القائـم بالأعمال الأصيل… والقنصل العـام

أقــرالمؤتمر الوطنى العـام قانـون العـزل السياسى المثيـر للجـدل بتاريـخ 05 / 05 / 2013… وأكـدت الفقـرة السادسـة مـن المادة (1) من هــذا القانون على حرمـان كـل مـن تولـى وظيفـة في النظـام السابـق تتمثل فى وظيفـة “سفيـر أو أميـن مكتب شعبي أو منـدوب دائـم لليبيـا لـدى الهيئات الدولية أو الإقليمية أو قائـم بالأعمال أصيـل أو قنصـل عــام” وذلك منـذ تاريـخ 01 / 09 / 1969 وحتى تاريـخ 23 / 10 / 2011 من تقلـد المناصـب والوظائـف العامة فى ادارة دولـة ليبيـا الجديـدة.
كمـا أكـدت المادة (2) على الوظائف التى لايحـق للمشمولين بالعـزل السياسى وفقـا للمـادة (1) المذكوره أعـلاه توليها وهى وظائـف السفـراء والمندوبيـن لـدى المنظمات الدولية والإقليمية والوظائـف الدبلوماسية الأخــرى وبما فيها وظائـف الملحقيـن الفنييـن.
وقــد أثيـر جــدل كثيـر بين عـدد من اعضاء المؤتمر الوطنى العـام وبيـن بعض مـن مسؤولى وزارة الخارجية فيما يتعلـق بالتعريـف الفضفـاض لوظيفتى ” القائـم بالأعمال والقنصـل” وأخــذ هـذا الجـدل الكثير من الوقـت للوصول الى تعريـف شامـل مانـع لماهيـة هاتيـن الوظيفتيـن لتحصينهما ضمن اطـار قانون العزل السياسى ووفقا لما تقضى به الاعراف الدبلوماسية، وبما يتفق أيضا مع التطبيق العادل نوعا ما للقانون وان تعبيرى “القائم بالاعمال أو القنصل” اذا ما أقرا فى قانون العزل السياسى وفقا لمفهومهما الواسع الفضفاض سوف يتضرر من تطبيقه عدد كبير جدا من موظفى وزارة الخارجية الذين كلفوا بهذه الوظائف بصورة تلقائية إما بحكـم درجاتهـم الوظيفية أو بحكـم تواجدهـم فى عملهـم وممارسة اختصاصاتهم الروتينية.
ولهـذا تـم التوصل من خـلال هذا الجـدل او الحوار الى صيغـة توافيقية اقتضـت إضافة كلمة “أصيل” لمنصب القائـم بالأعمال وكلمة “العــام” لمنصب القنصل… وذلك إنقــاذا لهـذا الكـم الهائـل مـن موظفى وزارة الخارجية الليبية من مقصلة العـزل السياسى، وبالتأكيد لا اعتقـد انه بعـد هذه الاضافة سيكون من الصعوبـة بمكان حصـر هـذه الفئـة القليلـة مـن موظفـى وزارة الخارجية التى مارست او كلفـت بمستنـدات رسميـة بهــذه المناصـب خــلال الفتـرة مـن عـام 1969 وحتـى عـام 2011.
ونظـرا لقـرب الشـروع “ربمـا” فى تطبيـق قانـون العـزل السياسى المرغـوب والمكـروه فى نفـس الوقت على هاتيـن الفئتـين “القائمون بالأعمال والقناصل” فقــد رأيت ان للسـادة قــراء ومتتبعى هــذه الصحيفـة الموقـرة بعـض التفسيـرات او التعريفـات الدبلوماسية لمفهومى القائــم بالأعمـال الأصيـل والقنصـل العــام المشمولان بقانـون العــزل السياسى وفقـا لمـا هـو مطبـق وسائـد ومتعــارف عليه وكمـا نصـت عليه الإتفاقيـات الدوليــة.
أولا: القائـم بالأعمال الأصيـل
وفقـا لمـا نصـت عليـه “اتفاقيـة فيينــا” للعلاقـات الدبلوماسية لا تستطيع الدولـة تعييـن رئيس البعثـة الدبلوماسية سـواء كان ، سفيـرا او قائمـا بالأعمال أصيلا، إلا بشرط الحصول مسبقـا على موافقة الدولة المضيفة على قبولـه.
