الزحف على السفارة الليبية في اليونان

 ( 1 )

صـدر قـرار عن لجنة شـؤون السلك أو” لجنة الإيفـاد ” بوازرة الخارجية الليبية بتعيينى كمستشار للعمل بالسفارة الليبية بالعاصمة اليونانية أثينا  لأحـل محـل الزميل المستشار محمد مسعـود الحبيشى الذى كان قد تقرر نقـله من اليونان للعمل بسفارتنا بالقاهرة ، وجاء نقلى للعمل باليونان بعـد ان كنت قـد أتممت المدة المقررة لى للعمل داخـل داخل ليبيا بديوان وزارة الخارجية بطرابلس.

ومع اطلالة الاسبوع الاول من شهر سبتمبر 1977 أستلمت عملى بالسفارة وكـان السفير حينها الأستاذ الفاضـل ” عمرأبو القاسم الجليدى وواجهـت خلال فترة عملى بالسفارة مشكلة عدم وجود مدرسة عربية فى اليونان لتدريس أبنائي وهي نفس المشكلة التي سبق وأن نقل بسببها الزميل المستشار محمد مسعود الحبيشى من اليونان للعمل بسفارتنا بالقاهرة ، غير انه بجهود السيد السفير عمر الجليدي والملحق الثقافي الاستاذ علي عويدان والمربية الفاضلة السيدة خيرية ابراهيم بزازة وجهود عدد من موظفي السفارة والطلبة الليبيين وزوجاتهم تمكنت السفارة الليبية من  تاسيس مدرسة ليبية باليونان

وكانت أمورنا خلال تلك الفترة كعاملين بالسفارة تسيرعلى مايرام فى جـو أسري رائع يسوده التعاون والوئام ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن حيث أن ذاك الوئام والإنسجام والجـو الأسرى الجميل الذي لم يدوم طويلا وذلك عندما أستلم السفيرعمر الجليدي مع منتصف شهر أغسطس برقية استدعاء عاجلة معممة على كـل السفراء الليبيين بالخارج  تدعـوهـم إلى القـدوم الى طرابلس قبل الأول من سبتمبر 1979 لحضورالجلسة الخاصة والهامة التي سيعقـدها مؤتمر الشعب العام بمدينة طرابلس بمناسبة ذكرى ثورة الأول من سبتمبر 1969 وبناء على تلك التعليمات سافر السفير الى طرابلس غير مصحوب بعائلته على أساس ان فترة تغيبه هناك سوف لـن تـدوم لأكثرمن أسبوع على الأكثر وتـم تكليفي بمهمة قائـم بالأعمال مؤقت خلال فترة تغيبه وإلي حين عـودته من ليبيا ، وأحيطت السلطات اليونانية بهذا التكليف وفقا لما هو متعارف عليه “بروتكوليا” في مثل هذه الحالات وكان طاقم السفارة التي كلفت إدارتها في فترة تغيب السيد السفيرفي ليبيا يتكون على الوجه التالي

القائم بالأعمال عاشور مفتاح الامام بدرجة وزير مفوض منتدبا من قبل ديوان وزارة الخارجية

الملحق الثقافي الأستاذ على عويدان يساعدة الأستاذ محمد الرياني منتدبان من وزارة التعليم

 القنصل الأستاذ عبد الرحمن بادي منتدبا من قبل وزارة الداخلية

  الملحق الإعلامي الأستاذ حسين الشريف يساعده المرحوم محمد سعيد شبيعان مكلفان من إدارة الاعلام الخارجي

 ثلاثة موظفين إداريين تابعين لوزارة الخارجية وهـم الأخـوة ” محمد بوسديـرة – فرج شنبور – عائشة العرابي

بعـد مضي  قرابـة أسبـوع على سفـرالسفيرعمر الجليـدي واثناء ممارسة مهامى بالسفـارة وردتني أنـباء عـن تواجـد تجمعـات غريبـة ملفتـة للنظـر  لأعـداد من المواطنين الليبييـن فى الفنادق والمقاهي والمطاعـم في وسط العاصمة اليونانية وفي ضواحيها السياحية في منطقتي ” فـارى وجليفـادا وهى مناطـق مشهورة بانتشار المقاهي ومطاعم شواء الخرفان والأسماك واثار استغرابى هـذا التدفـق الفجائى لهذه المجموعات الليبية علي الساحة اليونانية ، فكلفت أحـد العاملين المحليين بالسفارة بصفة سرية باستقصاء الخبـر وموافـاتى بأى معلومات عـن هـذه االتجمعات وعن أماكن تواجدها  كما جنـدت أكثـر من مصدر للحصول على معلومات أوفي وأكثر دقـة

وفعـلا تجمعت لـدي معلومات تامة تفيـد بأن هـذه المجموعات قدمت علي أفـواج منتظمه من طرابلس إلى اليونان قبـل سفـر السيد السفيـرالي ليبيا بيومين او ثلاثة، وأنهم دخلوا إلي اليونان بتاشرات سياحية تحصلواعليها عـن طريق السفارات الأوروبية في طرابلس ، وأن هـذه المجموعات جاؤا وفـق خطـة مرسومة للزحـف على السفـارة الليبيـة في أثينـا بهـدف تغييـر طاقمها وأسلوب إدارتها ، وتحويلها الى كيان جديد تحت مسمي ” المكتب شعبى ” وأن قيادة هـذا الزحـف يتولاهـا أعضاء من مكتب اللجان الثورية ومركز دراسات الكتاب الأخضر بطرابلس

ولما توفـرت لـدي كافـة المعلومات عن هـذه التجمعات وعن قياداتها رأيت أنـه لـزاما علي ” كقائم بالأعمال ” مسؤول عـن أمـن السفـارة والقنصلية والمدرسة الليبيـة أن أتصـل بـوزارة الخارجيـة الليبيـة لكى أحيطهـم علمـا بهـذه المعلومـات التي أقلقتني وأن أستفسـر منهـم عـن مــدى صحـة هــذا التوجـه الجـديـد فى سياسـة وزارة الخارجيـة ، ولكـن للأسـف رغمـا عـن اتصالاتى واستفساراتي من بعض من الزملاء بالوزارة لم أحصل علي أي أجوبـة شافية توضح لي كنه حقيقـة مـا يجـري تفيدنى فـى اتخاذ القرار أو الإجراء المناسب فى مواجهـة هــذا الطـارئ

وأمام هـذا الغموض الـذى اكتنف موضوع هـذه التجمعات الليبية باليونـان وعـدم حصولي من وزارة الخارجية علي مـا يفيـد ، قــررت عقــد اجتمـاع مع بعض موظفى السفارة ، نقـلت لهـم مـا وصلني من معلومات عـن هـذه التجمعـات من الشباب الليبي الذيـن قدمـوا مـن ليبيا وتوزعـوا علي فنـادق العاصمة اليونانية بهدف الزحف علي السفارة يدعمهم جـل الطلبة الليبيين الدارسين في مدرسة الكهرباء وطـب الاسنان وصارحتهم بمخاوفي وعـدم إرتياحي لما يدبرونه ضد السفارة، وأفدتهم بأننى قد نقلت خبر تواجـد هذه التجمعات إلى علـم وزارة الخارجية فى طرابلس إلا أنني وللأسـف لـم أجـد عندهم سوى الصمت والغموض حيال هذه التجمعات ، وعليه ليس أمامي  مـن موقـع مسؤوليتي إلا أن أطلـب من السلطات اليونانيـة تأميـن حراسـة أمنية لمباني السفـارة والقنصلية والمدرسة ، ولهـذا جمعتكم اليوم لأ طلب رأيكم ونصحكم فيما عـزمت عليه ،علما بأنني مقتنع في قرارة نفسي بأنه قـرار مؤلـم فى حقيقته ، ولكني مجبـرعلى اللجـوء إليـه ، فأقتنـع بعظهــم بع أتخذته وعارضنى البعض الآخـر طلبين مني التريث ومعـاودة الإتصـال بوازرة الخارجية واستشارتهـا قبـل الإقـدام على هـذه الخطـوة التى حسب رأيهـم ربما يترتب عليها صدامات بيـن الزاحفيـن ورجـال الأمـن اليوناني مما يسئ لسمعة السفارة

 ويـدو أن هـذا المقترح بطلب حراسة أمنيـة عاجلـة لحماية السفارة أنتقـل بسرعة البـرق عـن طريق أحـد موظفي السفارة إلي علـم قيـادة التجمعات  وأحـسوا بعـد أن وصلهم هـذا الخبـر بـأنه سيشكل خطر كبيرعلي مشروع زحفهم على السفارة اذا ما طوقـت السفارة بحراسة من الشرطـة اليونانية وكانت مفاجـأة غيرمتوقعة لي أن استلـم بعـد ظهـر يـوم الإربعـاء الموافـق 29 / 08 / 1979 مكالمـة هاتفيـة في بيتي مـن قبـل المرحـوم الأستـاذ ابراهيـم البشارى المكلـف بقيـادة هـذه التجمعـات للزحـف علـى السفـارة ، يفيدني فيهابرغبته فى مقابلتي عاجلا لأمـر هـام جـدا جـدا ” كما وصفه” إن أمكن مساء نفس اليوم فى فندق “الهوليداى إن “، ولما كان الفندق لا يبعـد كثيراعـن مقـرسكني ، فقـد وافقتـه على هـذا اللقـاء ، وفعـلا وجـدتـه بانتظارى في نفس الموعـد جالسـا فى ” كافتيريا ” الفنـدق وكـان برفقتـه ثلاث أشخاص قـدم لي أكبرهم سنا باسم علي ماريا وقـدم لي رفيقيه وهما شابيـن نحيفيـن الاول باسم عمران العمروني لا يتجاوز السابعة والعشرين من عمره، والثاني باسم عبد الله أبومهاره أصغرهم سنا ، ودعاني الأستاذ ابراهيم إلي مشاركتهـم جلستهم ، إلا أ نني أعتـذرت لـه لإرتباطـي بموعـد في السفـارة ، فأستأذن من رفاقـه وقـادني ممسكا بيـدى اليمني إلى إحـدى المناضـد الشاغـرة في ركـن منزوي من كافتيريا الفنـدق حيث جلسنا إليها وطلب من الجرسون أن يحضر لنـا فنجاني ” كابـوتشينـو”

والحقيقـة كانـت تربطني بالأستـاذ إبراهيـم البشاري علاقـة عمـل وصداقـة خلال فتـرة عملي بالسفارة الليبية في روما عـام 1973 عندما كنت مكلفـا برئاسة المكتب الصحفي في السفارة ، وكان الأستاذ إبراهيم وقتها موظفـا طموحـا بإدارة الإعلام الخارجي بطرابلس ، وفي جلستنا تلـك استعـدنا مع  رشفات من ” الكابوتشينو ” بعـض من الذكريات خلال تلك الفترة الجميلة انتقلنا الي الخوض في الموضوع العاجل والهام الذي استدعيت من اجله للقاء بزميلي الاستاذ ابراهيم البشاري ... فاقترب بكرسيه منى، وبعـد ان تنحنح قليـلا وكأنـه يزيـل بقايـا بلغـم من حنجرته قـال لى فى صوت خافـت ” أخي العزيـزعاشور بلغنني أنك تريد ان تطوق سفارتنا فى اليونان بقـوة امنية للتصدي للزحف عليها ، وعلي إعتبار أني أنا مكلف بالاشراف علي تنفيذ هذا الزحف  أنصحك الا تلجأ إلي هذا الإجراء الذي بكل تأكيد سوف لن يكون في صالحك ، وهذا الزحف أخي عاشور مقرر بناء علي تعليمات  القائـد شخصيا ويجـب أن يتـم ، شئنا أم أبينا ولا رجعة فيه و سيطبق على كل السفارات الليبية بالخارج .. وبناء علي ذلك تـم تكليفنا بمنتهي السرية ضمن هـذا الإطـار بالحضور إلي اليونـان لقيادة هـذا الزحـف علي السفارة الليبية وتحويلها إلي مكتب شعبى يـدارمن قبـل لجنة شعبية يتـم تصعيـدها مـن بين جمهورالزاحفيـن تحـل محل السفير ولعلمك أخي عاشـور انـه تـم استدعـاء كافـة السفـراء الليبيين في الخارج إلى ليبيا ” قصـدا “مـن أجـل تهيئـة الأمـور لتنفيـذ هـذا الزحـف دون الحـاق أي أذي أو إهانـة للسفـراء وسـوف يتـم حجـزهـم في ليبيـا ومنع عودتهـم إلي سفاراتهـم  وبما فيهـم سفيـر ليبيـا باليونـان ، والمطلوب منكم أخى عاشور، بصفتكم الآن القائـم بالأعمال لهـذه السفارة أن تسهل مهمتنا وذلك بأن تكلـف موظفي السفارة بالتعاون معنـا لتنفيـذ هـذا الزحـف بصـورة منتظمة ومشرفـة صبـاح يـوم السبت الفاتح من سبتمبر1979 ،وذلك بالسماح لدخول زملائهم الزاحفين الي داخـل مبني السفـارة والتجمع داخلهـا في مكـان متسع يستوعـب أكبـر عـدد من الزاحفين والموظفين وسنعلن نحن في ذلك التجمع انطلاق ساعة الزحف علي السفارة التي سيعلنها الأخ  القائد خطابه التاريخي في مؤتمر الشعب العام في الاول من سبتمر 1979

وبعـد أن أتـم السيد إبراهيم البشارى حديثـه المطول أجبتـه بعـد أن سحبت رشفتين من فنجان الكابوتشينو قائلا  له ” أخى إبراهيم  نحن أصدقاء من زمان ويعلم الله مدي إعزازي واحترامي لك ، ولهذا مجرد ان اتصلت بي وطلبت مني  اللقاء العاجل بك  فقد سارعت الي تلبية دعوتك دون تردد او تأجيل …لكنني الآن وبعد ان أستمعت لطلباتك مني بكل ترحيب وإهتمام أجدني بصراحة في مواجهة موقف محرج جدا جدا، فأنت تعرف جيدا أنني أترأس هذه المؤسسة التي تنوون الزحف عليها وتغيير طاقمها وربما حتي اسمها ، في وقت لم استلم فيه اي تعليمات من وزارتي التى أتبعها بخصوص هذا التغيير ، وعليه بصراحة لا أستطيع أن اعـدك بتقديم أي تسهيلات مالم تصلنى تعليمات من وزارتي بهذا الخصوص ، فقاطعنى قائلا صديقي العزيز أحترم وأقدررأيك وموقفك ولكن صدقني أن موضوع الزحف على السفارات محاط بالسرية التامة وغير قابل للتداول بناء على تعليمات مشددة من القيادة وعليه سوف لن تجـد في وزارة الخارجية من سيصدر لك أى تعليمات رسمية بالخصوص فى الوقت الحاضر… فأجبته أخى أبراهيم ..” دعني أحاول أن اتصل غـدا صباحا بالوزارة علني أجـد فيها من يفيدني…وسأعلمك في حينه غـدا بإذن الله بقراري ،وهنا وقفـت ومددت له يـدي مصافحا ومودعا ووقـف هـو الآخـر وودعني  بحـرارة مبتسما قائلا في شبه همس ” بس وحياتك بلاش حكاية الأمن اليوناني ”

بمجرد وصولى إلى مكتبى صباح يوم 30 أغسطس 1979 أبرقت للوزارة ببرقية مشفرة طالبا منهم تعليماتهم ومصمما في نفس الوقت في حالة إستمرار تجاهـل إتصالاتى أن ألجـأ إلي طلب حماية أمنية عاجلة للسفارة للتصدي  لهـذا الزحف… وليكن ما يكون

( 2 )

كنت قـد ذكـرت فى الجـزء الأول من هـذه الأوراق بأنى أبرقـت إلى وزارة الخارجية فى طرابلس طالبا تعليماتهم فيما يتعلق بالزحـف المزمع علي السفارة ، حتى يمكننى على ضوء تلك التعليمات إتخاذ الإجـراء المناسب   ولكن للأسف لـم يتم الإهتمام بالـرد على برقيتى، إلا أننى في دوامة هـذا الإحباط  أستلمـت مكالمة من الزميل الفاضل الأستـاذ “عيسى البعباع ” المكلف خلال تلك الفترة بمنصب كيل وزارة الخارجية أنقذتني من حيرتي وحملت لي فى مضمونها “المبطن” بالتعاون مع الزاحفين لإنجاز المهمة الكلفين بها ، واستشفيت من حديثه المختصر معي أن الوزارة هى الأخرى مزحوف عليها وأن الأستاذ عيسى البعباع هو الآخرعندما اتصلت به كان فى وضع لا يحسد عليه

 تعـرضت وزارة الخارجية للزحف عليها فى مرحلة سابقة للزحف علي السفارات وقاد ذلك الزحف عليها زميلنا السكرتير الأول أحمد عبد النبي الشحاتى رئيس مركـز دراسات الكتاب الأخضر يدعمه في هـذا الزحـف عـدد كبيرمن موظفيه في مركز الدراسات وكذلك عدد من منتسبي مكتب اللجان الثورية على رأسهم  ، محمد المصراتي ، موسي كوسه ، مصطفى الزائـدى ، سالم الشويهدي ،على ماريـا، ابراهيـم البشـارى، إضافـة إلى عـدد كبير من الطلبة الجامعيين حديثى التخرج ، وغيرهـم من الموظفين الموالين للنظام العاملين بالوزارات والمؤسسات العامة

 دخل هؤلاء الزاحفون فى شبه مظاهـرة حماسية سلمية إلي مبني وزارة الخارجية فى زاوية الدهماني تعالت فيهـا الأصوات بحياة الفاتح والقائـد، واستقبلهم عند أبـواب الوزارة عـدد من ” الأنصار” من موظـفى الوزارة الذين انضموا الى هذه التظاهـرة، واستولوا فى زحفهم هـذا على مكتب السيد وكيـل الوزارة وعلى بعض مكاتب مدراء الإدارات ورؤساء الأقسام  وزرعـو داخل مبني وزارة الخارجية جسم جديد موازى لها تحت مسمي المكتب الشعبي للإتصال الخارجي أسندت زعامته أو رئاسته للسيد أحمـد عبد النبي  الشحاتى

