـم أصحـو منـه إلا علـى رنيـن الهاتـف ، وكـان المتصـل منـدوب المراسـم ليقـول لـى أنــه ينتظـرنى تحـت فـى ” كا فيتيريـا حديقـة الفنـدق ” ومعـه الصحفيـان اللـذان كنـت قـد أتفقـت معهمـا على اللقـاء بهما فى الفنـدق ، صباح هذا اليـوم على تمام العاشـرة فصحـوت علـى عجـل مرتبكـا وأغتسلت وارتديـت ملابسى على عجـل وهبطـت مسرعـا عـن طريـق درج الفنـدق بـدلا مـن إستخـدام المصعــد الى صالـة الفنـدق ثـم دلفـت خارجهـا الى الحديقـة ، وفى الحديقـة وجـدت منـدوب المراسـم ومعـه الصحفيـان فـى انتظـارى داخـل جـزء منـزوى مـن مقهـى أو كافتيريا الفنـدق ، فحييتهـم جميعـا وشاركتهـم جلستهـم بعـد ان طلبـت مـن ” نـادل المقهي ” أن يقـدم لهـم طلباتهـم
أنصبـت أسئلـة الصحفيين بحضـور منـدوب المراسـم بالدرجـة الأولى حـول لقائـي الأول ولقائـي الثانى مـع السيد سوغور رام غولام رئيس وزراء دولـة موريشيوس ، وأجبـت قـدر الإمكـان على كـل مـا طـرح على مـن أسئلـة تتعلـق بهـذا الخصوص ، متحفظـا عـن ذكـر بعـض النقـاط التى ليسـت للنشـر ، مؤكـدا للصحفييـن إعجـابى بشخصية سعـادة رئيـس وزراء موريشيوس وما تتمتع بـه هـذه الشخصية مـن طيبـة وتواضـع وكـارزما قياديـة ، وسألنى منـدوب صحيفـة ” أدفـانـس Advance ” عما اذا كنـت أود أن أرد على الإتهـامات التـي كتبتهـا صحيفـة ” إكسبرسExpress ” التى وصفـت زيارتى بأنهـا جـاءت لملاحقـة التـواجـد الإسرائيلى فـى موريشيوس فأجبتـه ، بأنـى طالعـت المقـال ولـم أهتـم بالـرد عليـه حتـى لا أعـطـى للموضـوع حجـم أكبـر ممـا يستحقـه فحكـومة موريشيوس تعـرف جيـدا سـرمهمتى ورحبـت بإستقبالى مـن أجـل إنجـازها … وهـذا يكفـى

واستمـر هذا اللقـاء والحـوار بينى وبيـن الصحفييـن لقرابـة الساعتيتن تقـريبـا ، أعـربـا لى خلالــه عـن سعادتهما بلقائـي وبما صرحـت بـه لهما ، ووعـدانى بأنهما سيعمـلان علـى نقـل الصـورة الحقيقـة عـن هـذه الزيـارة معربـان عـن تقديـرهما للشعـب الليبـى وحكومتـه

صباخ يـوم السبت الموافـق 20 مايـو 1972 غـادرت مدينة بورت لويس العاصمة الجميلة لجـزيـرة موريشيوس عائـدا إلـى بـلادي وأنطلقـت رحلـتى هذه مـن ” مطـار بليسانـس الـدولي Plaisance lnternational airport ” نفـس المطـار الـذي كنـت قـد نزلـت بـه عنـد قـدومى للجـزيـرة …. ” وللمعلوميـة أسـم هـذا المطـار الآن تغير وأصبـح يحمـل إســم الزعيـم الموريشى الراحـل ” سيوغـوررام غـلام “…. وكانـت رحلتى هـذه على متـن الخطـوط الموريشيـة مباشـرة إلـى عاصمـة جـزيـرة مـدغشقـر ” أنتاناناريفـو Antananarivo ” التى امضيـت فيهـا ليلتـى ، وفـى صبـاح اليـوم التـالي 21 مايـو غـادرتهـا علـى الخطـوط الأثيوبيـة إلـى مطـار أديـس أبـابـا ” تـرانـزت ” ثـم ظهـرأ علـي الخطـوط المصريـة إلـى مطـار القاهـرة الدولـي ، وفـى القاهـرة أقمت بفنـدق هلتـون الزمالـك حتي صباح يـوم الأربعـاء الموافـق 24 / 05 / 1972 ، حيث توجهت من مطار القاهرة الدولي على الخطوط المصرية إلى العاصمة الليبية طرابلس التى وصلتها ظهـرا…. وكنـت منهكـا مـن عنـاء السفـر فاسترحـت فـى بيتـى حتـى يـوم الأحـد الموافـق 28 مايـو واستغليـت فتـرة الراحـة هـذه فـى إعـداد تقريـرى عـن زيارتـى لجـزيـرة موريشيوس