وبعــد الحصول على هـذه الموافقـة من الدولـة المضيفـة تأمـرالدولـة الموفـدة بتعيينـه بصفـة رسمية لـدى الدولـة المضيفـة، وذلك عـن طريـق إخطـار رسمي يتمثـل فيما يسمى “أوراق الإعتماد” والتي هي عبـارة عـن وثيقـة موقعـه مـن قبـل رئـيس الدولـة االموفـدة، موجهـة إلى رئـيس الدولـة المضيفـة تتضمن إسـم المبعـوث وصفتـه ومرتبتـه والغـرض العـام من إيفــاده، ويقـوم السفيـر المعيـن بتقديمها مباشـرة إلى رئـيس الدولـة االمضيفـة عنـد مقابلتـه لـه عـن طريـق مراسم وزارة خارجية الدولـة المضيفة “ولا يستطيع رئيس البعثة الدبلوماسية للدولـة الموفـدة ممارسة نشاطه الدبلوماسى فى الدولة المضيفة إلا بعـد تقديمه لأوراق اعتماده الى رئـيس الدولـة المضيفة أو إلى أي جهة أخـرى رسمية قـد يتفـق عليها بين الدولتين” وقـد يستغرق تحـديـد موعـد اللقـاء برئـيس الدولـة المضيفـة فتـرة مـن الزمـن قـد تصل فـى بعـض الأحيـان الى أكثـر من شهـر، ولذلك يعتبـر رئيس البعثة الدبلوماسية بالنسبة لدولتـه مكلفـا بمهـام إدارة البعثـة الدبلوماسية منـذ اليوم الأول لوصولـه لعاصمة الدولـة المضيفـة، ولا علاقـة لهــذه الممارسـة بتأخـر إجـراءات تقديـم اوراق إعتمادة لرئيس الدولـة المضيفـة، إلا فيما يتعلـق ببعض الأمورالبروتوكولية التى تخـص نشـاط الدولـة المضيفـة، وفى هذه الحالة يتولـى القائـم بالأعمال بالإنابـة تصريـف هـذه الأمـور ســواء كانـت سياسية أوفنيـة مع الدولـه المضيفـة وإلـى حين إعتمـاد رئـيس البعثـة الأصيــل.
ولا تختلف إجراءات إعتماد القائـم بالأعمال الأصيل لـدى الدولـة المضيفة من حيث القبـول وتقديم أوراق الإعتماد عـن تلك المتبعـة مع إعتماد السفـير ، فيما عـدا أن القائـم بالأعمـال الأصيل يعتبر مبعوثـا من قبل وزيـر خارجية الدولة الموفـدة ، ويقـدم مذكـرة إعتماده مباشرة الى وزيـر خارجية الدولة المضيفة أو من ينوب عنه ، ولا يسرى بشـأن إعتماد القائـم بالاعمال الأصيل فى الدولة المضيفة تلك الإجراءات البروتوكلية المتبعـه فى إعتماد السفير الذى يعتبر ممثلا لرئيس دولتـه لـدى رئيس الدولة المضيفة.
وتلجأ الدولة الى تعيين القائـم بالاعمال الاصيل لهـا فى الدولة المضيفة عنـد عـدم توفـر القناعة لديها بضرورة الرفـع من مستوى تمثيلها الدبلوماسى مع الدولة المضيفة… ولهـذا تعتبر البعثة الدبلوماسية التى يرأسها قائـم بالأعمال أصيل “دبلوماسيا” فى مستوى أدنـى وأقــل درجـة مـن تلك التى يرأسها سفيـر أو “مفوض” وتعامـل من قبـل كـلا الدولتيـن “الموفـدة والمضيفـة” على هذا المستوى….. والأسباب الداعيـة الى إعتماد هـذا النـوع من التمثيل الدبلوماسى على مستوى القائـم بالأعمـال الأصيـل كثيرة ومتشابكـة ولا يتسـع المجـال هنـا للخـوض فيهـا.