وبعـد أن أتم هـؤلاء الزاحفـون زحفهم بالإستيلاء على جـل مكاتب وزارة وتحويلها الي مقـر رسمى للمكتب الشعبى للإتصال الخارجى ، تولي هـذا الجسم الجـديد رسـم مخططـات الزحـف على السفارات الليبيـة بالخـارج ، وتـم تقاسم الأداور والمهام والقيادات بين جمهور الزاحفين لتنفيذ مشروع الزحـف على السفـارات الليبية، وتقرر أن تشمل المرحلة الأولي من هـذا الزحف  السفارات الاوروبية  فى كـل مـن “أثينا – المانيا – بريطانيا – ايطاليا – فرنسا ” وذلـك بتحويلها الى مكاتب شعبية تـدار من قبـل لجـان  مصعدة يتراوح عـدد أعضاء كل لجنة شعبية ما بين  “3 – 5 ” أعضاء فى كل سفارة ، وتم تسهيل سفـرهـؤلاء المكلفين بالزحـف على السفارات  الليبية ، بإصـدار جوازات وتذاكر سفـر ومبالغ مالية لهم ، وطلب منهم أن يتولوا بأنفسهم تأمين تاشيرات سفرهـم الي الخارج عن طريـق السفارات الاجنبية بطرابلس وعين لكل مجموعة منهم مكلفة بالزحـف فى أى دولـة  من الدول منسق أو قائـد يتولى تنظيم وتمويل الزحف على سفارات الدول المستهدفه وقرر مخططوا الزحف فى طرابلس رسم خطة ميكيافيلية بأن يتم أولا جلب كافة السفـراء الليبيين بالخارج بحجة ضرورة حضورهـم جلسات مؤتمر الشعب العام التى ستعقـد في اليوم الأول من شهر سبتمبر 1979 ثـم يتم بعـد ذلك حجـزهم داخـل ليبيا وعـدم السماح لهم بالرجوع  إلى سفارتهم وإنهاء علاقاتهم بهـذه السفارات … وهو أسلوب ” سمج ”  لا أخـلاقي ومهين لكرامة السفـراء يتعارض مع مـا تقضي بـه الإتفاقيات والتشريعـات الدولية… وربما كان تبريرمن خططوا لهذه المؤامرة علي    السفراء بإستدعائهم بهذا الأسلوب أنهم كانوا يهدفوا الي حمايتهم وعدم تعريضهم  للمشاكـل أو الإهانات أو المواجهة مع الزاحفين أمام موظفيهم في السفارة أو حتي أمام سلطات الدول المعتمدين لديها …وكان من بين السفراء الذين جلبوا الي طرابلس بهـذا الأسلوب المخادع والذين حجـزت حريتهم  ومنعـوامن العـودة إلى سفاراتهـم وإلي أسرهم بالخارج الأستاذ عمر أبو القاسم الجليـدى السفير الليبي باليونان

وعندما تم إستدعاء السفيرعمرالجليدى إلي طرابلس كـان مـن المفـروض أن تسند وظيفـة القائـم بأعمال السفارة الليبية باليونان الي الزميل سليمان قراده الوزيـرالمفوض بالسفارة الذي كان قـد عين في السفارة حديثا ، إلا أنني فوجئت بإختفائه مباشرة بعـد ورود برقيـة الإستدعـاء للسفيـرعمـر الجليدي ، وقيل لي حينها أنه سافر خارج اليونان للعـلاج ولا أدري مدي حقيقة هـذا الأمر ، وبسفره رحمه الله أسندت لي مهمة القائـم بالاعمال في السفارة الليبية باليونان

على أى حـال بعـد أن تأكدت من خلال حديثي مع الزميل الفاضل الاستاذ عيسي  البعباع من أن الزحـف على السفارات هو امر واقع لا رجعة فيه وأن وزارة الخارجية نفسها تعرضت للزحف عليها، اتصلت هاتفيا بالسيد  ابراهيـم البشارى الذى كان ينتظر ردى عليه وافدته بقدومي اليه فى فندقه واحطته هناك علما بتفاصيل اتصالاتي مع وزارة الخارجية وموافقتي علي قدوم الزاحفين للسفارة الليبية صباح يـوم الأول من شهـر سبتمر 1979، إلا أنه ضمن هذا اللقـاء السريع أقتـرح على أن يتـم دخـول مجموعة مـن المكلفين بالزحف ليلة 31 أغسطس لمبني السفارة وأن يناموا فيهـا تلك الليلة وهم من سوف يتولون فى صباح الأول من سبتمبر 1979 فتح ابوابها لدخول زملائهم الزاحفين  إليها ، والهـدف من هذا الإقتراح كما  شرحه لى هـو تحاشى تكدس المجموعـات الزاحفـة فى الشوارع المحيطة بالسفارة بصورة  قد تكون فوضوية وملفته للأمن اليونانى…ولكني لـم أقبل إقتراحه لكون السفارة أمانـة فى حوزتى ولا أستطيع أن أسمح لأى كان بالنوم فيها وأقنعته بأن موظفي السفارة هم من سيقوموا بفتح ابوابها للزاحفين فى الصباح الباكـر ويتم دخولهم اليها بصورة منتظمة بدون أى شكـل من أشكال التجمعـات امام السفـارة كما طلبـت منه أن ينبـه على الزاحفين بإحترام العاملين بالسفارة الذين سيكونون فى استقبالهم عنـد دخولهـم لهـا

وفعـلا فى الصباح  تـم دخـول هـذه الجموع من المواطنين الليبيين القادمة من طرابلس بهدوء إلي مبنى السفارة مدعومين بأعـداد من الطلبة وافـراد الجالية الليبية فى اليونان، وتحلق الجميع جلوسا أووقوفـا فى شبه دائرة  في  أكبر صالات السفارة فى صمت تـام حـول “راديو ترانزستور” صغير كان قـد جلبه الزاحفون معهـم ووضعـوه على طاولـة تتوسـط الصالـة لكى يتوزع صوته فى كـل الاتجاهـات منتظرين فى اهتمام كبير وترقب مشوب باللهفة خطـاب العقيد معمر القذافي فى مؤتمرالشعب العام المنقول مباشرة والذى سيعلن فيه دعوته لكل لليبيين فى الخارج الزحـف على السفارات الليبية وتحويلها إلى مكاتـب شعبية

وكنت وزملائي موظفي السفارة قـد جلسنا متضامنين فى ركـن منزوى من في أحـد أركان الصالة فى مواجهة هـذه الوجوه الزاحفة الغريبة التى تفنن معظمهم فى تسريح شعـورهم على” الطريقة القنفوذية” التي كانت سائدة خلال تلـك الفترة بيـن معظـم منسبي مكتـب اللجـان الثوريـة ، وكانـت تلك الوجوه ترقبنا وتتفحصنا بعيون ثاقبة ناقـدةغير ودودة ، فيها حقـد وتشفي وكنـا فى مواجهتهـم ، نحاول قـدر الإمكان ألا ننصـت لحواراتهم التحرشية المتبادلة فيما بين مجموعاتهم والتي ينتقدون فيها أوضاع السفارات التي وصفوهـا بالرجعية وبأنها أوكـار معاديـة للثـورة الليبية ، وكنت وزملائـى نقابل هـذه الإنتقادات وهـذا التحرش المبطن بهـدوء وعـدم اهتمام تجنبنا قـدر الإمكان لنتجنب الدخـول معهـم فى أى جـدال أو نقـاش بالخصوص

وعندما ابتـدأ القائـد الليبي فى القـاء خطابه سـاد القاعـة صمت مطبق ولـم نعـد نسمع سوى صوته المنبعث من راديـو” الترانزيستورالصغير” الـذى كان قـد وضعوه علي منضدة صغيرة فى منتصف القاعة لكي يصل صوتـه لكل أرجائها ، وعندما وصل فى خطابه التاريخي هـذا إلي  النطـق بالفقـرة التى كانـوا يترقبونها علي أحر من الجمر والتي يعتبرونها الشفرة الخاصة المتفـق عليها لإنطلاق عملية الزحف علي السفارة ، أهتـزت أرجاء القاعة بما رحبـت بالهتافـات المدوية التي تعالـت من مختلـف الحناجـر فى أجـواء من  الإنفعال والهستيريا وكأنهم يقـودون معارك من الجهـاد يهتفون بحياة القائـد معمر القـذافي وحياة ثـورة الفاتـح من سبتمبر وتدافعـوا وسـط هـذا الجو المشحون بالحماس داخـل القاعـة الكبيرة التي ضاقت بهـم كـل يـريد يريـد أن يلقي كلمة او خطبة معبـرا عـن فرحتـه وعـن دعمه للزحـف علي السفارة

وكنت ورفاقى مجبرين خلال هـذا العرس الحماسي علي أن ننصت لخطبهم التي أزعجت بلاغـتها المرحوم ” سيبوية ” فى قبـره خاصة ،وأن أحدهـم  أرتجل في هـذا الجـو المشحون بالغضب على السفارة كلمة حماسية صـال وجال فيها واصفـا ذلك الزحف بأنه انتصار تاريخي وأنـه كان مفاجأة غـير متوقعـه ” للموساد الإسرائيلي “و المخابـرات الأمريكية مهـددا ومتوعـدا  امريكا والغرب والعملاء الليبيين المتعاونين معهم ، وكنت وزملائى ننصت بتعجب لهـذه التراهات ونراقـب هـذا النطيز والزعيق وكأننا نشاهد إحـدي  مسرحيات غوارالطوشى أو فلم من الافلام الهندية التى يختلط فيها الخيال  باللا معقول

وبعـد أن بحت أصوات الخطباء وتصبب العرق من جباههم وأباطيهم فبلـل قمصانهم ، وانبعثت روائحه الكريهة تزكـم الأنـوف وتلـوث هـواء القاعـة  دعاهــم السيد إبراهيـم البشاري إلـى التـزام الهـدوء ليقـرأ علي مسامعهـم أسماء أعضاء اللجنة الشعبية للمكتب الشعبي باليونـان الذيـن صعـدوا من قبل الزاحفين والتى سوف تحل محل السفيرعمرالجليدي في إدارة السفارة أولمكتب الشعبي باليونان وكانت القائمة تتكون من خمسة أعضاء أسندت لهـم المهام المذكـورة أدنـاه

    أمين اللجنة الشعبية للمكتب الشعبى باليونان 
 عضو اللجنة الشعبية للشؤون المالية
 عضوا اللجنة الشعبية للشؤون الثقافية
 عضوا اللجنة الشعبية لشؤون الإعـلام
عضوا اللجنة الشغبية للشؤون القنصلية

ثم تلي بعـد ذلك نص مشروع برقية وجهت للقائد معمر القذافي تؤكـد على أن الجماهير الليبية فى اليونان قـد تفاعلت مع خطابه التاريخي وإستجابت له بالزحف بتاريخ اليوم الأول من شهر الفاتح 1979علي السفارة الليبية باليونان وحولتها الي مكتب شعبي وصعـدت من بين الزاحفين لجنة شعبية لإدارته ، وهـم اذا يحققون هـذا الإنجاز الثوري الهام في اليونـان يؤكـدون دعمهم ومؤازرتهـم للقائـد ولثـورة الفاتـح العظيـم ، ومـا إن انتهـي السيـد البشاري من قـراءة نص البرقية المذكورة حتى تعالـت الأصوات بالهتافات والأهازيج  والأناشيـد الوطنية

إلا أن أمورهـذا الزحف لـم تتم وفقـا لما هـومتفق عليه فيما يتعلق بتصعيد الأعضاء الخمسة للجنة الشعبية للمكتب الشعبي وذلك عند لاحظ الزاحفون أن عضو اللجنة لشؤون الاعلام المصعد من قبلهم لم يكن متواجدا بالقاعة أثناء مراسم التصعيـد وتسربت أنـباء بيـن الزاحفين بأنه معتقل منـذ مساء يـوم 31 اغسطس داخـل مركـز شرطـة  “ميـدان أمونيـا ”  مع عــدد مـن رفاقـه القادميـن من ليبيـا ضبطـوا كما اشيـع بأنهـم كانـوا جميعـا في حالـة سكـر وعربـدة داخـل أحـد البارات فـي ” ميـدان أمونيا ” وسـط العاصمـة وما إن انتشرهـذا الخبر”المشين “بين جمع الزاحفيـن داخـل السفارة حتي ارتسمت علي وجوههم علامات السخط والإشمئزازوطالبـوا فـورا بإسقاط  العضوية في اللجنة الشعبية للسفارةعن عضو اللجنة للشؤون الإعلامية ، وفي هـذا الجـو المتوترالمشحون بالغضب أعلـن قائد الزحف الغاء تصعيد عضو اللجنة لشؤون الإعلام بسبب ما نسب اليه من تصرف مشين وطلب  من جمهور الزاحفين تصعيد البديـل الذى سيحـل محله

وانتهز بعض من أبناء الجالية الليبية والطلبه الليبيين الدارسين باليونان وموظفي السفارة هـذه الفرصة فاقترحوا علي السيد البشاري تصعيد القائم باعمال السفارة ليحل محل عضوا اللجنة للشؤون الاعلامية الذي أسقط تصعيده بسبب ما اشيع عنه من تصرفات لا تليق به ، وبارك السيد البشاري هـذا الاختيار على شـرط الا يتم التكليف الا بعـد استلام موافقة المكتب الشعبى للإتصال الخارجى  بطرابلس علي هذا الترشيح ، وفعـلا تم الإبراق بذلك الى طرابلس ، وجاء الرد بالموافقة في اليوم التالي 02 / 09 / 1979

وهكذا تكونت اللجنة الشعبية للمكتب الشعبي الليبي فى اليونان من خمسة أعضاء أربعة منهم تابعين لمكتب الاتصال باللجان الثورية وكنت الوحيـد التابع لوزارة الخارجية،  بينما الأربعة الآخرين جلهم شباب صغار السن منهم من هو متخرج  حديثا من الجامعة في نفس سنة الزحف 1979 يتبعون اداريا مكتب الاتصال باللجان الثورية ولاتوجـد لهـم أي علاقـة بالعمل الدبلوماسى …هـذا التناقض فى مستوي الأعمار وفي مستوي الخبرة وفى عـدم وحدة التبعية الإدارية أدي مع الوقـت إلي خلافات بسبب عـدم الإنسجام الوظيفى  داخل اللجنة الشعبية ، وكانـوا يعتبروننى بمثابة جسـم غريـب عنهـم، وربما حتى “جاسوس”  بينهم ويتعمـدون  فى الكثير من الأحيان عقـد الكثير من اللقـاءات الجانبية السرية فيما بينهم خارج مبنى السفارة والتى تتناول بعض الأمور المشتركة بينهم وبين مكتب اللجان الثورية دون علمى او اشراكى معهم…. وكنت من جانبى ايضا  للحقيقـة  أقــول “جـت منك ياجامـع” أتحاشى الإختـلاط  بهـم  إلا فيمـا نـدر تحت الحـاح ظـروف العمــل   والوحيد الذى كانت تربطنى به علاقـة أستطيع أن أصفها بأنها جيــدة نوعـا مـا  كـان السيد أمين اللجنة الشعبية للمكتب  الـذى كـان اكثرهــم تفهمـا وتنـورا ومرونـة

وبالطبع طغـى عــدم الإنسجـام هـذا حتى على اجتماعاتنـا الرسمية التى كنا نعقـدها  أيضا كلجنـة لتـدارس أمـور البعثــة او اتخـاذ عــدد من القـرارات وكان أمين اللجنة يحـاول قـدر الامكان تهدئـة الخواطــر واخمــاد التوتـرات التى تنشـأ بيننــا.. واذكــر على سبيل المثـال أن أحــد الأعضـاء “كان طالبا بالجامعة تـم تصعيـده  مباشـرة بعــد تخرجـه كعضو لجنـة للشؤون المالية” اقترح على شخصيا  كمسؤول عـن الإعلام  بالسفـارة وبنـوع من صيغـة الأمـر “على اعتبار انه عضو بمكتب اللجان” ان أعمل على تنفيذ  مشـروع دعايـة للكتـاب الأخضـر بأجزائـه الثــلاث  فى لوحـات زجاجيـة ضخمـة تضــاء بالنيـون وتـوزع على عـدد من الاكشاك الكبيرة فى كـل من سالونيك وأثينـا وبعـض المـدن اليونانية الأخـرى واعترضت على هـذا المقترح على أسـاس أنــه أولا : هــذا الأمـر يدخـل فى اختصاصى  وثانيا: أن تنفيـذ هـذا المقترح سـوف يكلف السفـارة مبلغـا كبيرا من المال يصعـب تغطيتـه من البنــد المخصص بالميزانيـة، كما واننى لــم أوافــق على دعــم هــذا البنـد بطلـب أى مبالـغ لتغطيـة نفقـات هــذا المقترح.. وتطــور النقـاش بينى وبين صاحـب الإقتـراح  الذى وجـد  للأســف المعاضـدة والمسانـدة  مـن بعـض الأعضاء ممـا صعــب على إقناعهـم بوجهة نظــرى، إلا ان الله سبحانـه وتعـالى ألهمنى خـلال ذلك النقـاش الحاد بينى وبينهم بـأن جابهتهم بــرد لــم يكــن متوقعــا من قبل أى منهـم دفعـت به فى نـوع مـن المزايــدة والتحـدى فى نفـس الوقـت، وذلك عندمـا قلـت لهـم “أنـا لــن أرضى لهـذا الكتـاب الـذى يمثـل قيمـة حضاريـة وانسانيـة” أن تتــم الدعايـة لــه  بهـذ  الأسلـوب المهين والمقــزز  وذلك بوضع صوره  فى واجهـة الأكشـاك جنبـا إلى جنـب مع صور دعايـات الخمـور والسجائـر”…. وكـان لهـذا الـرد مفعولـه السحـرى  الـذى دق أسفيـن النهايـة فى هــذا المقترح الـذى قبـر نهائيـا منــذ ذلك التاريــخ