اهتمـت القيـادة الليبيـة بمـا ورد فـى تقـريـري عـن زيـارتى لجـزيـرة موريشيوس واصـدرت التعليمات بنـاء على مـا ورد فـي التقريـر بتأسيس سفـارة ليبيـة مقيمـة فـى موريشيوس تكون مؤقتا علي مستـوى قائـم بالأعمال ، وتـم إفتتـاح هـذه السفـارة بعـد فتـرة قصيـرة جـدا مـن رجـوعي ، وتكليـف أحـد الـزملاء بالإشـراف عليهـا كقائـم بالأعمـال ، وكانت السفارة العربيـة الوحيـدة المقيمة فى عاصمة الجزيـرة عنـد افتتاحهـا ، ويبـدو أن إهتمـام ليبيا بإقامـة علاقـات دبلوماسية مباشرة مـع دولـة موريشيوس دفعـت العـديـد مـن الـدول العربية والإسلامية لتأسيس علاقـات دبلوماسية معهـا دعمـا للتـواجـد الإسلامى فـى الجـزيـرة الـذي فعـلا يحتاج إلـى الدعـم والمؤازرة ، خاصـة وان نسبـة التواجـد الإسلامى فى الجـزيـرة قياسـا بالتواجـد الهندوسى والمسيحى يـأتى فـى المرتبـة الثـالثـة

وأخيـرا وأنـا أنهـى الجـزء الأخيـر من إدراجاتـي عـن زيارتـى لجـزيـرة موريشيوس الجميلـة ، لا يسعنـى الا أن أتقـدم بخالـص الشكـر والتقديـر لـكل مـن تابعهـا ، مؤكـدا لكـم بأ ننى قـررت نشـرها والإفـراج عنها معتمـدا على قـوة إرادتـى وعلي شجاعـة قلمى وصـدق نيتـي لأنهـا جاءت لتوثـق لمراحـل معينة ليس فقـط مـن سيـرة عملي بوزارة الخارجية…بـل ربما أيضـا لجـوانب صغيرة كانـت مخفيـة مـن سيـرة هـذه الوزارة ، عرضتهـا عليكـم بكـل صراحـة وشفافيـة كمـا حدثـت تماما متمنيا لكـم جميعـا وللوطـن الحبيـب الـذي يحـزننى وضعـه المـزري الآن  مستقبـل مشـرق يسـوده السـلام والأمـن والمحبـة والتضامـ

شكري وعظيم تقديرى لكل من تابع ويتابع ادراجاتى …وخاصة ممن اتصلوا ويتصلون بى على الخاص فيما يتعلق بهذه الإدراجات واشكر بصفة خاصة الاخوة الذين اسعدونى بتزويـدى بتواريخ زياراتهم للجزيرة مدعومة بعدد من الصورالرائعة ، وكان بودى نشر هذه الصور الخاصة لجولاتهم بالجزيـرة الجميلة ولكـن احتـراما للخصوصية فقـد رأيـت أن أحتفـظ بها ، ما لـم يصلنـى منهـم ما يفيـد بغيـر ذلك

ويتجـدد لقـائي بكـم مع الإدراج القـادم وأحـداث أخـرى ….جـديـدة …..تحياتـى