ثانيا: القائـم بالأعمال بالإنابـة
القائـم بالأعمال بالإنابـة لا يعتبر رئيس بعثة أصيل وهـو فقـط ينوب عـن رئيس البعثـة الدبلوماسية الأصيل سـواء كـان “سفيـرا أو قائما بالاعمال أصيل” لفتـرة قصيرة وذلك فى حالة تغيبـه عن ادارة شـؤون البعثـة الدبلوماسية تحـت اى ظـرف من الظـروف التى تقتضى مغادرته للدولة المضيفة، أو ربما حتى فى حالة عــدم تعيينه أصلا… والقائـم بالأعمال بالإنابـة منصب تلقائى يختلف عـن منصب القائـم بالأعمال الأصيل ولا يحتـاج الى تقديم أوراق إعتماد، وقد يكلف به أى موظـف دبلوماسى أو إدارى من موظفى البعثة الدبلوماسية المعتمدة لدى الدولة المضيفة، سـواء كـان هذا التكليف من قبل رئيس البعثة الدبلوماسية الأصيل أومن قبل وزارة خارجية الدولـة الموفـدة… ويتولى القائـم بالأعمال بالإنابـة فى هـذه الحالة الإشراف على ادارة أمـور البعثـة الدبلوماسية وعلى علاقتها بوزارة خارجية الدولة المضيفة والى حين عـودة رئيس البعثة الأصيل لاستلام مهامـه أو تعييـن من يحــل محله فى حالة نقلـه او إنهــاء مهمته تحــت اى ظــرف من الظــروف.
وفـى كـلا الحالتـين فـإن منصـب القائــم بالأعمال سـواء كـان أصيـلا أو بالإنابـة يعتبـر “صفـة عمـل” ولا يمثـل أى درجـة مـن درجـات السلك الدبلوماسى أو القنصلى.
ثالثا: القنصـل العـام
النظام القنصلي هو نظـام من نظـم القانون الدولي العـام غايته الأساسية وفقا لما نصت عليه إتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية رعاية المصالح الاقتصادية والتجارية للدولة الموفدة داخل حدود الدولة المضيفة وكذلك رعاية رعايـا الدولـة الموفـدة المقيمين فى الدولـة المضيفـة او المتنقليـن عبـر حـدودها، وحــل مشاكلهـم وتسهيـل أمــور اقامتهــم أو اتصالاتهـم بالدولـة الام، ويمكـن القــول بــأن القنصـل العــام يختـص أساسا بتمثيـل دولتـه في مواجهـة رعايـاهـا المقيمين في مـكان معيـن داخــل دولـة أو دول بعينهـا ولكنـه لا يختـص كقنصـل عــام بتمثيـل دولتـه دبلوماسيا فـي الدولـة المضيفـة.
والواقع أن التميـز والفصل مـا بيـن الدبلوماسيين والقناصـل ومـا بيـن المهـام التي يمارسها المنتمون إلى كـل مـن هاتيـن الطائفتين أمـر واضـح ومسلـم بـه مـن الناحيـة العمليـة، والمشاهـد في العمل على أيـة حـال أن التداخـل مـا بيـن المجاليـن “الدبلوماسي والقنصلي” أمـرواقـع لا مفـر مـن التسليـم بـه وإدخالـه في الحسبـان وقــد كرست هـذا التداخـل نصـوص صريحـه فـي التشريعـات الداخليـة للعـديــد مـن الـدول.
ولا يخفـى أن مهنـة الدبلوماسي والقنصـل من وجهـة نظـر القانـون الداخلـي للعـديد من الـدول مهنـة واحـدة، بمعنى أن الدبلوماسي المحترف الناشـئ يعيـن في بــدء حياتـه الوظيفية فـي أدنـى درجـات الكـادر الوظيفي للسلك الدبلوماسي والقنصلي، ويرتقـي في سلـم درجــات السلك الدبلوماسى داخـل إطـار وزارة خارجية دولتـه، وليس من النـادر أيضـا أن يمارس نفـس الإنسـان وفي ذات الوقـت بعـض المهـام القنصلية وبعض المهـام الدبلوماسية في ذات الدولة المضيفة، كمـا وأنــه ليس من النـادر تواجـد السفـارة والقنصلية معــا في ذات المبنـى.