إلا أن نقـل أمين المكتب الأستاذ علي ماريا الذى كـان ودودا ومجاملا ، يحترم وجهة نظـرى فى العديد من الأمور والمواقـف ، إلى احـدى البلاد العربية ، ووصول بديـل لـه كـان للأسف غافـلا عما يجـرى فى السفارة باليونان من مؤمرات ودسائس ضد شخصى، أعطـى الفرصة لبعض أعضاء اللجنـة فى أن يوقعـوه فى حبائلهم، وفى إشعـال نـار الفتنـة والعــداوة بينى وبينه، وللأسـف الشديد  فقـد انساق وراءهــم  فى الكيـد لى مع مكتب اللجـان الثورية فى طرابلس  واتحــدوا جميعـا “رغـم اختـلاف مآربهـم” فى تآمـرهـم من أجـل إبعـادى من السفـارة بأى صورة من الصور ، ووصـل الحقـد ببعضهم الى اتهامى بعدم الولاء للنظام والتشكيك فى تعاونى مع المعارضة الليبية فى الخارج ، واتفقـوا مع مكتب اللجـان فى طرابلس على  خطـة إسقـاط عضويتى من اللجنـة الشعبية للسفــارة، ومن اجل تحقيق هذه المكيدة سافــر أحدهم خصيصا الى طرابلس مـن أجـل إقنـاع مكتـب اللجـان الثوريـة بنقلـى  فورا الى طرابلس

  ( 3 )

بعد منتصف شهر مايو 1980  فوجئت بالسفر المفاجىء للسيد رئيس السفارة الليبية فى اليونان الذى كان قد كلف برئاستها فى اعقاب الزحف عليها فى اواخــرعام 1979 وتبعه بعد ذلك ما كان يسمى بعضو اللجنة الشعبية للشؤون المالية… ووجدت نفسى ودون ان أحاط علما بهذا السفر المفاجىء قائما بالأعمال ومسؤولا عن ادارة البعثة كأمر واقع، وهو ما جرت العادة فى مثل هذه الامور الطارئة التى تسند امور ادارة البعثة  الدبلوماسية خلالها تلقائيا لاكبر لحامل أكبر درجة من بين العاملين فيها..  ومن باب حسن النية لم اشغل نفسى كثيرا بالبحث عن مسببات هذا السفر المفاجىء لكل من امين المكتب الشعبى وومساعده عضو اللجنة الشعبية

الا أن أمـور هذا الاختفـاء المفاجىء لرئيس البعثة الدبلوماسية الليبية ورفيقه عضو اللجنة الشعبية بالمكتب ابتدأت تتكشف لى بعـد ذلك الإختفـاء بيومين او ثلاثـة ، وذلك فى صباح  يوم 22 او 23 من شهر مايـو 1980، وذلك عندما اتصل بى هاتفيا موظـف الاستقبال  ” محمد الميار”  بالدور الارضى حوالى التاسعة والنصف صباحا ليفيدنى بان أحــد المواطنين الليبيين لم يعلن عن أسمه موجـود بصالة الإستقبال بالـدور الأرضى يود مقابلة السيد السفير لأمر هـام وعاجــل… فأذنـت لـه بالدخـول على ان يكـون هـو ورجـل الامن برفقتـه طالما أن هذا الزائر مصرعلي عدم الإفصاح عن اسمه ولا عن الغرض من المقابلة

وفعـلا بعـد دقائـق معـدودة فتح باب مكتبى من قبل السيد ضابط الامن ” محمد بن عمران ” ومعه موظف الإستقبال  ” محمد الميار ” ودخـلا معا  إلي مكتبي  وبرفقتهما المواطـن الليبى ، ممسكا بأحد يديه بمظروف أصفر كبير ، وكان حينها كما بـدا لى ذلك اليـوم من مظهره وملامـح وجهه الأفريقي الأسمر أنه تجاوز عقـد الخمسينات من عمره، كان فارع الطـول، عريض المنكبين، صارم القسمات ، قـدم نفسه لي بنوع من الزهـو والخيلاء بأنه  ” فـلان ” من أنصار وداعمى ثـوار  وثورة الفاتـح العظيـم

ورغما عن مطالبتى له بالجلوس  ” بعـد ان تشرفـت بمعرفة أسمه وصفتـه ” ظـل  الرجل واقفـا أمامى ولـم يجلس، وانما أندفـع فى إتجاهي  قاصدا طاولة مكتبى ليفـرغ فـوق سطحها فى غلضة وهمجية وبأيادى مرتعشه متوتره محتويات مظروفه الاصفـر، والتى كانت عبارة عن جـواز سفـر ليبى تناثرت عليــه بقـع من الدماء وخنجـر  ” أبـوخـوصة ”  ملوث هـو الآخـر بالدماء، رمى بهما أمامىى فى وهــو يتمتـم  ” لقد صفينا أحـد الكـلاب الضالة  أعداء الفاتح العظيم … وهـذا جـواز سفـره… وهـذا يضا  هو الخنجـر الـذى أنهينا بــه حياتـه “

والحقيقة اننى  وزملائي صدمنا من هـول هذه  المفاجأة الغير متوقعـه فى ذلك الصباح ، وفارت الدماء فـى عروقى بعـد أن اعتلانى الغضب، ووجدتنى من هول الصدمة بعـد ان فقـدت اعصابى أصرخ فى وجه الرجـل ودون ان أتحكـم فى كلماتى من هول مارأيت …” عليك اللعنة ..شيل خـراك من قدامى يا حقيـر… وأخرج حـالا مـن مكتبى… أخــرج… أخرج … ويبـدو أنـه هو الآخر الذى كان يتوقع ترحيبى بما فعل ومباركتى له ، قـد صدم بما انتابنى من حالات غضب لم يكن يتوقعـه منى، فاغتاض من صراخى وتحقيرى له، وغلت عنده مراجيـل الغضب  فانتفخـت أوداجـه، وارتعــدت شفاهـه الغليضـه، وتطايـر الشررمن عينيـه،  فرمى فى وجهـى بمنتهى الوقاحـة  بكتلـة مظروفه الاصفـر الذى كان قـد اعتصـره داخـل قبضة يده اليمنى محاولا التهجـم على، والنيل منى، لولا ان تدخـل كل من مسؤول الأمن بالسفارة  المقدم محمد بن عمران  وموظف الاستقبال محمد  الميار، اللذان  حــالا  بينـه وبيــن الوصـول الى، و قـامـا معـا بجـرجـرتـه وسـط  صراخـه وسبابه وتهديداتـه  بعيــدا عـن طاولـة مكتبى، كما تمكنا بعـد جهـد من السيطـرة عليه واخراجـه نهائيـا من مكتبى مصحـوبا بجـواز السفـر وبخنجـره الملوث بالدماء البريئة

ومر ذلك اليـوم قاسيا ومؤلما على شخصى، ولـن تنمحـى ذكراه أبـدا من مخيلتى، ولما كنـت قـد احتفظـت فى ذاكـرتى باسم ذلك المجرم ، فقـد فوجئت فى اليـوم التالى عند قدومى لمكتبى، واثناء فتحى ملف البريـد اليومى الـذى قـدمته لى السكرتيرة للتهميش والتوقيع على بعـض المراسلات والصكوك ، فوجئت بوجـود صـك من بيـن تلك لصكوك بمبلغ معيـن من الدولارت مسحوب من حساب السفارة الليبية بالمصرف العربى اليونانى لصالح ذلك  ” المجرم ” فرفضـت توقيـعه ” كطـرف اول ” وطالبت المسؤول المالى بإلغائه فورا وعـدم تمكيـن هــذا المجرم من استـلامه ، الا انـه يبدو ان الصـك قـد وقـع “للاسـف” فيما بعـد من وراء ظهرى فى اليـوم التالى ودون علمى من قبـل عضوىن من أعضاء اللجنـة الشعبيـة بالمكتب، وكان جميع اعضاء اللجنة الشعبية  الخمسة وبما فيهم امين المكتب مخولين بالتوقيع على الصكوك المصرفية التى تصدر عـن السفارة والتى عادة ما تصرف بتوقيعين فقـط

وعلمت فيما بعـد ان هـذا المجرم بالتعـاون مع بعـض الطلبـه الموالين للنظـام السابق قـد قاموا بتنفيذ جريمة اغتيال الشهيد عبد الرحمن ابوبكر فى شقته، والشهيد هو من عناصر الشرطة او القوات المسلحة الليبية  كان قد حضر الى اليونان خلال  شهر مارس من عام 1980 مكلفا ” كما أشيع  حينها والله أعلم ”  باغتيال المحامى الأستاذ الفاضل ” عمران ابو رويس ” الذي كان  يترأس الحركة الوطنية الليبية والتى كانت من أول تنظيمات المعارضة الليبية المضادة للنظام الليبى بالخارج ، ويبدوا ان الاستاذ عمران أبو رويس توفرت لديه معلومات عن هذه المؤامرة فسحب اطفاله من المدرسة الليبية باليونان واختفى فجأة عـن الانظـار

وكان المرحوم بإذن الله عبد الرحمن ابوبكر. أمام صحـوة من  ضميرة قــد تباطأ أو ربما أمتنع عـن تنفيذ مهمته التى كلـف بها باغتيـال الاستاذ  ” عمران ابو رويس ” وفضل ان يقطـع صلته بالنظـام نهائيا، وان يعيش بسلام  بعيدا عن ليبيا، كعامل بالأجـرة فى أحـد المصانع بالعاصمة اليونانية، شأنـه في ذلك شـأن العـديد من الليبيين الذين هربـو من قمع وطغيـان النظـام ، وقـد أثـار هذا التمرد من قبل ” عبد الرحمن أبوبكر “على تعليمات الارهابيين فى ليبيا غضب السلطات الليبية التى سارعت الى تكليف ” المجرم ” بالبحث عنه بالتعاون مع عناصر من المكتب الشعبي باليونان ومع بعض الطلبة الليبيين الدارسين فى اليونان فى مجال الكهرباء وتركيب الاسنان والعمل على تصفيته فى أسرع وقت ممكن حتى لا يكشف سر المهمة التى كان قد كلف بانجازها، وفعــلا  استطاع  المجرم  بما توفـر لـه من دعـم مادى كان يصرف له بالتأكيد بسخاء، ان يتقرب الى الطلبه الليبيين الدارسين فى اليونان وان يتودد لهـم ويحوزعلى ثقتهم  بما أغدق عليهم من أموال وهدايا وخاصة الطلبه الذين كانت تربطهم علاقات وثيقة بالضحيـة،  وعندما سنحت الفرصة واللحظة المناسبة، دبر المجرم مع كلابه المسعورة من الطلبة ومع من انظم اليهم من المتعاونين المقيمين باليونان خطة اغتياله فى شقتـه التى ذبح  فيها  ذبـح الخراف وفصل فيها رأسه عن جسمه فى أبشع جريمة أعلنـت عنها السلطات اليونانية فى 21 من شهر مايو 1980

الا أن عدالة السماء كانت بالمرصاد لهذا المجرم  فمنذ قدومه لليونان ونزوله بهوتيل ” الريفا  ” فى شارع ميخالوكوبولو كانت الجهات الامنية اليونانية قد وضعته تحت المراقبة وكثفت من مراقبته بعد ان قام باجراء لقاءات سرية مع بعض اعضاء المكتب الشعبى ويقال انها  زرعت له احدى العاملات بالهوتيل ” ريفا ” لكى تتودد إليه وتطلع على أسراره وترصد تحركاته واتصالاته والمترددين على حجرته وكانت تبلغ الجهات الامنية اول باول عن اى معلومات تتوفرلديها

 وفعلا بعد  اكتشاف جريمة اغتيال المرحوم عبد الرحمن أبوبكر الكومباص سارعت الجهات الامنية بتتبع من كانوا على اتصال به خلال الايام الاخيرة التى سبقت مقتله، وحامت الشبهات والشكوك حول ثلاثة اشخاص كان المجرم من ضمنهم، وتأكدت شكوك الجهات الامنية عندما أبلغتهم عميلتهم  بالهوتيل باستعداده لمغادرة اليونان الى ليبيا، وعلى اثر ذلك سارعت الجهات الامنية  بالقبض عليه ووجهت له تهمة المشاركة فى اغتيال الشهيد عبد الرحمن.. وحكـم عليه القضاء اليونانى بالسجن لعدة سنوات، وأودع فى احد السجون بجزيرة كريت…..وكان شكل الصك الموقع لصالحه من قبل المكتب الشعبي الليبى باليونان والمسحوب لصالح المجرم على المصرف العربى اليونان إحدى إدانات تعاون السفارة الليبية معه فى تنفيذ الجريمة ، وكلفت السفارة الليبية محاميها  اليوناني  المدعو ” بليفرس ” بتتبع اخبار المجرم  والدفاع عنه والعمل على عودته إلى ليبيا بأى ثمن

والمعروف أن حملة التصفيات الجسدية بدأت من داخل ليبيا مع أوائل عام 1980. ففي فبراير قتل المحامي المعروف عامر الدغيس والمحامي محمد الصغير، وفي مارس من نفس العام صُفي القانوني محمد حمي ثم تلاه المهندس محمود بانون في أبريل . أما في الخارج فقـد استهدفت الحملة

محمد سالـم الرتيمي فـي رومـا   (21 مارس 1980)
محمد مصطفى رمضان في لنـدن (11 ابريل 1980)
عبـد الجليــل عـارف في رومـا    (19 ابريل 1980)
عبد اللطيـف المنتصر في بيروت (21 ابريل 1980)
محمود عبد السلام نافـع في لندن (25 ابريل 1980)
عبـد اللــه الخـــازمـي في رومــا (10 مايو 1980)
عمــران المهـــدوي فـي بــون   (10 مايـو 1980)
محمـد فـؤاد أبـوحجر فـي رومـا (20  مايو 1980) 
عبـد الحميـــد الريشي في رومـا (28 مايو 1980) 
عـزالديـن الحضيري في ميلانو  (11 يونيو 1980)

وقد شكلت هذه الإغتيالات المتتالية مفترق الطريق بينى وبين النظام القمعى فى ليبيا وجعلتنى أعــد العـدة للإنفصال عنه بأى صورة من الصور، الا ان ان الظروف الصحية السيئة لاسرتى لم تكن مواتية، وقـد تجعلنى هدفا سهل المنال اذا ما جاهـرت بانشقاقى عن النظام ، خاصة وان دولة اليونان التى أقيم فيها تربطها علاقات وثيقة بالنظام الليبى واجبرتنى هذه الظروف على ان انتهج الدبلوماسية االهادئة وعدم التصادم الصريح  في التعامل مع النظام واعوانه ،ولكن للأسف تأتى الرياح بما لا تشتهي  السفن ، فقد كانت حادثـة طــرد ” المجرم القاتـل ”  من مكتبى وكذلك إمتناعى عن توقيع الصـك المسحـوب من حساب المكتب الشعبى بالمصرف العربى اليونانى لصالحـه ، وتسرب معلومات عن لقائى ببعض رموز المعارضة الليبية بالخارج، ولما تسربت بعـض الشكـوك الـى السلطـات الليبية تفيـد بالشك في ولائـى للنظـام خاصـة بعــد تسرب معلومات عن تعاطفي ولقائاتى مع بعض من رموز المعارضة الليبية فى الخارج ، اقترح بعض الزملاء من افراد المعارضة الليبية بالخارج وعلي رأسهم المناضل عبد الونيس محمود ان يتم التشهير بى فى احـدى منشورات المعارضة بانى متعاون مع النظام الليبى، وتمت الموافقه علي هذا المقترح ، وفعلا نشر هذا التشهير والطعـن فى شخصى فى احد منشورات المعارضة الصادرة عن الحركة الوطنية  الليبية ، وفعلا نجحت الفكرة  وكان لهذا التشهير دوره فى تخفيف الضغوط عن شخصى وعن أفـراد أسرتى

كنت قد تناولت فى إدراجي السابق كيف ان (القاتل) وهو مواطن ليبى قد فاجأنى  فى مكتبى بالسفارة الليبية فى اليونان خلال النصف الاول من شهر مايو 1980 بالإدعاء  فى فخر وخيلاء بارتكابه لجريمة قتل لمواطن ليبى آخــر… وصفه بأنه أحد الكلاب الضالة، ورمى بحضورى وحضور مقدم الامن وموظف الاستقبال على سطح مكتبى  بادوات الجريمة، التى كانت عبارة عن جواز سفر الضحية  والخنجر ( أبوخوصة) الذى أدعى ارتكاب الجريمة به… ثم حدث ما حدث بينى وبينه من عراك وصدام بعـد ان طردته من مكتبى،  وتدخل بعض موظفى السفارة الذين جرجروه بالقوة إلى خارج  مكتبى

ولكن السؤال الذى يطرح نفسه فى اعقاب هذا الحدث المرعب… هل يكفى لى كدبلوماسى امثل الدولة التى ينتمى إليها القاتل والمقتول ان احكم على هذا الرجل  الذى تبجح  فى مكتبى مفتخرا بانه  قد ارتكب جريمة قتل…؟؟؟…. بانه فعلا قاتل…. وأننى يجب ان ابلغ عنه السلطات اليونانية…..؟؟؟ هنا  يتدخل العقل وتتدخل الحكمة اللذان يفرضان علي الدبلوماسى عدم التسرع فى الخضوع لظواهر الامور التى قد تكون خادعة أو مدبرة أو غير مقنعه ، خاصة  فى مواجهة حدث مرعب  (جريمة قتـل)  يعتبر القاتل والمقتول فيها من رعايا نفس الدولة التى يمثلها الدبلوماسى… وكيف سيكون تصرف الدبلوماسى الذى يمثل طرفى الجريمة حيال هذا الموقف…؟، علما بأننى طبقا لواجبى الوظيفى ملزم بان اوفر  الحماية لكليهما….؟؟؟؟

اعتقد ان اى ناقد بالنسبة للموقف الذى اتخذته فى مواجهة هذا الحدث هو متفرج من  بعيد  ينظر للحدث من وراء حاجز من زجاج ويقيمه بعيدا عن حقيقة المعطيات والظروف التى كانت تتحكم فى تشكيل هذا الموقف، وغير ملم  ايضا بالظروف التى كانت تحكم وتتحكم فى العلاقات الليبية اليونانية خلال تلك الفترة، وبان الدولة  الليبية نفسها التى امثلها ربما تكون طرفا فى هذه الجريمة…. وعليه  أعتقد أن هذا الناقد المتفرج يكون من السهل عليه اصدار الاحكام الاستعراضية كالمتفرج من (التريبونا) وهو اننى من المفروض ان ابلغ عن القاتل فى التو والحين..!!! او ربما اقوم حتى بتسليمه للشرطة….!!! هكذا وبكل سذاجة قد يعتبر البعض الامر فى غاية البساطة والسهولة

صحيح ان الموقف قد هزنى من شدة المفاجأة  لاننى لم اكن اتوقعه، ولاننى من خارج دائرة من  خططوا له أو من كانوا  يتوقعون حدوثه ، الامر الذى جعلنى اتصرف بعصبية فى مواجهته، ولكن رغما عن كل ذلك لم  ألجأ الى التسرع فى اصدار الاحكام  متأثرا بظواهر الأمور… والتصرف الوحيد الذى أرتأيته خلال فورة غضبى ووفقا لقناعاتى وما املاه على ضميرى هو طرد هذا الانسان من السفارة سواء كان عاقلا او مجنونا وسواء قد ارتكب الجريمة  فعلا  أم يدعي إرتكابها … اذ ليس من حقه ان يلجأ للسفارة فى مثل هذه الظروف وليس من واجبى كدبلوماسى ان اوفر له الحماية او الرعاية داخل مبنى السفارة  كما انه ليس من حقى أيضا اتهامه أوتسليمه  كمواطن ليبى لسلطات اجنبية

بالطبع انتشر موضوع ما حدث من هرج ومرج بيني وبين القاتل فى مكتبى بالسفارة  بين العاملين بالسفارة من محليين ووطنيين، الأمر الذي يوحي بتسرب هذا الخبر ايضا الى خارجها عن طريق بعض العاملين المحليين (الذين يعتبرون عين للدولة المضيفة داخل السفارات المعتمدة بها  ) وربما ساهم انتشار هذا الخبر خارج السفارة فى تضييق الخناق على القاتل ومن ثم تسهيل القبض عليه

ووفقا للاقوال المتداوله ان جريمة قتل المواطن الليبى عبد الرحمن ابوبكر الكومباس قد اشترك فى تدبيرها وتنفيذها اكثر من شخص منهم طلبه ليبيين ومنهم موظفين عاملين بالسفارة، وبعد ان تم القبض على القاتل تعرض عدد من هؤلاء للتحقيق من قبل السلطات اليونانية ثم اطلق سراحهم  بعد تدخلات من قبل السفارة ومن قبل عناصر يونانية تمول من قبل الشركات الليبية اليونانية المشتركة واستطاع بعض من حامت حولهم الشبهات الفرار الى ليبيا

وكنت قد اوضحت فى مقالى السابق ان القاتل قد حكم عليه بالسجن ولكن فاتنى ان اذكر ان مدة العقوبة كانت عشرون عاما، لم يقض منها فى السجن سوى اربعة او خمسة اعوام فقط  وذلك بالتنسيق بين الدولتين ولعب محامى السفارة الذى كلف بمتابعة موضوع القاتل من قبل السلطات الليبية دورا كبيرا فى ترتيب نقله من أحد سجون العاصمة اليونانية (أثينا) الى أحد السجون فى جزيرة كريت التى لا تبعد كثيرا عن الشواطىء الليبية… واستطاع  المحامى المذكور بعد عدة محاولات فاشلة  أن ينجح فى تهريبه بالتعاون مع احدى الشركات الليبية اليونانية المشتركة من سجنه بكريت عبر البحر الى ليبيا… إلا ان هذا القاتل رغما عن نجاته من عدالة الانسان فى كل من ليبيا واليونان  إلا أنه لم ينجو من عدالة السماء وعدالة الله الذي لا تخفي عليه خافية ، فبعد وصول القاتل الى ليبيا بفترة قصيرة قتل فى حادث سيارة مروع على الحدود الليبية التونسية

الشىء الاخر الذى اود ان اكون منصفا فى نقله والحديث عنه هو  أننى كنت قد التقيت  بالسيد (اشتيوى على محمد القبلاوى) الذى كان مرافقا للجندى عبد الرحمن ابوبكر الكومباس  فى رحلته من ليبيا الى اليونان عبر ايطاليا حيث استفسرت منه  عما يشاع من ان القتيل كان مجندا لاغتيال المحامى والمعارض الليبى عمران ابورويس فى اليونان فنفى هذه الاشاعة نفيا باتا وبشدة، مؤكدا لى بان الضحية لم يكن اساسا مواليا لنظام القذافى وان خروجهما من ليبيا كان عبارة عن رحلة هروب من عسف النظام وجوره واكد كشاهد على ان القتيل الذى يعتبر رفيق صباه جاء الى اليونان هاربا من الجندية ولا علاقة له بهذه الاشاعة التى ربما دبرت لتشويهه وهو منها براء

تبقى نقطة أخيرة لا زالت غامضة فى ملف هذه القضية…. وهى ان جثة القتيل المرحوم عبد الرحمن ابوبكر الكومباس الذى اغتيل باليونان عام 1980، لم تسلم حتى هذا التاريخ الى اهله  لا من قبل السلطات اليونانية ولا من قبل السلطات الليبية…. اذا السؤال المحير  الذى يطرح من قبل الجميع.. أين ذهبت الجثة…؟؟؟؟ هل دفنت باليونان  أم انها ارسلت الى ليبيا ودفنت فى مكان ما…؟؟؟  أو ربما حفظت فى احدى برادات العهد السابق…. أين ذهبت الجثة…؟؟؟؟… سؤال محير..لم تجد له اسرة المواطن الليبى الشهيد عبد الرحمن ابوبكر اى اجابة شافية… وسيضل هذا السؤال قائما الى ان تتكرم الدولة الليبية – وجهاز الامن الخارجى ، ووزارة الخارجية بالذات بإعطاء الجواب الشافى لأسرة القتيل التى تنتظر الجواب على أحر من الجمر

( 4 )

فى 11 فبرايـر مـن عـام 1980 هبطـت فى اليونـان فى مطـار “ماليمى” الصغيـر المهجـور الواقـع إلى الغـرب مـن جزيـرة كريـت اليونانية بالقـرب من قاعـدة “ســودا” الأمريكية التى تبعـد حوالى 200 ميـل من اليابسـة الليبيـة  طائـرة “ميـج – 23”  تابعـة  للسلاح الجـوى الليبى بقيـادة الطيـار الليبى “حـازم الباجـقنى” خريـج أكاديميـة الطيران العسكرى فى يوغسلافيـا، ولـم يكـن على متنها برفقتـه أى أحــد، وسارعـت قـوات الماريـن الأمريكية المتمركـزة فـى قاعـدة “ســودا” والتى كانـت تتابـع وتراقـب عـن طريـق جهـاز الـردار إختـراق طائـرة السلاح الجـوى الليبى  للأجـواء اليونانيـة إلـى تطويـق الطائـرة مـن كـل جانـب عنـد هبوطهـا وذلك بعـد أن سهلـت وساعـدت على هبوطـها بسـلام على أرض المطـار، وكانـت طائـرة  الميج- 23  الليبيـة، بعـد أن اكتشفهـا جهـاز الرادار قـد أرسلت اشـارة استغاثـة بطلب للهبـوط الاضطـرارى بسبـب نقـص فى الوقــود، ولـم تتضررالطائـرة عنـد هبوطها فى المطـار المهجـور، وبعــد تفتيشهـا بدقـة، والتأكــد من خلـوها من أى ممنوعـات أو أسلحـة اقتيـد ملاحهـا بعـد استسلامـه الى جنـود الماريـن إلى مقــر قيـادة القاعـدة الأمريكية حيـث تـم التحقيـق معـه واستجوابـه من قبل كـل مـن الإستخبارات الأمريكية واليونانيـة على حد سواء  للتأكـد مـن هويتـه وأسبـاب هبوطـه الاضطرارى فى الاراضى اليونانيـة، وقــد اوضـح الكابتـن طيـار “الباجقنى” لسلطـات التحقيـق بأنـه هارب من ليبيـا الى اليونـان خـوفــا على حياتـه مـن نيـر حكـم القـذافى ومـن مقصلـة  الإعـدام التى كانت معــدة لـه بسبـب -وفقــا لأقوالــه- اكتشـاف السلطـات الليبيـة لمحاولتـه الفاشلـة لتهريـب “19” ضابطـا  ليبيـا، كـان قــد حكـم عليهـم جميعـا بالإعــدام على متـن  طائـرة “س- 130” بقيادتـه الى خـارج ليبيـــا ، ولحسن حـظ الطيارالليبى فقـد كانـت سلطـة الحكـم فى اليونـان خـلال تلك الفتـرة تحـت سيطـرة حـزب الديموقراطية الجديـدة المحافـظ بزعامـة “كوستانتين كارامنلس”  الـذى كـان رئيسـا للـوزراء ولــم تنتقــل بعـد هـذه السلطـة الى حـزب الباسـوك برئاسـة “أندرياس باباندريو” الصديـق المقـرب للطاغية الليبى إلا فـى اواخـر عــام 1981

وفى مساء نفس يوم 11 فبراير، استلـم منـاوب السفـارة الليبيـة فى “أثينـا” برقيـة عاجلـة موجهـة الى رئيـس البعثـة، تفيـد بأن طائـرة ليبيـة مـن طـراز ميج – 23  كانـت قـد أقلعـت من أحـد المطـارات الليبية متجهـة الى داخـل ليبيـا قـد ظلـت طريقهـا بسبـب سـوء الأحـوال الجويـة فهبطـت اضطراريا بجزيـرة كريـت، وتطلب البرقيـة من رئيس البعثـة التوجـه فـورا إلى السلطـات اليونانيـة للإستفسار عـن الطائـرة وتسهيـل رجوعهـا ورجـوع الطيـار إلى ليبيـا، علمـا بأن الإعـلام اليونانى لـم يشـر فى كافـة نشراتـه المسائية ذلك اليـوم إلى قصـة هبـوط هـذه الطائـرة، والتى يبـدو أن أمر هبوطها قـد أحيـط بالكتمـان، وكـان “أمين المكتب الشعبى باليونـان” متغيبـا  خـلال تلك لفتـرة فى إجـازة فى ليبيا، وكنـت بحكـم كونى الشخـص الثانى بالبعثـة ملـزم بتنفيـذ التعليمـات الـواردة بالبرقيـة

وبنـاء على هـذه التعليمات وأيضـا مـن بـاب حـب الإستطلاع الشخصى لتقصى حقائـق الموضـوع، حــددت موعـدا عاجلا مع وزيـر الخارجية اليونانى السيد “ميتسوتاكيس” الذى رحـب بى صباح يوم 12 فبراير فى  مكتبـه الخـاص بوزارة الخارجيـة وكانـت تربطنى به وزميله المقـرب لـه “بـول فاردينويانيس” عضـو البرلمـان اليونانى عـن جزيـرة كريـت علاقـة خاصـة بسبـب حادثـة بروتوكوليـة معينـة “سأتطـرق اليهـا لا حقــا” ويعتبـر الإثنـان مـن وجهـاء جزيـرة كريـت ومـن الركائـز الهامـة فى  حـزب الديموقراطية الجديـدة تحـت زعامـة “كوستانتين كرامنليس”

وخلال اللقـاء بينى وبين وزير الخارجية، وبعـد ان قدمـت لـه طلـب الحكومة الليبية القاضى بإرجـاع الطيـار والطائـرة الليبية، ابتسـم الوزيـر ابتسامة الخبـث والدهقنـة التى أعرفهـا عنه وعبر لى فى نـوع من خبثه الدبلوماسى عــن أسفــه  الشديـد، عـن عـدم قـدرة السلطات اليونانية على تحقيـق طلب الحكومة الليبية، موضحـا لى  بصراحـة بـأن الطيار الليبى لـم يضـل طريقـه بسبب ســوء الأحـوال الجويـة، وانما هبـط فى جزيـرة كريـت بإرادتـه الشخصيـة، وأنـه فـور هبـوطه داخـل مطـار ماليمى التابـع لقاعــدة “ســودا” الأمريكية تــم استلامـه مـن قبـل رجـال الماريـنز الأمريكيين، وقـد طلـب بمجـرد هبوطـه منحـه اللجـوء السياسى وقـد استجيب لطلبه من قبل السلطات الأمريكية، وتــم تسليمـه تحـت حراسـة امريكيـة إلـى بعثـة الأمـم المتحـدة  لشـؤون اللاجئيـن..، وأنـه سيسافـر بنـاء على رغبتـه إلى أى جهـة يتـم قبولـه فيهـا كلاجـىء سياسـى، وأوضـح الوزيـر أيضـا بـأن السلطـات اليونانيـة ليس لهـا السيطـرة على مطـار ماليمى التابع لقاعـدة “ســودا” الأمريكية ولا علاقـة لهـا بمنـح الطيـارالليبى اللجـوء السياسى، مؤكـدا لـى ردا على استفسار لـى عـن صحـة  الطيـار الليبى، بأنـه  تـم هبوطـه بصـورة طبيعيـة وسليمـة وانـه بصحـة جيـدة كمـا وأن الطائـرة لـم تتعـرض لأى اضـرار أثنـاء هبوطهـا، وفى إمكـان السلطـات الليبيـة استرجاعهـا فى أى وقـت تشــاء

واكتفيت بهـذه الـردود من جانب الوزيـر الـذى ودعنى بحرارة  حتى خـارج مكتبـه، وقمـت فـور وصولى الى مكتبى بالسفـارة بالإبراق الى وزارة الخارجية الليبية  بفحـوى الحديث الذى دار بينى وبين وزيـر الخارجية  اليونانى، واوضحـت لهـم فى برقيتى  وبمـا لا يـدع مجـالا للشـك بأنـه لا أمـل فى ترجيـع الطيـار “حـازم الباجقنى” لتمتعـه باللجـو السياسى من قبـل الحكومة الأمريكية، أما بخصوص الطائـرة فسترجـع على الفـور… وكنـت اتصور أننى بهـذا الـرد قـد اقنعـت السلطات الليبية بعـدم جــدوى المطالبة بتسليـم الطيـار الليبـى ، إلا أن وزارة الخارجية الليبية أو ربمـا القيـادة الليبية لــم تقتنـع بـردى هـذا، وأعتبـرت مـا ورد فى برقيتى “فشــل” منى كدبلوماسى فى معالجـة الموضـوع مع وزارة الخارجية اليونانية بمـا يستحقـه مـن حـزم  وتشــدد، وطلبت الوزارة مـن السيد أميـن المكتب الشعبى الـذى كـان  فى اجـازة فى ليبيا قطـع إجازتـه والعـودة فــورا إلى اليونـان ليتولى شخصيا معالجـة موضـوع  هـروب الطيـارالليبى إلى اليونــان

وفوجئـت بعـد يوم واحـد من ارسالى للبرقية التى لـم يرضى محتـواها (سلطـات طرابلس) برجـوع السيد أميـن المكتب الشعبى إلى عملـه بالسفـارة باليونـان وطلـب مـن سكرتيرتـه على الفـور تحـديد موعـد عاجـل لـه مع وزير خارجية اليونـان، ولإبلاغـه رسالـة شفويـة عاجلـة مـن وزير الخارجية الليبية، وبنـاء على هـذا الطلـب  تـم تحـديد موعـد لنـا مـع الوزير اليونانى، الذى استقبلنا فى إحدى الصالونات الفاخـرة التى كانت تنتشر داخـل مبنى وزارة الخارجية اليونانيـة العريـق المطـل على حدائـق “زابيـون” بوسـط العاصمـة اليونانية، استقبلنا بابتسامته المعهودة وبرفقته مدير ادارة المراسم، ولما كان أمين المكتب الشعبى لايجيـد اى لغـة أجنبية فقـد توليت نقل حديثه مترجما الى الوزيراليونانى

والحقيقة أن امين المكتب الشعبى فى لقائـه بوزير خارجية اليونـان، كـان يخفـى ارتباكـه وتوتـره خلـف ابتسامات مصطنعه كـان يتبادلهـا مع كـل من الوزير ومديـر المراسم منذ اللحظة الاولى التى ابتدا فيها حديثه الى الوزير اليونانى، ومع ان  بداية حديثه اتسم بنوع من الهدوء والمجاملة  عندما نقل للوزير اليونانى تحيات  زميله وزير خارجية ليبيا  وشكره العميق للحكومة اليونانية على ما ابدته من حرص واهتمام بموضوع الطائـرة الليبية التى هبطت هبوطا اضطرارىا فى الاراضى اليونانية، إلا أنه –أى أمين المكتب-  عندما تعرض لموضوع المطالبة بترجيع الطيار الليبى للسلطات الليبية استخدم -للاسف- عبارات وجمل فيها حدة وتتسم بالتهديد المبطن، واحسست بالاحراج فى النقل  الحرفى لترجمة هذه العبارات الى علم الوزير اليونانى،وحاولت قدر الامكان أن أهذبها عند الترجمة وأن أسقط  بعض منها عمدا، الا أن “أمين المكتب” ونتيجة لمعرفته الركيكة ببعض الكلمات الانجليزية العامة والمتداولة لا حظ  اسقاطى لهذه الكلمات التى تفوه بها، فقام بمقاطعتى اثناء الترجمة مصححا لى بترديد الكلمات التى تجاهلتها الى وزير الخارجية  ومنها على سبيل المثال “إن لـم تسلمونا الطيار سنقـوم بقطـع النفـط عنكم فـورا”