ويتـولى تشريع كـل دولـة تحديـد الشـروط والإجـراءات الخاصـة بالتعييـن في الوظائـف القنصلية وهـي تماثـل الشـروط اللازمة للتعيـين فـي الوظائـف الدبلوماسية، مـن حيـث أنـه ينبغـي أن تكـون جنسيـة المترشح مـن جنسيـة الدولـة الموفــدة لـه، وان كـان لا يمنـع ذلك مـن تعيـين شخـص يحمـل جنسيـة الدولـة المضيفـة أو جنسيـة دولـة ثالثـة، ولكـن بشـرط موافقـة الدولـة المضيفـة…. وفـي جميع الأحـوال بالنسبة لإجـراءات التعييـن فقـد تكـون الجهـة المختصـة بذلـك هـي رئـيس الدولـة أو وزيـر الخارجيـة أو الإثنيــن معـا.
وعلى خـلاف تعييـن رؤسـاء البعثات الدبلوماسية لا يلـزم هنـا عنـد تعييـن القنصـل العــام الحصول على موافقـة مسبقـة فيمـا يتعلـق بشخصـه من الدولـة المضيفة ولكـن المتبـع هـو أن يـزود بوثيقـة على شكـل بـراءة يطلـق عليها خطـاب التعييـن أو “البـراءة القنصلية” وتتضمن هـذه البـراءة البيانـات الوظيفية وترسل عــادة عـن طريـق البعثة الدبلوماسية المعتمـدة فى الدولة المضيفـة، أو أن يقــوم المبعوث القنصلي ذاتــه بتقديمها بنفسـه الى الجهـة المختصة في الدولـة المضيفة بإثبـات موافقتهـا إمـا عـن طريـق صيغـة خاصـة توضع على خطـاب التعييـن، أو فـي شكـل وثيقـة مستقلـة يطلـق عليهـا “إجـازة ممارسـة”.
ويمارس القنصـل العــام عملـه بصفـة مستقلـة عـن البعثـة الدبلوماسية لدولتـه وفى مبنى مستقل للقنصلية العامـة فـى أى مدينـة مـن مـدن الدولـة المضيفـة التى يتواجـد بها مجـال نشاطـه “ليـس شرطـا أن يكون مقـر القنصلية العامـة فى عاصمـة الدولـة المضيفـة”.
وقــد تلحــق بالقنصلية العامـة التى يشـرف عليهـا القنصل العــام عــدة مكاتـب قنصلية فى عــدة مــدن أخــرى داخـل نطـاق الدولـة المضيفـة، بينمـا لا يجـوز للبعثـة الدبلوماسية برئاسة السفـير أو القائــم بالأعمال أن تكـون لها مكاتـب منتشـرة فى عـدة مـدن اخـرى داخــل حـدود الدولـة المضيفـة غيـر العاصمة التى يجـب أن تكـون المقــر الرسمـى لهــا.
رابعـا: قناصل السفارات
أمـا القناصل العـاديين الذيـن غالبــا مـا توكــل إليهـم رئاسـة الأقسـام القنصليـة بالسفـارات المعتمدة بالخـارج، فهـؤلاء عبـارة عـن دبلوماسييـن أو إدارييـن عاديـين يتـم إرسالهـم أو تكليفهـم، إمـا مباشرة من قبل وزارة خارجية الدولـة الموفــدة لهــم، أو يكلفـون بهـذه المهـام مـن قبـل رئـيس البعثـة الدبلوماسية المعتمـدة بالدولـة المضيفـة، وهــم لا يحتاجـون فـى ممارسـة مهامهـم القنصليـة إلـى الحصـول علـى “براءات قنصليـة” تعتـمـد من قبـل الدولــة المضيفـة، كمـا هـو الحـال فى القنصليـات العامــة، وهــم يــؤدون أعمالهـم ضمـن النشـاط الدبلوماسى للسفـارة وفى حــدود صلاحياتهـا وتحــت مسؤليتهـا ويخضعـون فى ممارسة اعمالهم القنصلية لتعليمـات وتوجيهـات رئيـس البعثـة الدبلوماسية، غيـر أنـه يشتـرط فيمـن يكلفـون بالأعمـال القنصليـة داخـل مبنى السفـارة أن تعلـم وزارة خارجيـة الدولـة المضيفـة باسمائهـم، كمـا يشتـرط إرسـال نماـذج مـن توقيعاتهـم المعتمـدة على المستنـدات الرسميـة أو التأشيـرات إلـى السلطـات المعنيـة فـى كـلا الدولتيـن الموفـدة والمضيفـة.