غير ان وزير الخارجية الذى فوجـىء  بهـذه  العبارات التى نطقـت فى حضوره بلكنـة ركيكـة وخالية مـن الدبلوماسية، استقبلهـا بنوع مـن الهـدوء وبابتسامـة الساخـرة التى ارتسمـت على اساريـر وجهـه، وبعـد أن تبــادل النظـرات مع مديـر مراسمـه،نهـض فجـأة منهيـا اللقـاء معنـا فى نـوع من الكياسـة الدبلوماسية معتـذرا لنــا عـن عـدم مواصلتـه بسبـب ارتباطـه بموعــد هـام خـارج  مبنى الوزارة   وقـام  علـى عجـل بمصافحتنـا  وتوديعنــا، ورجعنـا نحـن بخفـى حنين إلى مبنى السفـارة  دون الحصـول على أى نتائـج ايجابيـة

وحاولت أثنـاء رجوعنـا أن أهـون الأمـر على أمين المكتب الشعبى  الذى أنـزوى فى مؤخـرة السيارة دون أن ينطـق ببنت شفـة وقـد بـدت على وجهـه امـارات الخيبـة والفشـل، وأن اقنعه بانه علينا أن نتقبل الواقـع وأنـه لا فائـدة ترجى من مواصلة المطالبه بالطيار، وعلينا ان نستلم الطائرة وكفى ولا داعى لخلق التوترات بين البلدين، وأبـدى تجاوبه وترحيبه بوجهة نظـرى مؤكـدا لى اقتناعـه بها وبعـدم الإستمرار فى متابعة موضـوع الطيـار الهـارب والإكتفـاء فقـط بترجيع الطائرة

الا اننى علمت بعد مقابلتنا الفاشلـة لوزير الخارجية اليونانى  وبعـد ان أعيـدت الطائرة يـوم 14 فبراير 1980 الى ليبيـا، أن اتصالات جـرت  خلال النصف الثانى من نفس الشهر بيـن المكتب الشعبى فى اليونان والمكتب الشعبى فى روما، وضابط الاستخبارات العسكرية عبدالله حجازى فى طرابلس  بهدف تلفيـق تهمـة المتاجـرة بالمخـدرات للسيد “الباجـقنى” وأن يتولى محامى السفـارة متابعتهـا مع الجهـات الرسمية اليونانيـة، وهـى تهمـة  ساذجـة  ورخيصـة ولا تعتمد على أى اسس، ولا أدرى من هـو العبقـرى الذى أقتـرح هـذه التهمـة، ولكن المحـامى اليونانى المعـروف بذكائـه ودهقنته  كـان مدركـا بـدون شـك  لسذاجـة وعباطـة هـذه التهمـة  إلا أنـه  لغـرض فى نفـس يعقـوب وجـدها فرصـة سانحـة لابتـزاز المزيـد مـن الأمـوال التى كانـت تصـرف لـه مـن السفـارة، فأخـذ  تنفيـذ المهمـة على عاتقـه ، وابتـدأ فى تزويد متتبعى  الموضوع بالمكتب الشعبى بالآمـال الخادعـة فى ترجيـع الطيار الليبى، وذلك عـن طريـق  حقنهـم بمعلومات مـزورة لا أساس لهـا من الصحـة عـن تواجـد الطيـار الليبى فى العاصمـة اليونانية  أثينـا داخـل مبنى (البنتاجـونو) وهـو مبنى رئاسـة القـوات المسلحـة اليونانيـة ويقـع هـذا المبنى فى منطقـة “مـاروسى”  مدعيا –أى المحامى– صلتـه ببعـض الحراس المكلفيـن بحراستـه، وأنهــم هـم مـن يزودونـه بالمعلومـات، مستغـلا عبـط وسذاجـة وعــدم خبـرة من يتلقفـون منـه هـذه المعلومـات على أساس انها حقائـق مؤكـدة

وآلمنى  جـدا ضحـك واستهـزاء هذا المحامى العجـوز على صبيان المكتب الشعبى السـذج، وحفـزنى ذلك على ضـرورة العمـل على وقـف هـذه المهزلـة ووقـف هـذا النزيـف فى أمـوال  المكتب فى غيـر طاعـة الله، ورأيت أن اسلــم طريقـة هى  إرسال   برقيـة عاجلـة بـدون علـم السفـارة عـن طريـق البريـد  العــام اليونانى موجهـة الى عناية الرجل الطيب عبد العاطى العبيدى المكلف بوزارة الخارجية الليبية  آنذاك، أشـرح لـه فيهـا مأسـاة هـذا العبـث الصبيانى مـن قبـل  سـذج السفارة، وأنـه لا فائـدة تـرجى من محاولاتهـم هـذه  سوى الخسـرة المادية، ويبـدو أن تلك البرقيـة قـد أدت دورها وأن السيـد العبيـدى قـد تصرف بحكمـة ووطنية اتجاههـا، اذ توقـف فعـلا التعـاون مع المحامـى بخصوص قضية الطيار الليبى

ومن المعروف أيضا أنه بعـد مـرور أكثـر مـن إحـدى عشـر عـاما على حادثـة هبـوط طائـرة ميـج – 23  بقيادة الطيار “حازم الباجقنى” عام 1981 بمطار ماليمى بجزيرة كريت وطلبه اللجـوء السياسى، تكـرر نفـس المشهـد يـوم الأربعـاء 8 يوليـو مـن عـام 1992 عندمـا هبـط  الطيار الليبى “جمـال صالح الكباوى” خريج أكاديمية الطيران العسكرى فى يوغسلافيا أيضا بطائرته ميج – 23  فـى نفـس المطـار،  وتحـت نفـس الظـروف، إلا أن هبـوط هـذا الطيـار كـان مأسويـا عندمـا ارتطمـت طائرتـه اثنــاء هبوطهـا ارتطامـا قويــا بمـدرج المطـار القديــم واشتعلـت فيهـا النيـران، غير أنـه كـان محظوظـا واستطـاع الخـروج منها قبـل أن تلتهمهـا النيـران، ولـم يصـب إلا ببعـض الكدمـات والجـروح  البسيطـه وأسعـف على الفـور مـن قبـل السلطـات اليونانيـة  كمـا منـح  بنــاء على طلبـه اللجــوء السياسى

( 5 )

بعد ظهـور مـا عـرف بالمكاتب الشعبية، كانـت – أثينـا – العاصمة اليونانية مسرحـا مباحـا للنشاط التخريبى والإرهـابى لعناصر اللجـان الثوريـة وفـرق الإغتيـالات التابعـة للقـذافي في أوروبـا، واتخـذت هـذه العناصر مـن المكتـب الشعبي الليبى فى اليونـان، والشركـات المشتركـة الليبيـة اليونانية مراكـز لتجميع وانطـلاق عناصرها وعملاؤها لمطـاردة أهدافهـا من الطلبـة والمعارضين الليبيين داخـل اليونـان وخارجها، وشكلت الصداقـة والمصالح المتبادلـة بين نظـام القـذافى وحـزب “الباسوك” الاشتراكى الاجتماعى اليونانى (الذى أعتلى سـدة الحكـم فى الثمانينات بدعـم مـادى كبير من القـذافى) منطلقـا آمنـا داخـل اليونـان لتنامى النشـاط  التخريبى لحركـة اللجـان الثوريـة

هكذا كان جـو العمـل بالمكتب الشعبى باليونـان خلال تلك الفتـرة الحالكـة من تاريـخ العمـل الدبلوماسى فضلت أن أنقـل للقـارىء الكريـم صـور مصغـرة عنه، آمـلا   ألا يتسرع فى النقـد أوالتهجـم وإصـدار الأحكام الظالمة لمجـرد أنـه يـرى هذه الصورة الدراماتيكية فى غيـر موقعهـا – زمنيـا ومكانيـا وتكتيكيا – يـراها فقـط اليوم مـن خلـف حاجـز من زجـاج وهـو يحتسى فنجـان قهوتـه فى أمـن وسلام بعيـدأ عـن معانـاة الواقـع كما عايشه الدبلوماسى الليبى خـلال تلك الحقبـة”

كنـت قـد تحدثـت فى الحلقـة السابقـة عـن جـو التوتـر وعــدم الانسجـام الـذى كـان يهيمـن علـى العلاقـات بينى وبيـن أعضـاء مـا كـان يسمى باللجنـة الشعبيـة بالسفـارة، وأنهـم كانـوا ينظـرون إلى كجسـم غـريب عنهـم للأسباب التنالية

أولا : – أننـى  كنت  الوحيد من  بيـن  أعضـاء اللجنـة الشعبيـة للسفـارة  الدبلوماسى المحتـرف التابـع لـوزارة الخارجيـة التى يعتبرونهـا وزارة “رجعيـة تقليدية” بينمـا هـم جميعـا يتبعـون مكتـب الإتصـال باللجـان الثوريـة الذي تأسس بعد الزحف على وزارة الخارجية

ثانيا : – كانـوا يشكـون فى ولائى  وتراودهــم االضنـون بإنتمائى  للمعارضة الليبية بالخـارج  وزاد من شكوكهم  طـردى لأحـد الإرهابيين القتلـة مـن مكتبى، واتهامى بانى قـد تسببت فى القبـض عليـه مـن قبـل السلطـات اليونانيـة عندما طردته من حماية السفارة له

ونتيجة لشكهم فى شخصى ولعـدم  الإنسجام الذى كان سائـدا بينى وبينهم كانـوا فى العـديـد من الأحيـان يلجـأون إلى عقـد اجتماعاتهـم التآمريـة بصفـة سـريـة “دون مشاركتى” خـارج مبنى السفـارة، ويتخـذون خلالهـا القـرارات التى لا يودون وصولهـا لعلمـى وكنت قـد تحدثـت أيضا عـن أن أعضـاء اللجنـة الشعبية للسفارة قـد  نجحـوا فى السيطرة والإستحـواذ على أمين المكتب الشعبى الجـديد، ونجحـوا فى أن يوغـروا صـدره حقـدا وحنقـا على شخصى… فانسـاق معهـم تحـت تأثيـرالشعـارات الغوغائيـة الزائفـة، والمزايـدات التسلقية الرخيصـة فى تدبيـر المؤامـرات والدسائس ضــدى… بـل لا أغـالى اذا مـا قلـت أنهـم  جعـلـوه يتصـدر قائمة المواجهة العدائيـة المكشوفة، مع شخصى، إلى درجـة أنـه حـرض أعضـاء اللجنـة فى أحـد اجتماعاتهم السـرية على إتخـاذ قـرار بإسقـاط عضويتى منها…وعمـل أيضا بالتضامـن مـع عضـو اللجنـة للشـؤون المالية على السعى لـدى مكتـب الإتصال باللجـان الثوريـة على نقـلى الى طرابلس غيـر أن قرارهـم بإسقـاط عضوتى من اللجنه الشعبية لـم يكـن آنـذاك يشكل أى أهمية بالنسبة لى… واعتبرتـه قـرار “معـاق” لا معنى له وفاقـد للشرعية.. ولكـن تأثـرت فعـلا عندما دعـم هـذا القـرار االمعـاق  ببرقيـة عاجلـة من مكتـب الإتصـال باللجـان الثوريـة  بطرابلس تؤكـد عليـه وتقـرر نقـلى فـورا إلى طرابلس.. هنـا بصراحة رفضت الإنصياع لتعليمـات مكتـب الإتصـال باللجـان الثوريـة وافدتهـم بـأن الجهـة الوحيـدة صاحبة القـرار بنقـلى هـى وزارة الخارجية التى كلفـت  من قبلهـا بالعمل فى اليونـان

وأثــار عــدم التزامى بتنفيـذ قـرار نقـلى الصادر عـن مكتـب الإتصال باللجـان الثورية والتحـدى الذى اظهرتـه فى مواجهـة هـذا القـرار، إشكال قانونى، وتنـازع إدارى فى الإختصاصات بيـن  كـل مـن وزارة الخارجية التى كـان يرأسها الوزيرعبد العاطى العبيدى ومكتب الإتصال باللجـان الثـورية الذى كان يتزعمه محمد المجذوب…. خاصة عندما جـاءت تعليمات وزارة الخارجية لا غيـة لقـرار نقـلى ومؤيـدة لمواصلة عملى بالسفارة ومؤكـدة على ضرورة  الإستمرار فى دفـع مرتباتى التى كانت قـد أوقفـت من قبـل أمين أو رئيس اللجنة الشعبية بالسفارة،  وشكلت هذه التعليمات الصادرة عن وزارة الخارجية بإلغـاء قـرار نقـلى ضربـة موجعـه لأمين المكتب الشعبى باليونـان، الأمـر الـذى أثـار مراجيـل الغضـب عنـده، فلـم  يلتـزم بتنفـيذها متحديا، بالإستمرار فى وقـف صرف مرتباتى ونفقـات عـلاج لاسرتى…. مفتخـرا أمام الجميع بأنـه لا يتلقـى تعليماتـه إلا من “القيـادة العليـا” ولا يتلقـاهـا من الوزراء او رؤساء الوزارات التقليديين ممثلى الرجعية الإدارية  وكـان يقصـد فى نـوع من  الغــرور والتحقيـر  كـل من الوزيـرعبد العطى العبيـدى وجادالله عزوز الطلحـى رئيس الوزراء

ولكن  – وللأسف –  لم تستمر وزارة الخارجية  فى صمودها فى مواجهة الضغوطـات التى مورست عليهـا  واضطـرت خـلال شهـر واحـد فقـط الى التراجـع عـن موقفها وخنعــت وخضعــت لضغوطـات وتعليمـات مكتـب الإتصال باللجـان الثوريـة، وأيـدت قـرار نقـلى الغيـر مبرر إلى طرابلس متحججـة بأننى أتممـت المـدة المقـررة لعملى بالخـارج “علما بـأن الوزارة  لـم تكـن تتمسك بهـذا المبـدأ اتجـاه العـديـد من أعضـاء اللجـان الشعبية بالسفارات” ولكـن فقــط لكى تغطـى على عجـزها وضعفهـا  وتخاذلهــا

ولما كنت قـد رفضت سابقـا تعليمات مكتب الإتصـال باللجـان الثوريـة بنقـلى الى طرابلس فقـد أصبح واضحـا لـدى وبمـا لا يـدع مجـالا للشـك أننى اذا تراجعـت  وخنعـت  كمـا تراجعـت وخنعـت وزارة الخارجية  الموقـرة،ونفـذت قـرارالرجـوع الى ليبيـا خـلال تلك الفتـرة المأسويـة مـن تاريـخ الوطـن التى يعتبـر خلالهـا  “الداخـل إلى ليبيـا  مفقــود والخـارج منها مولـود”  قــد أتعـرض إلى مـالا يحمـد عقبـاه، فقـررت مواصلـة رفضى، وانعزلـت عن السفارة تمامـا،  وحتى عندما توفـيت والـدتى وتوفـى أيضا والـد زوجتى “رحمهما  الله”  خـلال تلك الفتـرة المؤلمة من حياتـى كانـت اتصـالاتى بأسرتـى وأصهـارى شبـه معدومـة، وتعمـد هـؤلاء  إخفـاء خبـر هـذه الوفيـات عنـى  لمـدة طويلـة خوفـا على تحـت تأثيـر العواطـف مـن الرجـوع إلـى أرض الوطـن

وبعـد قرابـة الشهريـن مـن رفضى للإمتثـال لتعليمات وزارة الخارجية القاضيـة بنقـلى إلى ليبيـا أستلمـت مكالمة هاتفية فى بيتـى وكـان المتحـدث على الهاتـف شخـص غريـب قــدم لى نفسـه على أنـه مـن العامليـن بمكتـب الإتصال باللجـان الثوريـة بطرابلس  وأنـه مـع اثنيـن مـن رفاقـه مكلفيـن بالتحقيـق فـى قصـة خـلافى مـع اللجنـة الشعبيـة للسفـارة، وأفـادنى بأنـه يرغـب فى لقــائى لأخــذ أقـوالى … وطلــب  منى امكانيـة الحضـور إليـه إمـا فى فنـد ق “تيتانيـا” المتواجـد وسـط العاصمة اليونانيـة حيـث يقيـم هـو ورفاقـه، أو بمبنـى السفـارة الليبيـة…. فـأوضحـت لـه  بأننـى أفضـل أن يتـم هـذا اللقــاء بينـنا فى الفنـدق حيـث يقيمـون

وفعـلا تحقـق هـذا اللقـاء بيننـا فى “كافتيريـا الفندق” الملحقة بإحـدى الصـالات العامـة المفتوحـة، وكنـت خـلال لقـائى بـه فى  “كافيتيريـا الفنـدق” مراقـب  عـن بعــد من قبـل بعـض الاصدقــاء اليونانييـن….غيـر أنـه اتضـح  من خـلال الحـوار الـذى جـرى بينـنا  أنه قـد التـقى هـو ورفاقـه  مسبقـا  بأعضـاء اللجنـة الشعبية للسفـارة، وأنـهم كانـوا فى ضيافـة أمـين اللجنـة الشعبية للسفـارة على الغـداء، كمـا وأن أمين اللجنة الشعبية بالسفارة قـد وضع تحـت تصرفهـم  إحـدى سيارات السفارة مع السائق  للتنقـل بهـا أيـن مـا شـاءوا وكيـف مـا شـاءوا سـواء للتسـوق أو للنزهـة

والذى اعرفـه بحكـم عملى السابـق بجهـاز التفتيش بوزارة الخارجية أن موظفـى هـذا الجهـاز (قبـل أن تنكـب الوزارة بالزحـف) اذا مـا كلفـوا بإجـراء التحقيقـات فى السفارات، عـادة لا ينزلـون ضيوفـا على السفارات، ويتحملون على حسابهـم الخـاص نفقـات تنقلاتهـم واقاماتهـم بالفنـادق على أن يستردوها فيمـا بعـد مـن الوزارة، وعليـه فـإن أعضـاء هـذه اللجنـة المكلفـة بالتحقيـق طالما أنهــم  تمتعـوا بضيافـة السفارة واعضائهـا وسخـرت لهـم كافـة الإمكانيات  للفسحـة والتسـوق ، فقـد أنتـفى شــرط  الحيـاد  فى التحقيـق، وتحولـت مقابلتهـم لـى  إلى مجرد مقابلـة صورية، ليس إلا لرفـع العتـب فقــط، ولهـذا فـإن لقـائى بهـم كـان قصيرا جـدا ، كمـا وأنه لـم يسفـر فيمـا بعـد عـن أى نتائـج ايجابيـة، بـل على العكـس  من ذلك استمـر اعضـاء اللجنة الشعبية بالسفـارة فى غيهــم بمناصبتى العـداء الشخصى وملاحقتى وإعـداد التقاريـر التى تطعـن فى ولائـى ” للنظـام ”  واستعانـوا فى تجميع المعلومات عنى بالموظفيـن الليبيين العاملين بالشركـات الليبية اليونانيـة المشتركـة وببعـض الطلبـة من منتسبى مكتـب اللجـان

كمـا قامـوا – بعـد انفصالى عنهـم –  بطـرد أبنائـى من المدرسة الليبية  وبفصل زوجتـى من سلك التدريس  بالمدرسة وتعييـن  أحـد الأجانـب بديلا لهـا، ولـم يشفـع لديهـم  أن زوجتـى هـى “الأم” لهذه المدرسة  وهى مـن وضـع حجـر الأسـاس لانشـائها  من العــدم عـام 1977 بشهـادة جميـع أفـراد الجاليــة العربيــة فى اليونـــان

لكـن تشـاء ارادة الله الـذى “يمهــل ولا يهمــل” أن  ينتقـم لـى فى حينـه ممـن أسـاءوا لشخصى وأسـرتى وذلك عندمـا تفجــر خـلاف شخصى كبيـر بيـن أميـن اللجنـة الشعبية للسفـارة وعضـو اللجنـة للشؤون المالية “اللـذان كانـا قد اتحـدا معـا فى السابق من أجـل حبـك وتدبيـر المؤمرات ضـدى” ولا أريـد هنـا أن أتطـرق إلى أسبـاب تلك الخلافـات التى نشبت بينهمـا.. فهـى فى المحصلـة النهائيـة خلافـات على تولـى كرسى الزعامـة فى السفـارة، وترتـب علي تطورهـا، نقـل أميـن اللجنـة الشعبية للسفـارة فـورا إلى طرابلس، وتــم تكليـف غريمه عضـو اللجنـة للشـؤون الماليـة بتولى مهـام الإشراف على إدارة السفـارة

 ولكـن هـذا التكليف لعضو اللجنـة الشعبية المكلـف بالشؤون الماليـة بتـولى مهـام أميـن المكتـب الشعبى،   أثــار سخــط  وتذمـر موظـفى السفـارة وعـدد كبيـر مـن الطلبة وافــراد الجاليـة الليبيـة، حيـث عـرف عنـه ممارسته للإرهـاب ضـد الطلبـة الليبييـن فى اليونـان ، ويقـال أنـه كـان يستـدرج بعـض منهـم ممـن تحــوم حولهـم الشبهـات عـن طريــق بعـض أعوانـه إلى مبنى السفـارة ويتـولى هـو شخصيـا التحقيــق معهــم وضربهم وحبسهم  داخـل قبــو السفـارة،  ولهـذا  عنـدما انتشــر خبـر تكليفــه بأمانــة المكتـب الشعبى  قامـت تجمعــات مـن هــؤلاء الطلبـة  وافــراد الجاليـة الليبيـة بالتعــاون مـع عــدد من موظفـى السفــارة  بالزحــف على مبنى السفـارة  واقتحامـه بالقــوة  وتمكنـوا مـن طــرد  أميـن المكتـب بعـد أن أو سعــوه ضـربـا وركــلا، واستولـوا علـى  إدارة السفـارة ولاذ هــو “امين المكتب”  بعــد ذلك بالفـرار الى ليبيـا

وبعد  يومين من تاريخ الاستيلاء على السفارة من قبل الزاحفين عليها وطرد  المكلف بإدارتها  زارنى وفـد من الزاحفين على السفارة فى بيتى وقـدموا لى برقية عاجلة من السيد  أحمد الشحـاتى وزير الخارجية يكلفنى فيهـا بوظيفة أميـن للمكتب الشعبى باليونـان …. وطلبـوا منى أن ارافقهـم  إلى السفارة لكى استلـم مهـام عملى، إلا اننى  بعـد أن رحبـت بهـم وبعـد أن اكرمتهـم وشربنـا القهـوة جميعـا  أعتـذرت لهـم عـن فبـول هـذا التكليف، متعـلـلا  بظـروفى  الصحيـة …وبالرغـم من إصرارهـم على أن أنفــذ هـذه التعليمـات مراعـاة لصالح السفـارة وعلى اعتبـار أن الوظيفـة  تكليـف لا تشريـف (على رأيهــم) أصـررت على موقـفى واعتـذارى وأقنعتهــم بقبولــه، وخـرج الجميع من بيتى محبطيـن بسبـب موقـفى هـذا…. وأبرقـوا إلى طرابلس برفضى استلام أمانـة أو رئاسة المكتب الشعبى باليونـان، وجاءتهـم التعليمات بترشيح أو ثلاثـة أسماء مـن بينهـم لتـولى مهمة  إدارة السفـارة وإلى أن يتـم تعييـن أميـن (سفيـر) جـديد لهـا وكـان من بين الثـلاثـة الذين اختيـروا للإشـراف على ادارة السفـارة المرحـوم فـرج بن زابيـه الذى تعـرض للتسفير من اليونـان والإعتقـال فى ليبيــا  فيما بعــد

إلا أن أمين المكتـب المهـزوم عنـد هـروبه الى ليبيـا  قـام بالتعـاون مع مكتب الإتصال باللجـان الثوريـة فى طرابلس، بتجميع عـدد كبيـر مـن أفـراد قبيلتـه وزودهــم بالتأشيرا ت اللازمة للسفـر الى اليونـان وعمل على تجميعهم فى العاصمة اليونانيـة، وبعــد أن تكامل عددهــم، قامـوا وفـق خطـة مرسومة  بالزحـف على السفـارة الليبية ليـلا وتخليصها بالقـوة ممن كانـو قـد زحفـوا عليهـا  وأعـادوأمين المكتب الشعبى الذى كــان قــد طــرد  معــززا مكرما إلى كرسى السلطـة فى السفـارة

وخـلال هـذه الفتـرة العصيبة التى فصلت فيهـا من العمـل وأوقفـت فيهـا مرتبـاتى وعـلاج أسرتى تمكنت بمساعـدة بعـض الاصدقـاء اليونانييـن والليبييـن من العمـل مع شركـة “سوريتـى” فى أثينـا بمنطقـة خالنـدرى باليونـان  وهى شركـة تقـوم بتصنيع ملابـس الأطفـال،وتمكنـت خـلال عملى بهـذه الشركـة من تأميـن احتياجـات أسـرتى الماديـة، وتأميـن التعليـم لأبنائـى الأربعـة فى مدارس أجنبية بعــد طـردهـم  مـن المدرسـة الليبيـة

واذكـر أنـه خـلال هـذه الفتـرة الحرجـة مـن حياتـى زارنـى ســرا فى مكتبى بشركـة “سوريتـى” الدكتـور محمـد المقريـف”رئيس المؤتمـر الوطنى العـام”  وكـان برفقتـه الدكتـور السنوسى المقـرحى، وكان وقتهـا الدكتور محمـد المقريـف  قـد انشـق عـن اللانظـام عندمـا كـان سفيرا بالهنـد  “وقـد انشـق معـه فيمـا بعـد من نفـس السفـارة الزمـلاء عبد السلام عيلـه وعلـى زيـدان”، وابتــدأ الدكتـور المقريـف جولاتـه فى أوروبـا  للدعـوة لتكويـن جبهة الإنقــاذ… وبالطبـع تبادلنـا خـلال هـذه الزيـارة المفعمـة بجــو مـن الثقـة والتعــاون المعلومات ووجهـات النظـر فيمـا يتعلـق بالأوضـاع السيئـة التى كانت سائـدة فى وزارة الخارجية وفى السفارات الليبية بصفـة عامـة وقـد أبديـت ترحيبى بالتعـاون معهـم كمـا كنت قـد أبديـت  سابقـا تعـاونى مع  الحركـة الوطنيـة وغيرها من فصائل المعارضة الليبية بالخارج، مؤكدا على تمسكى باستقلاليتى عن الانضمام لأى تكتـل او حـزب

وضمن هـذا الإطــار أيضا من نشـاط الجبهة الوطنيـة، فى التحـرك وضـم الأعضـاء، وكسب الدعـم  لنضالهـا زارنى أيضـا فى ببيتى فى  منطقــة “باليو بسيكيكو” بأثينـا، كـل من السيديـن يوسـف شاكيـر والدكتـور السنوسى المقرحـى وعلى مـا أعتقـد أنـه كـان برفقتهـم الأستـاذ فايـز جبريـل “اذا لـم تخنى الذاكـرة”… وتبادلنـا خـلال هـذه الزيـارة الأحاديـث عـن مشاكـل  الوطـن وهمومـة، وآخـر المستجـدات على الساحـة الأوروبية وبما فيها الساحـة اليونانية، لمـا تشكله من أهميـة خاصة للمعارضة الليبية بسبـب وصول حـزب الباسـوك  المـوال للنظـام الليبى إلى سـدة الحكـم، والحقيقـة  أننى لـم أكـن وقتهـا  خـلال تبادل هـذه الأحاديـث فيما بيننــا مرتاحـا لاستفسارات السيد يوسف شاكيـر رغما عـن خفـة دمه وحسن حديثه وذلك بسبب أسلوبـه فى التقصى عـن بعـض خصوصياتى…!!! الأمـر الذى جعلنى أتحفـظ  بعـض الشىء  فى حديثـى مع ضيوفى فيما يتعلـق  بخططـى المستقبلية داخـل الساحـة اليونانيـة، وقـد أعربـت  فيما بعـد عـن عـدم ارتياحـى  لاستفسارات “شاكيـر” للدكتور السنوسى المقرحـى.. الـذى أعتقـد أنه يذكـر ذلك جيــدا

( 6 )

حزب الباسوك أو حزب الهيلينية الاشتراكية المعتدلة الذى تأسس عام  1974 بزعامة  الراحل “اندرياس بابا ندريو” استطاع الوصول الى سدة الحكم  فى اليونان لأول مرة عام 1981 بدعم ومساندة من القذافى  وكان صلة الوصل بين هذا الحزب والنظام الليبى هم السادة احمد الشحاتى  وعبد العاطى العبيدى  ومحمد حجازى وابراهيم البشارى وسيفاو حفانه وكان هؤلاء الخمسة يكونون حلقة الاتصال الرئيسية المسؤولة عن المتابعة والإشراف على الساحة اليونانية سياسيا، وسار معهم فى دائرة فلكهم السفراء وامناء المكاتب الشعبية  الذين توالوا على ادارة البعثة الليبية باليونان، بالاضافة الى بعض مسؤولى الادارة فى كل من شركتى “وكالة جرمه الملاحية” وشركة “شحات” علما بان كلا الشركتين كانتا تخضعان لادارة الامن الخارجى ومكتب الاتصال باللجان الثورية

واستمر هذا الحزب على راس السلطة  فى اليونان منذ عام 1981 وحتى عام 1989 وجاء الى الحكم  ببرنامج انتخابى يهدف إلى

 الانسحاب من حلف الأطلنطى
 الإنسحاب من السوق الأوروبية المشتركة
  إغلاق القواعد الأمريكية فى اليونان

إلا أن هذا البرنامج الانتخابى لم يتحقق منه شيئا عندما وصل الحزب الى الحكم  اللهم إلا انسحاب امريكا من قاعدتين صغيرتين لا تشكلان اية اهمية احداهما فى العاصمة اليونانية “اثينا” فى منطقة جليفادا قرب المطار الدولى والاخرى فى منطقة نياماكرىالتى تبعد حوالى 50 كم عن اثينا

وبعد عام ونصف تقريبا من فوز حزب الباسوك بالحكم فى اليونان أعرب القذافى لصديقه رئيس وزراء اليونان وزعيم حزب الباسوك العجوز “اندرياس باباندريو” عن رغبته فى زيارة اليونان  زيارة خاصة، كمقابل للدعم المادى الذى قدمه النظام الليبى،وأبدى رئيس الوزراء باباندريو موافقته  وترجيبه بهذه الزبارة

ومن اجل تنظيم هذه الزيارة ارسل القذافى ضمن هذا الاطار عدد من اعوانه برئاسة ابراهيم البشارى للاتصال بكوادرحزب الباسوك  للاعداد لهذه الزيارة والتى كان من ضمن برامجها استقبال القذافى عند قدومه لليونان من قبل رئيس الجمهورية “قسطنطين كرامنليس” ثم اقامة مادبة عشاء على شرفه بالقصرالجمهورى يحضرها كبار مسؤولى الدولة واعضاء السلك الدبلوماسى.. وكذلك  تنظيم لقاءات شعبية له فى العاصمة اليونانية، ومدينة “سالونيك” وزيارة خاصة  لجزيرة كريت التى تحتضن المقر الرئيسى”لجمعية الصداقة الليبية الكريتية” التى اسسها الجانبان الليبى واليونانى عام 1978 فى جزيرة كريت  وقد اثارتاسيسها  فى البدء تحت هذ الاسم الكثيرمن  اللغط السياسى والاحتجاجات الرسمية من قبل الجانب اليونانى الذى رأى فى هذه التسمية  نوايا خبيثة من قبل نظام القذافى  بدعم  التحركات المناوئة للوجود الامريكى فى قاعدة  “ســودا” اكبر قاعدة  امريكية فى البحر المتوسط  وربما أيضا لدعم الاحزاب  والتجمعات المتطرفة  فى الجزيرة  مما ادى فيما بعد  تحت تأثير هذه الضغوطات من الجانب اليونانى الى تغيير تسميتها الى “جمعية الصداقة الليبية اليونانية”

وبعد اتصالات ومشاورات بين الجانبين حزب الباسوك والنظام الليبى  فيما يتعلق بتنظيم هذه الزيارة للقذافى لليونان، لم يتمكن الجانب اليونانى من الحصول على اجابات كافية عن العديد من الاستفسارات والاسئلة التى كان قدطرحها على الجانب الليبى، بسبب نقص المعلومات  وكثرة التحفظات الامنية التى كان يبديها الجانب الليبى  فيما يتعلق بهذه الزيارة…. حيث لم يتم تحديد وسيلة المواصلات التى سيستخدمها القذافى  للوصول الى اليونان.. وهل سيأتى جوا أم بحرا…. واذا كان قدومه جوا… هل سيكون مباشرة من ليبيا إلى اليونان…أم سيكون عن طريق إحدى الدول المجاورة.. وماهو توقيت الوصول…؟؟؟.. وكل هذه الاستفسارات التى  طرحها الجانب  اليونانى لم يجد لها ردودا محددة او مقنعه من الجانب الليبى… الامرالذى  اربك الجانب اليونانى  الذى لم يكن متعودا على مثل هذه  التعقيدات  مما اثر سلبا على  تخبط برنامج الزيارة

ومما زاد الطين بله فى تعقيدات هذه  الزيارة  ان رئيس الجمهورية اليونانية “قسطنطين كارامنليس” وزعيم الحزب المحافظ، رفض بشدة توسلات رئيس الوزراء  اليونانى اليه لاستقبال القذافى عند زيارته لليونان كرئيس دولة وقال لرئيس وزرائه بالحرف الواحد  فى نوع من السخرية “هذا القذافى يقول عن نفسه انه انسان عادى وليس برئيس دولة وانه فقط مفكر ومنظر… لذلك أرى ان يذهب اى مواطن يونانى عادى لاستقباله أو أختاروا احد الكتاب اوالمفكرين اليونانيين لإستقباله. أما انا كرئيس دولة فلا… لـن أستقبله”

وعندما ابلغ القذافى بهذه”الصفعة الدبلوماسية” المؤلمه من قبل رئيس الجمهورية  اليونانية وبانه  لن يكون فى استقباله…. وانه سيستقبل فقط من قبل رئيس الوزراء اليونانى…. فقد القذافى صوابه واحس بعمق الإهانه التى وجهت له وهو الذى  كان يعتبر نفسه”شخصية عالمية” فى مستوى أعلى حتى من مراتب

وكان من نتائج هذه الصفعة الموجعه الذى وجهها رئيس جمهورية اليونان… الى القذافى… ان كثف النظام الليبى من حربه الاعلامية ضد حزب الديموقراطية الجديدة الذى يتزعمه رئيس الجمهورية اليونانية” معتبرا اياه من الاحزاب الامبيرياله التى تدور فى فلك الاستعمار الامريكى…”علما بأن القذافى فى السابق كان قد حاول مغازلة هذا الحزب عندما كان  فى السلطة منذ عام  1974  وذلك عن طريق اقامة العديد من المشاريع الاستثمارية المشتركة، الا انه فشل فى استدراجه الى دائرة نفوذه”

وضمن هذا الاطار  من الحرب الإعلامية  رأى أمين المكتب الشعبى الليبى فى اعقاب هذه الاهانة التى لحقت بزعيمه  ان يعقد مؤتمرا صحفيا لتلميع صورة القذافى التى اهتزت لدى الراى العام اليونانى، دعى له عدد من القنوات الفضائية وعدد من كبريات الصحف اليونانية… وكان التصور او الانطباع  بان هذا المؤتمر سيؤتى ثماره الايجابية… الا ان الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن  فقد  جاءت النتائج مخيبة  لامال وطموحات امين المكتب الشعبى، الذى لم يكن فى حقيقة امره ملما بخبايا الصراع الايدولوجى الخفى والظاهر بين الاحزاب اليونانية، كما لم يكن  هو شخصيا مهيئا لمثل هذه المؤتمرات او للرد على الاسئلة التى طرحت عليه بحنكة وخبرة دبلوماسية، الامر الذى ادى  الى وقوعه فى مطبات  لم يحسب لها اى حساب  وذلك عندما وجه له احد الصحفيين سؤالا  محرجا عن  الارتباط الايدولوجى  بين النظام الليبى وحزب الباسوك الحاكم… ولم يكن امين المكتب الشعبى موفق فى رده على ذلك  السؤال… فجاء رده متعثرا وغير مترابط  وبه العديد من الثغرات التى  فتحت النار ضده وضد زعيمه، وذلك عندما ختم رده المتعثر هذا بجملة “بأن ليبيا وحزب الباسوك فى خندق واحد فى مواجهة الاعداء”… لا حظوا هنا أنه لم يقل “ليبيا واليونان فى خندق واحد”…. وقد تلقفت صحف المعارضة اليونانية هذا الرد  أو التصريح  بالسخرية والاستهزاء وقامت على الفور بنشره على صفحاتها الرئيسية وبالخط العريض   تتهكم فيه على امين المكتب الشعبى وعلى القذافى وعلى النظام الليبى وأبرزته تحت عناوين بارزة ومثيرة مثل “القذافى والباسوك فى خندق واحد  ضد الشعب اليونانى”  أو “السفير الليبى  يصرح: نحن والباسوك فى خندق واحد ضد اليونان” أو “القذافى  يتدخل فى صراعاتنا الحزبية الداخلية”……الخ

واثارت هذه الحملة الاعلامية المنظمة من قبل صحف المعارضة اليونانية للتشهير بحزب الباسوك وعلاقته بنظام القذافى الارهابى والتى تسبب في اشعالها امين المكتب الشعبى الليبى فى مؤتمره الصحفى ردة فعل عنيفه لدى الرأى العام اليونانى كما أثارت استياء وغضب حزب الباسوك نفسه الذى نالته حملة التشهير هذه  واثرت سلبيا على شعبيته  لدى الراى العام اليونانى… وطلب سرا من الحكومة الليبية سحب  سفيرها متهما اياه ببعض التجاوزات الاخرى التى لا تتفق  ومنصبه الدبلوماسى ………. يتبع الجــزء (6) إغتيالات بالجملة فى اليونان

  ( 7 )

كنت قد تحدثت فى السابق عن الجريمة البشعة والمرعبة التى راح ضحيتها عبد الرحمن ابوبكر “الكومباس” أحد مواطنى سوق الجمعه بطرابلس عام 1980 وأوضحت بـأن القاتل مجـرم محترف كان أحـد نزلاء سجـن أبو سليم  بطرابلس، وقـد نـال هذا القاتـل جـزاءه الربانى، اثر حادث سيارة تعرض له على الحـدود التونسية الليبية وذلك  بعد تهريبه وعودته إلى ليبيا عن طريق جزيرة كريت، والغريب فى الأمر أن هذه الجريمة  تصادف وقوعها اثناء زيارة قصيرة كان يؤديها الدكتور على التريكى وزير الخارجية الليبى لليونان، وقد فوجىء الوزير بأخبار هذه الجريمة القذرة عندما طالعها صباح اليوم الثانى من زيارته منشورة على أعمدة الصحف اليونانية مما أربك وأفسد برنامج زيارته

وكان اغتيال المواطن الليبى عبد الرحمن ابوبكر”الكومباس” قد حدث فى أواخر فترة حكم الديموقراطيين باليونان، أى قبل ان يعتلى حزب الباسوك  الاشتراكى السلطة بقيادة زعيمه “اندرياس باباندريو” أواخـر عام 1981… علما أنه فى عهد حكم هذا الحزب “الباسوك” لليونان، إزداد تغلغـل مجرمى اللجـان الثورية الليبية داخل العاصمة اليونانية “أثينـا”  وذلك بسبب العلاقات الوطيدة التى ربطت بين زعيم الحزب “باباندريو” والقـذافى، واتخذت هذه اللجان الإجرامية من اليونان منطلقـا آمنـا لها لتنفيـذ مخططاتها الإرهابية داخـل اليونـان وخارجها فى بقية العواصم الأوربية، واستعانت فى تنفيذ مخططاتها الارهابية بعدد من اصحاب السوابق من القتلة والمجرمين المحترفين، الذين تم تحريرهم من داخـل السجـون الليبية، فى “أبو سليم، عين زاره والكويفية” مقابل قيامهم  بعمليات الملاحقة والاغتيال للمواطنين الليبيين بالخارج وعلى أن يوفـر لهـم النظام الليبى الدعم المادى الكبير والحماية والدفاع عنهم فى حالة اعتقالهم نضير قيامهم  بهذه التكليفات

والعاصمة اليونانية خلال تلك الفترة لم تكن مسرحا مباحا لعملاء القذافى من الليبيين والأجانب “فقـط” بل كانت أيضا مسرحا مباحا للصراع الـدولى المحموم بين أجهـزة المخابرات التابعة للعـديـد من الـدول ومنها على سبيل المثال لا الحصر أجهزة المخابرات التركية، الإسرائيلية، الأمريكية، البريطانية، الروسية، وحتى الاستخبارات العربية بمختلف دولها وبما فيها تلك التابعة لمختلف فصائل المقاومة الفلسطينية… وكانت كل هذه الاجهزة الممثلة لجميع الدول والتنظيمات والتوجهـات الأيدولوجية والدينية تتصارع داخل هذه الساحة الصغيرة وتصطاد عملائها من بين المغتربين والمقيمين باليونـان من عـرب واجانب مستغلة ظروفهم المادية والسياسية وانتماءاتهم العرقية أوالدينية لتجنيدهم لخدمة أغراضها

وسأحاول هنا أخى القارىء الكريم عبر تسلسل زمنى أن أحيطك بتسلسل هذه الجرائم التى أرتكبت فى العاصمة اليونانية ضد عدد من الضحايا الليبيين  بتدبير وتنفيذ من عناصر اللجان الثورية الليبية، علما بأنى لم أكن وقتها عاملا بالسفارة الليبية التى انفصلت عنها مع بداية الثمانينات فى أعقاب  أول جريمة أرتكبت ضد المواطن الليبى الشهيد عبد الرحمن ابوبكر الذى سبق وان ذكرت قصته ضمن هذه الأوراق، وعلما بأن جثة هذا الشهيد لم تسلم لأسرته منذ تاريخ إعتياله وحتى يومنا هذا رغما عن اتصالات أسرته المتتالية بالحكومتين الليبية واليونانية، وربما تكون قد سلمت من قبل الحكومة اليونانية الى الدولة الليبية فى السابق ورفضت هذه الأخيرة إستلامها أو تسليمها ورمت بها فى عرض البحـر. ومن خلال هذا التسلسل يمكن تصنيف هذه جرائم  الإغتيالات التى أرتكبت فى اليونان الى فئتين

  •  الفئة الأولى.. تتمثل فى محاولات الإغتيـال الفاشلـة التى تعرض لها بعض المواطنين الليبيين فى اليونــان

  •  الفئة الثانية.. جرائــم إغتيـال بشعـه نجـح نظــام القذافى فى اقترافهـا  فى اليونــان

أولا : – محاولات الإغتيال الفاشلة

ونستطيع أن نحصرها فى خمس محاولات إغتيال قام بها أعوان نظام القذافى ضد عدد من المواطنين الليبيين البسطاء المقيمين باليونان او الزائرين لها وانتهت بعون من الله بالفشل التام  ومن ضحاياها المواطنين

 السيد محمد الاطيوش

وقـد تعرض  السيد “محمد الاطيوش” لجريمة تسمم، فى هوتيل الكرافيل “فندق 5 نجوم” بوسط العاصمة اثينا، في اواخر شهر يناير من عام 1981م، وتنسب هذه الجريمة لشياطين اللجان الثورية، الا انه لم تتوفر لى  شخصيا أى معلومات  دقيقة عن ملابساتها  والتى أحيطت بتكتم تام خلال تلك الفترة

علما بأن هذا الفندق كان  مقصدا للعديد من  الزوار الليبيين  والعرب  وكان  فى نفس الوقت يعتبر مرتعا لعملاء النظام الليبى، كما كان يتردد عليه أيضا بصفة مستمرة رجال أمن السفارة الليبية فى أثينا لما يوفره لهم  من بيئة خصبة للتجسس والملاحقة.. ويحضرنى بهذه المناسبة أنه حدثت بهذا الفندق واقعة  “طريفة ومؤلمة فى نفس الوقت” وذلك عندما قام أحد دبلوماسى المكتب الشعبى الليبى بأثينا المحسوبين على الأمن الخارجى والمعروف بتردده المستمرعلى “كافيتيريا” هذا الفندق، وهو فى حالة سكر بمعانقة تمثال رخامى لأمرأة عارية  كان يتصدر مدخل قاعة  فندق “الكرافيل” الرئيسة، فتسبب فى وقوع التمثال على الأرض وتحطمه وسط صرخات الاستنكار والغضب من كل من حضروا هذه الواقعه من يونانيين وسياح أجانب، وتحمل المكتب الشعبى دفع التعويضات عن هذه الخسارة التى تسبب فيها هذا الدبلوماسى الليبى السكير، الذى لم يكن يخلو هذا المكان من تواجده فى فترات المساء

 السيد فريد مصطفى القريتلي

فريد مصطفى القريتلي شاب ليبى مهاجر لليونان، فى الثلاثين من عمره، وهو صهر للدكتور مفتاح الأسطى عمر الذى كان مقربا من القذافى  منذ بداية انقلاب 1969، وكان  “فريـد” فى البدء يعمل موظفا محليا بالسفارة الليبية بأثينا  ثم ترك العمل بها  وعمل بالتجارة  بعد ان تعرض -كما يشاع- لضغوطات من قبل أعوان القذافى  فى السفارة لاستخدامه  للتجسس على افراد الجالية الليبية الا انه فضل الانفصال عن السفارة والعمل بالتجارة… بعيدا عن هذه الضغوطات

لكنه رغما عن ذلك  لم يسلم من متابعة مجرمى القذافى له، الذين ترصدوا له فى إحدى الطرقات  في الرابع عشر من يونيو 1984، وأطلقوا عليه  رصاصات  كادت ان تكون قاتلة لولا العناية الإلهية، وألحقت به هذه الرصاصات جروح عميقة اسعف على اثرها بأحد مستشفيات العاصمة اليونانية. ويقال أنه تم القبض على المجرم، الملقب “بو الأجراس” وهو أحد أخطر المجرمين بسجن الكويفية  وكان محكوما عليه بـ40 عاما سجن، الا ان النظام اخرجه من السجن،  واسند اليه هذه المهمة القذرة، وقد اعترف المذكور بارتكابه لهذه الجريمه واخبر رجال الامن اليونانى عن بعض الذين قاموا بمساعدته، في تنفيذ هذه الجريمة، تخطيطا واعدادا وتنفيذا بدعم من بعض اعضاء المكتب الشعبي، في ذلك الوقت

 السيد  يوسف ابراهيم عقيلة المجبرى

المواطن الليبي يوسف ابراهيم عقيلة (42 عاما)، رجل اعمال  بسيط، مقيم باثينا مع اسرته منذ 1980 بحى “كالوجريزا” الذى يوجد خلف مصحة “إيجييا” أكبر المصحات الخاصة  بأثينا. تعرض  في الخامس من اكتوبر من عام 1985 أثناء رجوعه لبيته لوابل من الرصاص انهال عليه من سيارة كانت مسرعه فى نفس اتجاه سيارته… وأصيب السيد يوسف بجراح خطيرة من جراء هذا الإعتداء الآثم، فى الوقت الذى لاذا فيه  القتلة بالفرار والإختباء رغما عن سرعة الشرطة فى تطويق المكان، ومن حسن حظ السيد يوسف  أنه اسعف على أسعف على الفور… والسيد يوسف يمت بصلة قرابة وصداقة بعائلة الراحل ابراهيم البشارى الذى كان خلال تلك الفترة  أحد أربعة  أشخاص يشرفون على إدارة الأمن الخارجى وهم “عبدالله السنوسى، عبد السلام الزادمه، أبوشعراية  وإبراهيم البشارى والسيد يوسف كانت تربطه وشائج قربى أو صداقة متينه  مع عم ابراهيم البشارى المرحوم الحاج عبد الرحمن البشارى المقيم باليونان وقد عرفته قتها كانسان متدين ونزيه يتمتع بسمعة طيبة بين جميع أفراد الجالية الليبية باليونان

ومحاولة إغتيال  السيد يوسف عقيله  يبدو أنه قد تم تدبيرها والتخطيط لها  دون أن يكون إبراهيم البشارى فى الصورة  ولذلك فقد أثارت محاولة الإغتيال هذه  صدام وعراك  حاد  داخل إدارة الأمن الخارجى بطرابلس عقب توارد  الأنباء عن فشلها بين كل من ابراهيم البشارى وعبد السلام الزادمة، ويقال أن كلاهما قد سحب مسدسه على الآخر، لولا تدخل بعض من كبار موظفى الأمن الخارجى الذين حالو دون تبادل لإطلاق الرصاص… ويقال أن القذافى شخصيا قد تدخل بعد ذلك فى تسوية هذا الخلاف  بين الزادمة والبشارى

والغريب  فى الأمر أن الحكومة الليبية  “البريئة من دم يعقوب” أرسلت مندوبـا عنها بصفة خاصة إلى اليونـان للإستفسار عـن صحة الضحية “السيد يوسف” وتعهـدت حتى بدفـع كافـة نفقـات علاجـه وذلك على رأى المثـل القائـل “يقتـل القتيـل ويمشى فى جنازتـه”

 المناضلان عمران أبو رويس ومحمد أحمد السكر

زميلى المناضل الشرس عبد الونيس محمود “المقيم حاليا باليونـان” والـذى قضى 18 عامـا سلخـت من فتـرة شبابه فى سجـون القذافى، ذكـر فى إحـدى مقالاتـه أنه جـرت محـاولات إغتيـال فاشلـة فى اليونان تعرض لهـا كل مـن

– الأستناذ عمران بورويس

وهو أمين عام سابق للحركة الوطنية الليبية، تعرفت به  مع بداية الزحف على السفارة الليبية فى اليونان، وربطتنا وشائج اسرية، وكان وقتها يعد دراسة عن مشاكل الحدود البحرية فى بحر ايجه بين اليونان وتركيا وطلب مساعدتى فى توفير بعض المراجع الرسمية  من خلال تعاملنا مع وزارة الخارجية اليونانية، إلا أنه عندما شعر بتعقبه من قبل بعض أزلام النظام سحب أبنائه من المدرسة الليبية بصورة سرية متوجها الى فرنسا

– الأستاذ محمد احمد السكر

وهو أمين عام الحركة الوطنية الليبية السابق، الذى لم  لم يكن مقيما باليونان وانما كان يتردد عليها للاشراف والتنسيق بين  افراد المعارضة الليبية على الساحة اليونانية، والأستاذ محمد أحمد السكر كما عرفته فى اليونـان من المناضلين  الوطنيين الشرفـاء الذين  كانوا يعملون بصمت  بعيدا عن الأضواء، وكان له فضل كبير فى نشر وتوزيع  كتاب “نماذج من جرائم القذافى” الذى أستلمت مسودته من مؤلفه المرحوم عبد الناصر مسعود دريزة مباشرة فى الثمانينات وكان وقتها منتسبا  لحركة اللجان الثورية ببنغازى، وأشرفت شخصيا على تصحيح مسودة هذا الكتاب وحذف بعض من فقراتها  التى ربما كانت قد تكشف عن شخصية المؤلف الذى كان مكلفا بالتردد على ليبيا وتزويدنا بالمعلومات… وقد سبق وأن تحدثت عن قصتى مع هذا الكتاب والتى تجدونها على الروابط التالية

http://www.libyan-national-movement.org/article.php?rtid=10163
http://ashour.elemam.net/articles/?p=157
http://su-press.net/new1/modules/publisher/item.php?itemid=76

ثانيا : – محاولات الإغتيالات التى نجح النظام فى تحقيقها باليونان وضحاياها هـم 

ـ  عبدالرحمن ابوبكر من طرابلس

ـ  صالح ابوزيد الشطيطى من بنغازى
ـ  عبدالمنعم الزاوى من درنــه
ـ  عطية الفرطاس من درنــه
ـ  محمد سالم فحيمة من طرابلس

وسبق وان ذكرت قصة أحدهم وهو الشهيد عبد الرحمن أبوبكر الكومباس من مواطنى سوق الجمعه بطرابلس  وفيما يلى اورد قصص إغتيال بقية الشهداء الأربعـة الآخـرين تقبلهم الله بواسع رحمته

 الشهيد صالح ابوزيد الشطيطى

في 21 يونيو1984، اي بعد اسبوع واحد، من الجريمة الفاشلة التي تعرض لها السيد فريد القريتلى، اطلق اثنان من عملاء النظام الليبى، النار على السيد صالح الشطيطي، في احد شوارع اثينا، وبالتحديد امام مدخل مرآب فندق “ريفــا”، الذى كان يقيم به، فسقط  شهيـد  الغـدر مضرجا بدمائـه

وصالح ابوزيد الشطيطى من موليد مدينة بنغازى ومن الوجوه المعروفة فيها، جـاء الى اليونـان في أوآخر السبعينيات، ليعيش في عاصمتها “اثينــا” وكان رحمه الله  لا يخفى انتقـاده للأوضاع السائدة فى ليبيا، ويتعامل مع كل الليبيين الذين يترددون عليه  بمنتهى الكرم والثقـة ولا يبخـل على أى منهم بالمساعدة وخاصة الطلبه، وهو ايضا احد الرياضيين المميزين، فقد مارس لعبة كرة القدم، قبل انتقاله الى مجال الاعمال الحرة، ولم يكن يخطر ببال اسرته ولا ببال اى مواطن ليبى  أن تصل خساسة النظام إلى ملاحقته وإغتياله فى غربته،  لما يتميز به من دماثة وحسن خلق  وهو الذى ترك البلد مهاجرا ومبتعدا عن النظام.. رغبة فى الهدوء والراحة بعيدا عن عواء الذئاب ويقال أن المجرمان اللذان ينتميان بكل تأكيـد الى شياطين اللجان الثورية الارهابية،  قد أختفيا فى بيت أحـد موظفيى المكتب الشعبى  بعـد ارتكاب الجريمة وعادا الى ليبيا في اليوم التالي لتنفيذها، على ظهـر أحـد البواخــر الليبية

 الشهيد عبد المنعم الزاوي

في الرابع من يوليو عام 1984، اغتالت عناصر االلجان الثورية  الطالب الليبي الشاب عبد المنعم الزاوي (20 سنة)، وهو أحد أبناء مدينة درنه الذى وجد مقتولا، في شقته باثينا، وقد مُثل بالجثة بطريقة يأباها اعداء الملة والملحدون والكفار، فقد وضعت قطعة قماش في فم الشهيد، ثم تعرض الى التعذيب، والخنق، بسلك معدني، كما تدل الاثار التى وجدت واضحة من قبل الشرطة اليونانية على رقبة الشهيد اي بنفس الاسلوب الذي قُتل به الشهيد عبد الرحمن ابوبكر، مما يدل على انتماء القتلةالى اللجان الإجرمية القذافية . ولم يكتف القتلة، بالتكميم والخنق والتعذيب، بل اطلقوا الرصاص علي كتف الضحية، من الخلف وربما حتى على فم الشهيد، “كما هو واضح فى الصورة” او ربما قاموا بتعذيبه، في هذه المنطقة، بمقاريض او بالات حادة، وليس من المستبعد، ان التعذيب والخنق، قد حدثا قبل اطلاق الرصاص، اي قبل القضاء على الضحية

 الشهيد عطية صالح الفرطاس

على يد نفس الجناة، وبنفس الاسلوب، وفي نفس الشقة، ونفس اليوم، وربما في نفس اللحظات، وجد الطالب الليبي الشاب عطية صالح الفرطاس  ” 21 سنة ” وجد مقتولا في شقة صديقه المرحوم عبد المنعم الزاوي، وقد ظهرت آثار التعذيب البشع واضحة على جثتة

وتؤكـد جميع ملابسات الجريمتين، ان الجناة ينتمون الى ” اللجان الثورية “و تورط المكتب الشعبي باثينا فى هذه الجريمة حيث سبق وأن قام  باحتجاز جواز سفر الشهيد عبد المنعم الزاوي،عندما حاولوا تسفيره بالقوة الى ليبيا كما عثر رجال الأمن  اليوناني على صورة معمر القذافى، بجانب جثتى القتيلين في إشارة الى هوية الفاعل وشماتته

 الشهيد محمد سالم عاشور فحيمة

الشهيد محمد سالم عاشور افحيمة، أحد أبناء سوق الجمعة بطرابلس، لم يكن مقيما باليونان ولكنه قدم اليها فى في زيارة قصيرة من الولايات المتحدة الامريكية لزيارة صديقه الذى كان هو ايضا قادما لليونان من ليبيا… وأقام الشهيد أفحيمه  خلال زيارته هذه بفندق الإنتركونتنتال الذى لا يبعد كثيرا عن وسط العاصمة أثينا. وقد أغتيل مساء يوم الإربعاء، الثامن من يناير عام 1987، فى “مطعم  سلاسكا” وهو أحـد مطاعـم الشـواء المنتشرة فى منطقة “فــارى” السياحية  التى تبعد بحوالى 19 كم عن وسط العاصمة اليونانية وذلك عندما كان الشهيد  فى لقاء عشاء مع صديق طفولته “جمعة نجاح غومة” القادم من ليبيا، علما بان الشهيد محمد افحيمة  خرج من ليبيا عام 1982م، واعلن انضمامه الى صفوف المعارضة الوطنية

وحسب  ماورد فى نشرة النقيب الصادرة عن أنصار الحركة الوطنية الليبية فى بريطانيا ان  الشهيد محمد افحيمة  عندما كان جالسا مع صديق طفولته  جمعه غومه فى مطعم “سلاسكا” يتبادلان اطراف الحديث، دخل شخصان ليبيان، جلسا الى طاولة، مجاورة للطاولة التي كان يجلس اليها الشهيد مع صديقه غومة، ثم طلبا قائمة الطعام، واحضر”عامل المطعم” القائمة، وانصرف مفسحا بعض الوقت امامهما كي يختارا ما يريدان، إلا أنه وبعد دقيقة واحدة روع، عامل المطعم، حين شاهد احدالشخصين  يخرج مسدسا، ثم يقترب من الشهيد محمد افحيمة، ويفرغ في جسده ثماني رصاصات متوالية، ويركض القاتلان، بعدها الى خارج المطعم، ليستقلا سيارة بيجو 504 حمراء ابتعدت بهما فى لمح البصر. وحين وصل رجال الشرطة الى المطعـم، كان محمد افحيمة يلفظ انفاسه الأخيرة، ولم يستطع رجال الإسعاف انقـاذه ورحل عن الدنيا تاركا زوجة، وثلاثة اطفال

وأخيرا أورد فى ختـام ورقتى هـذه عـن ” إغتيالات بالجملة فى اليونـان ” التحليلات القيمة التى أوردها الأستاذ الدكتور فتحى الفاضلى فى سلسلة مقالاته عن ضحايا الإرهاب فى اليونـان تحـت عنوان  ” رُسُل الثورة ومذابح اليونان ” المتمثلـة فى الإستدلالات التالية

 تواطؤ السلطات اليونانية فى هذه المجازر، بشكل أو بآخر، مع النظام الليبي، تمثل فى التغاضى عن نشاطاته ، والتغطية على جرائمه، مما حـوّل اليونان الى ساحة يتحرك فيها الجبناء بحرّية تامّة

 بشاعة هذه المجازر، التى احتوى اغلبها على ما تيسر من خنق، وتشويه، وتسميم، وذبح، وتعذيب. يرجح ان هذه الجرائم، قد نفذت على ايدي نفس العقلية الارهابية المريضة، التى تذكرنا بالجريمة البشعة، التي تعرض لها الشيخ الشهيد المبروك غيث المدهون الذي تم تعذيبه وحرق وجهه، ثم قتله وتقطيعه

 ان اغلب ضحايا هذه الجرائم البشعه ينتمون الى مختلف طبقات الشعب من طلبة وعمال وتجار يتعاملون بقدر بسيط من راس المال، وليسوا من كبار الاغنياء، مما يدل على ان اغلب الضحايا قد تم اختيارهم بعناية، لإرهاب اغلب طبقات الشعبالليبى تحت باب ” قتـل الابريـاء.. لتخويـف غيرهـم”

 الغريب أن النظام  الليبى كان يقوم بمجازره، في اثينا، باستمرار منذ عام 1980  والى عام 1987 دون وجـل أو توقـف، أو حـذر، والاكثر استغرابا، هو تلك  الفترة القصيرة جدا، التي فصلت، بين تنفيذ الجرائم الاربعة، التي تعرض لها كل من “الفرطاس، الزاوي، الشطيطي والقريتلي”  فالزاوي والفرطاس قتلوا في نفس اليوم، أعقـب ذلك، وبعد عشرة ايام فقط، جرت محاولة اغتيال القريتلي، اعقبها اغتيال الشطيطي، بعد اسبوع واحد من محاولة اغتيال فريد القريتلي. اي ان النظام الليبي

  ( 7 )

أوآخـرعـام 1982حدثت معي حادثـة طريفـة أثنـاء عملي بالسفارة الليبية باليونـان وذلـك عندما وردت لنـا تعليمات عجيبـة تطلـب منا عاجـلا القيـام بزيـارة إلي وزيـرالإعـلام اليونـانى ، وإحاطته علما بأنـه توجـد مطبوعـة مضادة للحكـم فى ليبيـا باسم ” مجلـة صـوت الطليعـة ” تبـاع وتـوزع عن طريق بعص الأكشاك باليونان فى مدينتي أثينـا وسالونيـك ، وهـذه المطبوعة تشـن حملات تشويـه ضـد الدولـة الليبيـة وقائـدها ، وأن نطلب مـن وزيـرالإعلام – إن أمكن – التدخـل لمنع دخـول وتـوزيـع هـذه المطبوعـة داخـل اليـونان

هـذه التعليمات وردت لنـا خـلال فتـرة سلطـة أو حكـم حـزب الحركـة الإجتماعيـة الإشتراكيـة أو المسمى بحـزب ( الباسـوك ) الـذي كـان قـد وصـل إلـى سـدة الحكـم عـام 1981 بقيادة زعيمه السيـد أندرياس باباندريـو الـذي تربطـه علاقـة صداقـة وتعاون مع نظـام الحكـم فى ليبيـا  ولا أدرى مـا إذا كانـت تلـك التعليمات التى كانـت قـد وردت لسفارتنا حينها كانت قـد عممت علـى كـل سفاراتنا فى الخارج ، أم أنهـا كانت مقصـورة فقـط علـى سفارتنـا فى ” أثينا ” بسبب نشـاط توزيـع المجلـة المذكـورة فى اليونان .؟؟

وبنـاء على تلـك التعليمات الـواردة الينـا من ديـوان وزارة الخارجية بطرابلس ، قـام السيـد أميـن اللجنـة الشعبية للسفارة بالتهميش عليها بالإحالـة إلـى شخصي للتنفيـذ الفـورى بصفتى المكلـف بالشـؤون الإعـلامية…. ولـم يكـن أمامى حينها إلا الإلتـزام بالتنفيـذ رغـما عن إقتناعي بتفاهـة وسذاجـة هـذه التعليمات الغريبـة ، حتى لا يفسر أي تقاعـس أو تباطـوء فـى التنفيـذ مـن جانبى تفسيرات سيئة ضـدى تسهـم أكثـر فى زيـادة حـدة التوتـر الـذي كان قائما بينى وبيـن أمين وأعضـاء اللجنـة الشعبية ، وكلـف أمين اللجنة الشعبية الزميل ” فـرج شنبـور” المتمكن مـن معرفة اللغـة اليونانية ليكون بمرافقتى فى تنفيـذ هـذه المهمة ، كما كلف السيـدة ” مارينا ” سكرتيرة السفارة بالإتصـال بـوزارة الخارجيـة اليونانية لتحـديـد موعـد لـى وللزميـل ” فـرج شنبـور لزيارة السيـد وزيـر الإعـلام

طلبت وزارة الخارجية اليونانية تزويـدهـم ” مسبقـا ” بأسماء من يـودون اللقـاء بالسيد وزيـرالإعـلام اليوناني وصفاتهـم الرسمية بالسفارة وأسبـاب طلـب هـذا اللقــاء ، وتـم فعـلا تـزويدهـم بالمعلومات المطلوبـة ، واستلمنا رد وزارة الخارجية اليونانية بالموافقـة فى صباح اليوم التـالي ، ولكـن بتحـديـد الموعـد مع السيد ” مديـر مكتـب وزيـرالإعلام ” وليس مع وزيـر الإعـلام وذلـك – كما قيـل لنـا – بسبب انشغال وزيـر الإعـلام

وفهمنا من خـلال ذلك الـرد أن الوزيـر قـد لا يكـون مشغـول فعـلا ولكـن مقتضيات ” البرتوكـول ” فى احتـرام التسلسل الوظيفى فى الإتصال والمخاطبة كانت تقتضي مثـل هـذا الـرد الدبلوماسى وكان هـذا الـرد هـو…” الدرس الاول ” الـذي يتلقيناه من وزارة الإعـلام اليونانية بخصوص موعـد هـذا اللقـاء ؛ولكنه على أى حال لـم يثنينا هذا الـرد عـن الإستمرار فى تنفيـذ التعلمات الواردة الينا بتنفيذ اللقـاء حتى ولو كان علي مستوي أقـل من مستوى وزيـر الإعـلام

والحقيقة أن الرجـل ” مديـر مكتـب وزيـرالإعـلام ” كـان خـلال لقائنـا بـه فى مكتبـه كيسـا مجامـلا معنـا إلى درجـة كبيـرة ، سألنـا أثنـاء ذلك اللقـاء عـن أسـم وزيـر الإعـلام الليبى وعـن أنـواع وأعـدأد القنـوات التلفزيونية العاملة فى بلادنا ، وعـن الصحف والدوريات الليبية ، مشيـدا بتطـور العلاقـات الطيبة بيـن ليبيـا واليونـان فـى كافـة المجالات

أنتهزنـا فرصة هـذا الإطـراء من قبـل السيد مديـر مكتب الوزيـر، للعلاقـات الطيبـة بيـن ليبيـا واليونـان والحـرص من جانبهم على تطويـرها لـلأفضـل ، وطرحنا عليه ، وكلنـا خجـل شكوانـا ضـد المجلـة اللعينـة المسماة ” مجلـة صـوت الطليعـة ” التى اقلقـت راحـة وزارة الإعـلام الليبية ، طالبين تدخـلهم لوقـف دخولها وتوزيعها باليونـان ، وقدمنا لـه للتأكيـد علي صفاقـة وقلـة أدب هـذه المجلـة بعـض الأعـداد منها وما حـوته من كاريكاتيرات ومقالات مزعجة ومسيئة … ” وفقـا لثقافتنـا العرجـاء ”

وبعـد أن أفـرغنا ما في جعبتنا من معلومات مبهمة وغامضة عـن تلـك المجلـة اللعينة ، كـان رده علينا وهـو يقلب في صفحاتها مبتسما لما حوتـه من كاريكاتيرات مضحكـة قائـلا….. ” ألهـذه الدرجـة تزعجكـم هـذه المجلـة ….؟؟؟….أنا لا أعـرف محتـوي صفحاتها سوي حدسي البسيط لبعض ما حوته من صور وكريكاتيرات “ثـم واصـل حديثه قائـلا ” أليس فى إمكان السفارة مثـلا أن تصدرصحيفة اومجلـة مضادة لهـذه المجلة ….؟؟ خاصة وأن بلادنا تحترم حرية الإعلام ومفتوحة لأى نشاط إعلامى…ثـم أمتـدت يـده إلى درج جانبى لمكتبه وأخـرج منه مجلـة يونانية يظهـرعلى صفحـة غلافهـا الخـارجى صـورعاريـة للسيـدة ” ديمترا اليانى ” خطيبة رئيس الحكومة اليونانية اندرياس باباندريو ورمى بهـا فـى نـوع مـن الخبث أمامنا قائـلا…. ” أيها السادة ….هـذه أمامكـم الآن عينة من المجـلات والصحـف اليونانية تتصدرها صورعارية للسيدة خطيبة رئيس حكومتنا مع تعليقات مهينة ومسيئة لزعيمنا

ثـم واصل حديثه محدقـا من وراء نظارته الطبيـة فى وجوهنا ، وكأنه يريـد أن يستشف من وراء نظرتـه مـدى تأثيـر وقـع حديثه فى نفوسنا ، وقـال بعـد أن سحب المجلـة من أمامنا ليعيـدها إلى الـدرج الـذي كـان قـد سحبهـا منه ” نحـن أيهـا السـادة لا نستطع إيقـاف هـذه المطبوعـات حتى وإن أسـآءت لزعيمنا لأنـه تحكمنا أعـراف وتقاليـد وقـوانين تدعـم حريـة الإعـلام وحريـة النشـر وحـرية التعبيـرعـن الرأى الآخـر، وفى حالة الخـلاف فيما بيننا نترك معالجة مثل هـذا الخلاف للقضـاء وللتشريعـات السارية ” ….وكـان هـذا هـو ” الدرس الثانى ” الذي تلقيناه من وزارة الإعـلام فيما يتعلـق بتحديـد هذا اللقـاء معهـم

وودعنا السيد مديـر مكتب الوزيـر الـذي صحبنـا وحتى مدخـل الوزارة حيث كـان ينتطرنا سائـق السفارة وهو يحملنا شكره وأطيب تحايـاه للسيد السفير الليبى وللسادة مسؤولى الإعـلام فى ليبيـا ، ورجعنا نحـن إلى سفارتنا بخفى حنيـن نجـرجـر أذيـال الخيبـة مـن مهمة فاشلـة

والأغـرب من كـل هـذا أننـا بعـد أن ” وصمنا ” أنـا والزميـل فـرج شنبور بالفشـل فى مهمتنـا فى إقنـاع وزارة الإعـلام اليونانية بالتعـاون معنا في وقـف تـوزيع تلك المجلة المارقـة ، تفتـق ذهـن أحـد العباقـرة من أعضاء اللجنة الشعبية فى السفارة عـن فكـرة فى منتهى التخلـف والعباطـة تتمثـل فى تشكيـل فرقـة مكونة مـن بعـض الطلبة الليبيين الدارسين فى اليونان أسندت إليهـم مهمة المرورعلى الأكشاك التى تبيع ” مجلـة صوت الطليعـة ” وشراء كـل الكميات المعروضة منها للبيع فى تلك الاكشاك ، وتـم تجميعها وتخزينها فى قبـو تحت مبني السفارة استعـدادا لإعـدامها حرقـا تحـت إشراف أحـد أعضاء اللجنة الشعبية للسفارة

أما أصحـاب الأكشاك الذين فوجيئوا بهـذا الإقبـال الكبيرعلى شـراء هـذه المجلة ونفـاذ الكميات المعروضة منها ، تصـوروا أنـه أصبح للمجلـة سـوق رائجـة فطلبـوا الإستـزادة من كمياتها ………… و” شـر البليـة ما يضحـك